تحقيقات أسبوعية

متابعات | أزمة البرلمان بين الوزراء وأسئلة النواب

يجد البرلمانيون في مجلسي النواب والمستشارين صعوبات كبيرة في حل مشاكل المواطنين والمناطق التي يمثلونها، لاسيما المناطق النائية والجبلية، حيث يصطدمون بالتجاهل واللامبالاة من قبل وزراء في الحكومة للأسئلة الكتابية الموجهة إليهم، والتي يسعون من خلالها لنقل قضايا واختلالات تعيشها بعض القطاعات في مختلف الأقاليم أو الجهات.

إعداد: خالد الغازي

    أصبحت الأسئلة الكتابية التي يتقدم بها البرلمانيون إلى عدة قطاعات حكومية، معضلة حقيقية، فهي تطرح نقاشا سياسيا ودستوريا حول مدى التزام أعضاء الحكومة سياسيا وأخلاقيا بالآجال القانونية التي نص عليها الدستور للرد على النواب، مما دفع نواب المعارضة لتوجيه انتقادات كثيرة لرئيس الحكومة والوزراء بسبب إهمالهم للأسئلة التي يتوصلون بها، ويجعلونها في الأرشيف أو يكلفون بها موظفا للإجابة عنها.

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي رشيد لزرق، أن للبرلمان العديد من آليات الرقابة، وهي رقابة سياسية من قبل نواب الأمة على الحكومة، من أبرزها الأسئلة الشفهية والكتابية، والتي تكون الغاية منها الاطلاع على المعلومة والرقابة السياسية، إلى جانب العديد من الآليات الأخرى مثل لجن تقصي الحقائق، والمهام الاستطلاعية، وكلها آليات للرقابة البرلمانية، وبالتالي، هي رقابة من قبل ممثلي الأمة على الحكومة باعتبارها خاضعة لرقابة البرلمان، مضيفا أن الحكومة مدعوة لإعطاء أجل للإجابة عن الأسئلة البرلمانية خلال عشرين يوما، وهذا الأجل يجب أن يحترم رغم أن المشرع لم يضع الجزاء، ولكن سياسيا يجب على الحكومة أن تجيب عن الأسئلة الشفهية والكتابية، حيث أن الأولى تطرح شفهيا والتي تتعلق بعدة قضايا وملفات على الصعيد الوطني، بينما الأسئلة الكتابية التي توجه كتابة عبر البرلمان إلى الوزير المعني، فإن النائب يمكن أن يسأل عن حالات معينة.

وأكد أنه من الأخلاق السياسية، الحكومة مدعوة للإجابة عن الأسئلة البرلمانية وإن كان المشرع قد جعل تضامنا حكوميا يسمح لوزير أن يجيب عن قطاع آخر ليس له، لكن سياسيا يجب على الوزراء الحضور إذا لم يكن هناك مانع حقيقي لعدم الحضور للبرلمان، لأنه يمثل الأمة، وحتى المشرع جعل البرلمان بداية لتحقيق الثقة في المؤسسات والتي هي رهان لتكريس الخيار الديمقراطي، مبرزا أنه من خلال الأسئلة الكتابية، يمكن إيصال هموم وتطلعات الساكنة أو منطقة معينة، لهذا، فالحكومة مطالبة بالإجابة عن هذه الأسئلة المحلية لتحقيق التعاون المنشود بين الحكومة والبرلمان، لاسيما وأن القانون منح أجل 20 يوما للرد عن الأسئلة البرلمانية، وبالتالي، فرئيس الحكومة عليه أن يحرص على التزام الوزراء بالإجابة عن أسئلة نواب الأمة.

 

الأسئلة آلية رقابية على الحكومة

عبد الرحيم شهيد

    من جانبه، أكد عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي، أن الأسئلة البرلمانية الكتابية والشفهية بمختلف أنواعها العادية والآنية، والتي تليها مناقشة، وتلك المتعلقة بالسياسة العامة والموجهة لرئيس الحكومة، تكتسي أهمية كبيرة باعتبارها أحد أهم الآليات الدستورية الرقابية التي يكفلها الدستور طبقا لمنطوق الفصل 100، وعملا بمقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان.

وأوضح أن هذه الأهمية تتجلى في كون أن هذه الآلية الرقابية تمكن ممثلي الأمة من أداء مهامهم التمثيلية بالشكل المطلوب، سواء على مستوى متابعة ومراقبة العمل الحكومي بشكل دائم ومستمر، وتقوية التتبع البرلماني للسياسات والبرامج القطاعية والعمل على تقييمها وتقويمها بما يمكن من الارتقاء بالبرامج الحكومية إلى مستوى الانتظارات الوطنية والمجتمعية، أو على مستوى الوقوف على مدى نجاعة هذه السياسات والبرامج، واقتراح الحلول والبدائل، مبرزا أن الأسئلة الكتابية تمكن على وجه الخصوص من نقل مشاكل المواطنين إلى الفضاء المؤسساتي، ومن ضمان التواصل الدائم مع ساكنة الدائرة الانتخابية على وجه الخصوص، وقال: “بالرغم من أهمية الأدوار التي تلعبها الأسئلة بمختلف أنواعها، إلا أننا نسجل في الفريق الاشتراكي عدم التفاعل الجدي والمسؤول للعديد من القطاعات الحكومية مع المبادرات الرقابية المقدمة من طرف مكونات المعارضة البرلمانية عامة، وللأسف الشديد، نسجل أيضا عدم التجاوب الحكومي مع الأسئلة الكتابية والشفوية على وجه الخصوص، حيث سجلنا في العديد من المناسبات، الغياب غير المبرر لعدد من الوزراء عن جلسات الأسئلة الشفهية، وعدم الجواب عن العديد من الأسئلة الكتابية الموجهة للحكومة من طرف النواب الاتحاديين بمجلس النواب”.

واعتبر شهيد أن معالجة هذه الظاهرة في غياب ترتيب الجزاء، تتطلب من الجميع، وخاصة السلطة التنفيذية، التوفر على الإرادة السياسية للانخراط في مسار تعزيز أدوار المؤسسة البرلمانية في الحياة السياسية والممارسة الديمقراطية في بلادنا، والحرص بكل مسؤولية على التعاون البناء والعمل المشترك بين كل مكونات مجلس النواب، لتمكينه من ممارسة اختصاصاته الدستورية بالشكل الأنجع فيما يتعلق بممارسة وظائفه الدستورية خاصة ما يتعلق بالآليات الرقابية.

 

تجاوز الآجال القانونية وأجوبة عامة

إدريس السنتيسي

    من جهته، شدد إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي، على أن مساءلة رئيس الحكومة والوزراء تشكل إحدى الآليات الرقابية الأساسية التي خولها الدستور للبرلمان في مجال مراقبة العمل الحكومي، وبالتالي، فهذا الدور الرقابي يشكل اختصاصا دستوريا للمؤسسة التشريعية، مبرزا أن الفصل 100 من الدستور حدد آجالا محددة لهذه المساءلة ومستوياتها ونوعيتها، حيث ألزم رئيس الحكومة بالمثول أمام مجلسي البرلمان كل شهر للتفاعل مع أسئلة النواب والنائبات في المواضيع ذات الصلة بالسياسة العامة للحكومة، كما حددت هذه الأحكام الدستورية أجل 20 يوما للرد علن الأسئلة الشفهية والكتابية التي يتقدم بها النواب، وفي هذا السياق، فصل النظام الداخلي لمجلس النواب (الباب الخامس من الفرع الخامس) في كيفية ومسطرة تدبير هذه العملية عن طريق تصنيف الأسئلة إلى مساءلة شهرية لرئيس الحكومة وأسئلة شفهية كتابية، وأسئلة تتلوها مناقشة فضلا عن الأسئلة الآنية.

وسجل السنتيسي أن الحكومة على مدى ما يقرب سنة ونصف على تشكيلها لم تلتزم لا بأحكام الدستور ولا بمقتضيات النظام الداخلي، بحيث أن رئيس الحكومة لم يستجب للمساءلة الشهرية إلا في حدود نصف المواعيد الدستورية الملزمة، كما أن تفاعل الحكومة مع أسئلة النواب بشقيها الشفوي والكتابي، لازالت دون المستوى المطلوب، ويكفي الاستدلال على ذلك بأسئلة الفريق الحركي، الذي تقدم إلى حد الآن بـ 1171 سؤالا كتابيا، ولم يتلق الجواب إلا عن 762 سؤالا و409 لازالت تنتظر الإجابة، مع العلم أنها تجاوزت الآجال القانونية، كما تقدم الفريق بـ 368 سؤالا شفويا تمت الإجابة عن 66 منها.

وأوضح أن الأسئلة الكتابية تكتسي أهمية دستورية ورقابية بالغة، والملاحظ هو التباين الملحوظ بين القطاعات الوزارية في التجاوب مع هذه الأسئلة، لكن القاسم المشترك هو تجاوز الأجل الدستوري في الرد، كما أن مضمون الأجوبة يعتبر محط نقاش، فهناك أحيانا تعويم للجواب بدون النفاذ إلى العناصر المطروحة في السؤال، علاوة على أن بعض الأجوبة لا يساهم فيها العضو الحكومي إلا بالتوقيع على ما أعد له من قبل مصالحه وفق رؤية تقنية محضة، فالأسئلة الكتابية ليست مجرد رسائل متبادلة بين البرلمان والحكومة، بل هي آلية للمراقبة والمفروض فيها أن تكون مشبعة بنفس سياسي أيضا، تخلص إلى اتخاذ مبادرات، وهذا ما ينتظره المواطن المغربي، مشيرا إلى أن الأسئلة الشفهية بدورها لم تحظ بنصيبها من البرمجة بحكم أن هذه البرمجة محكومة بالتمثيل النسبي الذي لا يمنح الفريق الحركي إلا 3 دقائق و50 ثانية في الأسبوع، الأمر الذي يتطلب تعديل النظام الداخلي للمجلس أسوة بالجلسة الشهرية لرئيس الحكومة، حيث يتم اقتسام الحصة الزمنية بين الحكومة والمعارضة والأغلبية بنسبة الثلث لكل مكون من هذه المكونات، لهذا لا يمكن مراقبة الحكومة في حيز زمني ضيق وأسئلة لا تعكس النشاط الرقابي.

وأشار إلى أن الفريق الحركي كان سباقا إلى طرح العديد من المواضيع على مكتب مجلس النواب، الذي أحال عددا منها على الحكومة وضمنها سؤالا حول السياسة المائية والذي وجه نهاية الدورة السابقة، وبالتالي، لا يمكن للحكومة التحجج بأنها لم تتوصل بأسئلة تتعلق بالسياسة العامة لتبرير عدم احترام رئيس الحكومة في الموعد الدستوري الشهري الذي يفرض مثوله أمام مجلس النواب.

موظف يجيب عن الأسئلة الكتابية

رشيد حموني

    يؤكد رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، أن الأسئلة البرلمانية هي من الوسائل لمراقبة الحكومة، وتبرز الدور الذي يقوم به النائب أو النائبة في إطار المراقبة من خلال الأسئلة الشفهية والكتابية، حيث أن الأسئلة الكتابية غالبا تكون ذات طابع محلي للتطرق لقضايا ومشاكل المواطنين في أقاليم وجماعات ترابية، لكن الملاحظ – مع الأسف – أن الحكومة لم تتجاوز 60 في المائة من الأجوبة عن أسئلة المعارضة، والملاحظة الثانية، حتى الأجوبة التي يتم التوصل بها من ناحية الموضوع، لا ترقى إلى سؤال النائب، بل على العكس، تجد أجوبة ذات طابع عام، مثلا: تسأل عن مستشفى في جماعة محلية تتوصل بجواب يتضمن عدد المستشفيات والمراكز الصحية وعدد الأطباء الممرضين في الإقليم، وأضاف أنه لا علاقة للسؤال الذي يرسله النائب إلى الوزير مع الجواب المتوصل به، والذي يطرح مشكلا أو مطلبا يتعلق إما بطريق أو مستشفى للقرب أو إعدادية، أو لمعرفة مصير مشروع ما، هل هو مبرمج أو قيد الدراسة، أم هناك إمكانية لإنجازه أو أنه غير موجود، لكن الملاحظ، أن تجد جوابا فيه بعض المعطيات القليلة، وهذا يبين أن الوزارة في أي قطاع تكلف موظفا خاصا يتلقى الأسئلة ثم يقوم بمراسلة المندوبية أو المديرية الإقليمية التي يتعلق بها السؤال، ويعتمد على جواب المديرية التي ينتقدها البرلماني بعدما يقوم الموظف بتبديل الخاتم ويضيف شعار واسم الوزارة في الأعلى، معتبرا أن ذلك يضعف المؤسسة التشريعية ويضعف القوة القانونية لسؤال البرلماني، ويبخس عمل النواب، حيث تصبح هذه الأسئلة لا قيمة لها، مثل الأسئلة الشفهية التي يكون للوزير الوقت الكافي لكي يجيب بمعطيات وأرقام مضبوطة لكنه يجيب بشكل عام، وقال: “حتى التعقيب يكون مكتوبا عند الوزير رغم أنه لا يعرف ما الذي عقب عليه، وهذا يوضح أنه لا يوجد تفاهم وقيمة لهذه الوسائل الرقابية التي لدينا، سواء الأسئلة الكتابية والشفهية، لأن الحكومة لا تعطيها أي أهمية، مثل حاجة ثانوية تعطيها لموظف يقوم بتدبيرها واعتماد الأجوبة التي يتوصل بها من المديرية الإقليمية، وعند توجيه السؤال للمستشارين، يقال أن الوزير مكلف موظف يتوصل بالأسئلة ويراسل المندوب أو المدير الجهوي، وعند توصله بالجواب، يغير الخاتم ويرسله للنائب”.

وكشف حموني، أن المعارضة سبق أن طرحت على الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، أسئلة تتعلق بعدم تجاوب الحكومة، مع طبيعية الأسئلة الموجهة إليها، إلا أنه يرى العكس ويعتبر الحكومة متجاوبة مع الأسئلة، في حين أن الأجوبة تكون لا علاقة لها بموضوع السؤال أو تتحدث في العموميات، مشيرا إلى أن الأسئلة الكتابية تتعلق بموضوع محلي، لكن الجواب المتوصل به يكون بشكل عام، مثلا سؤال عن إحداث إعدادية في جماعة ترابية وتاريخ البرمجة، والجواب يتضمن إحصائيات وأرقام حول المؤسسات التعليمية الموجودة في الإقليم، وهذا الجواب لا يقنع المواطن، وأضاف: “كبرلماني في الولاية الثالثة، أحس أن هناك تراجعا خطيرا، وهذا يساهم فيه البرلمان والأحزاب والحكومة، لهذا يجب إعادة القيمة للمؤسسة التشريعية، فمسألة سؤال شفوي له طابع وطني هو سياسة عمومية، وسؤال كتابي يكون له طابع محلي وفق النظام الداخلي، ولكن في المقابل، الحكومة عليها الإجابة والتفاعل، لهذا نرى أن النائب يستغل الجلسة العمومية ويطرح سؤالا محليا، لأن الجواب الكتابي لا يشفي الغليل، ويريد النائب إشعار المواطن بأنه طرح السؤال على الوزير”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى