للنقاش | الجامعات المغربية.. كفاءات عاطلة في انتظار مخطط الإصلاح

تعيش الجامعات المغربية أزمة في إنتاج الكفاءات والمبدعين، وبات من الواجب الإسراع في إخراج ما سمي بـ”المخطط الوطني لتسريع تطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار”، الذي سبق وقدمه وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف الميراوي، أمام مجلس الحكومة، والذي يهدف – حسب ما صرح به الوزير سابقا بمجلس المستشارين – إلى بناء رأسمال بشري مرن وممكن تمكينا تاما وقادر على مواكبة زخم التنمية بالمملكة، واستلهام نموذج الجامعة الدولي والتركيز على التمكين والتعلم مدى الحياة، وجعل الرقمنة في صلب العملية والتركيز بشكل خاص على تطوير مهارات الشباب اللازمة لتعزيز قابلية تشغيلهم، وتعزيز قدرة الشباب على التأقلم مع التحولات التي تشهدها سوق الشغل، وتكريس البحث العلمي والابتكار من خلال تكوين جيل جديد من طلبة الدكتوراه والمشرفين، وهيكلة البحث العلمي في معاهد وطنية للأبحاث الموضوعاتية تنسجم انسجاما وثيقا مع الأولويات الوطنية، وبناء شراكة متجددة بين كل من الدولة والجامعة والجهة، وتكريس الانفتاح على البيئة الدولية عبر زخم برامج تستهدف حركية الكفاءات العلمية المغربية في الخارج وتعبئتها، والسعي من خلال تجديد الإطار القانوني إلى وضع أسس استقلالية فعالة للجامعة يكون محورها النجاعة والأداء وثقافة النتائج.

الأهداف التي يتضمنها “المخطط الوطني لتسريع تطوير منظومة التعليم”، لن تتحقق بدون التعجيل بإشراك كل الفرقاء، عوض الاشتغال في الكواليس بعيدا عن المعنيين من داخل منظومة التعليم والتكوين والبحث العلمي الجامعي، وتقنين تعديل توافقي للقانون 01.00 المنظم للتعليم العالي، وإخراج النظام الأساسي الخاص بالأساتذة الباحثين، وتشكيل لجان مركزية لافتحاص مالية وإدارة الجامعات والكليات والمعاهد والمدارس العليا التابعة لها، وتقييم مسارات شعبها ومسالكها العمومية والمهنية، فلم تعد للمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح أو المحدود، جسور ومسالك واضحة تمكن الخريجين من ولوج المهن والوظائف الشاغرة داخل أسواق الشغل الوطنية والدولية، ولا تمدهم بالآليات اللازمة للإبداع والتموقع والعطاء على أرض الواقع، جامعات غير منصفة جعلت معظم الطلبة الجامعيين تائهين عن سوق الشغل، يكتفون بالحصول على الشواهد العليا والارتماء في حضن البطالة والعطالة، أو القبول بمهن ووظائف اعتباطية لضمان قوت العيش.
الجامعات المغربية.. كفاءات تنتج التفاهات
تحضن الجامعات عصارة الكفاءات والطاقات البشرية الوطنية، الواعدة منها والمحترفة والمبدعة، طالبات وطلبة في أوج عطائهم وقمة تجاوبهم وتفاعلهم وحماسهم، وأساتذة وخبراء وباحثون يراكمون خبرات وتجارب وطنية ودولية.. جامعات تمتلك مفاتيح أبوابها ونوافذها، مستقلة في تدبيرها المالي والإداري والتعليمي والتكويني، تعدل وتضيف وتحذف ما تريد من شعب ومسالك بمختلف أسلاكها التعليمية، من أجل دعم وتعزيز سوق الشغل بالموارد البشرية اللازمة لتنمية اقتصاد البلد وتقوية بنيانه، والرفع من المستوى المعيشي للمغاربة، لكن للأسف، تغيب النتائج المتوخاة من هذه الجامعات، ويبقى مردودها ضعيفا، لا يوازي جهد الموارد البشرية والأموال الباهظة التي تصرف سنويا في الرواتب والبنيات والبحث العلمي والتغذية والمبيت والنقل والصيانة، وغيرها، فالمفروض أن شعب هذه الجامعات يمتلك من المؤهلات ما يمكنه من الاجتهاد والإبداع والعطاء، والمفروض من تلك الجامعات أن تنتفع وتنفع من أحدثت بهم ولأجلهم.. طلبة وطالبات وأطر يعدون بالألوف المؤلفة.
من أسباب الفشل: نظام الولوجيات بين المفتوح والمحدود
الحقيقة المرة التي تفرض الإسراع بمعاجلتها، هي أن نظام الولوجيات الجامعي في حاجة إلى تغييرات جذرية، ففشل التعليم الجامعي يرجع بالأساس إلى أن الطالب (ة) لا يخضع لتوجيه جامعي منصف لقدراته ورصيده المعرفي وطموحاته، وخصوصا عند التخلص من صفة تلميذ (ة)، أي مباشرة بعد حصوله على شهادة البكالوريا، حيث يكون عليه الاختيار بين نمطين تعليميين: بين مدارس ومعاهد وكليات ذات الاستقطاب المحدود، تفرض معدلات جد مرتفعة، وتفوق في مواد دراسية بعينها، وانتظار نتائج عمليات الانتقاء ولوائح الانتظار، وبين كليات ذات الاستقطاب المفتوح، تفتح أبوابها ونوافذها في وجه كل حاصل على شهادة البكالوريا، بتخصص أو ربما بدونه.
الحقيقة المرة، أن الطلبة المتفوقين الذين يلجون عالم الاستقطاب المحدود، ينتهي بهم التكوين إلى التخرج والحصول على شواهد ودبلومات والعمل خارج أرض الوطن، أو داخل شركات عالمية بالمغرب، ونادرا ما تستفيد الدولة من بعضهم، أما خريجو كليات الاستقطاب المفتوح، الذين في معظمهم طلبة لم يتم انتقاؤهم ضمن لوائح المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، وقليل منهم من ولج تلك الكليات برغبة وحب وكفاءة، فالظفر بشهادة البكالوريا بنقط غير مقبولة لدى الكليات والمعاهد ذات الاستقطاب المحدود، التي تشترط معدلات ونقط مرتفعة، يؤدي بهؤلاء المرفوضين من تلك المعاهد والكليات التي تنتقي المميزين دراسيا، إلى التسجيل بالكليات ذات الاستقطاب المفتوح (كليات العلوم السياسية والاقتصادية والعلوم والتقنيات، الآداب والعلوم الإنسانية)، يلجؤون إليها كآخر المطاف، وتبقى لديهم منافذ دون المستوى، طبعا إلى جانب آخرين من أصحاب المستويات التعليمية الجيدة ممن استهوتهم تلك المسالك والشعب، والغريب في أمر هاته الكليات ذات الاستقطاب المفتوح، أنها ورغم ما يقال ويدون بخصوص برامجها واكتظاظها وأداء مواردها البشرية، وبنياتها و..و.. فإن مستقبل خريجيها المهني والوظائفي يفوق بكثير مستقبل باقي الخريجين، بل إن معظم من يحكمون البلاد والنافذين داخل سلطه التنفيذية والقضائية والإعلامية هم خريجو تلك الكليات المفتوحة، ويكفي الإشارة إلى أن قضاة المملكة ومحامييها واقتصادييها ومعظم وزرائها وموظفيها السامين، والمسؤولين بأسلاكها العسكرية والأمنية، هم خريجو تلك الكليات، وطبعا بعض هؤلاء القابضين بزمام أمر العباد والبلاد كانوا فاشلين في تعليمهم، ولجوا الكليات كمنفذ أخير وليس برغبة منهم، وهذا يجعل عطاءهم داخل مراكز المسؤولية والقيادة محدود، يقومون بأعمال روتينية بلا إبداع أو اجتهاد، وهو ما يزيد من معاناة الإدارات ومؤسسات الدولة، بتزويدها بموارد بشرية في معظمها غير صالحة.. فلا الجامعة مكنت البلد من كفاءاته الوطنية التي تستغلها الدول والشركات الأجنبية، ولا هي وفرت للبلد طاقات وكفاءات تنعش اقتصادها وتقود قاطرة تنميته.
جامعات معزولة عن محيطها
يمكن اعتبار بعض الجامعات أوفر حظا من المدن أو حتى من الجهات التي تحتضن مغاربة من كل الفئات العمرية والتلوينات العقلية، ويمكننا إعطاء النموذج بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، التي تحتضن أزيد من 130 ألف طالبة وطالب، وأزيد من 20 ألفا من الأطر والعمال والمستخدمين.. عدد من الكفاءات قد لا نجده حتى داخل بعض الدول، بإمكان إدارات الجامعات أن تبادر إلى عقد شراكات واتفاقيات مع مجالس الجماعات الترابية والمقاطعات ومجالس العمالات والمجالس الإقليمية والجهوية، ومع باقي القطاعات العمومية والخاصة، من أجل توفير النقل الجامعي والتغذية والإقامة، وتجهيز بنياتها وتوسيع طاقاتها الاستيعابية وإحداث معاهد وكليات جديدة، وبإمكانها أن ترسخ للمفهوم الحقيقي للجهوية، بإجراء دراسات وأبحاث ميدانية لمحيطها، من أجل تشخيص واقع الجهات ومواردها الطبيعية والبشرية، ووضع برامج في التعليم والتكوين والبحث تراعي موارد تلك الجهات، وتمكن من الاستثمار الإيجابي من أجل تنمية الجهة. وبإمكان الجامعات أن تضمن التكوين والتكوين المستمر لكل مهنيي وموظفي الجهة، وتوجيه المستثمرين في كل القطاعات، ومدهم بالكفاءات اللازمة، بل ومصاحبتهم في كل مراحل الإعداد والإنجاز لمشاريعهم، وحتى مراحل الإنتاج والتسويق، كما بإمكانها أن تبدع في الرياضة والثقافة والفن والسياسة والاجتماع، وأن تحدث أندية، أو تؤسس جامعات لكل نوع رياضي، وتنتج النجوم والطاقات والكوادر.
غير أن خمول بعض الإدارات وقصور نظر مسؤوليها، حول الطلبة إلى مجرد نزلاء مرغمون على قضاء سنوات من العذاب التعليمي طمعا في الحصول على شواهد ودبلومات لتخصصات لا يفقهونها، ولا يمتلكون أدنى مؤهلات ميدانية لولوج سوق الشغل، رغم أن إداراتها تحظى بالاستقلالية التامة في التدبير الإداري والمالي، وتتاح لها فرص عقد الشراكات الوطنية والدولية في مجالات تخصصها (التعليم الجامعي والتكوين والبحث العلمي)، كما تمتلك الحق في الاستثمار في التعليم والتكوين والبحث، وضمان مداخيل مالية إضافية تمكنها من تجويد خدماتها.. جامعات جامعة وشاملة بالنظر إلى قوة مواردها البشرية والمالية، لكن مع الأسف، فمعظم الطلبة، المثابرين والمجدين، يعيشون أزمات مستمرة مع ثلاثي: الغش، التلاعب في النقط والشواهد، وغيابات المدرسين، ومن تم، فتفريخ الإجازات والماسترات بطرق عشوائية، يتسبب في هدر مستقبل الطلبة.
فشعب الطلبة يأمل أن تبادر الإدارات إلى إنصافه، بوقف مهازل ما يجري ويدور من فساد تربوي وأخلاقي، حيث المطبوعات المفروضة على الطلبة، وحيث الأبحاث والأطروحات المقرصنة والمنسوخة، وحيث عمليات التفريخ العشوائية للماسترات والإجازات المهنية، وحيث استعمالات الزمن التي ينسجها بعض الأساتذة على هواهم لتلائم ما يبرمجونه في حيواتهم الخاصة، ومع المعاهد والمؤسسات الخصوصية التي يعملون بها، بينما المثابر والمجد من الطلبة، يعيش أزمات مستمرة مع ثلاثي: النقل والسكن والتغذية، في ظل ضعف وعشوائية النقل الحضري، وغياب نقل جامعي، وفي ظل تدهور الحياة الطلابية داخل مجموعة من الأحياء الجامعية، بسبب ضعف التغذية ورداءة وتقادم الأسرة وتعفن الغرف، لذلك، فحاجة طلبة عدة مناطق بالمغرب إلى أحياء جامعية أو دور للطلبة، هي أمور بإمكان إدارات الجامعات أن تبادر إلى تحقيقها، إما باعتماد ما لديها من تمويل وزاري سنوي أو مداخيل، أو في إطار شراكات مع عدة قطاعات عمومية وجماعات محلية وإقليمية وجهوية.

الصحة المدرسية.. أكبر غائب داخل المؤسسات الجامعية
بات من الواجب إعادة النظر في البرامج الصحية المعتمدة داخل الجامعات، إذ لا يعقل أن نجد كليات يفوق عدد طلبتها سكان حي أو مدينة، بدون أدنى اهتمام بالقطاع الصحي، يلجها آلاف الطلبة ومئات الأطر الإدارية والتربوية، بلا مراكز صحية ولا قاعات للإنعاش والإسعافات الأولية ولا سيارات الإسعاف، ولا أدنى شراكات خارجية تؤمن لهم صحة وسلامة الطلبة والأطر الإدارية.
أزمة المتعلمين مع غياب المتابعة الصحية تلازمهم منذ التحاقهم بالتعليم المدرسي، مذكرات وزارية وجهوية وإقليمية، غالبا ما تكون غير ذات جدوى وفاعلية، من المفروض تفعيلها بشراكة مع وزارة الصحة ومديرياتها الجهوية والمحلية، أو مع القطاع الخاص.. تبقى حبيسة اجتهادات موظفي الوزارة الوصية بدون أدنى تأثير على واقع الصحة المدرسي المتردي، فحوصات طبية تجرى بالمدارس الابتدائية والثانوية بدون عتاد طبي وقاعات للفحص، مؤسسات يزورها ممرض فقط بدون طبيب لفحص مئات التلاميذ، وأخرى لا أحد يفحص تلامذتها، بل إن الدفتر الصحي المدرسي الخاص بكل تلميذ، لا أحد يهتم به، لا الإدارة ولا المصالح المختصة، ولا الأطباء والممرضين الذين يفحصون التلميذ طيلة فترة دراسته، دفتر يقتنيه الأب أو الوالي ويضعه رهن إشارة مدير المدرسة عند التسجيل بالقسم التحضيري، بهدف تتبع حالة ابنه الصحية، لكنه يظل ضمن الملف المدرسي للتلميذ، يسافر معه إلى التعليم الثانوي ويسحبه فارغا عند حصوله على شهادة الباكلوريا، لكي يقدمه عند التسجيل بالكلية أو المعهد العالي.
عندما نعلم أن حوالي 100 في المائة من الأطفال في سن التمدرس يلجون المدارس الابتدائية، وأن الوزارة الوصية تضع برنامجا من أجل الحفاظ على صحة التلاميذ.. يتضمن المعالجة والتطبيب والمصاحبة الطبية والتكفل بالحالات المزمنة في صفوف التلاميذ، ويشمل هذا البرنامج حتى الطلبة الجامعيين، فإن الكل يتوقع أن كل الأطفال المغاربة في صحة جيدة، وأنه لا خوف على الأجيال القادمة من الأمراض والأوبئة، وربما قريبا ستتم المطالبة بتقليص عدد المستشفيات، وتوسيع شبكات الملاعب الرياضية والمركبات الثقافية، لكن وللأسف، فالمنظومة التربوية ببلادنا تعيش حالة موت سريري، تصعب معها كل محاولات الإنقاذ والإنعاش، بسبب توالي البرامج والمخططات الإصلاحية الفاشلة، والتنافر وسوء الثقة الذي يميز العلاقات الثنائية والجماعية بين كل الأطراف المعنية (التلميذ، المدرس، الإدارة، ولي الأمر)، وبسبب إدمان الأطفال والشباب على إعلام بديل (الأنترنيت، الفضائيات)، يغرد خارج سرب الثقافة والتعليم المغربيين، وإذا كان السبيل الوحيد لتوفير تعليم جاد وجيد هو التخلص من تلك المنظومة المريضة، وإيجاد بديل لها يأخذ بعين الاعتبار طبيعة وحقيقة الطفل المغربي، ومستوى فكر وعيش الأسر المغربية، فمن الواجب التركيز على مدى جاهزية الطفل المستهدف، والبدء بتوفير الوسائل والأجواء السانحة لكي يستفيد من تعليم وتكوين منتجين، وخصوصا ضرورة العمل على توفير مصاحبة طبية للطفل والطالب على طول مسارهما الدراسي المدرسي والجامعي، لأن الطفل السليم بدنيا ونفسيا، هو القادر على الإبداع والعطاء في كل المجالات، وهو القادر على مقاومة كل الانحرافات، والضامن لصحة المجتمع.
لماذا لا يكون هناك نقل جامعي ؟
لقد سبق أن أثرت خلال ندوة صحفية بمقر جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، موضوع النقل الجامعي، الذي يؤرق الطلبة وأسرهم، واقترحت على رئيس الجامعة، أن يعتبر تسيير الجامعة كتسيير مدينة أو دولة بالنظر إلى عدد الطلبة والأطر، والمساحة الترابية لنفوذ الجامعة التربوي، واستقلالية الجامعة المالية والإدارية، كما اقترحت على على رؤساء الجامعات المغربية، التعاقد بين رئاسة الجامعة وشركة للنقل الحضري، بدعم من المجالس الجهوية والمجالس المنتخبة الإقليمية والمحلية واللجان الإقليمية للمبادرة الوطنية ووزارة الداخلية التي تصرف 80 درهما شهريا لدعم بطاقة النقل الشهرية لكل طالب، كما بإمكانها عقد شراكات مع جامعات ومعاهد وكليات العالم على أساس أن يتم توفير أسطول للنقل الجامعي كاف، وتخفيض أثمنة التذاكر وبطائق النقل الشهرية.
الكتاب الجامعي بين الغياب والتغييب
ليست وحدها عقدة اللغات الأجنبية التي تواجه الطلبة الوافدين على كليات ومعاهد المملكة، فالتعليم الجامعي يعتبر بالنسبة للطلبة وأولياء أمورهم أحد أكبر الألغاز المحيرة، إذ لا برامج ولا مناهج تعليمية واضحة، ولا كتب جامعية مسطرة لدعم تمدرس المتعلمين، فكل العملية التعليمية التعلمية تبقى حبيسة الأستاذ الجامعي والمحاضر، يعلن عنها بالتدرج خلال الحصص الدراسية، بل إن بعض الأساتذة يفرضون على الطلبة شراء مؤلفاتهم، التي قد تكون عبارة عن مطبوعات منسوخة بطرق عشوائية، بل إن بعضها غير محفظة بالمكتبة الوطنية، ولا تحمل أي رقم، وبعض الأساتذة يطرحون أسئلة عن مضامين كتبهم خلال الامتحانات العادية والإشهادية، وآخرون يرغمونهم على قراءة وتلخيص بعض الكتب بدون أدنى توطئة أو مساعدة في غياب أي برامج أو منهاج للتدريس.. غيابات بالجملة، وشروحات البعض غير ذات جدوى، لا تزيد الوضع التعليمي إلا تأزما وإحباطا، حيث غياب التنسيق والمصاحبة والإرشاد، وضعف الرصيد المكتبي داخل مكتبات عدة كليات ومعاهد، يضاف إليها ما أشاروا إليه من زبونية ومحسوبية على مستوى الامتحانات الكتابية والشفهية.
صحيح أنه مفروض على الطالب البحث والتنقيب في كل المواضيع المطروحة من طرف أساتذته، لكن الأصح أن يستوعب الأستاذ الجامعي هذا المفهوم قبل الطلبة، ولا يحصرهم في مطبوعات ومؤلفات تعود إليه بهدف الربح المادي والتسويق لكتبه، والمفروض أن يكون الأستاذ الجامعي مستعدا للتجاوب مع كل بحث وتنقيب بجدية وذكاء وتفهم، وألا أن ينزعج ويقبل بآراء وأفكار بعض الطلبة، التي قد تتجاوز ذكاءه ورصيده المعرفي، وطبعا هناك أطر تربوية جامعية يبصمون على مواسم دراسية جامعية جد مميزة رفقة طلبتهم، لا من حيث العطاء التعليمي والتكويني، ولا من حيث المعاملات والتجاوب الإيجابي، لكن الجامعات لا يمكن أن تسير بهؤلاء فقط، لأن الجسد لا يمكن أن يتمتع بالصحة بدون روح والروح تنتعش بانتعاشة كل أعضاء الجسد.
في حاجة إلى نموذج تنموي جامعي جديد
متى نحقق نموذجا تنمويا جديدا للتكوين الجامعي ببرامج ومناهج تعليمية وتكوينات توازي سوق الشغل، ومشاريع ملموسة ومنعشة على أرض الواقع؟ ومتى ستصب إدارات الجامعات بوصلتها نحو أولويات وحاجيات الطلبة حتى نوفر لهم الأجواء السانحة للحصول على حسن انتباههم، وضمان متابعتهم لكل الدروس والتكوينات، وتحفيزهم على الاجتهاد والعطاء، وطبعا نستطيع أن نستفيد من طاقاتهم واجتهاداتهم.. ننتظر برنامجا ومخططا لإنقاذ التعليم العالي والتكوين والتأطير والبحث العلمي، فبإحياء أدوار الجامعات يمكن إنصاف الطلبة وأسرهم المعذبة من خلفهم، وإعطاء انطلاقة جديدة لمغرب عالم يمكنه تحقيق التنمية المنشودة.. فمن العيب والعار أن تبقى الجامعات المغربية التي تحتضن الكفاءات، مجرد مصدر لإحباط الأسر والطلبة، ومنتج للتفاهات والسخافات.