تحقيقات أسبوعية

متابعات | المحامون والمحاسبون والعدول يتحالفون لأول مرة ضد وزير العدل

انتفض العديد من أصحاب المهن الحرة (المحامون، العدول، المحاسبون) أمام البرلمان ضد قرارات الحكومة التي صدمت الجميع، خاصة فيما يتعلق بالإجراءات الضريبية والاختصاصات المهنية، مما دفع العديد من الهيئات للخروج إلى الشارع للاحتجاج ضد مشروع قانون المالية الذي يتضمن زيادات جديدة في رسوم الضرائب، ومواد أخرى تقيد بعض الأنشطة المهنية.

إعداد: خالد الغازي

    نظم المحامون وقفات احتجاجية متعددة رفضا للتسبيق الضريبي الذي فرضته وزارة المالية بتنسيق مع وزارة العدل، والذي يلزم المحامين بتسديد رسوم ضريبية تتراوح ما بين 300 و500 درهم عن كل مقال أو طلب أو دعوى قضائية، الشيء الذي سيرفع أتعاب المحامين وسيجعل المواطن يعاني صعوبة كبيرة لتوكيل محامي للدفاع عنه أمام المحاكم، خاصة وأن هناك قضايا اجتماعية مثل النفقة والحضانة، وقضايا تتعلق بالحريات والصحافة يشتغل فيها المحامون بشكل تطوعي.

تتمة المقال بعد الإعلان

العدول وقضية التوثيق

    قرر عدول المغرب الخروج بدورهم للشارع رفضا لإقصائهم من ممارسة مهنة توثيق العقود العقارية والأراضي والسكن الاجتماعي، بعد حرمانهم لسنوات من توثيق عقود ملكية السكن الاقتصادي، معتبرين أن السياسة التي تنهجها الحكومة ووزارة المالية لا تحقق المساواة بين المهن الحرة، بل إنها تعطي امتيازات للموثقين على حساب العدول بالرغم من أن غالبيتهم يتوفرون على تعليم جامعي وأكاديمي عالي ومن بينهم حملة الدكتوراه، ولهم تخصصات متنوعة.

يوسف أيت الحو، رئيس المجلس الجهوي للعدول بالرباط، يرى أن إقصاء العدول من توثيق السكن حسب المادة 8 من مشروع المالية، هو ظلم و”ريع تشريعي” لفائدة جهة أخرى على حساب العدول، داعيا إلى تدارك الموقف والقيام بتعديلات تحقق تكافؤ الفرص والمساواة والإنصاف حسب الدستور، مؤكدا أن الهيئة في حالة ما لم يتم إنصاف العدول، سوف تتخذ أشكالا نضالية لم يسبق لها مثيل في تاريخ المهنة.

تتمة المقال بعد الإعلان

وبخصوص مشروع قانون المهنة المثير للجدل، أوضح ذات المصدر، أن ما راج في الحوار مع وزارة العدل لا يرقى لمستوى تطلعات العدول وإلى طموحاتهم، حيث أن مسودة مشروع المذكرة الأولى وحتى التعديلات التي قيل أنها شملت هذا المشروع، فهي لا ترقى إلى مستوى طموحاتنا، لأنه لا يساير عصر العولمة والرقمنة، وسيكرس نفس النمطية القديمة التي استنكرناها والتي أكل عليها الدهر وشرب.

بدورها، قالت صابرين زاوش، عدل موثقة باستئنافية وجدة: “لدينا مجموعة من المطالب نتمنى أن تتحقق على أرض الواقع، من بينها إعادة النظر في المادة 8 من مشروع قانون المالية، بالإضافة إلى المواد المنصوص عليها في القانون 03-16 المنصوص عليها في قانون العدالة، بدء بالمادة 14 و15 التي تنص على أن الاختصاص يمكن العدل من توثيق جميع العقود فقط في حدود محكمة الاستئناف، ولكن بالرجوع إلى القانون المتعلق بمهنة التوثيق العصري، نجد أنه حدد لها الاختصاص على صعيد التراب الوطني”.

واعتبرت ذات العدل، أن هناك حيفا وتمييزا وإقصاء ممنهجا من قبل وزارة العدل في حق فئة العدول، بينما يتم منح فئة أخرى الحق في توثيق جميع العقود، مثلا السكن الاقتصادي ومجموعة من العقود الأخرى، من بينها مشروع السكن المدعم حسب المادة 8، التي تعطي التوثيق فقط للموثقين لهذا النوع من السكن، بينما حرمت فئة العدول رغم أنهم موجودين في الساحة التوثيقية منذ عقود، ولهم تاريخ في توثيق ممتلكات المواطنين والحفاظ على العقارات.

تتمة المقال بعد الإعلان

في نفس الإطار، أوضح خليفة السعدي، رئيس مجلس العدول بسطات، أن منع العدول من توثيق عقود السكن المدعم من طرف الدولة، مخالف للمبادئ الدستورية ولقانون العدالة، لهذا “نطالب بتعديل المادة الثامنة وإعطاء هذا الحق للعدول مثل الفئة الأخرى ليقوم بتوثيق العقارات سواء كانت محفظة أو غير محفظة”، معتبرا أن المادة 8 هي ريع تشريعي يمنح توثيق السكن المدعم لفئة الموثقين، ويكرر نفس السيناريو المتعلق بالسكن الاقتصادي سابقا.

وأشار نفس المتحدث إلى أن العدول يقومون بعملهم بشكل مهني ومسؤول عبر التسجيل الإلكتروني ودفع الواجبات المطلوبة والرسوم لخزينة الدولة، وينعشون الخزينة كل شهر وكل سنة من خلال الأداء المالي، لكن عندما قامت الدولة بتخصيص دعم مباشر للسكن، تم إقصاؤهم من حق التوثيق العدلي.

 

تتمة المقال بعد الإعلان

 

ضريبة المحامي وحق التقاضي

تتمة المقال بعد الإعلان

    انتفض المحامون بدورهم عبر مختلف الهيئات والجمعيات رافضين قرار الحكومة المتعلق بالتسبيق الضريبي، أو ضريبة الملفات القضائية، التي سيكون لها انعكاس سلبي على القدرة المادية للمتقاضين، وقد تحرم العديد من المواطنين من الحصول على خدمات الدفاع والولوج إلى العدالة، لا سيما في القضايا الاجتماعية والأسرة والحوادث العادية، حيث من المنتظر أن تتضاعف أتعاب المحامين وتزداد التكلفة المالية للمتقاضين.

في هذا الإطار، قال محمد أمغار، كاتب عام هيئة المحامين بالدار البيضاء، أن “فرض الضريبة على الدخل والرفع من الضريبة على القيمة المضافة، ليست فيه عدالة ضريبية، لأن هذه التسبيقات تفرض دخول الاحتمالية وليست حقيقية، فنحن نعرف أن الضريبة على الدخل تفرض على الدخل الصافي للشخص الملزم عندما يحصل على مداخيل، بخصم المصاريف، ثم نتحدث عن الدخل الصافي الذي تفرض عليه الضريبة”، معتبرا أن هذه المقتضيات والأداء المسبق لـ 300 درهم أو 400 درهم أو 500 درهم بالنسبة لمحكمة الاستئناف والنقض، لم تأخذ بعين الاعتبار العدالة الضريبية، ولم تأخذ بالمقتضيات المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب، وتفرض شيئا اسمه “تسبيق” على دخول الاحتمالية، وعلى مداخيل غير موجودة، وهذا فيه مساس بحق المواطن في التقاضي.

وأكد ذات المصدر، أنه من الصعب جدا تحديد مداخيل المحامي، لأن هناك بعض المحامين لهم علاقة بالملفات الضخمة مثل قضايا الاستثمار، لكن غالبيتهم ينوبون في قضايا اجتماعية مثل كراء المحلات والمنازل والنفقة والطلاق وإثبات النسب، المتعلقة بالفئات الهشة، مضيفا أن فرض الضريبة المسبقة يضرب حق المساواة أمام القضاء، وستدفع هذه الشريحة من الناس للجوء إلى المحكمة بدون محامي، لأن الأتعاب والمبالغ تتجاوز إمكانياتهم المادية، كما تعتبر مخالفة للمبادئ التي نص عليها الدستور والمتعلقة بالحق في التقاضي والحق في الولوج إلى العدالة والمحاكمة العادلة.

من جهته، انتقد عبد الرحيم حكم، محامي بهيئة الدار البيضاء، تصريحات وزير العدل ومشروع قانون المالية، قائلا: “الناس خارجة من كوفيد وكتقول لينا ناخذو منهم 300 درهم نعطيوها ليك وناخذو 100 درهم منهم لدفع الضريبة، نحن لن نأخذ شيئا.. إيلا بغيتونا نجلسو بالجوع راحنا عامين ما درنا تاحاجة في الجائحة، ووزير العدل خاصو يعرف القدر ديالو، ويكفي هذ الناس كلها، المحامين خرجوا يحتجوا اليوم باش يقولوا ليك راك على خطأ رجع شوية ما حد الوقت باقي.. أنت في جنيف، ماذا ستقول لهم، أنك فرضت على المواطن ضرائب؟”.

هشام معاوي، محامي بهيئة الدار البيضاء أيضا، اعتبر أن فرض الإجراءات الضريبية الجديدة سينعكس على المواطن، لأن المحامي لا يمكنه أن يؤدي كل هذه المبالغ (300 درهم ابتدائيا و400 درهم استئنافيا و500 درهم في مرحلة النقض) تنضاف إليها الضريبة على القيمة المضافة بـ 20 في المائة عوض 10 في المائة سابقا، مما سيزيد من ارتفاع الأتعاب وتصبح المرأة التي تريد رفع دعوى النفقة أو إثبات النسب أو الطلاق غير قادرة على تحمل المصاريف، وبالتالي، سوف تتراجع بسبب التكلفة الباهظة وتحرم من الولوج إلى العدالة، وقال: “وزير العدل يأتي بمشاريع قوانين بشكل انفرادي وكأنه أصبح القناة الوحيدة للتشريع، واضعا المقاربة التشاركية جانبا والتي لطالما دعا إليها الملك في خطاباته السامية، وأصبح متمسكا بهذه القوانين (قانون المهنة، المسطرة المدنية، المسطرة الجنائية والقانون الجنائي)، ويسعى إلى فرضها على المحامين وعلى الشعب المغربي بدون مقاربة تشاركية”، مؤكدا أن “المحاماة هي مهنة نبيلة وحرة ومستقلة ولم يسبق لأي وزير عدل أن تعامل بهذه الطريقة مع المحامين”.

المحاسبون غاضبون

    عبرت العديد من الهيئات المهنية عن رفضها للصيغة الجديدة للأداء الضريبي التي جاءت بها وزارة المالية، والتي تشكل تهديدا للاستقرار المادي والاجتماعي للمكاتب والشركات، حيث أبدى المحاسبون المعتمدون من قبل الوزارة، استياءهم من الإجراءات الضريبية الجديدة المتعلقة بهم والتي يصعب استرجاعها بعد أدائها.

محمد المرس، الكاتب العام للمنظمة النقابية للمحاسبين بالمغرب، أكد أن “هناك مسائل تهدد عيش المواطن والهدف منها إفقار الفقير وإغناء الغني، وتتعارض مع الدستور، الذي ينص على العيش الكريم والعدالة الاجتماعية”، مشيرا إلى أن الحكومة لم تلتزم بالخطاب الملكي المتعلق بالتكافل الاجتماعي وتكريس مبدأ الدولة الاجتماعية، حيث أن الملاحظ هو أن شركات تستفيد من ريع تشريعي ومقاولات صغرى تستهدف ضد ما يجب أن يكون خلال هذه الفترة الصعبة.

وأضاف نفس المصدر، أن هناك تضريبا للعديد من القطاعات التي كان المواطن يستفيد منها، مثل بيع السكن الرئيسي الذي كان ما بين 3 إلى 20 في المائة من الربح، واليوم نتحدث عن قانون يتضمن 10 في المائة من قيمة البيع، ثم زيادة ضريبية بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة التي تحقق رقم معاملات أقل من 30 مليون سنتيم، بعدما كانت تؤدي في السابق 10 في المائة ستدفع حاليا 20 في المائة، بينما الشركات الكبرى التي كانت تؤدي 31 في المائة سابقا والتي تحقق أكثر من مليون درهم في بعض الأحيان، تم تخفيض ضريبتها إلى 20 في المائة، من هنا يظهر أن الهدف هو المقاولات الصغرى في مسار إعدامها بعد تفقيرها.

بدوره، قال كمال الدين المرابطي، رئيس جمعية المحاسبين بجهة الرباط، أنه “حسب الفصل 144 من المدونة العامة للضرائب، فإن الحد الأدنى هو 0.5 في المائة من رقم المعاملات، في حين أن قانون المالية الجديد حددها في 20 في المائة من نفس رقم المعاملات دون احتساب التكاليف”، موضحا أن “الغريب في الأمر هو أن ضريبة الشركات هي 20 في المائة من صافي الأرباح بعد خصم التكاليف”.

وأضاف نفس المتحدث، أن الإجراء الجديد هو بمثابة تسبيق أو بالأحرى هو قرض دون فائدة للخزينة من جيوب المهنيين، كما أنه يعد ضريبة على أرباح مفترضة وخيالية لم تحقق ومن المستحيل تحقيقها، لأن رقم المعاملات لا يمكن أن يساوي أو يفوق الأرباح، مبرزا أن أغلب زبائن المحاسبين هم شركات صغرى وأشخاص ذاتيون، وكما قيل “كثرة الضريبة تقتل الضريبة”، وسيتجه أغلب المستثمرين الصغار إلى القطاع غير المهيكل.

من جانبه، قال محمد زريرات، رئيس المنظمة النقابية للمحاسبين بالمغرب: “النظام الضريبي في المغرب هو نظام تصريحي، والإدارة الضريبية المغربية لها كل الصلاحية من بعد إيداع التصاريح السنوية، والآن يتم تسبيق 20 في المائة على كل فاتورة مستخلصة يذهب كتسبيق من المهن الحرة، التي سيطالها المقتضى عبر تصاريح شهرية، وهذا سيؤدي إلى تجفيف مالية هؤلاء المهنيين، وسيحد من إمكانية الاستثمار وتشغيل الشباب، لأنها ستقوم بالأداء في الأول”.

وأشار ذات المصدر إلى أن “المحاسبين يؤدون التسبيق خلال ربع كل سنة على أربعة مراحل، ربع من الضريبة المؤداة عن السنة السابقة وهذا معمول به، لكن الغريب هو أن المحاسب سيؤدي ربع الضريبة المتعلقة بالسنة الفارطة، ثم يؤدي 20 في المائة إضافية، وهذا لا يوجد في الأنظمة الجبائية للدول المتقدمة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى