تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | الشروع المتأخر في مراقبة الأسواق يعري واقع الاحتكار والتلاعبات وغياب العمالات

كشفت الحملة الوطنية التي تقوم بها وزارة الداخلية والمصالح المختصة المكلفة بجودة البضائع والأثمان، عن تلاعبات كبيرة في مختلف الأسواق الوطنية ولدى المحلات التجارية والمستودعات، وغيرها من النقط التجارية، مما يدل على وجود تقصير من قبل الحكومة والسلطات في ضبط أسعار المواد الغذائية والخضر والفواكه واللحوم، الأمر الذي سمح للسماسرة وتجار الجملة والتقسيط بالزيادة في الأسعار مستغلين غياب المراقبة.

إعداد: خالد الغازي

    أسفرت الحملة التي تقوم بها السلطات على مستوى مختلف العمالات والأقاليم لأسواق الجملة والتقسيط، عن رصد العديد من التجاوزات والمخالفات المتمثلة في ضبط العديد من المواد الغذائية المخبأة في مستودعات سرية من خضر وفواكه، ومواد غذائية مصنعة، بالإضافة إلى تسجيل العديد من المخالفات المتعلقة بعدم إشهار الأثمنة وغياب الفواتير للكشف عن مصدر المواد والبضائع التي تفتقد للجودة.

وينص القانون رقم 24.09 المتعلق بجودة المنتجات الغذائية والخدمات، على ضرورة مراقبة الأسواق من أجل حماية المستهلك من الأخطار الصحية التي قد تشكلها هذه البضائع والمنتوجات الصناعية المعروضة في الأسواق الوطنية، وأيضا للحفاظ على مصلحة الفاعلين الاقتصاديين وتحقيق المنافسة الشريفة في الأسواق الداخلية، خاصة وأن هناك فئة من الوسطاء والمضاربين يستغلون قانون حرية الأسعار للتلاعب في الأثمنة عبر إخفاء البضائع وتقليل العرض مقابل ارتفاع الطلب، مما يتسبب في ارتفاع أسعار البضائع والسلع في أسواق الجملة  والتقسيط.

وقد خلف ارتفاع أسعار الخضر والمواد الغذائية استياء كبيرا في صفوف المواطنين وارتفعت الأصوات المطالبة بتدخل السلطات، من أجل الحد من الفوضى والتسيب الذي تشهده الأسواق، لاسيما على صعيد أسواق الخضر والفواكه، بسبب تحكم المضاربين والسماسرة في رفع الأثمنة، الشيء الذي يدفع بعض تجار التقسيط لعدم شراء السلع، نظرا لارتفاع سعرها بشكل مهول، في ظل ظروف اقتصادية صعبة على المواطنين وتدهور القدرة الشرائية مقابل جمود الأجور والرواتب، مما جعل الرأي العام يحمل المسؤولية للحكومة بالدرجة الأولى، وللجن المراقبة والجهات المعنية.

وفي هذا الإطار، قامت مصالح المراقبة بتنسيق مع مصالح مكتب السلامة الصحية والمنتجات الغذائية، بحجز أزيد من 11 طنا من المواد الغذائية منتهية الصلاحية بحي يعقوب المنصور بالرباط، مكونة من الدقيق والقطاني والفواكه الجافة والتوابل، وذلك في إطار محاربة الغش وانعدام الجودة واحتكار المواد واستغلال الظرفية الاقتصادية والقيام بممارسات غير قانونية، حيث كشفت السلطات أن المستودع المعني لا يتوفر على ترخيص ولا يستجيب للشروط التقنية والصحية الواجب توفرها لتخزين المواد الغذائية القابلة للاستهلاك.

ويرى الدكتور بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن الاستياء الذي يعرفه الشارع المغربي تجاه مستوى أسعار الخضر والمواد الغذائية، أدى إلى خروج لجن المراقبة المناسباتية، التي يجب أن تقوم بعملها طوال السنة للحد من ارتفاع الأسعار وحماية القدرة الشرائية للمواطنين، ومحاربة العديد من التجاوزات والاختلالات والاحتكار وتخزين السلع والمواد الغذائية، حتى تنخفض الأثمنة ويعود الاستقرار للأسواق، مضيفا أن هذه الحملات أسفرت شيئا ما عن تحقيق انخفاض في الأسعار ولقيت ترحيبا من الناس بعدما تم حجز كميات وأطنان من المنتوجات الفلاحية والمواد الغذائية مخبأة في مستودعات سرية، مما يساهم في ارتفاع سعرها في الأسواق.

وأوضح نفس المتحدث، أن هناك العديد من المظاهر السلبية التي تمس وتضر بجيب المستهلك المغربي وبصحته، والتي تستوجب المراقبة بشكل مستمر، منها جودة وسلامة المنتجات الصناعية والغذائية، ومراقبة الموازين لدى التجار، لأن بعض عديمي الضمير يقومون بالغش في الأوزان دون أن ينتبه المستهلك لذلك، إلى جانب بعض الشركات الصناعية التي تقوم بنقص وزن المنتوج في العلبة وتترك نفس السعر، وهذا تحايل يعاقب عليه القانون رقم 08.31، مشددا على ضرورة أن تقوم لجن المراقبة بعملها طوال السنة، وتعزيزها بأطر إضافية حتى تستطيع القيام بعملها في المراقبة ومحاربة والغش والتدليس، حيث قال: “هناك فراغ على طول السنة لهذه اللجن، فلكي تخرج للميدان وتقوم بعملها على أكمل وجه، يجب أن تكون تحت إشراف العامل أو الباشا، اللذين يسهران على استدعاء جميع المصالح للخروج والقيام بالمراقبة، لكن هناك إشكالية تكمن في هذه اللجن المختلطة والمكونة من مختلف المصالح والقطاعات، فالقانون والمشرع لم يوص بإحداث لجن مختلطة للمراقبة ولا يوجد نص في ذلك، لكن هناك دورية لوزارة الداخلية يتم الاستناد إليها للخروج والقيام بمراقبة الأسواق، بينما منح المشرع لكل مصلحة الحق في القيام بالمراقبة الدائمة”، “خاص تكون مسيرة من طرف العامل أو الباشا، هو اللي خاص يسهر على هاذ اللجنة لكي يستدعي جميع المصالح للخروج والقيام بالمراقبة، ففي الوقت الذي خرجوا فيه يوم السبت الماضي، وذهبوا لسوق الجملة، وجدوا القليل من الخضراوات والفواكه ولم تجد اللجنة تجار الجملة والزبناء، حيث كان السوق ضعيفا جدا بينما المدينة تعج بالخضراوات والفواكه في أسواقها الداخلية والشعبية، فمن أين مصدرها؟ وعند البحث عن السبب، اكتشفنا أنه تم خلق سوق عشوائي في بوابة المدينة وسط الغابة استغله التجار وأصحاب الشاحنات لبيع البضائع والخضراوات بعدما عرفوا بخروج اللجنة، وهذا يدل على عدم نجاعة وجودة اللجن المختلطة، لأن الجميع يعلم أين تذهب ولم يبق عنصر المفاجأة لكي يتم ضبط المخالفين”، يوضح الخراطي.

ودعا نفس المصدر إلى إحداث مؤسسة واحدة تعنى بمراقبة السلع والمواد الغذائية وحماية المستهلك على غرار الدول المتقدمة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي لديها وكالة الغذاء والدواء “إف. دي. آي”، وكندا التي لها مكتب حماية المستهلكين، وذلك لكي تكون المراقبة دائمة طيلة السنة عوض الحملات الموسمية التي تعرف تداخل عدة مصالح وزارية وقطاعات متعددة، والمثل المغربي يقول “الوجه المشروك عمرو ما يتغسل”، معتبرا أن حماية المستهلك والمواطنين من مسؤولية الحكومة التي تتحمل موارد مالية مهمة لاستيراد الأدوية من الخارج لعلاج بعض الأمراض المستعصية مثل السرطانات، وبالتالي، يجب أن تعمل على حماية صحة المستهلك.

وأكد رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن المستهلك المغربي يحتاج إلى تغيير عقليته والتحلي بثقافة ترشيد الاستهلاك وعدم التبذير والإسراف، حيث أنه مع اقتراب شهر رمضان المبارك، يكثر الإقبال على شراء المواد الغذائية والسلع والخضر واللحوم بكثرة، فهناك من يشتري 20 كيلوغراما من الطماطم، أو 30 كيلوغراما من البصل، ويكثر تهافت المواطنين على المواد الغذائية رغم أن العرض كثير والسلع والخضر متوفرة بكثرة في هذا الشهر الفضيل، مشيرا إلى أن هذا السلوك السلبي للمواطنين عبر شراء كميات كبيرة من السلع والمواد الغذائية يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بسبب زيادة الطلب، بينما الأجدر هو شراء الكمية المطلوبة للاستهلاك تفاديا للتبذير ورميها في القمامة.

وتابع الخراطي قوله: “وفيما يتعلق بتواريخ نهاية صلاحية المنتجات الغذائية، لا يمكن مراقبة كل تاجر، وهنا يجب العودة للمنتج وصاحب الشركة المنتجة الذي يجب أن يكون لديه نظام لتتبع بضاعته، وعليه أن يقوم بجمع السلع والبضائع منتهية الصلاحية من المحلات التجارية، وسحبها من السوق، وإشعار التجار بذلك، لكن لحد الآن، ليس لدينا نظام بهذا الشكل، وما يزيد من صعوبة تطبيقه هو وجود السوق غير المهيكل والذي تباع فيه السلع والمنتجات منتهية الصلاحية بدون فواتير وبدون رقابة”.

ينص القانون رقم 24.09 المتعلق بسلامة المنتجات الغذائية والخدمات، على ضرورة مراقبة الأسواق، لحماية المستهلك من الأخطار المرتبطة باستعمال المنتوجات الصناعية المعروضة في مختلف الأسواق الوطنية، والمنتوجات الصناعية والصيدلية، وتسمح مراقبة السوق الداخلية بالحفاظ أيضا على مصالح مختلف الفاعلين الاقتصاديين، سواء منتجين وصناع أو مستوردين أو موزعين، وذلك قصد توفير المنافسة الشريفة على صعيد السوق المحلي.

وتعمل اللجان الإقليمية والمحلية المختلطة المكلفة بمراقبة الأسواق والتوزيع على مستوى العديد من العمالات، عبر القيام بجولات ميدانية مكثفة ومتواصلة بنقاط البيع وأسواق الجملة وأسواق القرب، لضمان مراقبة الجودة والأسعار، ومحاربة المضاربات والاحتكار، وضمان الشفافية في المعاملات التجارية، وتتبع وضعية التموين وتطبيق أثمان تتناسب مع وضعية السوق الحقيقية ووضعية المنطقة.

وفي تقرير له، كشف الاتحاد الوطني لجمعيات أسواق الجملة للخضر والفواكه بالمغرب، أن نسبة المنتوجات الفلاحية التي تمر عبر أسواق الجملة للخضر والفواكه، لا تتجاوز 28 في المائة من إجمالي المنتوج الوطني، وهو ما تؤكده تقارير المجالس الجهوية للحسابات، والمندوبية السامية للتخطيط، وأجوبة وزير الداخلية في البرلمان، مما يطرح السؤال عن مصير 72 في المائة الباقية من المنتوجات، وكيف يتم ترويجها داخل تراب العمالات والأقاليم، كما أن المستفيد الأكبر من هذا الارتفاع هي ميزانية الجماعات المحلية ووكلاء الأسواق، حيث راكمت الجماعات أكثر من 39 مليار سنتيم سنة 2022.

في هذا السياق، يقول محمد بنقدور، رئيس الجامعة الوطنية لجمعيات المستهلك: “حين تغيب المراقبة، يترك المجال مشرعا لكل المتلاعبين ليس فقط بالجيوب، ولكن حتى بصحة المواطن، وحجز السلطات لأطنان من المواد منتهية الصلاحية مؤخرا، دليل على أن هناك تجاوزات وربما هناك مواد استهلكت من قبل، وهناك تبعات وأضرار صحية، وأشياء أخرى، وبالتالي، فهذه الحملات الموسمية لا تجني شيئا، والملاحظ أنه قبل شهر رمضان دائما يتم خلق لجن للمراقبة وتخرج قبل الشهير الفضيل أو خلاله، ولكن بعده لا أحد يراقب أو يتتبع وضعية الأسواق والمنتجات الغذائية، مما يؤكد أن هناك لوبيات وأشخاص يعرفون طريقة اشتغال الدولة والإدارة مع هذه الحملات ويستغلون الفراغ الموجود طيلة 11 شهرا لكي يتلاعبوا بالأسعار وبالصحة والقدرة الشرائية للمواطنين”.

وأوضح بنقدور، أن هذه المراقبة غير كافية للسوق الوطنية، لأنها تأتي في ظرفية وجيزة أو موسمية، رغم أنها تدفع المحلات التجارية والبقالة إلى إشهار الأثمان وتحقيق النظافة، إلا أن الملاحظ هو غياب الإمكانيات وقلة الموارد البشرية لهذه اللجن قصد تغطية ومراقبة كافة التراب الوطني وضبط المخالفين والمتلاعبين، مبرزا أن الجامعة الوطنية لحماية المستهلك طالبت في عدة مناسبات بإنشاء مؤسسة واحدة للمراقبة وحماية المستهلك عوض أن تظل مسألة المراقبة موزعة بين وزارة التجارة المسؤولة عن جودة المنتجات، ووزارة الفلاحة (مكتب السلامة الصحية)، بحيث تكون مصالح وزارة الداخلية مطالبة بالتنسيق بين القطاعات والأجهزة لتفعيل المراقبة، وبالتالي، أصبح من الضروري خلق هيئة واحدة مستقلة تجمع مصالح الوزارات في مؤسسة واحدة، تكون لديها الإمكانيات اللازمة والاستقلالية في القرار لتفعيل المراقبة على مدار السنة عكس ما حصل لمجلس المنافسة، الذي سبق أن أصدر غرامة في حق شركات المحروقات بنسبة 8 في المائة وخلق ضجة كبيرة، ورغم خروج قانون جديد لتفعيل دوره، إلا أن غياب المراسيم التطبيقية تجعل مهام المجلس متوقفة إلى إشعار آخر في ظل قانون “أعرج” لا يمكن أن يعزز دوره على أرض الواقع لمحاربة الاحتكار.

فالقانون رقم 12.104 يمنح للجن المراقبة التابعة للعمالات والأقاليم تحرير المحاضر للمحتكرين وحجز المنتوجات والسلع، وفرض غرامات على المخالفين، بالإضافة إلى ذلك، هناك امتيازا منحته الحكومة للمراكز التجارية الكبرى والمساحات الكبرى والمجمعين الفلاحيين، يتعلق بتوزيع المنتوجات الفلاحية دون الولوج لأسواق الجملة للخضر والفواكه بالمغرب وفق القانون رقم 21.37، ومع ذلك، لم يجد المستهلك المغربي أي تخفيض في أسعار المنتوجات بالأسواق الكبرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى