تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | هل يهدد المهاجرون الأفارقة استقرار المجتمع ؟

قامت السلطات العمومية بمدينة الدار البيضاء مؤخرا، بتدخل أمني من أجل تحرير الملك العمومي والشوارع القريبة من المحطة الطرقية أولاد زيان، بسبب الخيام العشوائية التي أقامها المهاجرون الأفارقة غير النظاميين، حيث تحولت المحطة إلى تجمع عشوائي وفوضوي خارج إطار القانون ينعدم فيه الأمن والأمان، خاصة بالنسبة للمهاجرين القاصرين والنساء والفتيات اللواتي يعشن داخل هذا المخيم والذي يخضع لمنطق الجماعات والانتماءات.

إعداد: خالد الغازي

    قامت السلطات بحملة من أجل إخلاء الأماكن العامة والأزقة التي يحتلها المهاجرون غير النظاميون، والذين زاد عددهم بشكل كبير مقارنة مع السنوات الماضية، خاصة على مستوى الدار البيضاء، الرباط، والناظور.. مما جعلهم يحتلون بعض الساحات للاستقرار فيها بشكل مؤقت، أو على مستوى الغابات قصد عبور الثغور المحتلة.

في هذا السياق، أكد الباحث في شؤون الهجرة، زهر الدين الطيبي، أن قضية المهاجرين غير النظاميين دائما تشكل هاجسا بالنسبة للدول، سواء المستقبلة لهؤلاء المهاجرين أو أيضا الدول التي يمكن ان تعتبر بأنها نقطة عبور في اتجاه، ما نسميه سابقا الفردوس الأوروبي، لأنه في الواقع لا يوجد أي فردوس أوروبي، ولكن الوضعية التي يعيشها هؤلاء المهاجرون في بلدانهم تدفعهم للبحث عن فضاء أفضل، وعن بلدان أخرى لتحسين أوضاعهم المعيشية، أما بالنسبة لمسألة الإدماج في المجتمعات التي تستقبل هؤلاء المهاجرين، فهي مطروحة، سواء في أوروبا أو في المغرب، على اعتبار أن المغرب تحول من دولة مستقبلة للمهاجرين على أساس نقطة عبور نحو الدول الأوروبية، إلى دولة مستقبلة توفر ظروفا أفضل بالنسبة لهؤلاء المهاجرين، مشيرا إلى أن المغرب قام بمجموعة من المحاولات أهمها تسوية أوضاع مجموعة من المهاجرين وسن مجموعة من القوانين التي تسمح لهم بتسوية أوضاعهم والاشتغال والعيش الكريم، ولكن تبقى هناك فئة من هؤلاء المهاجرين الذين لم تتم تسوية وضعيتهم، وبالتالي، فالاندماج في المجتمع يظل صعبا، لأنهم لا يتوفرون على الظروف والحد الأدنى للمعيشة، ولذلك فهم يقومون بأعمال ربما تكون مخالفة للقانون، وهذا ما يشكل هاجسا أمنيا بالنسبة للبلاد.

وأضاف نفس المتحدث، أن الإدماج حتى بالنسبة لأولئك الذين تمت تسوية أوضاعهم الإدارية، يظل صعبا اللهم بالنسبة للذين يتوفرون على شهادات عليا ويمكنهم الاشتغال بصورة سلسلة في المغرب، أما عدا ذلك، فيبقى المشكل مطروحا، وبالتالي، على الدولة أن تقوم بمجهود أكبر تجاه هؤلاء المهاجرين غير النظاميين، وهناك مسألة توفير الظروف الصحية والتعليم بالنسبة للأبناء، وحتى بخصوص تسجيل الصغار الذين يولدون في ظروف غير قانونية، وكيف ستتم تسوية عقود ازديادهم، معتبرا أن المشكل كبير بالنسبة للهجرة، ولكن ليس فقط على مستوى المغرب، فالموضوع مطروح على المستوى الدولي وإشكالية الهجرة بقدر ما هي توفر علاقة “رابح-رابح” بالنسبة للدول المستقبلة للهجرة، إلا أنها في بداية الأمر تشكل هاجسا كبيرا على مستوى الإدماج في المجتمع المستقبل.

بؤر سوداء غير قانونية

    وقال زهر الدين الطيبي، أن “مشكل تجمع المهاجرين في بعض الأماكن العمومية، مثل محطة أولاد زيان أو قرب القامرة بالرباط، فهو يرتبط أولا بعدم قانونية وضعيتهم الإدارية، وبالتالي، فمن الصعب أن يجد هؤلاء ملاذا يسكنون فيه، وبالتالي، فالدولة مدعوة لتوفير مجموعة من الأماكن على الأقل كملاجئ لهم، خصوصا في هذه الظروف الباردة، ومن المؤكد أن هذه التجمعات تعتبر بؤر سوداء بالنسبة للأمن، سواء في الدار البيضاء أو في الرباط، لكن لا بد من مواجهتها لأنها تشكل بؤرا غير قانونية يمكن أن تتحول إلى تجمعات تهدد الأمن العام بهذه المناطق، ومن ناحية أخرى، هناك مشكل آخر يكمن في أن هؤلاء المهاجرين لا يتوفرون على الإمكانيات المادية لاقتناء منازل يستقرون فيها، وهذا الأمر يرتبط بمدى قدرة الدولة على تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين.

وأوضح نفس المتحدث، أن تجمعات المهاجرين المتواجدة قرب مليلية وسبتة المحتلتين، أو على مستوى جبل الناظور، واضحة، لكون هؤلاء يتحينون الفرصة ويفكرون في المرور إلى الثغور المحتلة، لتسوية أوضاعهم في الجارة الشمالية إسبانيا، إذن، هناك هاجس أمني كبير لأن عددا كبيرا من هؤلاء المهاجرين غير النظاميين لم تتم تسوية وضعيتهم، وهم لا زالوا يعيشون بين ظهرانينا، وبالتالي، فإن توفير العيش لهؤلاء لا بد أن يؤدي إلى مشاكل على المستوى الأمني وعلى المستوى المادي بالنسبة للدولة، لأن أوضاعهم القانونية والإدارية لم تتم تسويتها، لذلك نجدهم يعيشون إما عن طريق التسول، أو ربما عن طريق وسائل غير قانونية في الاتجار في المخدرات أو السرقة أو السطو والاعتداءات، مما يشكل نقطا سوداء على الدولة أن تعيها وتقوم بمواجهتها، أما على مستوى الثغرين المحتلين، فقد شاهدنا العديد من المحاولات من قبل المهاجرين لتسلق السياج الفاصل من أجل الوصول إلى سبتة أو مليلية، ومن هناك إلى أوروبا.

مسؤولية الحكومة

    وأكد الطيبي أن الحكومة مطالبة باتخاذ مقاربة جديدة لموضوع الهجرة، لأنها تعتبر إشكالية حقيقية تطرح على مستوى المدن الكبرى مثل الدار البيضاء، والرباط، وطنجة، ووجدة، والناظور، لذلك لا بد من مقاربة اجتماعية وأمنية تعليمية، توفر جميع الظروف لهؤلاء، لأنه في جميع الأحوال عند دخول أي مهاجر غير نظامي إلى بلد ما، تكون الدولة مطالبة بتوفير الحد الأدنى من الشروط والظروف الضرورية لعيشه حتى لو كان في وضعية غير قانونية، معتبرا أن الحكومة مدعوة حاليا إلى اتخاذ مقاربة جديدة من خلال إعادة تسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين وفق شروط معينة، أو ربما توفير ملاجئ لهم في انتظار إعادتهم إلى بلدانهم أو تسوية وضعيتهم، إلى جانب مقاربة تعمل على ضمان الأمن والاستقرار والنظام العام في البلد حتى لا يتحول هؤلاء المهاجرون إلى نقطة تشكل خطرا وتهديدا على الأمن والسلامة بالنسبة للمواطنين وللدولة.

من جانبه، أكد محمد النحيلي، خبير في قضايا الهجرة والمهاجرين ورئيس منظمة “بدائل للطفولة والشباب”، أن المغرب خطى خطوات كبيرة في المجال الاقتصادي والاجتماعي للمهاجرين، عبر تسوية وضعيتهم الإدارية التي شملت الآلاف منهم، حيث أن هذا الملف بوأ المغرب مكانة دبلوماسية مهمة في عمقه الإفريقي، مما مكنه من انتزاع الريادة في هذا الاتجاه، لاسيما بعد تنظيم المنتدى العالمي للهجرة بمراكش، الذي تمحور حول ميثاق من أجل هجرة آمنة ومنظمة، الشيء الذي كشف المجهودات التي يقوم بها المغرب في هذا الباب، إلا أنه في السنوات الأخيرة، يلاحظ حدوث قصور فيما يتعلق بإدماج المهاجرين، بحيث اختفت من الهندسة الحكومية وزارة مكلفة بشؤون الهجرة، وظل الاقتصار فقط على المغاربة المقيمين بالخارج بعدما كانت الوزارة تقوم بمجموعة من المبادرات بتنسيق مع هيئات المجتمع المدني بشأن عملية الإدماج.

إشكالية إدماج المهاجرين في المجتمع

    تظل قضية إدماج المهاجرين الأفارقة غير النظاميين في المجتمع المغربي من القضايا التي حيرت الباحثين والخبراء في مجال الهجرة، بسبب تكوينهم لمجتمع خاص بهم، باستثناء فئة قليلة فضلت تعلم اللغة العامية وممارسة التجارة، والانخراط في المجتمع بشكل سهل.

في هذا الإطار، يقول النحيلي أن العمل الذي كانت الوزارة تقوم به بتقديم مجموعة من الخدمات سواء على مستوى التعليم والصحة، أو في مجال الاقتصاد، وغير ذلك، وهو عمل بيداغوجي يرمي إلى الاندماج الحقيقي للمهاجرين، ولكن الملاحظ أن هناك تجمعات للمهاجرين في أحياء منعزلين، وهذا لا يخدم عملية الإدماج داخل المجتمع، بحيث يتواصلون بلغاتهم المحلية أو بواسطة اللغتين الفرنسية أو الإنجليزية، وهذا لا يساعدهم على تعلم اللغة التي تعتبر مفتاحا للإدماج في المجتمع المغربي، مبرزا أنه مع توالي مجموعة من الأحداث، خاصة ما يقع في سبتة ومليلية المحتلتين، من تدفقات لأعداد كبيرة من المهاجرين من أجل اختراق السياج العازل، والتي تبوء بالفشل، عقب تدخل السلطات العمومية، حيث نلاحظ تكدس المهاجرين في محطة أولاد زيان وفي الغابة القريبة من المحطة الطرقية القديمة بالرباط، بعدما يتم ترحيلهم من الشمال عبر حافلات تنزلهم في المحطات الطرقية.

وأضاف ذات المتحدث، أن المهاجرين غير النظاميين كانوا يعيشون نمط عيش مختلف في الغابة بالشمال، ولديهم خيام مكونة من البلاستيك أو من القماش للحماية من التساقطات المطرية والشمس، مما جعلهم ينقلون نفس نمط العيش إلى داخل المدن ويخلقون تجمعات سكنية عشوائية بجوانب المحطات الطرقية مثل التجمع المتواجد قرب محطة أولاد زيان بالدار البيضاء، ويلجؤون للتسول لجمع رصيد مالي من أجل تقديمه إلى شبكات تهريب البشر نحو أوروبا، مشيرا إلى أن تجمعات المهاجرين تعرف تعيين “مسؤول” داخل الجماعة يشرف على تنظيم المخيم، ويصدر أحكاما في حق المخالفين، حيث يكونون مجتمعا منغلقا ومعزولا يحتوي على شبكات للاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية خارج النظام العام، موضحا: “نحن مع الحق في حرية التنقل والحق في أمن المواطنين، لهذا لابد من إيجاد صيغ معقولة بشأن إدماج هؤلاء المهاجرين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ولا يمكن أن نكون محطة انتظار، فمن يريد العيش في المغرب مرحبا به، ويخص فقط اندماجه الكامل، وأن يعيش وفق قانون البلد ويتمتع بحقوقه الكاملة ويقوم بواجباته في هذا الاتجاه، والذي ليست له الرغبة في الاندماج داخل المجتمع المغربي، عليه مغادرة البلد بشكل عادي، ولا يمكن قبول مجموعات متمردة على الناس وعلى القانون وعلى الأعراف، وبالتالي، لا يمكن قبول جماعات بهذا الشكل الفوضوي، فالأمر يزداد حدة، خاصة وأن المغرب خلال هذه السنة سيناقش تقريرا حول اتفاقية حماية العمال المهاجرين وجميع أفراد أسرهم، الأمر الذي يتطلب تطبيق سياسات عمومية ناجعة للهجرة تهدف إلى الإدماج الحقيقي للمهاجرين، عبر تعلم اللغة ليتمكنوا من الاندماج وسط المجتمع المغربي”.

صنفان من المهاجرين

    ينقسم المهاجرون الوافدون من البلدان الإفريقية على المغرب، إلى مهاجرين نظاميين يتوفرون على وثائق الإقامة ويعيشون بشكل مندمج داخل المجتمع المغربي، بينما هناك مهاجرون دخلوا بطرق غير قانونية من الحدود الشرقية مع الجزائر أو من الجنوب عبر موريتانيا.

ويتوزع المهاجرون غير النظاميين في المغرب إلى صنفين: صنف منهم يريد الاستقرار والبحث عن فرصة شغل والزواج، مع تسوية وثائق الإقامة قصد بناء حياة جديدة، بينما آخرون يعتبرون المغرب محطة للعبور نحو الديار الأوروبية، خصوصا إسبانيا، والصنف الثاني من المهاجرين يشكل مشكلة كبيرة بالنسبة للسلطات المغربية، التي تقوم بين الحين والآخر بنقل هؤلاء المهاجرين وإبعادهم عن شمال المملكة، بسبب كثرة محاولاتهم اقتحام السياجات العازلة مع مليلية المحتلة، أو ركوب قوارب الموت نحو الجزيرة الخضراء.

وقد تحولت بعض الأحياء في مدينة طنجة مثلا، إلى تجمعات للأفارقة غير النظاميين، الذين يسعون للهجرة نحو إسبانيا، من أبرزها مسنانة، وبوخالف، أو حي الفرح والتقدم في العاصمة الرباط، أو سيدي موسى والقرية بسلا، أو محطة أولاد زيان في الدار البيضاء، وغابة الناظور قرب بني شيكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى