تحقيقات أسبوعية

للنقاش | سلطة الضبط بين الملك ورئيس الحكومة والوزراء

تفاصيل دستورية وقانونية غير معروفة

تحيل هيئات الشرطة الإدارية على الأشخاص أو الجهات المكلفة بتحقيق المهمات والمسؤوليات المنوطة بالضبط الإداري، وتنطوي عملية تحديد الجهات الإدارية على أهمية كبيرة، نظرا لاتصال إجراءات وتدابير الضبط الإداري بحقوق وحريات الأفراد، لهذا تعهد النصوص الدستورية والتنظيمية الخاصة بالشرطة الإدارية، إلى هيئات معينة تتولى اتخاذ الإجراءات والتدابير الضبطية، وإلى عاملين يتولون مهمات تنفيذها إن على المستوى الوطني أو على المستوى المحلي، كما تستهدف هيئات الضبط الإداري المحافظة على النظام العام بجميع عناصره، وهي مهمة في غاية الصعوبة، لذلك قد يحدث تنازع أثناء تدخل إحدى الهيئات في اختصاص أخرى.

بقلم: مراد علوي

الشرطة الإدارية على المستوى الوطني

    مبدئيا: إن السلطات الإدارية التي تمارس السلطة التنظيمية، هي التي تمارس سلطة الشرطة الإدارية، وعمليا، يمكن معرفتها بالرجوع إلى الدستور والقوانين والاجتهاد القضائي، باعتبارها تشكل مصدرا رئيسيا لنشاط الجهات الإدارية المختصة في ممارسة الشرطة الإدارية العامة والخاصة، سواء على الصعيد الوطني أو المحلي.

وسلطات الضبط الإداري معهود بها للملك أولا، ورئيس الحكومة، ثم الوزراء.

– أولا: الـملــــــك

    إن الحكم بالمغرب قائم على ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية قاعدته الذهبية هي ((الملك يسود ويحكم))، حيث تحتل الملكية مكانة أساسية في النظام المغربي، بحكم وجودها على رأس المؤسسات الدستورية، وامتلاكها لصلاحيات دستورية تمكنها من لعب دور محوري في النظام السياسي المغربي، وهو وضع کرسته مختلف الدساتير المغربية بما فيها دستور 1996 و2011.

وهناك من اعتبر الملك سلطة ضبط إداري على وجه الدوام، والاستمرار باعتباره أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة، وهي مقتضيات أصبحت نسبية بالرجوع لمقتضيات الفصول 41 و42 من دستور 2011، التي عملت على إعادة تحديد اختصاصات ومهام المؤسسة الملكية في اتجاه تقوية موقع رئيس الحكومة بهذا الخصوص، نفس التوجه زكاه الدستور الجديد 2011 بتأكيده في الفقرة الأولى من الفصل 90 أنه: ((يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه للوزراء)).

أما في حالة الاستثناء، فالملك بصفته الممارس الفعلي لجميع السلطات التشريعية القضائية والتنفيذية، وتأسيسا على السلطة التنظيمية التي ينفرد بمزاولتها، تصبح له سلطة الضبط الإداري، لأنه يصبح السلطة الإدارية العليا والوحيدة في مثل تلك الظروف وفق الفصل 35 من دستور 1996 والفصل 59 من دستور 2011.

وهناك من اعتبر أن الملك يمارس السلطة التنظيمية في العديد من الميادين حسب الدستور الحالي، مع إمكانية تفويض هذه السلطة لرئيس الحكومة بالنظر إلى جملة الاختصاصات المسندة له في المجال التنفيذي، كالحق في تعيين رئيس الحكومة، وإعفائه رئاسة المجلس الوزاري، وفي المجال العسكري والأمني يعتبر الملك القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية، الأمر الذي يجعله المنفرد الوحيد بشؤون الدفاع عن حوزة الدولة، كما يرأس الملك، المجلس الأعلى للأمن بصفته هيئة للتشاور في قضايا الدفاع عن أمن الدولة داخليا وخارجيا كما أنه سيكون المسؤول عن تنفيذ مبادئ وقواعد الحكامة الجيدة على المستوى الأمني، فماذا عن الطبيعة القانونية لقرارات الملك في المجال الإداري إذا اعتبرنا أن الملك سلطة ضبط إداري؟

إن أهمية العملية في تحديد الطبيعة القانونية لهذه القرارات، تكمن في معرفة إمكانية الطعن فيها من عدمها أمام القضاء الإداري رغم أن القرارات الملكية في المجال الإداري أصبحت نسبيا قليلة في الظروف العادية ما دام أن السلطة التنظيمية أصبحت من اختصاصات رئيس الحكومة حصريا والإدارة وضعت تحت تصرف هذا الأخير، إلا أن السؤال الذي يبقى مطروحا في حالة الأزمات: هل من المحتمل أن يتخذ الملك قرارات إدارية؟

وهكذا جاء الاجتهاد القضائي والفقهي بالأجوبة التالية:

بالنسبة للاجتهاد القضائي، فقد رفض كل تشبيه للظهائر الملكية بغيرها من القرارات الإدارية منذ أول حكم يخص هذه القرارات والصادر في 30 أبريل 1959 بخصوص الفيدرالية الوطنية لنقابات النقل الطرقي بالمغرب، ويبدو أن المجلس الأعلى لم يأخذ بعين الاعتبار إلا المعيار الشكلي، إذ اعتمد أساسا على صفة صاحب القرار، مستبعدا طبيعة القرار وتجاهل المعيار الموضوعي الذي يعطي أهمية لمضمون الظهير، وللتأكيد على هذا الموقف، فقد قال الرئيس الأول للمجلس الأعلى، أحمد باحنيني: ((الحصانة واجبة للظهائر الشريفة لكل مقرر ملكي، سواء كان ذا صبغة تنظيمية أو فردية))، وذلك في افتتاح السنة القضائية 1970-1971.

واستنتاجا لما سبق، وانطلاقا من هذا الحكم، وما تبعه من أحكام، حول نفس الموضوع، فإن السبب الرئيسي في إطار رفض تشبيه القرارات الملكية بالقرارات الإدارية الأخرى، هو أن الملك الذي يمارس اختصاصاته الدستورية بوصفه أميرا للمؤمنين طبقا للفصل 19 من الدستور، لا يمكن اعتباره سلطة إدارية، وبالتالي، إخضاع أعماله الإدارية لمبدأ المشروعية، والسلطة الإدارية تؤخذ بالمفهوم الذي حدده الفصل الأول من ظهير 27/9/1957.

أما فيما يخص موقف الغرفة الدستورية لدى المجلس الأعلى، فهي لم تحدد الطبيعة القانونية للظهائر، بل اقتصرت في بعض

 قراراتها على إبعاد اختصاصات الملك، بحجة أن صلاحيات الملك هي أوسع من ذلك ولا يشملها لا المجال التشريعي ولا المجال التنظيمي.

وتطرق فقهاء القانون الدستوري للإشكالية نفسها، حيث انقسم أصحاب الاجتهاد الفقهي إلى تيارين في تحديد الطبيعة القانونية للقرارات الملكية، وهكذا فالمدافعون منهم عن تحصين الظهائر، اعتمدوا على الفصل 19، الذي يعتبر الملك أمير المؤمنين وسلطة عليا للبلد، وكنتيجة لذلك، تبقى السلطات الأخرى تابعة له، بل منبثقة عنه، بدء بالسلطة القضائية التي لا يمكنها – بأي حال من الأحوال – أن تراقب الملك لكونه كبير القضاة أو قاضي القضاة، وعلى خلاف هذا التيار، هناك مجموعة من فقهاء القانون الدستوري يدافعون عن طرح ما معناه اعتبار الملك سلطة إدارية في كل مرة اتخذ قرارات إدارية، ويعلل هؤلاء موقفهم هذا بأن الدستور لا يحتوي على فصل واحد ينص صراحة على أن الوزير الأول سلطة إدارية، ورغم ذلك، فهو يعتبر كذلك من خلال صلاحياته وطبيعة قراراته وقابلية هذه الأخيرة للطعن أمام القضاء الإداري، سواء عبر دعوى الإلغاء بسبب الشطط في استعمال السلطة، أو دعوى التعويض.

وبدورها، التزمت المحاكم الإدارية بالسياسة القضائية لمحكمة النقض.. فقد قضت المحكمة الإدارية بمراكش بتاريخ 17 يوليوز 2002، بأن القرارات الملكية غير قابلة للطعن بالإلغاء حتى ولو صدرت عمن فوض له جلالة الملك سلطة اتخاذها، كما قضت المحكمة الإدارية بالرباط بنفس الشيء بتاريخ 6 يناير 1998.

للإشارة، فهذا الجدل لم يعد له معنى سوى ما يمكن أن ننعته بالاستهلاك أو الترف الفكري، فدستور 2011 منح السلطة الإدارية حصريا لرئيس الحكومة، ووضع الإدارة تحت تصرفه، بل أولى من ذلك، استفاد هذا الأخير بالتفويض الملكي في مجموعة من التعيينات.

– ثانيا: رئيس الحكومة

    لم يمنح الدستور صراحة اختصاص الشرطة الإدارية لرئيس الحكومة، إلا أنه يستمد اختصاصه في مجال الشرطة الإدارية مباشرة من فصول الدستور، ولا سيما الفصلين 89 و90، حيث ينص الفصل 89 على أنه ((تمارس الحكومة السلطة التنفيذية، وتعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية))، بينما ينص الفصل 90 على: ((يمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، ويمكن أن يفوض بعض سلطه للوزراء، وتحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن رئيس الحكومة التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها)).

فرئيس الحكومة يمارس السلطة التنظيمية ويمكن أن يفوض بعض سلطه إلى الوزراء، وعلى اعتبار أن ممارسة الشرطة الإدارية تندرج في إطار ممارسة السلطة التنظيمية، فإنه تبعا لذلك يعتبر رئيس الحكومة سلطة للشرطة الإدارية، كما يمكن تفويض ممارسة بعض سلطه في مجال الشرطة الإدارية إلى الوزراء، ذلك أن الوزراء يتولون – كجهاز حكومي – تنفيذ القوانين تحت مسؤولية رئيس الحكومة، وذلك عملا بما جاء في الفصل 88 من دستور 2011.

يقصد بالسلطة التنظيمية: سلطة إصدار مراسيم تنظيمية، واتخاذ قرارات تنفيذية ذات طابع عام، وهي مراسيم بالنسبة إلى موضوعها، قد تكون فردية اسمية تتعلق بشخص أو أكثر بأسمائهم، وقد تكون تنظيمية تتضمن أحكاما عامة تتعلق بفئات غير محددة من السكان أو جميعهم.

ويقصد أيضا بالسلطة التنظيمية أو سلطة التنظيم، تلك السلطة التي تعترف لصاحبها بحق اتخاذ التدابير العامة الضرورية لتنفيذ القوانين وحسن سير المرافق العمومية، وكذا تدبير الشؤون العامة من محافظة على الأمن والنظام العام والشرطة الإدارية، وهي اختصاص دستوري معترف به لرئيس الحكومة يمارسه بواسطة مراسيم.

وتتخذ السلطة التنظيمية صورتين أساسيتين: فهي إما سلطة تنظيمية تنفيذية، ترتبط أساسا بمهمة تنفيذ القوانين، أو سلطة تنظيمية مستقلة عن تنفيذ التشريعات، وتهم مجموع التدابير التي يتخذها رئيس الحكومة في المجال الخارج عن اختصاص القانون.

ويمارس رئيس الحكومة سلطة الضبط في ميدان الشرطة الخاصة، من خلال ما يتخذه من قرارات تنظيمية أو تدابير فردية التي يجب على الإدارة العمل على احترامها وتنفيذها بقصد الحفاظ على النظام العام بمدلولاته المتعارف عليها، غير أن رئيس الحكومة لا يتمتع بسلطة مطلقة خلال ممارسته لاختصاصاته في مجال الشرطة الإدارية، ذلك أن المراسيم التنظيمية التي تصدر عنه، لا بد من عرضها على المجلس الوزاري قبل البت فيها طبقا للمقتضيات الواردة في المادة 48 من الدستور.

وفي التشريعات المقارنة وفي فرنسا، فقد عهد الدستور الفرنسي لعام 1958 لرئيس الوزراء، سلطة إصدار أنظمة الضبط، وذلك بموجب المادة 21 منه، والتي نصت على أن ((يقود رئيس الوزراء عمل الحكومة وهو مسؤول عن الدفاع الوطني ويضمن تنفيذ القوانين، وهو يمارس مع مراعاة المادة 34 السلطات اللائحية…))، وبالتالي، فإن لرئيس الوزراء بموجب النص المذكور الحق في إصدار أنظمة الضبط بشرط عدم التجاوز على ما ورد في النص المذكور.

– ثالثا: الوزراء

    يلاحظ عموما، أن الدستور لا يسند للوزراء سلطة تنظيمية عامة على غرار ما يتوفر عليه رئيس الحكومة، وبالتالي، لا يمكنهم أن يمارسوا مهام الشرطة الإدارية العامة، غير أن الفصل 90 من الدستور المغربي الحالي يسمح لرئيس الحكومة بتفويض بعض من اختصاصاته إلى الوزراء الذين يجوز لهم بهذه الصفة التدخل في ميدان الشرطة الإدارية كما جرت العادة، مع تفويضهم ممارسة جزء من سلطات الضبط الإداري الخاص بمقتضى قوانين خاصة، كل في مجال اختصاصه، وهكذا يمارس وزير الداخلية استنادا إلى المرسوم المتعلق بتنظيم اختصاصات وزارة الداخلية الصادر في 15 دجنبر 1997 كما تم تغييره وتعديله، مهام الشرطة الإدارية في مجال المحافظة على الأمن العام، والذي تنص المادة 01 منه على ما يلي: ((تناط بوزير الداخلية مهمة الإدارة الترابية للمملكة في إطار اختصاصه، ويسهر على الحفاظ على الأمن العام، ويزود الحكومة بالمعلومات ويتولى الوصاية على الجماعات المحلية، ولعل أهم ما يثير الانتباه في هذا الخصوص، أن وزير الداخلية لا يعتبر سلطة ضبط إداري عام على الرغم من إمكانية اعتباره السلطة الفعلية لمجموع موظفي الشرطة، وعليه، باستثناء وجود نصوص قانونية خاصة، فليس لوزير الداخلية إصدار تدابير الشرطة، وأنظمة عامة للضبط تطبق على مجموع التراب الوطني، فالأوامر الصادرة عنه والموجهة للولاة والعمال وفق سلطته التسلسلية لاتخاذ بعض تدابير الضبط الإداري، تتم ترجمتها من الناحية القانونية وكأنها صادرة عن العمال والولاة وكأنهم هم الذين أصدروا قرارات إدخالها حيز السريان)).

ويمارس وزير التجهيز والنقل مهام الشرطة الإدارية في مجال النقل العمومي، كما يمارس وزير الصحة مهام الشرطة الإدارية في مجال المحافظة على الصحة العمومية، والأمر نفسه بالنسبة لباقي الوزراء كل في مجال اختصاصه.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التوجيهات الملكية التي قد تتضمنها خطاباته أو رئاسته لاجتماعات مجلس الوزراء، والتي تكون مرتبطة ببعض مجالات الشرطة الإدارية، تكون الحكومة وعلى رأسها الوزير الأول سابقا (رئيس الحكومة حاليا) ملزمة باتخاذ التدابير الضرورية لتطبيقها.

ويتم ذلك بتضمين القانون إحالة مباشرة للوزير لاتخاذ قرارات تنظيمية تطبيقية لذلك القانون، ويمكن أن يكون له هذا الاختصاص بإحالة من مرسوم تنفيذي، حيث يحيل الوزير الأول مسألة التفصيل في كيفية تطبيق المرسوم التنفيذي لقرارات وزارية أو قرارات وزارية مشتركة كما يمكن أن ينقل له الاختصاص بتفويض من الوزير الأول في مجال اختصاصه، مثلا في مجال حركة المرور وطبقا للمرسوم التنفيذي رقم 381.04، أعلاه، والقرار الوزيري المشترك المؤرخ في 10-06-2007 يحدد طرق وضع المهملات.

أما وزير الداخلية، فلا يملك سلطة ضبط إداري بشكل مباشر، لكنه يملكها بطريقة غير مباشرة، على اعتبار أنه المسؤول الأعلى لجهاز الشرطة الذي يمارس وظائفه تحت سلطته عن طريق المديرية العامة للأمن الوطني، كما يستطيع اتخاذ قرارات ضبطية باعتباره الرئيس التسلسلي للولاة من خلال التعليمات والأوامر التي يوجهها لهؤلاء في جميع المجالات، ومنها مجال المحافظة على النظام العام والضبط الإداري بصفة عامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى