ربورتاج | هل يتسبب مخطط “المغرب الأخضر” في انقراض النحل ؟
بعد إغراق الأسواق بمنتوجات مستوردة

لازالت ظاهرة اختفاء وموت النحل تثير قلق المهنيين والفاعلين في القطاع الفلاحي منذ عدة أشهر، في غياب أي تدخل من قبل وزارة الفلاحة لعلاج السبب الذي تسبب في انهيار آلاف خلايا النحل على الصعيد الوطني، مما أدى إلى تراجع في الإنتاج الوطني من العسل، واستفادة أشخاص آخرين من هذه الأزمة لاستيراد الأطنان من العسل الأجنبي لتحقيق الأرباح.
إعداد: خالد الغازي
أكد عدد من المهنيين أن تراجع تربية النحل يرجع بالأساس إلى ضعف الحلول المقترحة من قبل الوزارة الوصية، التي تسعى لاستيراد النحل من الخارج عوض التفكير في علاج خلايا النحل الأصلية من الانهيار، ومعالجة الأسباب وعدم البحث عن أدوية فعالة مقاومة لانتشار الحشرة الضارة (الفاروا)، والبحث عن النحل المحلي المقاوم للأمراض والعمل على تكاثره، خاصة وأن للنحل دور هام في عملية تكاثر النباتات بشكل عام، وفي عملية تكاثر نبات مغطى البذور بشكل خاص، مما يدق ناقوس الخطر بالنسبة لمستقبل الفلاحة، ويهدد الأمن الغذائي.
وقد أكدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) اليوم، أن التراجع العالمي في أعداد النحل يشكل تهديدا خطيرا لمجموعة واسعة من النباتات الحيوية لرفاه الإنسان وسبل عيشه، وينبغي على البلدان بذل المزيد من الجهد لحماية هؤلاء الحلفاء الرئيسيين في محاربة الجوع وسوء التغذية، مضيفة أن النحل يقدم خدمة جليلة للنظام البيئي من خلال ضمان التلقيح، وبالتالي تكاثر العديد من النباتات البرية والمزروعة، وهو أمر هام لإنتاج الغذاء وسبل عيش الإنسان والتنوع البيولوجي.
وحسب المنظمة الدولية، تشهد أعداد النحل وغيره من الملقحات تراجعا كبيرا في أجزاء كثيرة من العالم، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى الممارسات الزراعية المكثفة والمزارع الأحادية، وفرط استخدام المواد الكيماوية الزراعية وارتفاع درجات الحرارة، مما يؤثر على غلة المحاصيل والتغذية على حد سواء.
وسجلت نقابة محترفي تربية النحل حصول تفاوت واضح في الإنتاج بين المناطق المعروفة عادة بكثرة الإنتاج، حيث سجلت إنتاج متوسط في منطقتي سوس والغرب، ونقص كبير في منطقتي بركان وبني ملال، بسبب التقلبات الجوية أثناء إزهار أشجار الحمضيات، والنقص الشديد في مياه الري، مشيرة إلى أن إنتاج العسل قد سجل نقصا بشكل كبير في سنة 2022 بلغت نسبته 70 في المائة مقارنة مع سنة 2021، بسبب ظاهرة انهيار خلايا النحل بالمغرب.
وأكدت النقابة تراجع الإقبال على العسل المحلي بسبب اكتساح العسل المستورد للأسواق الوطنية، وللمراكز التجارية الكبرى مع ما رافق ذلك من ظاهرة بيع “عسل العلف” وتزايدها بشكل لافت في الفترة الأخيرة، وهو ما يؤكد فشل مخطط “المغرب الأخضر” في حماية المنتوج الوطني، من خلال إسناد أمور القطاع لغير أهله، وسيطرة العديد من الدخلاء والانتهازيين على القطاع، واستفادتهم من الدعم المخصص لتنمية السلسلة بطرق ملتوية، وإقصاء المهنيين الحقيقيين من محترفي تربية النحل وتهميشهم.
وطالبت النقابة بدعم المنتوج المحلي من العسل من خلال تفعيل آليات تثمينه وحمايته، وإبعاد الدخلاء وأصحاب “الشكارة” عن احتكار البيان الجغرافي للعسل، والعلامات المميزة للمنشأ والجودة، الذي ينظمه القانون رقم 25.06 المتعلق بالعلامات المميزة للمنشأ والجودة للمواد الغذائية، والمنتوجات الفلاحية.
في هذا الإطار، قال محمد الميلودي ستيتو، المنسق الوطني للتنظيمات المهنية لتربية النحل، أنه بعد مرور أكثر من سنة على الأزمة التي عرفها قطاع تربية النحل بالمغرب، والذي تسبب في انهيار أكثر من 80 % من خلايا النحل وخرجت الحكومة تنفي المرض رغم تأكيده مخبريا من طرف النقابة والمهنيين، وتم رصد مبلغ 130 مليون درهم من أجل مواجهة هذه الأزمة، لكن كل هذا تبخر مع “الوعود الكاذبة لوزارة الفلاحة التي دائما كعادتها تنهج سياسة النعامة والهروب إلى الأمام”، مضيفا أن خروج نقابة النحالين بالمغرب ببلاغها الأخير ليس اعتباطيا وإنما جاء بعد الاجتماع الذي عُقد بالرباط مع رؤساء الفيدراليات البيمهنية يوم 19 أبريل، وهو نفس اليوم الذي أصدرت فيه النقابة بلاغها الأخير، حيث تناول الاجتماع توقيع الحكومة مع رؤساء البيمهنيات عقد البرنامج “الجيل الأخضر” 2020-2030، وسيتم توقيعه بالمعرض الفلاحي المقبل بمكناس.
وانتقد محمد ستيتو “الإقصاء الممنهج والمتعمد من طرف القطاع الوصي للنحال المغربي المهني الحقيقي، رغم النداءات والمراسلات المتواصلة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأنه بدون تمثيلية حقيقية للنحال المهني الحقيقي ستبقي دار لقمان على حالها، مضيفا أنه سيتم تخصيص ميزانية جديدة لقطاع تربية النحل بالمغرب بالملايير مثل ما وقع بمخطط “المغرب الأخضر”، لذلك تحدثت النقابة في بلاغها عن “فشل مخطط المغرب الأخضر” في حماية المنتوج الوطني، من خلال إسناد أمور القطاع لغير أهله، وسيطرة العديد من الدخلاء والانتهازيين على القطاع، واستفادتهم من الدعم المخصص لتنمية السلسة بطرق ملتوية، وإقصاء المهنيين الحقيقيين من محترفي تربية النحل وتهميشهم، وإذا بقي الحال كما هو، فإن مخطط “الجيل الأخضر” بخصوص قطاع تربية النحل سيكون مصيره الفشل مثل مخطط “المغرب الأخضر”.
وأكد نفس المتحدث وجود العديد من المشاكل والاختلالات المرتبطة بتدبير القطاع والتواصل مع المهنيين، من بينها عدم استفادة أي نحال من التكوين والتأطير والمرافقة من قبل ممثلي المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية، وعدم تعويض خلايا النحل الفارغة المكدسة عند النحالة، إلى جانب ضعف الدواء الممنوح والذي لا يعالج “الفاروا”، وعدم القضاء على المرض كما يدعي القطاع الوصي، بل تم رصد بؤر جديدة للمرض هذه السنة والقادم أسوأ، ثم إنتاج العسل المتدني هده السنة والذي لا يلبي حاجيات السوق الوطني، وسيفسح المجال لسماسرة القطاع وتجار الأزمات لأجل استيراد الأعسال المغشوشة من الخارج، مطالبا بالكشف عن نتائج 23 ألف عينة التي تم إرسالها السنة الماضية إلى فرنسا من أجل معرفة المرض الذي تسبب في انهيار خلايا النحل.
وشدد على ضرورة وضع استراتيجية شاملة يتم فيها إشراك النحال المهني الحقيقي الذي يعرف المشاكل، بتنسيق مع القطاع الوصي، وتنظيم أيام دراسية لتحديد المشاكل والتحديات التي يعاني منها القطاع، والمتمثلة في اجتثاث الغابات وتعويضها بالعمران أو بأشجار غير رحيقية لا تنتج الأزهار، أو تعويضها بغابات تنتج الخشب فقط، مشيرا إلى أن المشكل يكمن في انفراد القطاع بالحلول لوحده بدون إشراك المهنيين الحقيقيين، وغياب هيكلة للفيدرالية البيمهنية التي تأسست منذ سنة 2011، ويشرف عليها “رئيس لا علاقة له بتربية النحل”.
من جانبه، قال جواد منتاك، مسؤول اتحاد مربي النحل، أن قطاع تربية النحل يعاني كثيرا، بسبب غياب المواكبة والتتبع من قبل الوزارة الوصية، واستمرار انهيار الخلايا بسبب انتشار حشرة “الفاروا” في غياب أدوية فعالة للقضاء عليها، والتي تسببت في خسائر كبيرة في القطاع في ظل غياب باحثين وخبراء متخصصين في القطاع لمعالجة خلايا النحل من هذه الآفة التي تتسبب في أضرار كبيرة وفي تراجع الإنتاج الوطني من العسل.
وأضاف منتاك أن “الإشكال الموجود يكمن في استعمال نفس الدواء “الأميتراز، فلوفالينات” لمحاربة “الفاروا” منذ أزيد من 32 سنة، هم يقولون أن السبب يرجع إلى فيروس، لكن نحن نرى أن الوضع يتطلب معالجة حشرة “الفاروا” الضارة، التي تقوم بنقل الفيروس إلى داخل الخلايا واكتسبت مناعة من الأدوية المستعملة والتي لم تعد فعالة في القضاء عليها، لهذا لابد من التفكير في جلب أدوية أخرى جديدة، مثل فرنسا التي لم تعد تستعمل الأدوية القديمة، لأن الدراسات المنجزة كشفت أنها لا تحد من انتشارها في الخلايا، موضحا أن المشكل الآخر الذي يعيشه القطاع، يكمن في غياب أطر متخصصة في متابعة أمراض النحل منذ تقاعد الدكتور الدكاك والدكتورة أزناك بمعهد الحسن الثاني، حيث لم يعد لدينا أطباء بياطرة متخصصين لتتبع مشاكل النحل والمرض الذي تسببه حشرة “الفاروا” التي كبدت العديد من مربي النحل خسائر كبيرة، مشيرا إلى أن الهيئات المختصة في فرنسا انتهت من استعمال “الأميتراز” وشرعت في استخدام تقنيات وأدوية جديدة للحفاظ على إنتاج العسل، بعدما قامت بدراسة على تطور “الفاروا” في خلايا النحل، مؤكدا أن “الفاروا” تتكاثر في الخلية من 100 إلى 13 ألفا في الخلية، واستطرد قائلا: هناك تقرير يقول بأن كل 600 “فاروا” تسبب نقص 5 كيلو من العسل، وبما أنها منتشرة لدينا بشكل كبير، فتراجع الإنتاج أمر طبيعي، لأن الكثير من النحالة لا يعرفون كيف يتعاملون مع هذا العدو، ولم يهتموا بالمشكل في البداية للقضاء عليها قبل أن يتطور الأمر، لهذا فالمشكل أيضا أن غالبية المهنيين ومربي النحل لا يضبطون معايير خلط الدواء والكمية المحددة لكل خلية وكيفية استعماله، لذلك يجدون صعوبة كبيرة في الحد من انتشار “الفاروا” التي تظل نسبة 80 بالمائة منها داخل الخلايا مع البيض، و20 بالمائة تكون ملتصقة في النحل.
وحسب نفس المصدر، فإن الفيدرالية البيمهنية لم تقدم أي حلول ناجعة لمربي النحل، ولم تساهم في تطور القطاع، بل بالعكس، فالملاحظ أن هناك تراجعا وتدهورا كبيرا في النحل، بالرغم من تخصيص ميزانية تقدر بـ 1.48 مليار درهم لهذه الهيئة للنهوض بالقطاع من سنة 2011 إلى 2020، مضيفا أن تكليف أشخاص “غير مهنيين” للإشراف على القطاع منذ سنة 2011، يبحثون عن المصالح الخاصة وتحقيق الأرباح، ساهم في تفاقم الوضع وتراجع القطاع بسبب غياب المقاربة التشاركية وعدم تجديد مكتب الفيدرالية وصمت الوزارة على بقاء نفس المكتب منذ 12 سنة.
ودعا وزارة الفلاحة إلى العناية بالقطاع، نظرا لدوره الكبير في الحفاظ على الإنتاج الغذائي، وفسح المجال أمام الباحثين وجلب التقنيات الأجنبية في مكافحة “الفاروا” والأمراض التي تهدد النحل، وتشجيع تربية النحل الجيد المقاوم لهذه الحشرة، والذي يوجد في بعض المناطق، وتكوين وتعليم المهنيين لمعرفة كيفية التعاطي مع ظاهرة انهيار الخلايا ومعالجة الأمراض، والحفاظ على التنوع البيولوجي والطبيعي الذي يتميز به المغرب في مجال تربية النحل، خاصة من حيث تنوع المراعي والمناطق.