متابعات

متابعات | الدرهم المغربي يدخل دائرة الخطر من باب التعويم

خلق الدرهم ضجة كبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة، بعدما نشر محرك البحث “غوغل” معطيات متباينة عن قيمة الدرهم في البيانات التي يقدمها حول انخفاض وتراجع قيمة سعر الصرف بالدرهم أمام الدولار واليورو، مما طرح تساؤلات كبيرة لدى المواطنين: هل لجأ بنك المغرب إلى تعويم الدرهم الكلي؟ هل الظروف الاقتصادية تسمح باللجوء للتعويم؟ هل يمكن أن يصل المغرب للحالة المصرية المزرية بسبب تعويم الجنيه؟

الرباط. الأسبوع

    بدأ المغرب في إصلاح نظام سعر الصرف في شهر يناير 2018، حيث سمح بنك المغرب بسعر صرف الدرهم بهامش 2.5 في المائة صعودا أو نزولا، أمام عملتي اليورو والدولار كمرحلة أولى، ثم في سنة 2020، شرع في تطبيق المرحلة الثانية من تحرير سعر الدرهم عبر توسيع هامش التحرك إلى 5 في المائة ارتباطا بسلة عملات تضم اليورو بنسبة 60 في المائة والدولار بنسبة 40 في المائة.

وحسب بعض المحللين، فإن المغرب يحتاج إلى مدة قد تصل لـ 15 سنة للوصول إلى التحرير الكلي للدرهم، لأن المؤشرات الماكرو اقتصادية لم تعد مثل ما قبل 2019، سواء من حيث النمو الاقتصادي أو التضخم والعجز الذي تعرفه الميزانية، يعني أن التحرير الكلي لسعر صرف الدرهم سيخضع لقانون العرض والطلب، الشيء الذي قد يؤثر على الجوانب الاقتصادية في حال لم يتم التحكم في تداعيات هذه الخطوة، معتبرين أن التحرير الكلي لسعر صرف الدرهم سيكون مغامرة كبيرة تضر بالقدرة الشرائية للمواطنين، ومجازفة بالنسبة للاقتصاد الوطني في الظروف الاقتصادية الراهنة.

تتمة المقال بعد الإعلان

في هذا الإطار، أكد المحلل الاقتصادي المهدي فقير، أن المغرب لم يقم بتعويم جزئي ولا كلي، بل إنه قام بما نعتبره مرورا إلى نظام سعر الصرف المرن، ومسألة التعويم الكلي غير واردة على الأقل في الوقت الراهن وإن كان هناك تصريح لوالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، لا يمكن تصور ذلك إلا بعد 15 سنة، إذ يمكن تصور أن سعر الصرف يمكن أن يحرر، وبالتالي، لا توجد خارطة طريق أو آجال محددة وغير واردة، ونحن لا زلنا في سعر الصرف المرن حاليا بعدد “5-+ بالمائة”، يعني هوامش تغيير سعر صرف إلى إشعار آخر.

وأضاف نفس المتحدث، أن مسألة المرور لتعويم الدرهم معقدة، نظرا للمشاكل التي وقعت فيها بعض الدول مثل جمهورية مصر العربية، التي فقد فيها الجنيه قيمته أمام الدولار، ودول أخرى استنزفت مدخراتها من النقد الأجنبي مثل تونس، غير أن احتياطات المغرب أفضل، بفضل تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج وعائدات السياحة والصادرات، مما مكن المملكة من الصمود في هذه الظرفية الاقتصادية الدقيقة، مشددا على أن صانع القرار لن يغامر بالانتقال لمسألة التعويم، وبالتالي، لا مجال للحديث عن تعويم في المغرب، ولا يوجد توجه نحو ذلك في الوقت الراهن.

الجواهري

قضية شراء السندات

    قال المهدي فقير، أن قضية لجوء بنك المغرب لشراء سندات الخزينة من البنوك، تدخل في إطار تدخلات البنك المركزي لإعادة التوازن للنظام النقدي، موضحا أن “ما حصل هو ما يصطلح عليه مبايين أسعار الفائدة بعد رفع سعرها، وهذه المبيانات وقع فيها تغيير شكل نوعا من الضغط على الأسواق المالية، لهذا، فإن تدخل بنك المغرب لشراء السندات يدخل في إطار واجبه لإعادة التوازن لسوق الرساميل وإعادة الثقة للمستثمرين، وبالتالي، فهذا تدخل أصيل ودور مهم للبنك للحفاظ على التوازنات المالية وتواجد المستثمرين في السوق المالية”، لأن “شراء السندات يأتي في هذا السياق، وفي العديد من الأحيان على مستوى البورصة نجد بعض الشركات تشتري أسهمها من أجل إعادة التوازن المالي للأسواق، ومنه يكون التدخل واردا جدا ومسألة طبيعية تمليها ضرورة الحفاظ على توازن الأسواق المالية”، يضيف نفس المصدر.

تتمة المقال بعد الإعلان

ونفى فقير الشائعات الرائجة في مواقع التواصل الاجتماعي أو من قبل بعض صناع المحتوى، حول إمكانية لجوء بنك المغرب لطبع الأموال بعد قيامه بشراء سندات الخزينة من أجل تقديمها إلى البنوك، قائلا أنه ليس من السهل اللجوء لطبع الأموال، لأن هذا الإجراء يعتبر لعبا بالنار، وسيرفع من معدل التضخم، لذلك، فإن بنك المغرب لن يقوم بهذا الفعل ومن يروج لذلك يجهل دور البنك المركزي المتمثل في حل مشاكل السوق المالية، أما عملية طبع الأوراق وإغراق السوق المالية في ظل معدل تضخم يصل لـ 8.3 في المائة، فهو أمر غير منطقي وغير مقبول، موضحا: “من ينظر إلى الأمور بهذه الطريقة الميكانيكية، فهو يجهل أو يتجاهل أن دور البنك المركزي هو دور مركزي حيوي، لأن مشاكل الاقتصاد في الأسواق المالية لا تحل بهذه السهولة، والقول بإغراق السوق المالية في ظل ارتفاع معدل التضخم بدون طبع الأوراق، جهل من طرف الناس بالدور المركزي لبنك المغرب، إذ لا يمكن لمحافظ البنك أن يعطي تعليماته لطبع الأوراق المالية لإغراق السوق والبلاد هكذا، ومن تم، لا يوجد طبع للأوراق النقدية”.

وتابع ذات المصدر تحليله بالتطرق للحالة المصرية، حيث لجأت الدولة، خلال تآكل احتياطات النقد الأجنبي، إلى إجراءات احترازية من أجل منع هذا الضغط والتآكل للعملة الصعبة، مما أدى إلى انخفاض حاد في الاحتياطات من النقد الأجنبي، وبالتالي، انهيار للعملة إذ وصلت 34 جنيها مقابل دولار واحد، مبرزا أن ذلك أسفر عن اهتزاز الثقة في الاقتصاد المصري، مما دفع بالسلطات لإعادة النظر في الإجراءات الاحترازية للحفاظ على ثقة المستثمرين الأجانب والمحليين، والخروج من مرحلة اللايقين، قصد إعادة التوازن من احتياطي النقد الأجنبي، وذلك عن طريق تشجيع الاستثمارات الأجنبية والادخار بالعملة الصعبة، وتشجيع القطاعات المدرة للعملة، مثل السياحة.

فقد مرت خمس سنوات على خضوع الدرهم لتحرير جزئي منذ يناير 2018، حيث تحرك الدرهم في إطار محدد له بنسبة “ــ + 2.5 في المائة”، ثم انتقل إلى نطاق “+ ــ 5 في المائة” في شهر مارس 2020، حيث كان الهدف من التحرير الجزئي هو تقوية مناعة الاقتصاد الوطني في مواجهة التقلبات المالية الخارجية، والمساهمة في الرفع من مستوى النمو، والشروع في إصلاح نظام سعر الصرف، حيث يتوقع بنك المغرب أن يرتفع سعر الصرف الفعلي للدرهم بنسبة 3 في المائة خلال سنة 2023 وفي 2024.

في هذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي، أن مسألة التعويم مرتبطة بضغوط البنك الدولي، وقد بدأت هذه التوجيهات منذ سنة 2018، لكي يصل المغرب في النهاية إلى تعويم كامل وشامل، لكن حسب تصريحات والي بنك المغرب، فإن الاقتصاد المغربي لا زال غير مؤهل وغير جاهز للانتقال إلى مرحلة التعويم الكلي، مبرزا أن مسؤول البنك المركزي ليس ضد التعويم، وإنما يرى أن الاقتصاد غير مستعد لتحمل ذلك والظروف غير ملائمة، إلى جانب غياب الشروط التي تضمن الانتقال إلى هذه المرحلة في ظروف مرضية.

وأكد نفس المصدر، أنه لا يتفق مع التعويم الذي حصل في سنتي 2018 و2019، لأن الاقتصاد المغربي ليست لديه الإمكانية اللازمة لكي يتحمل شروط وظروف التعويم، سواء من جانب التجارة الخارجية أو من ميزان الأداءات، وحتى على مستوى بنية الاقتصاد برمته التي تبقى غير مؤهلة لكي تتحمل التعويم، مضيفا أن بنك المغرب يتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول هذه المسألة، وعندما تكون الضغوطات قوية، يلجأ لتنفيذ إجراء طفيف بنسبة “+ – 2.5 في المائة”، ثم ارتفع إلى “+ – 5 في المائة”، وبعد ذلك، جاءت أزمة جائحة “كورونا” وحرب أوكرانيا، إذن، فالبنك المركزي يرى أنه غير مستعد لذلك في ظل هذه الظروف الاقتصادية، ولا يمكنه الشروع في التعويم.

واعتبر أقصبي، أن الضغوط سوف تتواصل على بنك المغرب، خصوصا عندما تكون الظروف مناسبة اقتصاديا، للمرور لمرحلة التعويم، لأنه لا يوجد اختلاف مبدئي حول الانتقال لهذه المرحلة (التعويم) مع صندوق النقد الدولي، متسائلا: “هل تعويم الدرهم حل يمكن أن ينفع الاقتصاد المغربي، أو يساهم في تهديم الاقتصادي المغربي؟ هذا هو النقاش الحقيقي، لأن بنك المغرب لا يتحدث عن هذه الأمور، بل يعتبر أن التعويم لا بد منه، وفي نفس الوقت يقول أنه لا توجد ظروف مناسبة له.

وأوضح المصدر ذاته، أن مسألة التعويم مرتبطة بتوفر الظروف المناسبة التي ستسمح بذلك، وأيضا عندما تكون ضغوط البنك الدولي قوية، لكن الأزمة الاقتصادية الحالية لا تسمح لبنك المغرب بالمرور إلى هذه المرحلة، وبالتالي، فلن يلجأ للتعويم حاليا، قائلا: “إن الوضع الذي نعيشه حاليا، والظروف الحالية، أعطت تبريرا لبنك المغرب لكي لا يلجأ للتعويم”، وتطرق لمسألة غاية في الأهمية، تتمثل في وجود خلافات بين الهيئات والمؤسسات والحكومة، لا سيما بعدما رفضت الخزينة رفع سعر فائدة سندات الخزينة، مما دفع ببنك المغرب إلى شراء هذه السندات من البنوك، الأمر الذي يوضح أن كل مؤسسة تسير في الاتجاه المعاكس، مشيرا إلى مسألة التمويلات المبتكرة التي تقوم بها وزارة المالية بعيدا عن الأضواء والتي تتعلق بتفويت ممتلكات الدولة.

من جهة أخرى، سبق لوالي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري، أن صرح في مؤتمر صحفي، أن “المغرب لن يدخل في مرحلة جديدة من تحرير سعر الدرهم، خلافا لتوصيات صندوق النقد الدولي الذي طالب باستكمال تعويم العملة”، مبرزا أنه ناقش الموضوع مع صندوق النقد الدولي من حيث الشروط المسبقة، والوضعية الاقتصادية العامة للمغرب، وأكد أن 90 في المائة من الشركات في المغرب هي شركات صغيرة ومتوسطة، وبالتالي، فهي غير جاهزة لتعويم الدرهم، مضيفا أن دور البنك المركزي الرئيسي هو تشجيع الاستثمار ودعم النمو الاقتصادي، وأن الأزمات الحالية جعلت اقتصاد البلاد غير مستعد لخطوة التعويم الثانية.

وأوضح الجواهري، أن “المملكة لن تنتقل إلى مرحلة جديدة من تحرير الدرهم إلا إذا تأكدنا من الاستعداد التام للشركات الصغرى، بخصوص استثماراتها وعملياتها التجارية، وقدرتها على الادخار”.

وكان بنك المغرب قد نفى بشكل قطعي حدوث أي تغيير في سعر صرف الدرهم، إذ أن سعر صرف الأورو مقابل الدرهم بلغ حوالي 11 درهما يوم الأربعاء 18 يناير 2023، مبرزا في بلاغه عقب الجدل الذي أثاره محرك البحث “غوغل”، أن هذا السعر غير حقيقي بتاتا، وأن موقع بنك المغرب هو المصدر الوحيد الموثوق به للاستعلام حول أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدرهم.

النشرة الإخبارية

اشترك الآن للتوصل كل مساء بأهم مقالات اليوم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى