تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | صفقات الغاز الروسي.. “فلوس اللبن يديهم زعطوط”

يشهد البرلمان نقاشا واتهامات بين المعارضة وأحزاب الأغلبية بسبب واردات الغاز الروسي، بعدما طالبت بعض الفرق بالتحقيق في سعر دخوله للمملكة والكشف عن فواتير استيراده ومقارنتها مع أسعار المحروقات في السوق الوطنية، وذلك عبر تشكيل لجنة تقصي للحقائق من أجل معرفة طرق وكيفية وصوله وشركات الوساطة التي تستورده.

الرباط. الأسبوع

    لطالما اتهمت فرق المعارضة بمجلس النواب الحكومة، بعدم الجدية في موضوع الغازوال الروسي، بعد الكشف عن جميع المسائل المرتبطة باستيراد هذه المواد في ظل تساؤلات كثيرة لدى الرأي العام حول تكلفته وسعره في الدول الأخرى، لاسيما وأن سعر المحروقات على الصعيد الوطني لم يتغير ولازال يؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى المنتجات الغذائية، خاصة الخضر والفواكه، بسبب تكاليف النقل بين المدن وأسواق الجملة.

بالمقابل، لا زالت الحكومة والأغلبية مصرة على عدم فتح أي نقاش عمومي للكشف عن الحقائق المتعلقة باستيراد الغاز من روسيا، رغم ظهور تقارير خارجية ومعطيات تؤكد أن المغرب يعتبر من أبرز الدول في شمال إفريقيا طلبا لاستيراد الغاز الروسي، لاسيما في ظل لاتهامات الموجهة لشركات المحروقات باستغلال الأسعار الرخيصة للمواد البترولية الروسية لتحقيق أرباح كبيرة في السوق المحلية.

وكشفت وكالة “سبوتنيك” الروسية، أن المغرب من أكثر الدول استيرادا للغاز الروسي، بنسبة 12 في المائة من مجموع الإمدادات الروسية خلال شهر مارس المنصرم، ليكون ضمن أكثر الدول المستفيدة للغاز والمحروقات الروسية إلى جانب تونس وتركيا، كما أظهرت بيانات منصة “رفينيتيف” الأمريكية-البريطانية، أن “إمدادات الديزل من الموانئ الروسية إلى المغرب، ارتفعت إلى 735 ألف طنا في سنة 2022 بعد أن كانت 66 ألفا فقط في العام السابق، فيما بلغ إجمالي حمولاتها منذ بداية سنة 2023 نحو 140 ألفا”.

وقد أعاد فريق التقدم والاشتراكية طرح قضية الغازوال الروسي من جديد مع عودة النشاط البرلماني، من خلال توجيه سؤال كتابي إلى كل من نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية، وليلى بنعلي وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، بخصوص حجم استيراد الغاز الروسي ومدى انعكاسه الإيجابي على الأسعار عند الاستهلاك، والكشف عن التدابير التي تتخذها من أجل جعل الإمدادات الوفيرة من المحروقات الروسية تنعكس إيجابا على القدرة الشرائية للمواطنين، وطالب بالكشف عن مدى صحة الأرقام المعلنة بخصوص حجم الواردات الروسية من الغازوال خلال الفصل الأول من السنة الجارية، كما تساءل عن مدى تناسب أثمنة الاستيراد مع أسعار المحروقات عند الاستهلاك في السوق الوطنية وهوامش الربح المحققة.

وأوضح نفس المصدر، أن التقارير الإعلامية التي نقلت بشكل واسع عن مكتب للإحصائيات في مجال البترول والغاز، أن المغرب كان من بين أكثر البلدان استيرادا للغازوال الروسي خلال شهر مارس 2023، بما يعادل 12 في المائة من الصادرات الروسية، متقدمة على كل دول المنطقة المغاربية، ذلك أن الجزائر، رغم كونها بلدا منتجا للنفط، فقد حلت ثانية في المنطقة باستيرادها 10 في المائة من تلك الكميات، بينما تستورد تونس 8 في المائة فقط.

وتطرق المصدر ذاته إلى اختلاف الأرقام المذكورة مع الأرقام المعلنة من قبل الحكومة حول حصة واردات الغازوال الروسي التي شكلت 9 في المائة فقط سنة 2020، و5 في المائة سنة 2021، و9 في المائة سنة 2022، مسجلا أن ما تم تداوله لدى الرأي العام من شبهات وشكوك تحوم حول سلامة العمليات التجارية المرتبطة باستيراد المغرب للغازوال الروسي من حيث الفواتير والوجهات والأرباح والأثمنة، شكل مبررا لسعي مكونات من مجلس النواب إلى تكوين لجنة نيابية لتقصي الحقائق في الموضوع.

ودعا الفريق النيابي لحزب التقدم والاشتراكية، إلى الكشف عن مدى صحة الأرقام المعلنة بخصوص حجم الواردات الروسية من الغازوال خلال الفصل الأول من سنة 2023، كما تساءل عن مدى تناسب أثمنة الاستيراد مع أسعار المحروقات عند الاستهلاك في السوق الوطنية وهوامش الربح المحققة.

في هذا السياق، أكد الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، أن التقارب في الأسعار المطبقة من قبل الموزعين في المغرب، يفوق الأسعار التي كان معمولا بها قبل التحرير في نونبر 2015، متوقعا أن يصل مجموع الأرباح الزائدة أكثر من 7 ملايير درهم خلال السنة الحالية، دون احتساب الأرباح الأخرى المترتبة عن الاستفادة من الخصومات في الغازوال الروسي بالنسبة للشركات التي وجدت سبيلا إليه، متسائلا: إلى متى سيبقى المستهلك المغربي يؤدي المحروقات بالأسعار المرتفعة ولا يسمح له الاستفادة من فرصة تنزيل الأسعار عند تراجع الأسعار في زمن “كورونا” ومن فرصة تكرير البترول في المغرب، ومن الفرصة المتاحة اليوم في تخفيضات الغازوال الروسي؟ هل نحن أمام سمو سلطة الشركات على سلطة الحكومات؟ وما محل مجلس المنافسة فيما يقع؟

وقد دعت مكونات المعارضة بمجلس النواب إلى شكيل لجنة تقصي للحقائق، من خلال المراسلة التي وجهتها إلى رئيس مجلس النواب، حول واقعة استيراد الغازوال الروسي وما ارتبط بها من شكوك بخصوص مدى شفافية العملية وسلامتها ومشروعيتها.

وحسب المعارضة، فإن هذه المبادرة الرقابية تأتي على إثر ما تم تداوله من لجوء شركات متخصصة في الاستيراد الحر للمحروقات إلى اقتناء الغاز الروسي بكميات كبيرة، قائلة أن هناك أسئلة حارقة تتعلق بالوثائق المثبتة لمصدر هذا الاستيراد وأثمانه، وكذا بالأرباح التي تحوم الشكوك حول مشروعيتها وحول شفافية العمليات التجارية المرتبطة بها، مشيرة إلى إمكانية حصول مضاربات تأسست على إعادة تصدير هذا الغاز الروسي المستورد، جزئيا أو كليا، بشكل أو بآخر، وخارج الضوابط والقواعد المعمول بها، وذلك إلى بلدان أخرى تحظر استيراده على خلفية النزاع الدائر بين أوكرانيا وروسيا.

وكانت مبادرة المعارضة تهدف لوقوف مجلس النواب على حقيقة هذه الشكوك والشبهات، لا سيما وأن الموضوع له ارتباط وثيق بالأمن الطاقي، والفاتورة الطاقية، وغلاء الأسعار، والقدرة الشرائية للمواطن، وقدرات المقاولة الوطنية، وبالمداخيل الضريبية المفترضة، وبحكامة عالم الأعمال، بحيث تسعى للكشف عن ملابسات وحيثيات الموضوع بغية أن تُتخذ الخطوات اللازمة فيما بعد من طرف السلطات المعنية، في إطار ما يتيحه الدستور والقانون، من أجل طمأنة الرأي العام في حال انتفاء الشبهات، أو من أجل ترتيب الأثار الضرورية في حال ثبوتها.

يذكر أن مكونات المعارضة البرلمانية عجزت عن جمع توقيعات ثلث أعضاء مجلس النواب يوم الإثنين المنصرم، بعدما رفضت الأغلبية الانخراط مع مقترح المعارضة لكشف حقائق تخص الغاز الروسي، حيث تتطلب عملية تشكيل اللجنة 131 توقيعا في حين أن فريقي الحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية والمجموعة النيابية للعدالة والتنمية يتوفرون جميعا على 63 عضوا، مما حال دون تشكيلها.

من جهتها، اعتبرت الأغلبية أن “السعي نحو تشكيل لجنة نيابية لتقصي الحقائق، توظيف وممارسة سياسيوية، ومزايدة من طرف المعارضة لا تستند على أي معطيات حقيقية تجعلها تدعو إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول الملف”.

وترى الأغلبية أن موضوع الغازوال الروسي لا يتطلب تشكيل لجنة، ويمكن طرحه عبر آليات رقابية أخرى من خلال توجيه أسئلة كتابية أو شفوية إلى وزير النقل واللوجستيك، حول مصادر استيراد الغاز، لمعرفة حجم الغاز المستورد اعتمادا على بيانات الموانئ المغربية.

وزيرة الاقتصاد والمالية رفضت بشكل رسمي في جواب عن سؤال برلماني للفريق الاشتراكي، الاتهامات التي تروج حول التلاعبات في رخص استيراد الغازوال الروسي، مؤكدة أن مجموعة من الدول، خاصة منها النامية، لم تحضر استيراد المنتجات النفطية الروسية، كما لم تلتزم المملكة بتقييد إمداداتها من المنتجات البترولية روسية المصدر، وقالت: المعطيات الإحصائية المتوفرة لدى إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، تفيد بأن حصة واردات الغازوال الروسي شكلت 9 في المائة سنة 2020 و5 في المائة سنة 2021 و9 في المائة سنة 2022، مع بلوغها خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير إلى 27 فبراير 2023 نسبة 13 في المائة.

وبخصوص القيمة المصرح بها، تبين أن متوسط سعر الطن من الغازوال الروسي خلال الفترة الممتدة من فاتح يناير إلى 27 فبراير 2023، بلغ 9.522 درهم للطن مقابل 10.138 دراهم للطن بالنسبة لباقي الواردات من الغازوال من باقي الدول، أي بفارق 6 في المائة، مبرزة أن سعر 170 دولارا للطن الوارد في تساؤل الفريق الاشتراكي، (1.771 درهم للطن، مع احتساب متوسط سعر صرف الدولار) يبقى بعيدا عن متوسط السعر المتداول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى