جهات

حديث العاصمة | الدبلوماسية المنسية من ممثلي العاصمة الثقافية

بقلم: بوشعيب الإدريسي

    في الستينات من القرن الماضي، حسمت بلدية العاصمة آنذاك في اختيار النموذج الذي يليق بتعريف أزقتها وشوارعها وساحاتها ومداراتها، فكان الحسم في الاستمرار بتبني المعمول به في ذلك الوقت بالتسميات التي يمتزج فيها التاريخ مع السياسة والثقافة مع البيئة، وهي المعتمدة في جل العواصم الأوروبية، إلا أن العاصمة الأمريكية واشنطن خالفت هذا النموذج بانتهاج الترقيم لخريطة طرقاتها.

فمنذ حوالي 60 سنة، اجتهدت البلدية ثم الجماعة في إنجاح ما تهربت منه واشنطن لحساسية موضوع “التسميات”، بتقسيم المدينة إلى مناطق بشوارع أسماء الملوك والدول الذين تعاقبوا على حكم المملكة ومعهم أدمجت الدول والعواصم الأجنبية واختارت لهم منطقة تاريخية هي مقاطعة حسان، بينما ارتأت تخصيص مقاطعة أكدال الرياض لتحمل شوارعها أسماء عظماء التاريخ من الخلفاء الراشدين والعلماء والمفكرين والشعراء والمقاومين، والوديان والجبال المغربية، في حين كانت البيئة حاضرة في شوارع حي الرياض، ونكتفي هنا بالاستشهاد بمقاطعتين من 5، لإعطاء فكرة عن الذكاء الخارق في تنظيم جغرافية التسميات من طرف المكلفين وكلهم اليوم في دار البقاء، فهم اجتهدوا وثابروا وزرعوا ليحصد الخلفاء من بعدهم ثمارها، فمثلا، جل الدول والعواصم العالمية مسماة على شوارعنا، مثل شارع فرنسا، وشارع الأمم المتحدة، وهما يتميزان على غيرهما في كل شيء، وبالمناسبة يقعان في مركز حي أكدال.

وجاء الوقت لتجني الجماعة حصاد ما زرعه السالفون، وذلك بتعزيز الدبلوماسية الشعبية التي ظلت صامتة لمدة ليست بالقصيرة، ليفك هذا الحصاد لسانها، وتنطق بما ورثته، وتخبر به من يعنيهم الأمر من دول وعواصم وشخصيات سياسية وعلمية مثل: شارع سوكارنو، شارع باستور، شارع مصر، شارع القاهرة، شارع تونس، شارع الرياض، شارع دمشق، شارع بغداد، وشارع أوصلو، وكل العواصم تقريبا للعالم الغربي، بالإضافة لساحة روسيا.

وهنا نتوقف عند زنقة أمريكا بحي المحيط، فهي ضيقة ومظلمة على طول حوالي 70 مترا، أمريكا التي كنا أول بلد في العالم يعترف باستقلالها وحريتها وانعتاقها من براثين الاستعمار، أمريكا التي ترد لنا هذا الاعتراف التاريخي بمواقف مشرفة في قضية المغاربة الأولى الصحراء المغربية، فيجب على الأقل مساواتها بفرنسا التي لها شارع بجانب الحي الجامعي أكدال، ونتمنى من الجماعة إنصاف أمريكا الصديقة الوفية بإطلاق اسمها على الشارع المحاذي لشارع الدولة التي لا تزال تتلكأ في موقفها بخصوص سيادة المملكة على كامل ترابها، ونعني به شارع الأطلس، ليصبح “شارع أمريكا” بدلا من زنقة صغيرة أشرنا إليها أعلاه، وأن يكون الشارع المقترح بالاسم الرسمي: “شارع الولايات المتحدة الأمريكية”.

وبالمناسبة، هل يعي المجلس الجماعي الدور الفعال في الدبلوماسية والذي يمكن أن ينطلق من مبادرة تسميات الشوارع بالدول وعواصمها؟ وهذا واجب عليه الاحتفاء بها عند تدشينها والإخبار عنها للجهات المعنية.

إنها الدبلوماسية المنسية في العاصمة الدبلوماسية “يا حسرة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى