كواليس الأخبار

تحت الأضواء | كيف تحول القانون الجنائي إلى عائق في وجه حرية الصحافة

تقرير يرصد مكامن الخلل في التشريع

الرباط. الأسبوع

    كشف تقرير صدر بداية الأسبوع الجاري، أعدته جمعية “عدالة”، أن “المغرب رغم الإصلاحات السابقة التي قام بها، فإنه لم يقم بإصلاح المنظومة الجنائية بشكل شمولي يجعلها أكثر ملاءمة واحتراما للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، خصوصا المادة 19، إذ ما زالت مواد القانون الجنائي تطبق ضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان لحظة ممارستهم لحرية التعبير، مما يؤدي إلى التضييق عليهم وشل حركيتهم، منها المواد 206، و266 و263 من القانون الجنائي، والتي تعاقب بالحبس من شهر إلى سنة، وغرامة من 250 إلى 5 آلاف درهم، من أهان أحدا من رجال القضاء أو من الموظفين العموميين أو من رؤساء أو رجال القوة العامة بأقوال أو إشارات أو بكتابة، وذلك بقصد المساس بشرفهم أو بشعورهم أو الاحترام الواجب لسلطتهم”.

وتطرق التقرير للمشاكل التي يتعرض لها الصحفيون بسبب بعض فصول القانون الجنائي، لاسيما فيما يتعلق بـ”التأثير على قرارات القضاء”، أو “الكتابات العلنية التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية”، معتبرا أن هذا الفصل يطرح إشكالية العلاقة بين الصحفي ومصادره، إذ تقترح جمعية “عدالة” ومنظمة “الفصل 19” من أجل إصلاح قانون الصحافة، إعطاء الأولوية لإعمال مبدأ “حسن النية” لفائدة الصحفيين والصحفيات.

وقد شدد التقرير في توصياته على ضرورة القيام بعدة إصلاحات وتعديلات للحد من اعتقال الصحفيين بالقانون الجنائي، عبر ملاءمة قانون الصحافة والنشر مع المبادئ والمعايير الدولية، ومتابعة الصحفيين فقط بهذا القانون دون غيره، والعمل على تعديل النصوص القانونية المتعلقة بحرية التعبير والصحافة، بجعلها أكثر دقة ووضوحا، وإلغاء المواد المتعلقة بجرائم التشهير المضمنة بالقانون الجنائي (الفصل 442، 447/1-2) والاقتصار فقط على قانون الصحافة والنشر، ثم إلغاء العقوبات السالبة للحرية في كل قضايا التعبير والصحافة والإعلام مع عدم الإحالة على قوانين أخرى، وحصر المتابعة بقانون الصحافة في الجنح ذات الصلة، والحد من السلطة التقديرية للقضاة على مستوى التكييف بما يعزز الحقوق والحريات المتعلقة بالصحافة، والحرص على حماية سرية مصادر الخبر، واحترام التزامات المغرب الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.

ودعا التقرير إلى إخضاع أي مشروع قانون للتشاور العمومي وإشراك المنظمات الحقوقية، وأصحاب المصلحة إذا كان مرتبطا بحقوق الإنسان، وإحالة مثل هذه المشاريع على المؤسسات الوطنية لإبداء الرأي، من بينها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والعمل على تعميم اجتهادات القضاء المغربي في علاقته بالصحافة والنشر، للاسترشاد بها من أجل تجاوز الحكم بعقوبات سالبة أو بتعويضات غير متناسبة.

وقد أوصى التقرير بإزالة القيود الواردة على إعادة استعمال المعلومات وجعلها عمومية بعد الحصول عليها، وذلك تماشيا مع المبادئ الكونية المؤطرة للحق في الحصول على المعلومة، سواء المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان، أو العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، أو اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، مضيفا أن القانون تضمن لائحة من الاستثناءات المطلقة والمقيدة من هذا الحق، والتي لا يجب أن تتحول إلى قاعدة في التعاطي مع طلبات المواطنين للحصول على المعلومات (مبدأ النشر الاستباقي للمعلومات، مجانية الحصول عليها، تبسيط المسطرة، توسيع مجال رقمنة المعطيات في كل المواقع التابعة للقطاعات والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، والبوابات الإلكترونية)، بحيث تكون كل المعطيات والمعلومات التي ينص القانون على نشرها، في متناول المواطنين.

كما شدد التقرير في توصياته على ضرورة تعديل عدة نقاط في قانون الحق في الحصول على المعلومة، منها النشر الاستباقي والرقمي، وأن يكون قاعدة معمولا بها، وتبسيط مسطرة طلب المعلومات وتقليص آجال الرد على الطلبات من عشرين يوما إلى 7 أيام قابلة للتجديد مرة واحدة، وتبسيط مسطرة التظلم الإداري والقضائي، وتقليص آجال المرور إلى المساطر القضائية من 30 يوما إلى 10 أيام، إلى جانب تأطير الموظفين المكلفين بالحق في المعلومة وتمتيعهم بإطار وحماية خاصتين، وضمان مجانية المعلومة، ووضع خطة وطنية تواصلية تستهدف المواطنين والمواطنات بخصوص التمتع بهذا الحق، وكذا العمل على رقمنة الأرشيف.

وفي موضوع آخر، يؤكد ذات التقرير أن حرية تأسيس الجمعيات من بين الحريات الأساسية المضمونة في الدستور، لكنها ما زالت تخضع للمقتضيات الواردة في ظهير الحريات العامة لسنة 1958، حيث جرى تعديله وتتميمه بالقوانين رقم 75.00، 36.04، و07.09 بالرغم من أن هناك بعض المكتسبات المضمنة في هذا القانون، بأن تأسيس الجمعيات يقوم على نظام التصريح وليس على نظام التسجيل أو الترخيص، إذ يضمن القانون للجمعيات اللجوء إلى القضاء الإداري لطلب إلغاء أي قرار إداري تعتبره تعسفيا.

وكشف التقرير بعض الإكراهات والاختلالات على مستوى الإطار القانوني المتعلق بتأسيس الجمعيات، إذ سجل تأخرا في سن إطار قانوني جديد خاص بحرية الجمعيات، وحرية التجمع والتظاهر السلمي، يكون ملائما لأحكام الدستور والالتزامات الدولية، كما لا زال التشريع الحالي مطبوعا بالعبارات الفضفاضة مثل “النظام العام”، إلى جانب خضوع الجمعيات في معاملاتها المالية والمحاسباتية والتعاقدية من جانب آخر لأنظمة الشراكات، الشيء الذي يحد من فاعليتها ويرهقها بواجبات جبائية ثقيلة، مشيرا إلى وجود عراقيل أخرى على المستوى الإداري من خلال “مطالبة الجمعيات الراغبة في التأسيس، بوثائق غير منصوص عليها في القانون، أو تأخرها في تسليم وصولات الإيداع المؤقت أو النهائية، وأحيانا حرمان بعض الجمعيات من وصولات التأسيس أو التجديد نهائيا”.

وأضاف التقرير أنه “بالرغم من تسلم السلطة الإدارية لوثائق الملف، إلا أنها لا تسلم الوصل المؤقت فورا، وفقا لأحكام الفصل 5 من ظهير 1958″، كما يتم “تسليم الوصل المؤقت والامتناع عن تسليم الوصل النهائي داخل الأجل المحدد قانونيا في 60 يوما، أو بعد انصرام هذا الأجل وترك الجمعيات في وضعية غير واضحة إزاء القانون، وعدم تمكينها من ولوج واستعمال مختلف الفضاءات والمقرات لتنظيم بعض أنشطتها، سواء تلك الموجهة إلى أعضائها أو إلى العموم”.

وأوصى التقرير بسن إطار تشريعي جديد يتلاءم مع الدستور ومع الاتفاقيات والالتزامات الدولية ذات الصلة بحرية الجمعيات، ومع توصيات المجتمع المدني، وخاصة دينامية جمعية “عدالة” وتقريرها عن البيئة القانونية لحريات الجمعيات والتظاهر 2019، ومع توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مشددا على ضرورة رفع القيود والإكراهات الضريبية التي تخضع لها الجمعيات، عبر الإعفاء بالنسبة لأنشطة البيع والخدمات المنجزة من طرف الجمعيات غير الهادفة للحصول على الربح، والهيئات المماثلة، وإعفاء مستخدمي ومهنيي الجمعيات من الضريبة على الدخل أو التخفيف منها.

وطالب التقرير بتمتيع جميع الجمعيات من أداء الضريبة على القيمة المضافة المرتبطة بمشترياتها وأنشطتها أسوة ببعض الجمعيات التي تتمتع بالمنفعة العامة، وتفعيل أنظمة التحفيزات لصالح الجمعيات التي تعتمد على مبدأ المناصفة، مع إلزام الإدارة بالامتثال لأحكام القضاء الإداري مع اعتماد مبادئ زجرية في حال عدم التنفيذ، وجعل السلطة القضائية هي الجهة المختصة بالتصريح بتأسيس الجمعيات، وإنهاء منع السلطات الإدارية من تحويل مبدأ التصريح بتأسيس الجمعيات إلى نظام الترخيص، والحرص على تمكين جميع الجمعيات من ولوج واستعمال مختلف الفضاءات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى