تحقيقات أسبوعية

متابعات | الشركات الجهوية.. هل تقضي على التدبير المفوض أم تعيد له الحياة ؟

أثار مشروع قانون الشركات الجهوية متعددة الخدمات، جدلا واسعا بين الهيئات النقابية وبين مستخدمي شركات التدبير المفوض والوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، الرافضين لهذا المشروع الذي يمس بعمومية القطاع ويزيد من خوصصته.

ويأتي مشروع الشركات الجهوية بعد تجربة التدبير المفوض، التي عرفت عدة إكراهات تهم التزامات الاستثمار والتتبع، وغيرها من الصعوبات دفعت الدولة إلى إعادة تقييم هذه التجربة، واعتماد شركات التنمية المحلية كبديل عن ذلك، ويعتبر مشروع الشركات الجهوية تمديدا من الدولة لهذا التصور الجديد، مما يطرح التساؤل حول كيفية تدبير قطاع الماء والكهرباء، لا سيما وأن المكتب الوطني ظل يقدم خدمات لعموم المواطنين في مختلف الجهات بتعرفة اجتماعية بشكل تضامني حفاظا على المستوى المعيشي للمواطنين، فهل الشركات الجهوية ستحافظ على القدرة الشرائية للجميع؟

إعداد: خالد الغازي

تتمة المقال بعد الإعلان

    منذ تأسيسه سنة 1972، حقق المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب الكثير من النتائج والأهداف، من خلال التخطيط الاستراتيجي على المدى البعيد وإنتاج الماء والحفاظ عليه، كما قام بدور مهم في مجال توزيع الماء وتطهير السائل بالعديد من المدن والجماعات والمراكز القروية، حيث ساهم بشكل فعال في تعميم التزود بالماء الصالح للشرب في الوسط القروي، إذ بلغت نسبة تزويد الناس حوالي 99 في المائة بالمدن و97 في المائة بالعالم القروي، وبالرغم من النتائج المسجلة للمكتب، إلا أن الدولة جعلت المكتب يعيش عدة إكراهات تؤثر عليه سلبا، لعدم أدائها مستحقاته من الضريبة على القيمة المضافة، ومتأخرات الاستهلاك لدى الإدارات العمومية، ومتأخرات بيع الماء للوكالات، وكذا مستحقات المكتب في مساهمة الجماعات في تمويل المشاريع المشتركة للماء الصالح للشرب.

فقد ظل المكتب ينتج ويوزع الماء لعموم المواطنين بتعرفة اجتماعية وبشكل تضامني بين الجهات، حفاظا على المستوى المعيشي للمواطنين ودون استهداف للربح، كما أن التقارير الرسمية للمجلس الأعلى للحسابات أشارت إلى تشابه مستوى الخدمة المقدمة للمرتفقين مثل باقي الشركات المتدخلة في القطاع، من وكالات وغيرها.

يرى نقابيون ومتتبعون لقطاع الماء والكهرباء، أن القطاعات الاجتماعية مثل الصحة، التعليم، وقطاع الماء، لا يمكن أن تراهن فيها الدولة على خدمات الخواص، نظرا لتناقض مبدأ الخدمات الاجتماعية والتدبير عبر الخواص الذي يهدف للربح، وهما شيئان نقيضان، إلى جانب أن الورش يجب أن يحظى بنقاش عمومي وطني حوله، وبتشخيص معيقاته والحلول الممكنة وضرورة تحمل الدولة لدورها في حماية الطبقات الهشة، مع الأخذ بعين الاعتبار ما يعاني منه المواطنون جراء غلاء المعيشة برفع الدعم عن المحروقات وتحرير أسعارها، والتدابير المتخذة لدعم مهنيي النقل دون أن تفي بالغرض المنشود.

تتمة المقال بعد الإعلان

في هذا الإطار، يرى محمد زروال، رئيس الجامعة الوطنية لعمال الطاقة، أن “القرارات والإجراءات التشريعية التي جاء بها مشروع القانون، متسرعة ومرتبكة وغير منسجمة، فهي ضد منطق الواقع الدولي المتجلي في بدء التراجع عن تلك الوصفات الليبرالية الجاهزة في قطاع الكهرباء، والاتجاه نحو تعزيز وضع المؤسسات العمومية وأدوارها الاستراتيجية في تقوية سيادتها الوطنية”، مشيرا إلى أن مكتب الجامعة تفاجأ بتمرير القانون بعدما تم عقد عدة اجتماعات تقنية حضورية وأخرى عن بعد، فتح فيها نقاش جدي وموضوعي حول مضمون مشروع اتفاق الإطار الذي جمع الحكومة والمكتب الوطني والجامعة الوطنية لعمال الطاقة وشكل خارطة طريق لحفظ الحقوق والمكتسبات للمستخدمين المتضمنة في النظام الأساسي، وعلى رأسها التقاعد والتعاضدية والخدمات الاجتماعية والحرية النقابية.

وأكد زروال أن الجامعة الوطنية لعمال الطاقة، تعتبر تمرير مشروع القانون رقم 83.21 المتعلق بالشركات الجهوية المتعددة الخدمات للقناة التشريعية، في صيغته الحالية، (تعتبره) نقضا لكل العهود والنوايا الحسنة التي أبدتها كل الأطراف في الوصول إلى حلول ناجعة للإشكالات المطروحة على مستوى الحقوق والمكتسبات المهنية والاجتماعية، وكذا الحفاظ على التوازنات المالية للمكتب، الضامن الأساسي لتلك الحقوق، معتبرا أن تغييب الشرط الاجتماعي يعد تعطيلا للفصل الثاني من الدستور، وكذا التوصيات الملكية بخصوص الحوار الاجتماعي ومأسسته، داعيا إلى مواصلة الحوار حول مشروع الاتفاق الإطار المقدم من طرف الجامعة الوطنية والذي وصل فيه النقاش إلى مراحل متقدمة.

بدوره، اعتبر أحمد صدقي، برلماني سابق وعضو سابق في لجنة البنيات الأساسية والطاقة والمعادن والبيئة بمجلس النواب، أن مشروع القانون المتعلق بالشركات الجهوية يثير المخاوف والقلق على عدة مستويات: الأول يرتبط بالبعد الاستراتيجي، حيث أن هذه الخدمات التي تقدمها مؤسسات ومكاتب وطنية تمثل تجليا لاستقلال القرار الوطني منذ الاستقلال، وقد تطلبت عملية تدبيرها ميزانيات مالية كبيرة من المال العام، كما توفرت لها خبرات كبيرة من خيرة الأطر الوطنية والتي أمنت ديمومة وضمان الخدمات لمدة طويلة، ما يعني أن هذا التفويت سيكون محفوفا بالمخاطر الاستراتيجية، والمستوى الثاني مرتبط بضمانات إنجاح هذه العملية على المستوى التقني، حيث أن الخبرات التي كانت تتوفر عليها هذه المكاتب والمؤسسات، يصعب أن تبنى بانتقال بسيط على الشاكلة المعلنة في المشروع، مسجلا تخوفه الكبير من إمكانية النجاح التقني لهذه العملية في علاقة بهذا الانتقال المؤسساتي وما تحقق من تراكم للخبرات، وإمكانية حدوث إشكالات في حسن استمرار واستدامة هذه الخدمات وفي حسن تدبيرها وحكامتها.

تتمة المقال بعد الإعلان

وأضاف ذات المتحدث، أنه يجب تقديم ضمانات للمواطنين فيما يهم ديمومة التزويد بهذه المواد في إطار التغيير المؤسساتي الذي سيحصل، وفيما يخص الجودة والتكلفة والأسعار المناسبة، إلى جانب الضمانات المرتبطة بالشغيلة والمستخدمين السابقين ووضعيتهم في إطار المؤسسات الجديدة التي ستحدث في هذا المشروع، مشيرا إلى أن التجارب السابقة لمثل هذا الانتقال تخلق إشكالات حقيقية تعاني منها الشغيلة في وضعيتها الإدارية والمالية وحقوقها المختلفة، وفي ضمان ديمومة تلك الحقوق.

وفي هذا الصدد، حذر فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، من المساس بخدمات توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء وتطهير السائل، باعتبارها خدمات عمومية حيوية واستراتيجية، وطالب الحكومة بالخروج للرأي العام قصد تفسير خلفيات ومضامين وتوجهات هذا المشروع الذي أثار، منذ ظهوره، مخاوف مجتمعية حقيقية من الاتجاه نحو تبضيع خدمات أساسية تندرج ضمن إطار المرفق العمومي الذي لا يحتمل التفويت بأي شكل من الأشكال.

تتمة المقال بعد الإعلان

وقد رفضت الجامعة الوطنية لعمال الطاقة، مشروع قانون الشركات الجهوية، لكونه لم يستوف حقه من النقاش، خصوصا المادة 16 منه والمتعلقة بحقوق ومكتسبات المستخدمين، ومضمونا، لأنه يجرد المكتب من كل ممتلكاته ويضرب في العمق توازناته المالية، مسجلة عدة ملاحظات على مشروع القانون 21-83 المحدث للشركات الجهوية المتعددة الخدمات بصيغتها الحالية، أهمها “التساؤل المشروع عن أسباب الإيقاف غير المعلن وغير المفهوم لمسار الحوار الذي انطلق منذ شهور مع كل الفاعلين في القطاع، وكذا إخراج مشروع قانون يعتبر بمثابة التصفية الفعلية لمؤسسة عمومية استراتيجية.

وأعربت الجامعة عن استغرابها لشرود أغلب الفاعلين السياسيين عن الانتباه إلى هكذا موضوع استراتيجي هو من صميم مهامهم وأدوارهم الدستورية، والذي سيمس بالسيادة الطاقية لبلدنا، وستكون له – لا محالة – تداعيات وخيمة على الفئات الشعبية، مشددة على ضرورة استحضار الظروف الدولية العالمية وما تتسم به من أزمات على رأسها الأزمة الطاقية، المتجلية في ارتفاع أسعار المحروقات والتي ألحقت أضرارا كبيرة بكبريات الشركات الوطنية عبر العالم.

من جهته، اعتبر وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، أن مشروع القانون المتعلق بإحداث الشركات الجهوية جاء لمعالجة مجموعة من الإكراهات التي يعاني منها قطاع توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء وتطهير السائل، والتي تحول دون إمكانية الاستجابة بشكل فعال للطلبات المتزايدة على هذه المرافق الأساسية، خاصة أمام تحديات التغيرات المناخية وأهمية الاستثمارات التي أصبح يقتضيها توفير هذه الخدمة العمومية للمرتفقين.

تتمة المقال بعد الإعلان

وأضاف لفتيت، أن مواجهة التحديات المذكورة، تقتضي توفير إطار تدبير متميز لها يسمح بضمان فعالية الاستثمار العمومي، وتكامل مدارات التوزيع، علاوة على التنسيق والتكامل بين مختلف المتدخلين.

ويهدف مشروع القانون الذي وضعته مصالح وزارة الداخلية، إلى وضع آلية تدبير ملائمة في شكل شركات جهوية متعددة الخدمات تشكل إطارا مؤسساتيا لتظافر جهود جميع المتدخلين في سبيل الرفع من مستوى تدبير هذه المرافق الحيوية، عبر إحداث شركة جهوية متعددة الخدمات تخضع للقانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، ولنظامها الأساسي، والتي ستقوم بتدبير مرفق توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء وتطهير السائل، والإنارة العمومية عند الاقتضاء، أو تتبع تدبير هذا المرفق في الحالة المنصوص عليها في المادة 10 من هذا القانون، وذلك في حدود مجالها الترابي بناء على عقد التدبير المبرم مع صاحب المرفق.

وأعطى القانون للشركة الجهوية في المادة الثانية منه، الحق في القيام بجميع الأنشطة والعمليات الصناعية والتجارية والعقارية والمالية ذات الصلة بغرضها الرئيسي، ويمكنها أيضا – بمقتضى عقد التدبير – أن تقوم بتحصيل الرسوم أو الأتاوى، أو الأموال أو المساهمات أو الفواتير لحساب صاحب المرفق أو الدولة أو لحسابها الخاص، حسب الحالة، كما أتاح القانون للشركة، لأجل إنجاز غرضها، الاستفادة من حق الارتفاق المنصوص عليه في التشريع الجاري به العمل فيما يخص منشآت وقنوات توزيع الماء والكهرباء وتطهير السائل، ومن حق نزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت لأملاك الخواص طبقا للتشريع الجاري به العمل.

وأجاز مشروع القانون للمؤسسات والمقاولات العمومية، وكذا للجماعات الترابية ومجموعاتها ولمؤسسات التعاون بين الجماعات التي تدخل في المجال الترابي للشركة، (أجاز لها) أن تساهم في رأسمال الشركة، موردا في المادة الثالثة منه أنه “يمكن للشركة فتح رأسمالها للقطاع الخاص على ألا تقل في جميع الأحوال مساهمة الدولة عن 10 في المائة”.

وينص المشروع على ضرورة إحداث الشركة لتمثيليات للقرب على الأقل على مستوى كل عمالة أو إقليم يدخل ضمن مجالها الترابي تتوفر على الوسائل والصلاحيات الضرورية لضمان جودة خدمات القرب الموكولة إلى الشركة بمقتضى عقد التدبير، بما في ذلك تتبع العقود التي قد تبرمها الشركة مع الأشخاص الاعتباريين الخاضعين للقانون الخاص.

وبخصوص مساهمة القطاع الخاص، نص مشروع القانون على أنه “يمكن للشركة، بعد موافقة صاحب المرفق، أن تعهد إلى أشخاص اعتباريين خاضعين للقانون الخاص بموجب عقود، ووفق الشروط المحددة في عقد التدبير ببعض من المهام الموكولة إليها بمقتضى العقد المذكور”، مضيفا أنه “في هذه الحالة تظل الشركة مسؤولة إزاء صاحب المرفق والأغيار عن الوفاء بجميع الالتزامات التي يفرضها عليها عقد التدبير، كما تقوم الشركة بتوجيه تقارير دورية إلى صاحب المرفق بخصوص تنفيذ العقود المذكورة، والتي لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد التأشير عليها من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية”، كما تضع الجماعات الترابية مجانا رهن إشارة هذه الشركات الجهوية التي ستحل محل شركات التدبير المفوض الحالية، وطبقا لعقد التدبير، المنقولات والعقارات اللازمة لتدبير مرفق الماء والكهرباء وتطهير السائل والإنارة العمومية.

فبالنسبة للماء الصالح للشرب، سيتم وضع رهن إشارة الشركات الجديدة، مجموع منشآت وتجهيزات التوزيع والمنشآت الأخرى ذات الصلة بتوزيع الماء الصالح للشرب المنجزة بين نقطة التزويد بالماء من طرف الممون ونقطة ربط الزبون بالخدمة، وخاصة منشآت التخزين وقنوات التوزيع ومحطات الضغط والتعقيم والمعالجة والتجهيزات المتعلقة بالربط والعد، أما بالنسبة لتطهير السائل، فستستفيد هذه الشركات أيضا من مجموع المنشآت والتجهيزات ذات الصلة بتطهير السائل إلى حدود نقطة ربط الزبون بالخدمة، وتشمل على وجه الخصوص محطات الرفع ومحطات المعالجة وتجهيزات الضخ والإلقاء في البحر والقنوات والبالوعات، ونقط الربط ومنشآت توزيع المياه العادمة بعد معالجتها.

أما فيما يخص توزيع الكهرباء، فإن الشركات الجهوية المحدثة، سيتم منحها مجموع المنشآت والتجهيزات ذات الصلة بتوزيع الكهرباء إلى حدود نقطة ربط الزبون بالخدمة، وتشمل على وجه الخصوص مراكز التحويل من الضغط جد العالي أو الضغط العالي إلى الضغط المتوسط ومراكز التحويل من الضغط المتوسط إلى الضغط المنخفض والمراكز الموزعة والخطوط الكهربائية للتوزيع ونقط الربط ومنشآت العد.

ويلزم مشروع القانون صاحب المرفق، بأن “يضع مجانا رهن إشارة الشركة وطبقا لعقد التدبير، المنقولات والعقارات اللازمة لتدبير المرفق باعتبارها أموال رجوع”، لاسيما منشآت وتجهيزات التوزيع والمنشآت الأخرى ذات الصلة بتوزيع الماء الصالح للشرب المنجزة بين نقطة التزويد بالماء من طرف الممون ونقطة ربط الزبون بالخدمة، وبالأخص منشآت التخزين وقنوات التوزيع ومحطات الضغط والتعقيم والمعالجة والتجهيزات المتعلقة بالربط والعد، وكذا المنشآت والتجهيزات ذات الصلة بالتطهير السائل إلى حدود نقطة ربط الزبون بالخدمة، وتشمل على وجه الخصوص محطات الرفع ومحطات المعالجة وتجهيزات الضخ والإلقاء في البحر والقنوات والبالوعات ونقط الربط ومنشآت توزيع المياه العادمة بعد معالجتها.

ومن المنتظر أن يثير هذا المشروع قانون جدلا واسعا ونقاشا بعد إحالته على البرلمان من قبل الحكومة، خاصة ما يتعلق بحصر دور المكتب الوطني للكهرباء والماء في إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء والماء الصالح للشرب لفائدة المدبرين لهذه المرافق على الصعيد الترابي دون أن يكون له حق التدخل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى