يتعرض اليوم أهلنا بغزة الصامدة – كان الله في عونهم – لعدوان غاشم، يواجهونه بشجاعة منقطعة النظير، ويضحون بالشهداء والجرحى، متصدين لضربات العدو بصدور عارية، لا يفت في عضدهم الدمار الذي أصاب المنشآت ومنازل الأبرياء العزل التي دُمّرت على رؤوسهم، من قبل غزاة محتلين لا يميزون بين طفل أو امرأة أو شيخ مسن مسالم، ولا يراعون الحد الأدنى مما يفرضه القانون الدولي من عدم استهداف المدنيين العزل في أثناء الحروب التي تقع بين جيوش نظامية، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بمدينة صغيرة تتعرض لحصار ظالم طال أمده، وتفرض عليها حرب غادرة غير متكافئة يشنها جيش نظامي مدجج بالسلاح. وفي هذا الظرف العصيب، الذي تعيشه غزة وكل الأراضي الفلسطينية، نرى هذا الصمت العربي الرهيب واللامبالاة تجاه حرب الإبادة التي تشن على هذا البلد العربي الشقيق، وتجاه قضية فلسطين التي كانت تعد في يوم ما قضيةَ العرب الأولى. ومع أنني على ثقة من أن النصر سيكون في النهاية حليف هؤلاء الأبطال الفلسطينيين الذين يقاتلون باستماتة لا مثيل لها، ويستشهدون دفاعا عن النفس والعرض والمال، فإنني أتأسف ويعصرني الألم عندما أرى هذا الموقف العربي الغريب. فما الذي جرى لأمتنا العربية؟
إن الجواب عن هذا السؤال، أو التساؤل، لا يحتاج إلى كبير عناء، فالحال، كما يقال، يكفي عن السؤال.
لقد وقعت الأقطار العربية – للأسف الشديد – في “فخ” سياسة “فرق تسد”. ودون العودة بعيدا إلى الوراء، لشرح ما تعرض له الوطن العربي من مؤامرات ودسائس ومخططات تقسيم وتجزئة، وتجزئة المجزإ، أرى أن انفراط العقد – في الآونة الأخيرة – بدأ بوضع مخططات جعلت العراق يحتل الكويت، لإعطاء مسوغات لاحتلال العراق وتدمير إمكاناته العسكرية والاقتصادية، وما ترتب عن ذلك من انشقاقات في مواقف الدول العربية. ثم جاء ما عرف بـ”الربيع العربي” المتجسد في إزاحة بعض النظم العربية، واللجوء في بعض الحالات إلى الاستعانة – من أجل ذلك – بالجيوش الأجنبية (كما حدث في ليبيا بعد العراق)، وما ترتب عن ذلك من انشقاقات جديدة في الصف العربي. ودون الحكم على مآلات هذا “الربيع العربي” التي لا يعلمها إلا الله وحده، فإن النتائج الماثلة للعيان هي أن الوضع في عالمنا العربي لا يسر إلا العدو. فمازالت الحرائق مشتعلة في البلدان التي سقطت فيها الأنظمة، وفي الأقطار التي مازالت أنظمتها تقاوم السقوط. كما أن الحرائق في بلدان أخرى مازالت تنتظر هبوب أي رياح لإزاحة الرماد عن الشرر لتشتعل. وفي جميع الحالات، فقد تعددت الأسباب والموت واحد. لقد تفرق العرب وأهملوا التخطيط الاستراتيجي المشترك وتنكروا لشعار: “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، وأصبحوا يتقاتلون فيما بينهم، على مستوى كل قطر، من أجل الوصول إلى الحكم، وحتى لو كلفهم ذلك اللجوء إلى الانقلابات العسكرية والقضاء على معارضيهم السياسيين بالقتل والسجن والتشريد… والله وحده القادر على إخراج غزة سالمة من هذه المحنة، أما العرب فلا يعول عليهم لأنهم في ورطة حقيقية تتجلى في الانشغال بفتات السلطة، معتمدين- من أجل الوصول إليها- شعار: الغاية تبرر الوسيلة.