متابعات | خروقات قانونية في الاستراتيجية الوطنية للسياحة
الاتفاق الذي تم توقيعه مع "رئيس" غير شرعي

وقعت فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، اتفاقية مع عدة قطاعات حكومية ومع الكونفدرالية الوطنية للسياحة، تتعلق بتنزيل خارطة طريق استراتيجية قطاع السياحة، بميزانية تصل إلى 6.1 ملايير درهم (610 ملايير سنتيم) تمتد على مدى أربع سنوات، وتهدف إلى استقطاب حوالي 17.5 مليون سائح في أفق سنة 2026، إلا أن توقيت توقيع هذه الاتفاقية يطرح التساؤل حول من المستفيد؟ ولماذا تم استبعاد هيئات أخرى تشتغل في القطاع السياحي من هذه الاتفاقية الجديدة؟
إعداد: خالد الغازي
يبدو أن وزارة السياحة قد تسرعت – حسب مهنيين وفاعلين اقتصاديين – في التوقيع على خارطة طريق الاستراتيجية الوطنية للسياحة مع الكونفدرالية الوطنية للسياحة، نظرا لوجود رئيسها في وضعية غير قانونية، بصفته أيضا رئيسا للمجلس الجهوي للسياحة بمراكش، وذلك يخالف المادة 5 من النظام الأساسي للكونفدرالية التي تنص على عدم الجمع بين المناصب، بالإضافة إلى أن بعض الهيئات في الكونفدرالية لم تعقد جموعها العامة وتوجد في وضعية غير قانونية، إلى جانب غياب ممثلين لهيئات مهنية أخرى داخل الكونفدرالية، مما يطرح التساؤل حول كيفية تنزيل هذه الاتفاقية والاستراتيجية على أرض الواقع.
وتأتي الاستراتيجية الجديدة التي وضعتها وزيرة السياحة عمور، والممتدة إلى غاية سنة 2026، مختلفة عن الاستراتيجية التي قدمتها في مجلس النواب خلال تقديم ميزانية القطاع خلال شهر نونبر 2022، والتي تتحدث عن مضاعفة عدد السياح الوافدين على المغرب ليصل إلى 26 مليون سائح في أفق 2030، وذلك بتعزيز النقل الجوي، من خلال الرفع من الطاقة الاستيعابية ومضاعفة الرحلات الجوية من وجهة إلى أخرى.

في هذا السياق، يرى محمد بامنصور، رئيس الفيدرالية الوطنية للنقل السياحي بالمغرب، أن هذه الاستراتيجية جاءت في وقت يعاني فيه المستثمرون من ظروف صعبة وأزمة كبيرة تعيشها الشركات المثقلة بالديون المتراكمة منذ جائحة “كورونا”، وارتفاع أسعار سوق السيارات وفوائد القروض، مضيفا أن هذه الاستراتيجية لم يتم التطرق إليها من قبل أو مناقشة مضامينها خلال اللقاءات التي جمعت الفيدرالية مع وزارتي السياحة والنقل، ولم يتم أخذ رأيها أو استشارتها حول مسودة خارطة الطريق.
وأوضح نفس المتحدث، أن الكونفدرالية الوطنية للسياحة، التي تمثل قطاع الفنادق أكثر من بقية القطاعات الأخرى، هي التي كانت على علم بخصوص هذه الاستراتيجية وتركز كثيرا على قطاع الفنادق أكثر من بقية القطاعات التي تشتغل في المجال السياحي، منبها إلى ضرورة إدماج جميع القطاعات الأخرى في الاستراتيجية الجديدة للنهوض بالقطاع السياحي، وليس فقط العناية بالفنادق ودعمها وإعفاءها من الضرائب، وإهمال ونسيان بقية القطاعات الأخرى الموازية التي تعتبر دعامة أساسية للسياحة المغربية، لذلك، لا يمكن السير بسرعة متفاوتة عبر تدعيم قطاع الفنادق وإهمال بقية القطاعات الموازية، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى فشل الاستراتيجية.
وأكد محمد بامنصور على أهمية الاستراتيجية الوطنية للسياحة، لكن تنزيلها يتطلب إجراءات موازية لدعم بقية القطاعات التي تشتغل في القطاع، والتي تحتاج إلى إجراءات تطبيقية، من بينها تخفيض المديونية والإعفاءات من الفوائد المترتبة عن القروض التي في ذمة شركات النقل السياحي ومقاولات أخرى، والإعفاء الضريبي من أجل اقتناء العربات والحافلات التي ارتفعت أثمنتها بشكل كبير، وتحديد نسب متفق عليها، لأن بعض الشركات التي تبيع عربات النقل السياحي تضع نسبا مائوية تصل إلى 9 و12 و14 بخصوص القروض، وهذه نسب كبيرة بالنسبة لشركات صغرى ومتوسطة لديها إمكانيات محدودة، وقال أن الكونفدرالية الوطنية للسياحة تولي الاهتمام الأكبر لقطاع الفنادق دون غيرها من حيث البرامج، رغم أنها ليست هي من تدفع السائح للسفر من بلاد إلى أخرى، لهذا فنجاح هذه الاستراتيجية السياحية رهين بإشراك الفاعلين وبقية المهنيين في القطاع، مشيرا إلى أن رئيس الكونفدرالية طلب منهم مقترحات والتي كان عليه أن يطلبها قبل توقيع الاتفاقية مع الوزارة الوصية ويناقش معهم مسودة الاستراتيجية لتوسيع النقاش وإدماج جميع الفاعلين في خارطة الطريق.
وشدد نفس المصدر على ضرورة قيام لجن التتبع بدورها ومواكبتها لهذه الاستراتيجية والأموال المخصصة لها، حتى لا يكون مصيرها مثل المشاريع والبرامج السابقة، مثل جلب 10 ملايين سائح أو 20 مليونا، والتي لم يعرف المستفيدون منها وأين صرفت أموالها، مؤكدا أننا في عهد جديد والخطابات الملكية توصي بضرورة الاهتمام بهذا القطاع، عبر برامج ومبادرات تشمل جميع الفاعلين والمستثمرين في القطاع السياحي، ومحاسبة المسؤولين عن إهدار المال العام، وأضاف: لا يعقل أن نعتني اليوم بجهة واحدة ونترك مجموعة من جهات مملكة لديها مؤهلات في الجنوب والشرق والغرب والجبال والأرياف بدون استفادة، يجب الاهتمام بالناس الذين تكون السياحة في مناطقهم، خاصة في الجنوب الشرقي والمناطق الجبلية، فلولا ترحاب المغاربة وحسن الضيافة للسياح، لما كان لدينا منتوج سياحي قوي، فنحن لم ننجح بالفنادق فقط، فالسياحة يساهم فيها الجميع، لهذا يجب أن تكون الاستراتيجية عادلة ومنصفة وليست موضوعة على مقاس قطاع معين أو قطاعين دون البقية”.

من جانبه، يؤكد نجيب حنكور، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للنقل السياحي، أن خارطة الطريق التي وقعت عليها وزارة السياحة، هي اتفاقية لوضع أسس تنمية القطاع السياحي، تهتم أكثر بنسبة 95 في المائة بالفنادق ولا تتضمن أي برنامج يتعلق بالنقل السياحي أو القطاعات الأخرى الموازية، مثل الإرشاد السياحي، والمزارات، والرياضات، ودور الضيافة، حيث أن الاستراتيجية تتضمن فقط الرفع من ليالي المبيت، وتأهيل الفنادق، وتخصيص دعم لها، بينما تم إهمال عدد كبير من المتدخلين من النقل والمرشدين والمزارات التي تنعدم فيها المرافق الصحية وتصاميم الجولة السياحية التي يحتاجها السياح مثل دار الباشا، والباهية بمراكش.
وأوضح ذات المتحدث، أن قطاع النقل السياحي لا زال يتخبط في الديون والقروض المتراكمة عليه منذ سنتين ونصف، بالرغم من توقيع عقد أهداف يتضمن تأجيل الديون إلى غاية 2023، إلا أن المهنيين اصطدموا بعدة مشاكل تتمثل في إضافة فوائد على قروض السيارات، التي أصبحت حاليا في ملكية البنوك وليس شركات النقل السياحي، التي سوف تشتغل من أجل تسديد القروض والفوائد المضافة، إلى جانب الضرائب المسجلة منذ جائحة “كورونا”، والتي أضيفت إليها ضرائب أخرى، وظلت مسجلة في ذمة أرباب المقاولات إلى اليوم رغم الإعفاء الضريبي للفنادق، مشيرا إلى أن هناك مناطق تعيش الموت السياحي مثل ورزازات، التي كانت عاصمة السينما بالمملكة، لكن فنادقها أصبحت تعرض في المزاد العلني مثل فندق “غزالة”، إلى جانب مدن أخرى مثل مرزوكة والراشيدية، التي لا تستفيد من زيارات السياح الأجانب والرحلات الجوية، التي تقتصر فقط على ثلاثة مدن هي مراكش وفاس والدار البيضاء، متسائلا: “كيف يمكن جلب 17 مليون سائح وأسطول النقل لدينا لم يتبق منه سوى 40 في المائة، بحيث لا يمكن للسائح أن يصل إلى المطار ولا يجد وسيلة نقل سياحية مريحة؟ فالأسطول حاليا يضم 1300 سيارة فقط بعدما كان سابقا يضم أكثر من 3 آلاف سيارة، وبهذا الرقم لا يمكن نقل 17 مليون سائح، زد على ذلك الإكراهات التي تحول دون زيادة الأسطول، والمتمثلة في ارتفاع أسعار المركبات بعدما قفز سعر السيارة السياحية من 30 مليون سنتيم إلى 60 مليون سنتيم، ليظل السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن إنجاح هذه الاستراتيجية وجلب ملايين السياح دون التوفر على نقل سياحي كاف للجميع؟
واعتبر نجيب حنكور، أن استراتيجية السياحة الجديدة تتطلب إشراك جميع المتدخلين في مجال السياحة، لوضع برامج تدمج جميع العاملين في القطاع، وليس فقط الكونفدرالية التي تمثل نسبة كبيرة من أرباب الفنادق ووكالات الأسفار وليست فيها تمثيلية للنقل السياحي والإرشاد، وجمعيات المزارات والصناع التقليديين، وغيرهم من المهنيين غير ممثلين فيها، قائلا: لا توجد مقاربة تشاركية للقطاع، لأن وزارة السياحة الهدف الأول بالنسبة إليها هو أن تضمن المبيت للسائح وما بعد المبيت لا تهتم به، والسائح يتدبر أمره، وقد منحت الدعم لشركات الطيران لاستقطاب السياح ورفعت من عدد الرحلات، وزادت الطاقة الاستيعابية من المبيت، لكنها أهملت الخدمات الموازية ضمن خارطة الطريق.
وقد أبدت فيدرالية النقل السياحي، استغرابها لعدم استدعائها للمشاورات الخاصة بهذه الاستراتيجية، ومطالبتها بعدم إقصاء قطاع النقل السياحي من المناقشات المقبلة، نظرا لكونه يعد أحد أهم القطاعات المشتغلة في المجال، ونبهت الحكومة إلى أن المغرب في الوقت الراهن لا يتوفر سوى على ربع الأسطول اللازم في حال الوصول إلى سقف 17 مليون زائر، بسبب تناقص أسطول النقل السياحي بشكل كبير بسبب أزمة “كورونا”، فقبل الجائحة كان الأسطول يضم 11 ألف سيارة وحافلة، لينخفض العدد حاليا إلى 7 آلاف و300 عربة وحافلة فقط.
وأكدت الفيدرالية أن توفير أسطول قادر على مواكبة مخطط استقطاب 17 مليون سائح، يستلزم جهدا مضاعفا لإنقاذ المقاولات المهددة بالإفلاس والحفاظ على مناصب الشغل فيها والأسطول الذي تملكه، ثم تشجيع الاستثمار في قطاع النقل السياحي عبر عروض تحفيزية مدعومة من طرف الدولة في جميع المجالات، خاصة تجديد الأسطول والتأمين ونظام القروض والنظام الضريبي.
هذا، وتروم خارطة الطريق الجديدة استقطاب 17.5 مليون سائح في أفق سنة 2026، وتحقيق 120 مليار درهم (12 مليار دولار) من المداخيل بالعملة الصعبة، وخلق 80 ألف فرصة شغل مباشر و120 ألف فرصة شغل غير مباشر، فضلا عن إعادة تموقع السياحة كقطاع أساسي في الاقتصاد الوطني.
وتهدف خارطة الطريق، إلى الارتقاء بالقطاع السياحي، عبر العمل على كل الروافع الأساسية، من خلال اعتماد تصور جديد للعرض السياحي يتمحور حول تجربة الزبون عبر 9 سلاسل موضوعاتية و5 سلاسل أفقية، إلى جانب وضع مخطط لمضاعفة سعة النقل الجوي، وتعزيز الترويج والتسويق، مع إيلاء اهتمام خاص للرقمنة، كما يتعلق الأمر بتنويع منتجات التنشيط الثقافية والترفيهية مع انبثاق نسيج من المقاولات الصغرى والمتوسطة النشيطة والعصرية، وتأهيل الفنادق وإحداث قدرات إيوائية جديدة، وتعزيز الرأسمال البشري عبر إطار جذاب للتكوين وتدبير الموارد البشرية من أجل الارتقاء بجودة القطاع وإعطاء آفاق مهنية أفضل للشباب.
وتم اعتماد حكامة جديدة من خلال إحداث لجنة وطنية بين-وزارية مكلفة بالسياحة تحت رئاسة رئيس الحكومة، تتكون من الأطراف الموقعة على الاتفاقية الإطار، فضلا عن إحداث لجنتين وطنيتين: الأولى مكلفة بالنقل الجوي، والثانية بالمنتوج السياحي “العرض-الطلب”، و12 لجنة لتتبع المخططات الجهوية، تحت رئاسة ولاة الجهات.