كواليس الأخبار

تحت الأضواء | منتخب “رضى الوالدين” و”النية” يصنع الحدث في مونديال قطر

فائزون رغم الخسارة

الأسبوع. خالد الغازي

 

    حقق المنتخب المغربي مشاركة إيجابية في نهائيات كأس العالم بقطر، سواء من الناحية التقنية أو الاجتماعية، ونال شعبية كبيرة على الصعيد العربي والإفريقي والإسلامي بفضل أخلاق لاعبيه في رقعة الميدان، والصورة المثالية التي جعلت مشارق الأرض ومغاربها يتساءلون عن التقاليد والأعراف المغربية الأصيلة المتجذرة منذ القدم داخل المجتمع المغربي، والموجودة في كل أسرة مغربية.

فالمنتخب الوطني بغض النظر عن النتائج الكروية في المباريات والتي جعلت العديد من الشعوب العربية تفتخر بإنجازه ووصوله إلى دور النصف نهائي كأول فريق إفريقي وعربي يصل لهذا الدور، إلا أنه تمكن من تسويق صورة مثالية اجتماعية وإنسانية عن الأسرة والعائلة والدين الإسلامي والتعايش، والإيمان بالقضية الفلسطينية.

وقد شكل مونديال قطر مناسبة للعالم للتعرف على المغرب في مسابقة تحظى بمتابعة أكثر من 5 ملايير نسمة في العالم، وكان أيضا مناسبة للتسويق السياحي من خلال الحضور الكبير للجماهير المغربية في المدرجات، وتألق اللاعبين في رقعة الميدان أمام منتخبات لديها حضور وازن على صعيد الكرة الأوروبية والعالمية (بلجيكا، إسبانيا، كراوتيا، البرتغال، فرنسا)، حيث أصبح المغرب حديث الصحف العالمية والقنوات الإخبارية والرياضية على الصعيد العالمي، مما سيدفع الملايين من الناس للتفكير في زيارة هذا البلد الإفريقي العربي الذي كتب لاعبوه تاريخا جديدا للكرة الإفريقية في تاريخ مشاركات الكرة السمراء في الكؤوس العالمية.

فقد حمل المنتخب الوطني رسائل وقيم اجتماعية تفاعل معها الملايين من نشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، وعدد كبير جدا من المثقفين والإعلاميين، والفنانين، والمتمثلة في الارتباط القوي والمتين للاعبين بأمهاتهم وآبائهم، حيث خطفت والدة مهاجم المنتخب سفيان بوفال، الأضواء على الصعيد العالمي وأصبحت حديث جميع القنوات الإخبارية العربية والأجنبية، بعدما نزلت لأرضية الملعب للاحتفال رفقة ابنها بالفوز التاريخي على منتخب البرتغال، في مشهد لم تعرفه الملاعب الكروية من قبل، مما أرسل رسائل إلى العالم حول قوة وصلابة العائلة المغربية والعربية، وشكل ردا قويا على من حاولوا الترويج للمثلية والشذوذ في المونديال (منتخب ألمانيا، وإنجلترا والدانمارك…).

“رضى الوالدين”.. قاعدة أساسية داخل المجتمع المغربي، وقد نجح لاعبو المنتخب الوطني في إبرازها للعالم انطلاقا من المدرجات عقب كل مباراة، فقد خطف أشرف حكيمي بدوره الأضواء عقب مباراة بلجيكا عندما توجه إلى أمه ليقبل رأسها، إلى جانب عبد الصمد الزلزولي، الذي صعد بدوره إلى المدرجات ليعانق والدته، والمدرب وليد الركراكي، الذي قبل رأس والدته في مدرجات الملعب، بينما أبكى مشهد يوسف النصيري الجماهير المغربية، عندما كان يعانق والده بحرارة ويذرف الدموع بعد تسجيله لهدف تاريخي في شباك منتخب إسبانيا.

وهكذا قدم المغاربة في مونديال قطر رسالة أخلاقية إلى العام، حول أهمية الأسرة داخل المجتمع عكس ما يسعى إليه الغرب، من استهداف الأسرة والقيم الأخلاقية، وخلق التفكك والتباعد الاجتماعي، حيث أن حضور أسر لاعبي المنتخب تبرز للعالم أهمية العلاقات الإنسانية والعائلية بين الأبناء والآباء والتي تمتاز بها المجتمعات العربية والمسلمة، وشكلت رسالة قوية عن روح التضامن والاحترام والعلاقات القوية المبنية على حب وطاعة الوالدين، ومدى أهمية الأسرة والأم داخل المجتمع المغربي والعربي.

وهذا الزخم الأخلاقي والمجتمعي.. جعل العديد من المشاهير يعبرون عن إعجابهم بسمو العلاقة بين لاعبي المنتخب المغربي مع أمهاتهم، حيث عبر مارسيل خليفة، الموسيقار اللبناني الكبير، عن إعجابه الكبير بلقطة سفيان بوفال ووالدته، بقصيدة صغيرة كتب فيها: “أضم لموقدك نار روحي، ولجبينك العالي أجراس بوحي، وأسجد أنا بمرآك، سجدة شكر وقيام”، بينما اعتبرت مريم بنت علي المسند، وزيرة التنمية الاجتماعية القطرية، نجاح وتفوق لاعبي المنتخب من رضى الوالدين، قائلة: “تقر العين ويسعد القلب بالمشاهد التاريخية للترابط الأسري في مونديال قطر، فالعائلة هي سر النجاح الأول بعد توفيق الله”.

وأشادت صحيفة “الغارديان” البريطانية بسلوك اللاعبين المغاربة مع أمهاتهم بعنوان: “أمهات اللاعبين يحتلون مركز الصدارة، بينما يصنع المغرب التاريخ في كأس العالم”، معتبرة أن “تألق المنتخب المغربي ووصوله إلى نصف النهائي كان في جزء منه، بفضل دعم الأمهات ووجودهن بالشكل الذي شهدناه”، وأضافت: “رأينا لاعبي المغرب يُطبّقون تعاليم الله من خلال البِرّ بأمهاتهم، اللواتي ارتدين الحجاب في مباراة عالمية على الهواء مباشرة.. لم تكن لافتة رائعة ومؤثّرة وراقية فحسب، بل كانت مهمة لبلورة جوهر المنافسة العالمية، والتعرف على ثقافات وسلوكيات مختلفة، لجعل العالم مكانا أفضل للجميع”.

لقد أعطى لاعبو المنتخب الوطني صورة إيجابية عن مكانة الأم داخل المجتمع المغربي والإسلامي، لكونها تعتبر عمود العائلة والأسرة عكس ما يتم الترويج له في وسائل الإعلام الغربية، كون المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية مضطهدة وتعيش التمييز والإقصاء، لكن مشاهد أمهات اللاعبين تبرز صورة جميلة عن التضامن العائلي في المجتمع المغربي والعربي، عكس المجتمع الغربي الذي تعطى للزوجة والصديقة مكانة أكثر من الأمهات والآباء، الذين يتم رميهم في دور المسنين والرعاية الاجتماعية، حيث يقول مذيع ألماني: “هذه المشاهد الحميمية مع العائلة لم نعد نراها في مجتمعاتنا الغربية التي تسودها الأنانية والمثلية الجنسية واندثار مفهوم الأسرة”.

نجاح المنتخب الوطني في مونديال قطر أعاد مفهوم “النية” للواجهة بين الناس في معاملاتهم، فقد خلقت هذه الكلمة التي يقولها الناخب الوطني وليد الركراكي في الندوات الصحفية، الحدث بين المغاربة، والتي تعني “حسن النية والثقة في الله”، إذ قال للصحفيين: “اللي بغا ينجح يتهلا في الوالدين، يدير النية ويدير الخير فالناس، وربي ما يخيبوش”، حيث عادت كلمة “النية” بقوة للتداول بين الناس في حواراتهم ومعاملاتهم، وهي كلمة أصيلة يتعامل بها الفقهاء والشرفاء والمسنون لتفادي الكذب والغش.

كما حرص لاعبو المنتخب الوطني على تسويق الجانب الإنساني والديني للعالم، من خلال قراءة الفاتحة وسجودهم شكرا لله عقب كل مباراة، وإبراز تمسكهم بالدين الإسلامي، بالإضافة إلى إيمانهم بعدالة القضية الفلسطينية والحرص على حمل العلم الفلسطيني والتلويح به في كل احتفال عقب مباريات المونديال، حيث رفع العديد من اللاعبين راية فلسطين أمام عدسات القنوات الرياضية والإخبارية العالمية، بينما أكد الجمهور المغربي الحاضر في الملاعب القطرية تمسك الشعب المغربي بالقضية الفلسطينية من خلال حمل الأعلام.

مسار المنتخب الوطني الناجح في مونديال قطر ساهم في تحقيق تقارب كبير بين الدول العربية والافريقية، ولعب دورا سياسيا ودبلوماسيا موازيا في كسب عاطفة الجماهير الإفريقية، التي عبرت عن سعادتها بوصول أول منتخب إفريقي لدور نصف نهائي كأس العالم ووقفت إلى جانبه خلال المباريات، بحيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور من الشباب الأفارقة يرتدون قمصان المنتخب الوطني في بلدانهم، ويتفاعلون مع مباريات الفريق الوطني، الشيء الذي خلق شعبية كبيرة للمغرب وسط القارة السمراء وعلى الصعيد العربي، في سوريا وفلسطين واليمن والصومال ومصر ودول الخليج..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى