تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | تنامي أنشطة النصب والاحتيال على المواطنين باسم العمرة في رمضان

في غياب القانون.. 

خلال كل رمضان، يكثر إقبال المواطنين على أداء مناسك العمرة بالديار المقدسة، ويقدر عدد المعتمرين بعشرة آلاف خلال هذا الشهر الفضيل، لكن خلال كل سنة، تحصل حوادث ومشاكل للناس الذين يلجؤون للوسطاء وبعض الوكالات التي لا تفي بالتزاماتها بالرغم من توصلها بملايين السنتيمات من الضحايا.

إعداد: خالد الغازي

    يصرف المغاربة الملايير لأداء العمرة، وذلك في إطار السياحة الدينية، خاصة خلال شهر رمضان الفضيل، الذي تزداد فيه أعداد المواطنين الراغبين في زيارة الديار المقدسة، غير أن هذه الرغبة تصطدم بحوادث النصب والاحتيال التي يسقط فيها المئات بسبب ثقتهم في بعض السماسرة أو الوكالات، التي لا تستطيع توفير الخدمة، بسبب المنافسة وارتفاع الأسعار.

وقد ظهرت العديد من الحوادث في الفترة الأخيرة تتعلق بعمليات النصب والاحتيال طالت مئات المواطنين الراغبين في أداء العمرة، حيث تم توقيف بعض الأشخاص في مراكش وسلا وتطوان، بعدما تقدم الضحايا بشكايات إلى القضاء للمطالبة بمستحقاتهم بعدما لم يتمكنوا من السفر لأداء مناسك العمرة بالسعودية.

ومن جهتهم، حذر مهنيو وكالات الأسفار من بعض الإعلانات التي يتم ترويجها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتضمن عروضا وهمية بأقل الأسعار بهدف استقطاب أكبر عدد من الراغبين في أداء العمرة، حيث طالب الاتحاد الوطني لوكالات الأسفار، بضرورة تدخل الوزارة الوصية على القطاع وتشديد الخناق على بعض الأشخاص الذين يشتغلون في هذا المجال بشكل غير قانوني.

في هذا الإطار، يؤكد عمر بلهاشمي، رئيس الاتحاد الوطني لوكالات الأسفار، أن ظاهرة الاتجار في العمرة تكثر في شهر رمضان من قبل المتطفلين والسماسرة، الذين يقومون بجمع جوازات السفر من الناس في المساجد وغيرها من الأماكن، لا سيما القروية مثل الشاون، كتامة، باب برد.. ثم يذهبون للتفاوض مع وكالات الأسفار الرسمية المعتمدة، أو مع الوكالات التي تنشط فقط في موسمي الحج والعمرة، وتغيب طيلة السنة.

وأضاف نفس المتحدث: “هذا الموضوع يتطلب تدخل وزارة السياحة مع وزارة الأوقاف، ويجب أن يعرف الناس أن منتوج العمرة تكون فيه عدة مستويات وأسعار متوسطة ومرتفعة وتفضيلية، والذين يحجزون في فنادق مصنفة وبأثمنة عالية لا يتعرضون للضرر، لأنهم يدفعون مبالغ تصل لـ 8 ملايين للحجز قرب الحرم المكي وفي فنادق راقية مصنفة، بينما يسقط الأشخاص الذي يدفعون مبالغ منخفضة، مثلا مليوني سنتيم، في مشاكل مع السماسرة والوسطاء، ويتعرضون بالتالي للنصب”، موضحا أن “بعض الوكالات تسوق لمنتوج مثلا بـ 25 ألف درهم وعندما تريد الحجز تجد الأثمنة مرتفعة، ويضطر لطلب الزيادة لأن الثمن الأول غير كاف، وعندما يقابل بالرفض يضطر للتملص ويترك الزبون لمصيره”.

وحسب رئيس الاتحاد الوطني لوكالات الأسفار، فإن فارق الأثمنة بين الوكالات الخاصة بالعمرة لا يتجاوز 500 درهم وقد يصل لألف درهم في بعض الأحيان، لكن هناك من يقدم فرقا يصل لـ 6 آلاف درهم، وذلك للتسويق لثمن منخفض يغري المواطنين، وبالتالي يفشل في العملية ويضع نفسه في ورطة مع الزبائن، مبرزا أن هناك سوقا سوداء كثيرة تنشط مع عمرة رمضان بسبب المتطفلين والسماسرة، والترويج لأثمنة لا علاقة لها بالواقع، بحيث أن عشرات الآلاف يذهبون سنويا والآلاف يذهبون للعمرة خلال الشهر الفضيل، الأمر الذي يتطلب تقنينها، وذلك لإيجاد حل لعمليات النصب والاحتيال التي تكثر في هذه الفترة.

وشدد نفس المصدر على ضرورة مراقبة عمليات بيع منتوج العمرة والحج من قبل وزارة السياحة، وتكوين لجن تقوم بجولات على بعض وكالات الأسفار في الدار البيضاء وجميع المدن، للاطلاع على مدى احترام هذه الوكالات للقانون والضوابط المعمول بها، والمتعلقة بضرورة التوفر على عقود مبرمة مع شركات الطيران للحصول على مقاعد الرحلات، والعقود مع الفنادق التي سيذهب إليها الزبناء، من أجل تفادي بيع الوهم للناس، لأن أصحاب بعض الوكالات لا يتوفرون على عقود مع الفنادق ويبيعون منتوج العمرة في شهر رمضان بدون ضمانة، وفي بعض الأحيان، لا يجدون مقاعد في الطائرات ويسقطون في مشاكل مع المواطنين، مشيرا إلى أن الإشكالية الأخرى تكمن في وجود جامعة غير قانونية تسير وكالات الأسفار ورئيس غير منتخب، وفوضى وعشوائية في تنظيم رحلات العمرة، الشيء الذي يتطلب تقنين القطاع وتدخل وزارة السياحة.

هل يتدخل الوزيران التوفيق وعمور لحل أزمة المعتمرين في رمضان ؟

وتقول مصادر مطلعة، أن هناك فوضى وعشوائية في تنظيم العمرة بسبب تدخل الوسطاء والسماسرة، الذين يقومون بتكوين مجموعات من الراغبين في أداء مناسك العمرة انطلاقا من المساجد والبوادي والدواوير، ويجمعون جوازات السفر للراغبين في السفر إلى الديار السعودية خلال شهر رمضان، وذلك للبحث عن التأشيرات بطرق ملتوية، بحيث يستغلون الفراغ الموجود لتحويل عمرة رمضان إلى موسم تجاري للربح والنصب على الناس وخلق سوق سوداء، بحيث يقومون بجمع أموال طائلة من الناس المخصصة لتذاكر السفر والحجز والفنادق، مما يؤدي بالكثيرين إلى الوقوع في شباك النصب والاحتيال.

وتضيف المصادر نفسها، أن الوسطاء والمتطفلين يستغلون الفراغ الذي يسمح لهم بجمع عشرات ومئات جوازات السفر وأموال الناس قصد تنظيم رحلات العمرة، عبر الولوج إلى تطبيق “عمرتي” للحصول على التأشيرات بمساعدة وكيل سعودي افتراضي على شبكة الأنترنيت لاستعمال حسابه في التطبيق، ثم الذهاب إلى بعض وكالات الأسفار للتفاوض معهم حول ثمن تذاكر الطيران والحجز في الفنادق، مشيرة إلى أن هذه الطرق غالبا ما تتعثر بسبب رغبة الوسطاء في كسب المال، الشيء الذي يؤدي إلى حدوث حالات للنصب والاحتيال بسبب ثقة الناس في هؤلاء السماسرة المجهولين الذين لا يتوفرون على الصفة، ويلجؤون إلى وكالات أخرى غير مرخصة تضعهم في مشكلة مع المعتمرين، لأنهم يحصلون على أموال طائلة “كاش” من الناس ويتم تحويلها عبر مكاتب الصرف، ويحصلون على عمولات وأرباح دون أداء لضرائب، عكس وكلات الأسفار المرخص لها والتي تقدم خدمات مضبوطة.

وتقول ذات المصادر، أن “وزارة الأوقاف تركت قطاع العمرة لوزارة السياحة ووكالات الأسفار، الشيء الذي يجعل القطاع غير منظم ويسمح بتدخل الوسطاء والمتطفلين، الذين يلجؤون إلى طرق احتيالية للكذب على الناس عبر الترويج لأسعار رخيصة، وفي بعض الحالات، هناك من يستغل الوضع للنصب عليهم وأخذ أموالهم بالباطل وتركهم ينتظرون الفيزا وتذاكر الرحلات، حيث هناك من يفتح وكالة فقط للعمل خلال وقت العمرة، وينقل 400 شخص في السنة إلى الحرم المكي ويتوقف، ولا يقوم بأي نشاط سياحي آخر، مفضلا تجميع مبلغ 200 مليون أو 300 مليون سنتيم من الناس خلال رمضان ثم يتوقف، الشيء الذي يتطلب متابعة ومراقبة من الوزارة الوصية لتقييم أداء وكلات الأسفار خلال السنة وليس فقط في شهر رمضان”.

من جانبه، يرى خالد بنعزوز، رئيس جمعية وكالات الأسفار بالدار البيضاء، أن المشكل الذي يقع فيه الناس هو أنهم لا يلجؤون لوكالات أسفار معترف بها من قبل وزارة السياحة للذهاب إلى السعودية من أجل أداء مناسك العمرة، وإنما يلجؤون إلى باحات المساجد أو المقاهي لإعطاء جوازات سفرهم لبعض الأشخاص والوسطاء مقابل أثمنة 22 ألف درهم أو 23 ألف درهم، مبرزا أن الطلب هذه السنة كثير والمقاعد قليلة، لأن الخطوط السعودية لم توفر رحلات أخرى للمغاربة خلال رمضان الحالي، بالرغم من توفير الخطوط الملكية الجوية لعدة رحلات إضافية، لكنها تظل غير كافية، وقال: “الناس عندما يريدون قضاء العمرة يبحثون عن الثمن المنخفض لدى وكالات الأسفار، وعندما يصلون إلى السعودية يبحثون عن المنتوج والفنادق القريبة من الحرم المكي، علما أن الفنادق القريبة تتطلب مبلغ 30 ألف درهم، ويتهمون الوكالة بالتلاعب بهم، لكن المسألة مرتبطة بمستويات وأسعار الفنادق المصنفة والقريبة والمتواجدة بجانب الحرم، وهذا العام أسعار الفنادق تضاعفت بشكل كبير، بعد إزالة قيود كورونا والخروج من الجائحة، خاصة وأن غالبية الفنادق كانت مغلقة ومتوقفة وفقدت العمالة والمستخدمين، إلى جانب ارتفاع ثمن تذكرة الطائرة التي بلغت 16 ألف درهم هذه السنة”.

وأوضح نفس المتحدث، أن “هناك أشخاصا ليسوا وكلاء أسفار، بل هم متطفلون على الميدان يسيئون لسمعة القطاع، من خلال جلب الناس من البوادي للذهاب للعمرة، ثم يرمون بالمسؤولية على وكيل الأسفار، لهذا من المفروض أن يلجأ الزبون لوكالة موجودة على أرض الواقع وأن يذهب بنفسه وليس عبر الوسيط الذي يتفاوض باسمه”، مشيرا إلى أن “وكيل الأسفار مهني لديه ظهير يؤطره وقانون منظم لعمله، ولديه شروط وجزاءات، لأنه يأخذ المال من الناس ويعطيهم منتوجا يكتشفونه بعد السفر، يتضمن الحجز الفندقي والغرف والخدمات المقدمة، داعيا الناس إلى الذهاب إلى مندوبيات السياحة للاطلاع على لوائح الوكالات المرخص لها”، وتابع أن “الناس يجب أن يبرمجوا سفرهم للعمرة قبل موعد رمضان بأربعة أشهر أو خمسة، مثل باقي مواطني الدول المتقدمة، ويقومون بزيارة وكالة الأسفار حتى يحدد الوكيل عدد الطلبات المتوفرة، سواء كانت 50 أو 100، ويتمكنوا من حجز الفنادق وترتيب الأمور ومواعيد السفر قبل حلول شهر رمضان”، معتبرا أن “توافد الناس بشكل متأخر يخلق الارتباك ويصبح الطلب أكثر من العرض، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفنادق وقلة الرحلات الجوية، وتحصل مشاكل مع الزبائن بسبب أخطاء متقاسمة بين الجميع، بحيث أن هناك من يطرق أبواب الوكالات في آخر أيام رمضان لأداء العمرة”.

أما كريمة، صاحبة وكالة أسفار، فتقول أن مجال العمرة يعرف العديد من الاختلالات والثغرات التي تسمح لبعض الأشخاص بتنظيم رحلات للعمرة والترويج لها في المساجد المتواجدة في الأحياء الشعبية والقرى، وبين الأقارب والأصدقاء، وذلك لجمع أكثر من 100 شخص، أو عبر فتح فرع مكتب غير قانوني بدون ترخيص لاستقطاب المواطنين، ثم التعامل مع وكلاء سعوديين معترف بهم من وزارة الحج، أو وكلاء افتراضيين في تطبيق “عمرتي”، أو الوساطة مع وكالات أجنبية أو مكاتب لأشخاص سعوديين أو خليجيين للحصول على التأشيرات ورحلات إلى الديار السعودية، وذلك عبر شركات طيران أجنبية مثل الخطوط السعودية والمصرية والاتحاد.

وتضيف ذات المتحدثة، أنه لا بد من تشديد السفر إلى العمرة عبر وضع قانون منظم لعملية السفر وأجندة مثل الحج، تحدد موعد العمرة وتوقيتها بالنسبة للراغبين في السفر قبل رمضان بشهرين، وتقديم الوكالات ملفات الناس إلى وزارة السياحة بتنسيق مع وزارة الأوقاف، لمحاربة السمسرة والوساطة والتصدي لأي محاولات للنصب والاحتيال على المواطنين، مؤكدة أن الوزارة الوصية يجب عليها تنزيل خارطة طريق واضحة لتنظيم عمل وكالات الأسفار وتقييم أدائها طيلة السنة وإشراكها في الاستراتيجية الوطنية، وذلك لقطع الطريق على بعض الوكالات التي تشتغل فقط في موسم العمرة والحج وتتوقف ولا تقدم أي إضافة للسياحة الوطنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى