جهات

حديث العاصمة | ما بين الرباط ودمشق أكثر من علاقات دبلوماسية

بقلم: بوشعيب الإدريسي

    كانت العلاقات الدبلوماسية – كما هي اليوم – معلقة بين المملكة المغربية ودولة سوريا، فاغتنمها فرصة “الوكلاء” المفوض لهم مهمة التقسيم، لتقزيم الأمة العربية، بطلب وبإلحاح عقد اجتماع عادي للمكتب الدائم لمنظمة إقليمية عربية وفي جدول الأعمال: مذكرتهم لإلغاء عضوية المدن المغربية الجنوبية من تلك المنظمة، التي ستجتمع في دمشق على أساس توقع غياب الرباط عن اللقاء الإقليمي للأسباب المشار إليها، إلا أنها لبت دعوة المنظمة للمشاركة ما دامت هي الداعية إليها.

وحل الوفد الرباطي بمطار دمشق عبر الخطوط الجوية الألمانية وكله عزم لحضور لقاء سيناقش وحدته الترابية، وكان الاستقبال على أعلى مستوى وبحفاوة فاجأت الضيوف، إنما كانت في انتظارهم مفاجأة عند وصولهم لفندق الإقامة، حيث تجمهرت في بهوه جوقة من القائمين بأدوار الانفصاليين، ومنهم من يوزع مطبوعات وآخرون يجاهدون بتقليد اللهجة الحسانية ويلوحون في وجوه الرباطيين بأثواب ملطخة بالسواد في مسرحية أعدها وأخرجها ونفذها من سينفضحون أمام الإخوة السوريين أثناء إدراج مذكرتهم للمناقشة في الجلسة الختامية لذلك اللقاء.

وكان الترافع صاخبا من المدافعين عن وحدة مملكتهم وكل الدول العربية، واستدلوا على ذلك باستشهاد الكولونيل المغربي المرحوم العلام وبعض الضباط والجنود في معركة ضد العدو المتآمر على احتلال أراضي عربية من الشام، فاستشهدوا من أجل وحدة سوريا، وبما أنهم وهبوا حياتهم للشعب السوري، فقد دفنوا في مقبرة الشهداء وسط العاصمة دمشق حتى تبقى أرواحهم في الأرض التي روتها دمائهم، ثم فجر الوفد فضيحة مدوية اهتز لها الحاضرون ونقلها الإعلام العربي، وكانت بمثابة الضربة القاضية لأبواق الانفصاليين، عندما تم فضح صفة رئيس الوفد، صاحب سيناريو إلغاء انخراط حواضر حسانية في المنظمة العربية، بكشف صفته الرسمية في بلاده كرئيس جهاز مخابراتي لا علاقة له بمنتخبي المدن والعواصم العربية، وكان وقع ذلك جد مؤثر على المشاركين والحاضرين مما تفاعل معه رئيس الجلسة وطالب بما يلزمه القانون واللوائح المنظمة لاجتماعات ممثلي سكان العالم العربي، برفض وثيقة “الوكلاء” جملة وتفصيلا، وتأكيد شرعية انضمام كل المدن المغربية في منظمة الدول العربية، وهذه الواقعة التاريخية هي التي شفعت لتسمية شارع في الرباط بـاسم دمشق، ويمتد من شارع الأمير مولاي عبد الله إلى شارع القاهرة بمقاطعة حسان التاريخية.

فإذا كان الدمشقيون قد أحسنوا وفادة الوفد الرباطي في ذلك الوقت ووقفوا على حقيقة ادعاءات من ينوب عن المرتزقة لتشتيت جسد الأمة العربية وشغلها بالمؤامرات، وقد عانوا من هذه المؤامرات وواجهوها بأرواح أبنائهم، فإن العاصمة الرباط ظلت وفية في استضافة دمشق عاصمة سوريا بين أحضان شوارعها وعلى لسان سكانها وقلوبهم ابتهال ليحفظ الله الشعب السوري ليبقى موحدا في أرضه.

ونتطلع إلى قمة الدول العربية لتكون سوريا، بعدما تجرعت مرارة المؤامرة على وحدتها الترابية، أول من يطالب ويؤيد ويدافع عن شرعية حدودنا وتخليصها من الاستعمار منذ نصف قرن وعلى تعزيزها للأمة العربية، ويبقى شارع دمشق هنا في انتظار موقف الدولة التي يحمل اسمها وقد أقسم المغاربة بألا يفرطوا في شبر من أراضيهم ولن يتعاملوا مع أي كان، إلا بناء على إيمانهم بوجودنا بكامل أقاليمنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى