جهات

حديث العاصمة | عندما تتحول دبلوماسية الشعوب إلى دبلوماسية الجيوب

بقلم: بوشعيب الإدريسي

    وجه سفير المملكة في دولة أوروبية، خطابا إلى جماعة العاصمة عبر الطرق المعمول بها يستعرض فيه توغل أعداء الوحدة الترابية في الأوساط الحزبية المتكون منها مجلس بلدية عاصمة تلك الدولة، ويطلب إيجاد صيغة لربط الاتصال بذلك المجلس، لإطلاعه على حقيقة الأوضاع في أقاليمنا الصحراوية، فكان لابد من التحرك للحصول على المعلومات الكافية للقيام بما يجب، وصادف ذلك تنظيم رحلة من جمعية رائدة في الرحلات إلى ثلاثة أقطار منها عاصمة القطر المعني، فتطوع منتخب رباطي بتسجيل نفسه كسائح في تلك الرحلة التي كانت مبرمجة سلفا وضمت 30 مشاركا من الأطر العاملة في مختلف الميادين من بعض المدن المغربية، وقد كانت المحطة الأولى في هذه الرحلة، هي زيارة عاصمة أوروبية، فاستأذن المنتخب الرباطي من المسؤول عن برنامج التنظيم السماح له بالتواصل مع مجلس بلدية تلك العاصمة للاستفادة من تجاربه، وتم التواصل، وكان الترحيب والمساعدة في الاطلاع على اختصاصاته وطريقة انتخابه، وفي اليوم التالي، كانت الطائرة تحط في مطار العاصمة التي “اشتكى” منها سفيرنا من تنامي أنشطة كيدية من مرتزقة مكلفين بتزوير حقائق الأوضاع في جنوب المملكة، وتكرر سيناريو ما تم في العاصمة الأولى بما في ذلك حفاوة الاستقبال وعبارات المجاملة، وكان ذلك المنتخب الرباطي على علم بالنفوذ الكبير للكنيسة هناك على المستويين الشعبي والرسمي، فالتمس من زملاء الرحلة اكتشاف معالم هندسية مكان تعبد أصحاب تلك العاصمة، وهم بداخلها، اقترح السلام على رئيسها، فكان لحضور الوفد الزائر في مكان ديني من غير ديانته أكبر الأثر على رئيس الكنيسة، الذي أصبح من أكبر أصدقاء المملكة ومفتاحا لحل كل المشاكل الثنائية، ومسؤولا نافذا آمرا بإجراء تآخي مع الرباط، وطرد الانفصاليين… إلخ، وكان ذلك سنة 1990، حيث تأسست دبلوماسية الشعوب بربط العاصمة الرباط بـ 17 اتفاقية تآخ مع عواصم من مختلف القارات منها العاصمة الثالثة التي كانت مقررة في “الرحلة السياحية” لوفد من المشاركين لم يعلموا إلى اليوم أنهم كانوا في “مهمة وطنية”.

هذه هي قاعدة الدبلوماسية الشعبية التي – مع الأسف – لم تتكرر منذ حوالي الـ 30 سنة، وقد أزاحتها دبلوماسية الجيوب للاغتراف من التعويضات اليومية الممنوحة دون حق إثبات استحقاقاتها بالمردودية الفعالة في بناء صرح القوة الشعبية المؤثرة في العلاقات الدولية، حيث أصبحت المهمات إلى الخارج مجرد “هبة” تمنح للموالين وبالتناوب على الأسفار، وفي جيوبهم مصاريف “الشوبينغ” من مالية الجماعة، أقلها مليون سنتيم مع ضمان الإقامة كاملة التكاليف، ولهذه الإقامة “قصة” المعاملة بالمثل تفاديا لضياع التعويضات فيها، والدليل هو بند في الميزانية خاص بالإطعام والمبيت والنقل الداخلي للزوار الأجانب، بل أضحت في هيكلة الجماعة إلزامية تكليف قسم بالعلاقات الدولية، قسم بدون دبلوماسي لقيادته وتوجيهه وتسطير أهدافه وتحديد تحركاته في الاتجاه المكمل لخدمة الدبلوماسية الوطنية.. فهل في مجالس العاصمة دبلوماسيين يحسنون تمثيل العاصمة السياسية والثقافية والدبلوماسية لدى مثيلاتها الأجنبيات؟

فما دامت الأسفار متاحة للجميع بشرط الموالاة للأغلبية وليست بالكفاءة، فستبقى دبلوماسية الشعوب يتيمة يستغلها الانتهازيون المتعطشون للاستجمام على حساب جيوب الرباطيين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى