تحقيقات أسبوعية

متابعات | تتويج فشل “المخطط الأخضر” باستيراد الجواميس البرازيلية

هدية أخنوش للمغاربة

كثر الحديث مؤخرا في صفوف الرأي العام الوطني، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، عن “الأبقار” التي تم استيرادها من البرازيل لتغطية النقص الحاصل في اللحوم الحمراء ببلادنا في ظل ارتفاع أسعارها، مما أثار موجة من السخرية من هزالة هذه “الأبقار” التي تشبه الجواميس الهندية، ووجه انتقادات كثيرة للحكومة، بعد لجوئها إلى استيراد أصناف غريبة من الأبقار أو الجواميس، التي يقال أن سعرها رخيص مقارنة مع الأبقار المحلية، معتبرين أن المشكل يكمن في مخطط الفلاحة والبرامج السابقة التي كان يشرف عليها رئيس الحكومة عندما تقلد حقيبة وزارة الفلاحة لعدة سنوات، حيث تغيرت وجهة المغرب من جلب الأبقار الهولندية والسويسرية ذات الجودة العالية، إلى الجواميس الضعيفة.

إعداد: خالد الغازي

    حمل العديد من المواطنين المسؤولية في تراجع قطيع الأبقار على الصعيد الوطني، لمخطط “المغرب الأخضر”، الذي لم يهتم بالبرامج ذات الإنتاج الحيواني، مؤكدين أن اللجوء للاستيراد من الخارج يدل على تراجع قطاع تربية الأبقار والمواشي، لاسيما بعدما تم استيراد أكثر من 15 ألف رأس من أصناف مختلفة، من إسبانيا وفرنسا والبرازيل، ودول أخرى من أمريكا الجنوبية.

واعتبر النشطاء أن الجاموس البرازيلي أقل تكلفة من الأبقار الأوروبية، التي تتميز بجودة لحومها، متسائلين عن الأثمنة التي ستباع بها في السوق الوطنية، خاصة وأن لحوم الجواميس تتطلب فترة زمنية من التخزين والتجميد حتى يسهل طبخها، بالإضافة إلى أن سعرها لا يتجاوز 30 درهما بالبرازيل مقارنة بسعر لحوم الأبقار المحلية التي يتراوح سعرها بين 80 إلى 100 درهم.

إسحاق شارية

في هذا السياق، انتقد إسحاق شارية، الأمين العام لحزب المغربي الحر، عملية استيراد أنواع غريبة من “الأبقار” من البرازيل، بغية الحد من ارتفاع الأسعار التي شهدتها اللحوم الحمراء، الشيء الذي أثار ضجة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، مضيفا أن هذه اللحوم البرازيلية المستوردة تعتبر من الأرخص في العالم، بينما يتم تصدير اللحوم المغربية والخضر إلى الخارج.

وقال شارية في تصريحات إعلامية: “أريد توضيح مسألة مهمة للمغاربة، هو أنه لم يسبق أن شاهدنا حكومة في العالم خيرات بلادها تصدر للخارج، اللحوم والخضر توجه إلى الخارج، وتستورد أرخص ما يكون في العالم، هاذ الشي فات عنصرية الأنظمة الفاشية، نحن اليوم أمام حكومة تتمتع بتعذيب المغاربة مللي جابوا ليهم واحد الحيوان ما معروفاش الهوية ديالو، واش جاموس ولا بقرة ولا ثور، خليط من جينات مختلطة للحيوانات يتم جلبه لكي يستهلكه المغاربة في رمضان، علما أن الأبقار المغربية من أحسن الأبقار في العالم، والأطباق المغربية وصلت للعالمية، ودبا المواطن المغربي يأكل أرخص اللحوم الموجودة في العالم، هذا يدل على أننا أمام حكومة تذل المغاربة”.

وحمل شارية المسؤولية لرئيس الحكومة وللسياسة الفلاحية السابقة، لأنها سمحت لبعض الأعيان باستيراد أنواع غريبة من الأبقار المهجنة من البرازيل، وبسبب النقص الكبير الذي يعرفه قطيع الأبقار والمواشي على الصعيد الوطني، بصفته كان وزيرا للفلاحة لمدة 15 سنة، متسائلا: أين ذهب قطيع الأبقار المغربية الأصيلة، وأين ذهبت خيرات البلاد، حتى أصبحنا نستورد أصنافا ضعيفة، وحيوانات جنسها غير معروف؟

من جهته، أبدى بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك وجهة نظره في الموضوع، وقال: “إن الحكومة فتحت الأبواب لاستيراد الأبقار والمواشي من الخارج وفق دفتر تحملات وضعته وزارة الفلاحة يحدد السن والوزن والعدد والشروط الصحية للقطيع، وذلك لسد الخصاص في ظل ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء التي تجاوزت 100 درهم للكيلوغرام”، موضحا أنه عقب إبرام صفقة شراء القطيع من البرازيل، تقوم لجنة بيطرية من “لونسا” بالسفر إلى عين المكان لمعاينة العديد من الأمور المتعلقة بتربية القطيع في هذا البلد، منها البرنامج الصحي وكيفية العيش والوقوف على برنامج التغذية والكلأ ومدى مطابقته للمعايير المغربية، ثم تتم الموافقة على دخول هذه الأبقار إلى الموانئ المغربية، حيث تخضع مرة أخرى للمراقبة الصحية بهدف حماية الثروة الحيوانية الوطنية من الأمراض التي في تلك الدول، وذلك عبر افتحاص الوثائق، ثم أخذ عينات من الدم للاختبار وفق النظام الدولي.

بوعزة الخراطي

وأضاف الخراطي، أنه بعد وصول الأبقار والجواميس ونقلها إلى الضيعات الفلاحية بالمغرب، تخضع لتتبع ومراقبة أخرى من قبل الطبيب البيطري المشرف على الضيعة، والذي يراقب حالة القطيع المستورد طيلة فترة الحجر الصحي، قبل أن تذهب إلى مرحلة الذبح في المجزرة، حيث تكون هناك مراقبة ثالثة للسلطات الصحية حول مدى صلاحية اللحم للاستهلاك أو غير صالح، مشيرا إلى أن هذا الصنف من الجواميس المستورد من البرازيل هو هجين مع البقر، وموجود بكثرة في الشرق الأوسط والهند والدول الآسيوية، وله خاصية أنه مقاوم لبعض الأمراض، ويتميز بقامة كبيرة، وتابع “نحن كمجتمع مدني نتخوف من حاجة وحيدة، هي أن هذه الحيوانات يجب ذبحها كاملة حتى لا يبقى أي عجل منها فوق التراب المغربي، لأنه في حالة بقي البعض منها، سيحصل تلوث للثروة الجينية والسلالة المغربية من الأبقار، وهذه نقطة مهمة يجب الانتباه إليها، أما فيما يتعلق بجودة الأبقار المستوردة، فالعجول محدد لها أن تكون أقل من عامين لكي يكون لحمها طريا، وهناك عدة دول عربية تستهلك لحوم الجاموس ولا يطرح لها أي مشكل، والمغرب قام باختيار منطقي باستيراد الحيوان الحي عوض اللحوم المجمدة”.

وأشار ذات المتحدث إلى أن قطاع تربية المواشي أصبح قطاعا غير مربح، لأن السياسة الفلاحية لم تهتم بالقطاع والإنتاج الحيواني الذي تم تهميشه خلال السنوات الماضية، مما أدى إلى حصول نقص كبير في عدد الأبقار على الصعيد الوطني بنسبة 40 في المائة، وذلك بسبب لجوء الكسابة والفلاحين المتوسطين لبيع قطيع الأبقار، لأنها لم تعد مربحة بالنسبة إليهم، نظرا لارتفاع ثمن الأعلاف والمصاريف.

وبالرغم من الانتقادات التي وجهت للحكومة بخصوص اللجوء إلى استيراد الجواميس من البرازيل، إلا أن هناك من يرى بأن دول أمريكا اللاتينية لديها تفوق على إفريقيا في قطاع تربية الأبقار والمواشي، وذلك بسبب نجاح سياستها الزراعية، خاصة دول الأرجنتين والبرازيل والبارغواي والشيلي، حيث رصدت منظمة “الفاو” تطورا كبيرا في إنتاج الثروة الحيوانية لدى دول أمريكا اللاتينية، من خلال التوسع وتحويل الغابات إلى مراعي.

وصفي بوعزاتي

وبهذا الخصوص، يقول الطبيب البيطري، وصفي بوعزاتي، أن “البرازيل تعتبر أكبر مُصدر للحوم الحمراء والبيضاء في العالم، نظرا لعاملين أساسيين: التنافسية في الوفرة، ثم الثمن، فبعد وصول أول شحنة قادمة من البرازيل إلى ميناء الجرف الأصفر (2800 رأس عجل)، وبعد بدء عملية الذبح، سنكون أمام تجربة فريدة من نوعها، تذوق لحم العجول البرازيلية ومعرفة هل هي في متناول المغاربة من ناحية الثمن والجودة. إذن، فنحن أمام معادلة صعبة، تزويد السوق الوطنية بلحوم حمراء ذات جودة (صحية ومذاق)، وبثمن يعكس القدرة الشرائية البسيطة للمغاربة”.

وأكد نفس المصدر، أن الاتفاقيات الصحية المتعلقة بالاتجار في الحيوانات الحية وفي المواد الغذائية الحيوانية أو من أصل حيواني، تعتمد على “نموذج الشهادة الصحية” (modèle de certificat sanitaire)، وهي عبارة عن مجموع الشروط الصحية اللازم توفرها من أجل إتمام عملية الاستيراد بعد موافقة السلطات الصحية البيطرية بين البلدين موضوع التجارة، مضيفا أن نموذج الشهادة الصحية التي تجمع بين السلطات الصحية البيطرية المغربية والبرازيلية، نجد الجواب عن سؤال الحجر الصحي، إذ أن السلطات الصحية البيطرية المغربية ONSSA تشترط القيام بالحجر في بلد المنشأ (البرازيل) لمدة 15 يوما قبل مغادرة البرازيل صوب المغرب، بالإضافة إلى مجموع الشروط الصحية من تحليلات طبية لإثبات خلو الأبقار المعنية من الكثير من الأمراض المعدية، وكذا العلاجات ضد بعض الحشرات المسببة لبعض الأمراض، مثل مرض اللسان الأزرق.

وأوضح بوعزاتي، أن “الأونسا” تقوم بدراسة والتأكد من الوثائق الصحية المرافقة لكل عجل مستورد على حدة، والتأكد من مدى مطابقتها للمطلوب قانونا في هذا الباب، كما تقوم بتحليلات طبية، على حد علمي تقوم بالبحث والتأكد من خلو القطيع من مرض اللسان الأزرق، ومن عدم تناول بقايا المواد الكيميائية (بعض هرمونات النمو، بقايا المضادات الحيوية وبقايا مضادات الطفيليات)، وذلك من باب حماية المستهلك المغربي، داعيا إلى التأكد مخبريا بعد الذبح من خلو هذه اللحوم من بعض بقايا المواد الكيميائية، حماية لصحة المغاربة وانسجاما مع روح السلامة الصحية للمنتجات الغذائية.

وقد وجهت النائبة البرلمانية إلهام الساقي، عن فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، سؤالا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد الصديقي، عن جودة رؤوس الأبقار المستوردة قصد تزويد السوق الوطنية باللحوم الحمراء، وعن التدابير المستعجلة التي باشرتها الحكومة لتعزيز السوق الوطنية بما يكفي من المواد الأساسية، في ظل ما عرفته أثمان اللحوم الحمراء من ارتفاع لا يتناسب مع محدودية القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من المواطنين.

ومن جهتها، حذرت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، من الخطر الكبير المحتمل للأبقار البرازيلية على الصحة العامة، في ظل وجود تقارير تتحدث عن إصابة هذه الحيوانات بجنون البقر، مشيرة إلى أن وصول شحنة متكونة من 2800 رأس من الأبقار المستوردة من البرازيل إلى ميناء الجرف الأصفر بالجديدة مخصصة للذبح، يأتي تزامنا مع كون وزارة الزراعة البرازيلية أعلنت بداية مارس 2023 عن إيقاف التصدير لعدة بلدان، بينما تحقق السلطات في حالة الإصابة بجنون البقر من ولاية بارا، حسب بيان رسمي أرسل إلى وكالات الأنباء العالمية.

وأضاف ذات المصدر، أن إيران والأردن والتايلاند وروسيا، أوقفت مؤقتا استيراد لحوم الأبقار من البرازيل، بالإضافة إلى أن البرازيل أوقفت بنفسها صادرات لحوم البقر إلى الصين، للوفاء بشروط اتفاقية التجارة بينهما، منبهة إلى أن البرازيل لا تزال تحقق في حالة إصابة باعتلال الدماغ الإسفنجي البقري (جنون البقر) رُصدت لدى حيوان ذكر يبلغ من العمر تسع سنوات من ولاية بارا.

وطالبت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، بعزل كل الأبقار المستوردة من البرازيل عن الأبقار المحلية، ووقف كل استعمال لها إلى حين القيام بتحقيق برلماني أو قضائي في الموضوع، بإشراك الخبراء والجمعيات والنقابات المهتمة، محملة المسؤولية للحكومة عن كل ضرر يصيب صحة وسلامة المغاربة بسبب هذه الجواميس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى