تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | تداخل أنظمة الحماية الاجتماعية يهدد بفشل التغطية الصحية

خلل نظام "أمو- تضامن"

الملايين من المغاربة ينتظرون آفاقا صحية جديدة في إطار مشروع الحماية الاجتماعية الشاملة، بعدما تم فتح المجال أمام المواطنين للانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي قصد الاستفادة من الخدمات الصحية، سواء في القطاع العام أو الخاص، حيث سيمكن لأزيد من عشرة ملايين شخص الحاملين لبطائق “الراميد” الالتحاق بنظام “أمو-تضامن” المدرج ضمن برامج الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المتعلقة بالتأمين الصحي.

إعداد: خالد الغازي

    نظام “أمو-تضامن” هو نظام للتغطية الصحية الإجبارية تحت إشراف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، سيستفيد منه المواطنون الحاملون لبطائق “الراميد” سابقا، وخاصة الأشخاص غير القادرين على دفع اشتراكاتهم، إذ ستتكفل الدولة بانخراطهم، بحيث سيعوض هذا النظام الجديد برنامج المساعدة الصحية السابق. ويهدف هذا النظام إلى الاستفادة من خدمات المؤسسات الصحية العمومية، إلا أن فئة من الناس ترى أن نظام التغطية الصحية الجديد سيخلق لهم صعوبات وإكراهات، خاصة الفئة التي كانت مسجلة سابقا في المهن الحرة وغرف الصناعة والتجارة والخدمات، واليوم هي بدون عمل لأسباب اجتماعية ومفروض عليها تسديد واجبات الاشتراك لصندوق الضمان الاجتماعي، بينما هناك فئات أخرى تعيش في القطاع غير المهيكل أو تشتغل بشكل موسمي، لكنها غير قادرة على الاشتراك.

وتظل فئة الشباب والعاطلين من الفئات التي لم يتحدث عنها نظام التغطية الصحية الشاملة، أو نظام “أمو”، حيث أن القانون المنظم لهذا البرنامج يعطي الحق فقط لفئة طلبة الجامعات للاشتراك والاستفادة منه، بينما هناك فئة كبيرة من الشباب العاطل الذين لا يمارسون أي نشاط مهني أو تجاري، محرومون من التغطية الصحية والاستفادة من الخدمات الصحية في المؤسسات العمومية والقطاع الخاص.

في هذا الإطار، قال عبد الفتاح البغدادي، نقابي وعضو في المجلس الإداري لصندوق الضمان الاجتماعي، أن “الراميد أصبح اسمه تضامن أمو، وهؤلاء الناس المنخرطين به، الدولة هي المكلفة بهم، فلن يدفعوا أي شيء، وهناك أناسا آخرين نعتبرهم غير أجراء، منهم الطبيب والمحامي والمهندس وضمنهم الملقبون بالمقاول الذاتي، ومنهم عامل مياوم أو صباغ أو امرأة خياطة، هؤلاء الناس مسجلون في صندوق الضمان الاجتماعي، وبالنسبة للدولة، هناك فئة المسجلين في الراميد يتراوح عددهم بين 8.5 ملايين إلى 11 مليون شخص، ولكن بالنسبة لأصحاب المهن والحرف، فهم غير محسوبين على الراميد، لأن النظام المعلوماتي يعتبرهم ممارسين لمهنة معينة وعليهم تسديد الاشتراك الشهري”.

وأضاف نفس المتحدث، أن المواطنين المسجلين والمفروض عليهم تسديد الاشتراكات، ولكنهم لا يمارسون أي مهنة، عليهم تقديم طلبات وشكايات لوكالات الضمان الاجتماعي مرفوقة بشواهد إدارية من قائد المحلقة الإدارية أو من السلطة تؤكد أنهم لا يمارسون أي نشاط مهني ولا يحققون أي مدخول مادي لإعفائهم من دفع الاشتراكات الشهرية للصندوق، مبرزا أن المواطنين يفتقرون لثقافة كتابة الشكايات والمراسلات للإدارات العمومية للدفاع عن حقوقهم ويفضلون فقط الشكايات الشفهية، التي لا يتم الأخذ بها عكس الطلبات المكتوبة التي يتم إدراجها ويمكن تتبعها في النظام المعلوماتي للإدارة، مما يسمح بحل الكثير من مشاكل المواطنين من خلال تتبع مآل الشكاية التي تقدم لأقرب وكالة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

وأوضح البغدادي، أن هؤلاء الحرفيين والمهنيين الذين وجدوا أنفسهم مسجلين في صندوق الضمان الاجتماعي، وملزمين بأداء اشتراكات ومبالغ مالية شهرية، تم تسجيلهم في غرف الصناعة التقليدية (خياط، جباص، إسكافي…) لاستعمالهم واستغلالهم في الانتخابات المهنية للغرف من قبل بعض الأحزاب والسياسيين، الأمر الذي وضعهم اليوم في إشكالية صعبة، لأنهم يحملون صفة مهنية مما يفرض عليهم الاشتراك في الصندوق، بينما حاملي بطائق “الراميد” فهم معفيون، مشيرا إلى أنه بعدما وصلت الأمور للضمان الاجتماعي لم تعد هناك عشوائية، لأن صفة المستفيد محددة بقانون صادق عليه البرلمان، تتعلق بكل إنسان فقير، أما المقاول الذاتي أو الذي يشتغل بشكل حر، فمفروض عليه الاشتراك وفق القانون المنظم، وبالتالي العملية دخلت في إطار قانوني وأي شخص يريد الاستفادة يجب أن يستجيب لمعايير معينة.

أما بالنسبة لفئة الشباب، يوضح ذات المتحدث، فإن “الذين يشتغلون في المقاولات هم مسجلون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بينما الشباب الآخرين فلا يمكن لهم أن يكونوا ضمن فئة المستفيدين من الراميد أو أمو إلا إذا كان الشاب متزوجا ولديه أطفال وليس له عمل يمكنه الاستفادة من التغطية الصحية المجانية، لأن هناك معيارا يحدد المساعدة الاجتماعية، إذ يستوجب أن يكون المستفيد في أمس الحاجة للتغطية الصحية، ولكن له وضع اجتماعي خاص، أما بخصوص المعطلين، فعليهم الحصول على شواهد إدارية تسمح لهم بالتسجيل ضمن المستفيدين، لأن هناك نظاما يحدد فئة الأشخاص الذين لهم حق الاشتراك في تضامن-أمو”.

من جانبه، قال علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، أنه تم تحويل المستفيدين من نظام “الراميد” إلى نظام التأمين الإجباري عن المرض “أمو” بشكل تلقائي، للاستفادة من الخدمات والمزايا التي يتيحها النظام، حيث ستتحمل الدولة – بالطبع – واجبات الاشتراك في نظام التأمين الإجباري عن المرض بالنسبة للأشخاص غير القادرين على أدائها وسيستفيدون هم وذوي حقوقهم (الزوج(ة) والأبناء حتى بلوغهم 21 سنة، والأبناء حتى بلوغهم 26 سنة في حالة متابعة دراسات عليا، شريطة ألا يكونوا مستفيدين بصفة شخصية من نظام آخر للتأمين الصحي الإجباري، مضيفا أن المستفيد الحامل لشهادة التسجيل في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عندما يذهب إلى مستشفى عمومي فله الحق في المجانية الكاملة مائة في المائة، أي أنه سيستفيد من كل الخدمات الصحية، وذلك طبقا لمذكرة وزارة الصحة الخاصة بمجانية العلاج للمستفيدين سابقا من نظام “الراميد”، بينما في حالة اختياره طبيبا بالقطاع الخاص، فعليه تحمل أداء الفرق وفق التعريفة المرجعية الوطنية، والتعويض الجزئي عن مصاريف العلاج في المؤسسات الصحية التابعة للقطاع الخاص، ومصاريف الأدوية والتحاليل الطبية، وصور الأشعة، وغيرها من الخدمات الطبية، وذلك طبقا لسلة العلاجات والنسب المعمول به، على أساس أن نسب التعويض أو التحمل المسبق المطبقة هي 70 % من التعريفة الوطنية المرجعية، أي ما بين 70 % و100 % بالنسبة لبعض الأمراض الطويلة الأمد أو المكلفة، و100 % بالنسبة للخدمات الطبية الضرورية الملقاة في الخارج والتي لا يمكن إجراؤها في المغرب.

وأضاف لطفي، أن المستشفى العمومي لا يمكنه أن يطلب من المستفيد الحامل لشهادة التسجيل في “أمو” لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أداء نفقات العلاج، لأن الصندوق هو الذي سيتحمل تغطية نفقات التشخيص والعلاج والأدوية داخل المستشفى، إلا أن الإشكالية المطروحة اليوم هي أن عددا كبيرا من المستفيدين من نظام “الراميد” انتهت مدة صلاحية بطاقتهم، وعليهم إعادة التسجيل وانتظار ولادة السجل الاجتماعي الموحد للاستفادة المجانية من الخدمات الصحية أو الأداء، أو تحمل جزء من المصاريف إذا اختار اللجوء إلى القطاع الخاص، معتبرا أن نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بالنسبة للفقراء والمعوزين، أمر إيجابي جدا خلافا للنظام السابق “الراميد”، لأن النظام الجديد يسمح للمستشفيات العمومية باستخلاص نفقات العلاج من صندوق الضمان الاجتماعي، وبالتالي، عليها تقديم خدمات مجانية، لكن هناك بعض التجاوزات الإدارية في بعض المستشفيات العمومية التي تطلب من المرضى أداء جزء أو كل نفقات التشخيص والعلاج، وهذا مرفوض قطعا، استنادا إلى مذكرة الوزارة الموجهة لمدراء الصحة الجهويين.

وحسب رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، فإن “المطلوب اليوم هو تنزيل السجل الاجتماعي الموحد، لتحديد الفئات المستهدفة، وحذف آلاف الاشخاص الذين لهم إمكانيات كبيرة ويتوفرون على بطاقة الراميد، ثم تسجيل آلاف المواطنين من الفقراء والمحتاجين في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض لتتحمل الدولة انخراطهم، فالمطلوب هو التغطية الصحية الشاملة وتوفير رعاية صحية شاملة ذات جودة عالية لجميع فئات المجتمع دون تمييز، وتحسين جودة الخدمات المقدمة مع ضمان التوزيع العادل والمساواة بين المواطنين والجهات وبأقل تكلفة ممكنة بالقطاع الخاص وتخفيض أسعار الأدوية، وأن تستمر الدولة في تحمل تكاليف الخدمات الوقائية وتنظيم الأسرة والطوارئ في  نظام تضامني وتكافلي واجتماعي، بمشاركة جميع أفراد المجتمع، وتتكفل الدولة بغير القادرين، بهدف تخفيض مساهمة الأسر في النفقات الإجمالية للصحة والتي فاقت 60 في المائة، وتقليل الإنفاق الشخصي على الخدمات الصحية وتسعير الخدمات الطبية بطريقة عادلة”.

ويؤكد علي لطفي، أن “نظام التأمين الصحي يهدف إلى خفض معدلات الفقر والمرض عن طريق نقل العبء المالي المترتب عن حدوث المرض من الدخل الفردي للمواطن إلى نظام مالي قوي لديه القدرة المالية لتحمل هذا العبء، والعمل على توفير الحماية الطبية الكاملة للأسرة مقابل تسديد الاشتراكات للأسرة القادرة، في حين، تتحمل خزينة الدولة نيابة هذه النفقات عن الأسر الفقيرة والتي في وضعية هشاشة، مما يساعدهم على تجنب مواجهة الإنفاق على صحتهم، وهو ما يؤدي إلى تحسين معيشتهم”.

بعض الفئات من المواطنين فوجئوا بتسجيلهم ضمن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مما فرض عليهم تسديد واجبات الانخراط، خاصة وأن فئة عريضة منهم لا تتوفر على عمل قار ومستمر، مثل العاملين في القطاع غير المهيكل أو الباعة المتجولين في الأسواق الأسبوعية، أو الفلاحين الصغار، أو الذين يشتغلون من منازلهم، ولمواجهة هذا الإشكال، تقدمت البرلمانية خديجة أروهال، بسؤال إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد أيت الطالب، ووزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، من أجل اتخاذ الإجراءات الكفيلة باستفادة الساكنة القروية المستضعفة من تعميم التغطية الصحية، قائلة أن “فئات عريضة من ساكنة العالم القروي، المتسمة أوضاعها بالفقر والهشاشة، استبشرت خيرا بالشروع في تفعيل ورش تعميم التغطية الصحية، لا سيما من خلال التطلع نحو إدراجها ضمن الفئة غير القادرة على تحمل واجبات الانخراط الشهرية في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض”، وكشفت أن العديد من المواطنين البسطاء في العالم القروي تم تسجيلهم في السجل الوطني الفلاحي، بهدف الاستفادة من الشعير المدعم الذي يباع للفلاحين الصغار بثمن درهمين للكيلوغرام، وعلى إثر هذا التسجيل ذي الغرض المحدد، تم تحويل المعطيات المتعلقة بهؤلاء المواطنين المستضعفين إلى صندوق الضمان الاجتماعي، وإدماجهم بالتالي قسرا ضمن الفئات التي يتوجب عليها أداء أقساط شهرية للاستفادة من نظام التغطية الصحية الإجبارية “أمو”، مؤكدة أن هذه الساكنة القروية تعيش أوضاعا اقتصادية واجتماعية صعبة، خصوصا بعد الجائحة وتوالي سنوات الجفاف، وهو ما يجعلها عاجزة عن أداء أقساط الاستفادة من نظام التغطية الصحية الإجبارية .

وأوضحت أروهال، أن “عددا من المواطنات والمواطنين، ولا سيما في جماعات إقليمي تيزنيت وسيدي إفني، فوجئوا بمكالمات هاتفية ورسائل نصية من مصالح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تطالبهم بالإسراع في أداء واجب الاشتراك في نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض (AMO)، على أساس أنهم مدينون لهذا الصندوق بمبالغ مالية متراكمة منذ شهور”، مبرزة أن المتضررين، الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا الاستفادة من الشعير المدعم، توجهوا لمصالح المديرية الإقليمية للفلاحة، من أجل إيداع طلبات إلغاء اشتراكهم في نظام السجل الوطني الفلاحي، وأكدت أن هذا الوضع من شأنه أن يؤدي إلى عدم استفادة المعنيين من أي تغطية صحية، بالنظر إلى محدودية دخلهم، فضلا عن عدم قدرتهم على تسديد واجبات الانخراط الشهرية في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وهو الأمر الذي يهدد بعدم تحقق الأهداف المتوخاة كاملة من ورش الحماية الاجتماعية.

تعليق واحد

  1. اسكافي يتكلم اني اشتغل بمردودية عادية البي نفقات المنزل والحياة بصعوبة كنت حامل لبطاقة الرميد اصبحت امو تضامن والسجل الموحد الغى لي التغطية الصحية امو تضامن بسبب المؤشر عالي العتبة لا يهم اكلف نفسي وادفع الاشتراك ولكن المشكل اني عندما تكون ازمة صحية لافراد عاءلتي يجب ان ادفع الفرق في المستشفيات ونصف الدواء لا يعوض اهذا عدل بالنسبة لشخص بكل صعوبة يوفر المعيشة لاسرته فرحنا بالحماية الاجتماعية ولكن في هذا البلد لا فرحة كاملة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى