
الرباط. الأسبوع
بكل إمكانياتها المادية والبشرية الموضوعة رهن إشارتها من ساكنة العاصمة، لم تتمكن بعد مجالسها المنتخبة “يا حسرة” من سد الفراغ الملفت لجمود الأنشطة الموازية التي عادة ما تبتكرها لجان الجماعة والمقاطعات ومجلس العمالة بتنسيق وتعاون مع زميلاتها في مختلف الغرف المهنية أو بمشاركة الجمعيات التي تغدق عليها بكرم المنح السخية، وها هي مدينة الأنوار والأفكار المتزعمة للثقافة الإفريقية والإسلامية لسنتين متتاليتين ومؤطرة من إدارات 8 مجالس مجهزة بكل عتاد أكبر المؤسسات وفي خدماتها آلاف المستخدمين تحركهم توجيهات رؤساء ونوابهم وتوجههم للأهداف لجان، وتراقبهم مجالس قررت خطط عملهم، ها هي أمامكم وصمت القبور يغمرها وكأنها مسيرة من أحزاب توزع مناصب على منخرطيها لتطبيق برامجها الانتخابية التي – مع الأسف – لها مفعول “طعم” اصطياد الأسماك التي يكون مصيرها وجبات شهية لصياديها.
فهل يعقل في زمن الذكاء الاصطناعي الخارق، أن يبقى صانعه الإنسان عقيما من المبادرات الجادة لتأطير مجتمعه؟ خصوصا إذا أنيط بهذا الإنسان وبطلب منه وإلحاح من حزبه هذا التأطير، الذي يتبارى من أجله في عملية معركة الانتخابات، وأين هي اليوم ثمار ما زرعه المنتخبون منذ حوالي 20 شهرا من قيادة شؤون الرباطيين؟
فالرباط كما يعلم الجميع تعتبر “مشتلا خصبا” من كل أنواع الحضارات ومنارة قارية للعلوم، ومحافظة وفية للتراث الإنساني منجدة لأصول الثقافة، ومنبتا لعمداء الأدب ونقباء التأطير الثقافي وشيوخ للعلوم السياسية، وهم كما يشهد لهم الرباطيون، ندروا حياتهم ووهبوا خدماتهم في مجالاتهم دون قيد اكتساب السلطة أو شرط امتياز مادي أو معنوي، فأغنوا مدينتهم بالألقاب المشرفة، التي توجها المشروع الملكي بأوراش القرن ونفذه والي صاحب الجلالة.
فأين هي بصمات منتخبينا الذين يتصرفون في أموالنا وممتلكاتنا وسلطاتنا؟ وكان عليهم مواكبة هذه الأوراش بلمساتهم المحلية لمدينة التراث الإنساني، التي أقبرت في عهدهم التقاليد التليدة لأهاليها والفن الرفيع لأسرها والأزياء التاريخية لأناسها، والطبخ الأصيل والعادات في مناسبات أفراحها وأعراسها… إلخ، فعاصمة الأندلس إشبيلية مثلا، تحتفي كل شهر بآثارها في تظاهرات عبر الشوارع من تنظيم بلديتها، أما عندنا، فهناك الفراغ التام الذي نتج عنه تكوين هوة تفصل الجماعة ووصيفاتها المقاطعات عن الساكنة.. فراغ عزل كل المجالس عن الرباطيين، ولم يعد متاحا أي اتصال وتواصل إلا في الأمور الإدارية، وهي مسؤولة عن هذا الفراغ الذي تولد من “أخطائها” وعمقته “تصرفاتها”، وجعلته خندقا بينها وبين من منحوها سلطاتهم ليطفو الإحباط والتذمر والندم على تسليم ثقتهم ربما لغير مستحقيها.
فما هو السبيل للخروج من هذا المأزق، إن لم تكن ورطة لم نحسب لها حسابا ولا رتبنا لها مخرجا، ولكن يمكن المطالبة بحل لجان المجلس وإعفائها من الاستفادة في المنح والامتيازات وإضافة التنشيط الثقافي والفني والاجتماعي إلى المادة 111 من القانون الجماعي، التي أسندت لعامل الرباط مجالات معينة نتمنى أن ترقى إلى قانون خاص للعاصمة إسوة بعواصم العالم المتحضر ؟