تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | خبراء يكشفون ثغرات عمرها 60 سنة في القانون الجنائي

يتواصل النقاش بين الفاعلين الحقوقيين وخبراء القوانين حول مشروع القانون الجنائي، الذي لازال في حوزة وزارة العدل وتحيط تعديلاته الكثير من السرية والغموض في ظل مطالب حقوقية ومدنية بإشراك جميع الفاعلين القانونيين والمدنيين والحقوقيين والمحافظين، في مناقشة مقتضياته قصد الخروج بإجماع وطني حوله.

الرباط. الأسبوع

    يؤكد العديد من الخبراء والمحللين القانونيين، وجود إشكالات متعددة في القانون الجنائي، والمسطرة الجنائية، تتطلب الوقوف عندها ومراجعتها، من ضمنها مسألة حرية التعبير وتطور مواقع التواصل الاجتماعي، وعلاقة القانون بمدونة الصحافة والنشر، والحق في الإضراب، والتجمعات العمومية، ومسألة محاربة الفساد وعلاقتها بالإثراء غير المشروع، ومراقبة الحراسة النظرية، وقضاء التحقيق، معتبرين أن القانون الجنائي يعود إلى بداية ستينات القرن الماضي، مما يستوجب مراجعة شاملة له عوض سن قوانين تعالج بعض الظواهر التي يعرفها المجتمع.

في هذا الإطار، يقول المحلل السياسي يونس وحالو، عضو جمعية “عدالة”: “لا يمكن النظر إلى القانون الجنائي بمنطق ضيق، أو بمنطق قضية أو أخرى، بل في السياقات العامة التي تحكمه، فعندما نتحدث عن مراجعة القانون الجنائي، وعندما يكون النقاش حادا وخلافيا في بعض المواضيع، من الضروري إرجاع الأمور إلى أصلها، كون الإنسان يبقى حرا، مضيفا أن النقاش أصبح ينسلخ ويهرب عن مضمون الدستور، الذي استحضر مجموعة من المفاهيم يجب أن تجد صداها في القانون الجنائي، فالتطبيق العادل للقانون، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومسألة تنفيذ الأحكام، يتحدث عنها الدستور، لأن من بين الأمور التي تستلزم المحاكمة العادلة هي تنفيذ الأحكام، إذن، فكل التشريعات المقارنة تجرم بشكل صريح الامتناع عن تنفيذ الأحكام، وهذه دعوة إلى أخذ هذه المسائل بعين الاعتبار.

وأضاف أنه “إذا استلهم القانون روحا جديدة وفلسفة من قوانين أخرى كالقانون الإداري، ستكون فصول مواده أكثر نجاعة، إذ أن بعض الإجراءات والحرمان من الحقوق الإدارية، تقود إلى الزجر من غير الاعتقال، مثل سحب جواز السفر، وهناك مسألة أخرى مهمة في المادة الزجرية، تكمن في التضخم على مستوى التشريع في إنتاج القواعد الزجرية، وفي إطار المراجعة في القانون الجنائي، يجب البحث عن التجانس في النظام الزجري المغربي ككل، والمثال، أن القانون الجنائي يحدد سقفا محددا للتفريق بين المخالفات والجنح والجنايات، وفي قانون التعمير بعض الأفعال المخالفة للقانون هي مرتبة بالجنح لكن يتعامل معها المشرع في إطار قانون التعمير وكأنها مخالفات، إلى جانب فلسفة الزجر التي تحكم مدونة الانتخابات وغيرها.

وأوضح نفس المصدر، خلال مشاركته في لقاء دراسي نظمه معهد “بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان”، أن هناك مجموعة من التعابير والمفاهيم الفضفاضة في القانون الجنائي، يجب التدقيق فيها لكي لا تقود أصحابها إلى السجن، فيما يتعلق بالتعبير عن الرأي السياسي أو الانتقاد، ثم مسألة ثانية تتعلق بحرية التعبير، يوجد التباس شديد بين القانون الجنائي والعمل الصحفي، حيث إن كانت مقتضيات قانون الصحافة والنشر خالية من العقوبات الزجرية، إلا أن الممارسة على أرض الواقع لازال فيها تجريم للعمل الصحفي في إطار قواعد القانون الجنائي، وهذا ما يحد من حرية التعبير ضمن العمل الصحفي، والدليل على ذلك قضية تسريب المعلومات للجنة تقصي الحقائق بالبرلمان، حيث حوكم صحفيون بجريمة المشاركة في إفشاء السر المهني وهو يمارس عمله الصحفي.

وتحدث يونس وحالو عن ضرورة مراجعة الفصل 288 الذي يعاقب على التوقف الجماعي، والذي يرتبط بالحق في ممارسة الإضراب والذي ربطه المشرع بأفعال أخرى، حيث لازال المشرع المغربي يتعامل مع أشكال التعبير والحريات بمنطق يعود إلى الستينات، فمثلا التجمع العمومي ما زال ظهير 1960، وقانون الجمعيات مرتبطا بظهير 1958، في حين أن كل ما يتعلق بالحريات أصبح تأطيره الدولي متطورا مع الثورة الرقمية وأنماط التواصل الاجتماعي الجديد، مشيرا إلى أن القانون الجنائي لا يساعد المجتمع في الحد من الفساد وليس ناجعا في الحد من الفساد الإداري والمالي والاقتصادي، بالرغم من المجهود المبذول من خلال تجريم الرشوة والاختلاس وغسل الأموال واستغلال النفوذ، إلا أن  تجريم الإثراء غير المشروع مسألة مهمة للحد من الفساد في المغرب.

من جانبه، يرى أنس سعدون، باحث وعضو مؤسس لنادي قضاة المغرب، أن القانون الجنائي عمر لأكثر من 60 سنة، أي منذ سنة 1962، صدرت المدونة الجنائية، التي وضعت في سياق تاريخي يختلف عن سياق الواقع الذي نعيشه اليوم، والمشرع لجأ فيما بعد إلى تقنية التعديلات المتلاحقة التي تطال هذا القانون، فكلما لمح المشرع ظاهرة اجتماعية إلا وتصدى لها من خلال سياسة التجريم والعقاب، مثلا قانون الإرهاب، شغب الملاعب، الاتجار في البشر، بحيث كانت دائما استجابة تشريعية للظواهر المجتمعية المستحدثة، وتجد جوابها في القانون الجنائي، متسائلا: ما مدى نجاعة هذا التوجه الذي يركز على الشكل المتعلق بالتجريم والعقاب أكثر من شق آخر؟

وقال نفس المتحدث: عندما نتحدث عن تعديل القانون الجنائي ينبغي أن نستحضر الشق الإجرائي، حيث لا يكفي التنصيص على الحقوق ونقول أن القانون يحمي الحق في السلامة الجسدية، لكن ينبغي أن نستحضر طريقة الوصول إلى الحق، وهو ما يسمى فعلية الحقوق، وهو ما يتطلب إجراءات واضحة تستحضر وضعية كل الأشخاص الذين يلجون إلى العدالة، مشيرا إلى وجود ملاحظات حول مسألة الحراسة النظرية التي تكون تحت إشراف النيابة العامة وعلاقتها بالمعايير الدولية، حيث أن الحراسة النظرية مرتبطة بقرار قضائي تحت إشراف السلطة القضائية، بمعنى أن الجهة التي اتخذت قرار الوضع في الحراسة النظرية، ينبغي أن تخضع لمراقبة قضائية، ففي السياق المغربي هذا الحق غير موجود، لأن الشخص يوضع في الحراسة النظرية إما بإذن أو إشعار النيابة العامة طوال مدة 48 ساعة التي هي قابلة للتمديد، حسب نوعية الجريمة، لا يكون للشخص الحق اللجوء إلى القضاء من أجل إخضاع قرار الحراسة النظرية لمراقبة قضائية. إذن، فالمبدأ هو أن يخضع لمراجعة قضائية مستقلة لا توجد في السياق المغربي، لأن النيابة العامة هي نفس الجهة التي وضعت القرار.

وأوضح أنس سعدون، أن هناك نقاشا محتدما حول الإبقاء أو إلغاء مؤسسة قضاء التحقيق، لأن البعض يعتبر أن الإمكانيات الموجودة على مستوى الواقع تجعل عملها مجرد تأكيد للعمل الذي تم القيام به في المرحلة السابقة، التي هي مرحلة البحث التمهيدي، لكنه اعتبرها مرحلة قضائية مهمة ومن ضمانات المحاكمة العادلة التي تبدأ في المرحلة الأولى، بوضع شخص رهن الحراسة النظرية تمر بمرحلة التحقيق والمحاكمة، مضيفا أن هذا النقاش اليوم الذي يحاول أن يبخس وضعية وضمانة قضاء التحقيق، ينبغي ألا ننساق وراءه، لأنه ينسف ضمانة حقيقية للمتهم في ظل مناقشة قانون المسطرة الجنائية، حيث ينبغي أن ينصب على ضرورة أن يكون لدينا قضاء متخصص في مجال التحقيق، ويكون للقضاة تكوين وصلاحيات فعلية في مراقبة المهام الموكولة إليهم.

وبهذا الخصوص، قالت الأستاذة الجامعية بثينة القروي، أن بداية مناقشة تعديلات القانون الجنائي، ومنظومة العقاب الجنائية، كانت في سنة 2004 وبداية الألفية، ثم تكثف النقاش العمومي حول موضوع القانون الجنائي بعد دستور 2011، وبعد ذلك، حصل نقاش عمومي كبير حول إصلاح منظومة العدالة، والذي أخرج مشروع قانون جنائي كان من المفروض أن يحال على البرلمان، ولكن تم اختزاله في مقتضيات مرتبطة أساسا بعدد من الاتفاقيات الدولية، والتزامات المغرب، وكانت أخرى مرتبطة مع ملاءمة الاختفاء القسري، مع مناهضة التعذيب، وتجريم بعض الجرائم غير الواردة في القانون كجرائم الإبادة الإنسانية وأخرى.

وأضافت أن هناك هدرا للزمن التشريعي بخصوص مجموعة من القوانين منها القانون الجنائي، خاصة بعد المصادقة على الدستور، حيث كان من المفروض بعد مرور أزيد من عشر سنوات، أن نذهب في ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالحقوق والحريات للأفراد، فمناقشة القانون يجب أن تستحضر طبيعة باقي القواعد في القوانين الأخرى التي تحدد نموذج المجتمع الذي نريد، تحت سقف القيم، ويستحضر التطورات المجتمعية التي ليست مطلقة تتضمن قيم المحافظة والتقدم، معتبرة أن الأساسي في النقاش العمومي يجب أن يكون مفتوحا بين مختلف الأطراف ويبتعد عن لغة التصنيف، ويذهب في الاتجاه الكلي والشمولي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى