تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | من ينقذ المغاربة المحتجزين في سوريا ؟ 

بين "داعش" والأكراد

لازالت وضعية المغاربة العالقين في سوريا والعراق تستأثر باهتمام الرأي العام والمنظمات الحقوقية وعائلاتهم، التي تتبنى هذا الملف من أجل تسويته في القريب العاجل، خاصة في ظل التطورات والأحداث المتسارعة التي يعرفها العالم ومنطقة الشرق الأوسط، والتحولات التي تعرفها الساحة الدولية.

إعداد: خالد الغازي

    إن وضعية المغاربة العالقين في المخيمات السورية – حسب الحقوقيين – جد مزرية بسبب ظروف الاحتجاز وإخضاعهم لكل أشكال التعذيب والمضايقات المهينة واللاإنسانية، خاصة في المعتقلات الكردية، بالإضافة إلى انعدام الأمن في مخيمات النساء وتركه تحت تصرف النساء المتشددات اللواتي يقمن بالتخلص من النساء المتحررات من “الفكر الداعشي”، مما يجعل الحياة داخل المخيم مثل الجحيم في ظل قلة المساعدات الغذائية المقدمة لهن والحراسة المضروبة عليهن من قبل الميليشيات الكردية.

وحسب التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في سوريا والعراق، فإن الأطفال القاصرين المغاربة يتعرضون لانتهاكات حقوقية من قبل “قوات سوريا الديمقراطية”، التي تقوم بفصلهم عن أمهاتهم وإبعادهم من الخيام ونقلهم إلى مراكز التجنيد والمعتقلات ثم سجنهم مع الأشخاص البالغين من عدة جنسيات في ظروف جد مزرية، بينما تفيد تقارير عن فصل الأطفال القاصرين عن المخيم حتى لا يتم استغلالهم جنسيا من قبل النساء من أجل التزاوج وزيادة النسل.

ووفق إحصائيات غير رسمية للتنسيقية، فيصل عدد المغربيات والمغاربة المتواجدين في مخيمي “الهول” و”الروج”، 102 من العالقات و292 من الأطفال المرافقين لأمهاتهم، من بينهم 31 يتيما و132 من المعتقلين القابعين في السجون السورية، و12 معتقلا في العراق، حيث سبق أن قامت وزارة الداخلية بتنسيق مع وزارة الخارجية بمتابعة 300 معتقل من العائدين الذين خضعوا للمحاكمة العادلة وبرنامج إصلاحي داخل السجون.

وبهذا الخصوص، يقول عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن موضوع العالقين في سوريا والعراق قديم وتم التطرق إليه في عدة مناسبات من طرف المنظمات الحقوقية في سياقات مختلفة، أبرزها النداءات التي وجهتها عائلات هؤلاء العالقات والعالقين، مضيفا أنه “مفروض اليوم أن تتحرك الدولة بكل مؤسساتها من أجل إرجاع هؤلاء المغاربة بمنطق اجتماعي وحس حقوقي، وأن يأخذ بعين الاعتبار الوضعيات الاجتماعية التي يعيشونها، وأن تقوم الدولة بربط اتصالاتها مع الدول التي تأوي هؤلاء المواطنين المغاربة، رغم أن المنظمات الحقوقية والعصبة المغربية تستحضر الهاجس الأمني الحاضر بقوة لدى المؤسسات، لكن في نفس الوقت، لا نريد أن يكون هذا الهاجس غالبا على المنطق الحقوقي، الذي يؤكد أن هؤلاء مغاربة يجب أن يرجعوا إلى عائلاتهم ووطنهم، من أجل أن يحتضنهم هذا الوطن ويوفر لهم الدفء الذي يوفره لكل المغاربة، ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن عددا كبيرا من هاته الحالات إما تم التغرير بها أو وجدت نفسها مكرهة داخل الدول التي تعرف التوترات التي جعلتهم في وضعية عالقين.”

وأوضح نفس المتحدث، أنه على الدولة ومؤسساتها أن تتحرك بشكل مستعجل، خاصة وأن وزير العدل كان من ضمن الفعاليات التي تحركت في هذا الملف باسم حزب الأصالة والمعاصرة، أو على مستوى البرلمان خلال ترأسه للجنة الاستطلاعية التي قامت بصياغة تقرير في الموضوع، الأمر الذي يجعله يتوفر على معطيات ويعرف عن قرب الحالات الاجتماعية والإشكالات التي تعانيها تلك الأسر، والمفروض أن يتحرك وفق المعطيات التي يتوفر عليها من أجل إرجاع العالقين والعالقات إلى ديارهم ووطنهم، مشيرا إلى أن العديد من المبادرات تمت على مستوى الائتلاف المغربي لحقوق الإنسان الذي يضم مجموعة من المنظمات الحقوقية في هذا الإطار، وعلى مستوى العصبة، سبق إصدار بيانات تضامنية مع هذه الحالات ومن الواجب التفاعل مع قضيتهم بمنطق إنساني وبحس حقوقي.

وبدوره، اعتبر محمد قرناوي، المنسق الوطني لتنسيقية المغاربة العالقين في سوريا والعراق، أن “هذا الملف شائك يتطلب تدخل العديد من الأطراف، رغم أن الأسهل والأقرب للحل هو ملف المحتجزين في العراق الذين لا يتجاوز عددهم 12 شخصا، لكن لحد الآن لا شيء ظاهر، لكن من المحتمل أن توقع في القريب العاجل اتفاقية بهدف تبادل المعتقلين والمحكومين، بينما بالنسبة للمغاربة العالقين في سوريا، فالأمر يتطلب وساطة من قبل الحكومة العراقية بحكم علاقتها مع الأكراد، لأن الدولة المغربية لا يمكن أن تتفاوض مع أكراد سوريا بشكل مباشر، لكون التواصل مع الأكراد شبه مستحيل وقد يتم فقط عبر الصليب الأحمر أو السلطات العراقية”.

وأوضح قرناوي، أن أوضاع النساء العالقات والأطفال في المخيم كارثية، وفي ظروف جد صعبة منذ 4 سنوات وهن محتجزات في خيام متهالكة تحت قساوة الطقس شتاء وصيفا، إلى جانب حدوث فيضانات وثلوج والحرائق التي تندلع في الخيام في الصيف، مضيفا أن النساء المحتجزات غرر بهن من قبل أزواجهن من خلال الذهاب في سياحة لتركيا أو لبنان ليجدن أنفسهن في الأراضي السورية محاصرات وليس لهن ملجأ ليتم اعتقالهن من قبل الأكراد ووضعهن في المخيمات.

أما بالنسبة لوضعية الأطفال، فقد قال قرناوي: “الأطفال يعيشون وضعا جد صعب داخل المخيم، فعندما يبلغ الطفل 12 سنة يتم نقله إلى الإصلاحية أو المعتقل مع أشخاص راشدين وأكبر منه، ويصبح مثل بقية المعتقلين الكبار الذين كانوا يشاركون في الحرب، والطفل الصغير لا ذنب له سوى أنه بلغ 12 سنة وتم نزعه من والدته بداعي التزاوج داخل المخيم والإنجاب والتكاثر، في حين أن الطفل عند إبعاده عن أمه يتعرض لصدمة نفسية خطيرة، فمكان القاصرين هو حضن الأم والعائلة لكي يحصل على التربية الحسنة عوض أن يبقى عرضة لغسل الدماغ والتطرف بعيدا عن ثقافة مجتمعه”.

وتابع نفس المتحدث، أن مصير المعتقلين المغاربة مجهول في المعتقلات السورية والكردية، لاسيما بعدما تعرض سجن “غويران” للهجوم من قبل عناصر متشددة، مما أدى إلى مقتل عدد كبير من السجناء، حسب ما أفاد به الصليب الأحمر الدولي، رغم أن القوات الكردية لم تقدم لائحة بأسماء الضحايا الذين لقوا حتفهم خلال الهجوم على المعتقل، ملتمسا من الدولة المغربية تسهيل عودة هؤلاء الشباب المغرر بهم والذين التحقوا ببؤر التوتر في سن 18 و20 سنة في سوريا والعراق بناء على فتاوى صدرت من علماء، وهم يقبعون حاليا في السجون السورية منذ خمس سنوات ويعانون عدة أمراض مزمنة وعاهات مستديمة بسبب الحرب ويبلغ عددهم حوالي 132 شخصا، وأضاف أن هناك نموذجا يتمثل في عودة 300 شاب من سوريا قضوا عقوبة سجنية وخضعوا لبرنامج المصالحة وحاليا هم في المجتمع مواطنين عاديين، مشيرا إلى أن مقولة الحسن الثاني رحمه الله “إن الوطن غفور رحيم” بعدما عفا عن الانفصاليين الذين حملوا السلاح ضد المملكة والوحدة الترابية، ونفس الشيء بالنسبة للعالقين يناشدون الدولة للعفو عنهم والعودة ومستعدين للمحاكمة العادلة وقضاء العقوبة في بلادهم عوض الضياع والتشرد في الأراضي السورية.

بدورها، تقول مريم زبرون، الكاتبة العامة للتنسيقية: “في الحقيقة، موضوع الأطفال والنساء المحتجزات يسائل جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية، لأنه وضع استثنائي لم يعرف له مثيل، فهناك نساء محتجزات داخل خيام موضوعة على أرض شاسعة تحيط بها الأسلاك وأبراج المراقبة بدون محاكمة، ووجودهم تعدى الآن ست سنوات، ووضع غير قانوني ولاإنساني ولا حقوقي، حيث أن النساء محرومات من أبسط شروط العيش والأطفال يعيشون وضعا مخيفا على جميع المستويات محرومين من التمدرس من اللعب كبقية الأطفال، محرومين من التطبيب وينتظرون ترحيلهم الى السجون فكلما تجاوزوا عمر 12 سنة، يعتقلون ويوضعون في السجون مع الكبار وتصوروا وضعية طفل يعيش بين معتقلين ناضجين سيمررون له كل الأفكار التي يريدونها”.

وأضافت ذات المتحدثة، أن النساء في المخيمات يعشن هاجس المراقبة من الأكراد ويعشن هاجس رفيقات دربهن المنتميات للتنظيم يمارسن الحسبة في المخيمات والويل لمن تراجع أفكارها، وهناك حالات قتل وقعت في مخيم “الهول”، مما جعل النساء يعشن حالة الرعب والتوجس والترقب، إلى جانب الأطفال الذين يعيشون التهميش بمختلف مستوياته.. لا أكل لا ملابس لا تطبيب.. يعيشون الإهمال التام، حيث أنشأ الأكراد أسواقا داخل المخيم ومن تصلها حوالة مالية من عائلتها يمكنها شراء الحاجيات ومن لا تملك المال تعيش الحرمان والفقر، مشيرة إلى أن مسألة تدريس الأطفال مجهولة، سواء من حيث مضمون البرامج التي تدرس لهم داخل المخيمات، أو الحمولة الفكرية للأطر التي تدرس هؤلاء الصغار القاصرين.

وأكدت مريم زبرون، أن “الحل هو الإدماج وأن تتكلف مؤسسة الإدماج بمقاربة اجتماعية وفكرية واقتصادية، وتأخذ بعين الاعتبار وضعيتهم السابقة، حيث لا يمكن محاربة الفكر المتطرف بمقاربة أمنية فقط، فكل الذين رجعوا من قبل طواعية وأدمجوا في المجتمع هم الآن يخدمون مشروع تفكيك خطاب التطرف”، قائلة أن وضعية المعتقلين في السجون الكردية مجهولة بعد الهجوم الذي تعرض له معتقل “غويران” وخلف ضحايا ووفيات كثيرة بعد تدخل طيران التحالف لقصف المهاجمين، وأضافت أن الصليب الأحمر الدولي هو الوسيلة الوحيدة لمعرفة أخبار المعتقلين وأحوالهم، لكن بعد هذا الحادث، أصبح الصليب الدولي بدوره ممنوعا من دخول المعتقلات، وبالتالي، تبقى وضعية السجناء غير معروفة لدى عائلاتهم، التي تعيش وضعية نفسية صعبة أمام الانتظار وتزداد سوء كلما وقع حادث.

وفي هذا الصدد، دعت الرابطة العالمية للحقوق والحريات بالمغرب، الجهات الوصية، إلى حل ملف العالقين بالعراق وسوريا، مسجلة عدم تفاعل المسؤولين مع هذا الملف وغياب الإرادة السياسية بهدف معالجة القضية وإنهاء معاناة عائلاتهم بالرغم من مناشدتها المتكررة، مسجلة أيضا قصور المبادرات التي قامت بها جهات رسمية وبرلمانية في الموضوع دون الوصول إلى مآلات مرضية، منها قيام وزارة الداخلية بتتبع وضعية قرابة 277 معتقلا بتنسيق مع  وزارة الخارجية، إنشاء لجنة بمجلس النواب للقيام بمهمة استطلاعية للوقوف على أوضاعهم، معتبرة أنه أمام عجز المبادرات المذكورة عن تحقيق المطلوب، فإن قضية العالقات والمعتقلين تتوفر اليوم على فرص ودوافع قد تساعد على التعجيل بطي هذا الملف، لاسيما بعد فتح سفارة للمملكة في العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى