تحقيقات أسبوعية

متابعات | تقرير يكشف فشل الحكومة في الشفافية والملفات الاجتماعية

مرت سنة على عمر الحكومة الحالية أمام عدة تساؤلات لدى الرأي العام حول حصيلتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في ظل الأزمة الدولية التي يعيشها العالم، وتعالي الأصوات المطالبة بوفاء الحكومة بشعار الدولة الاجتماعية الذي اتخذته في البرنامج الحكومي الأول، لا سيما على صعيد القطاعات الأساسية (الصحة والتعليم والشغل).

 

إعداد: خالد الغازي 

    كشف تقرير جديد لمرصد العمل الحكومي حول حصيلة الحكومة خلال السنة الأولى، عن العديد من النقاط الإيجابية والسلبية، حيث وقف على المشاكل التي برزت خلال الأداء الحكومي، من ضعف التواصل والارتباك الكبير المسجل في تقديم المعطيات، والتفاعل مع الأحداث والملفات الكبرى، وعدم شرح الإجراءات والتدابير المتخذة، ودعا التقرير إلى تطوير الأداء السياسي للحكومة، والرفع من التكامل بين مكوناتها، والابتعاد عن التنافر، لصالح عمل حكومي موحد ومنسجم يزيد من منسوب الثقة لدى الرأي العام الوطني في قدرة الحكومة على مواجهة التحديات والإكراهات المتعددة التي تواجهها البلاد، مع ضرورة تعيين كتاب الدولة في العديد من القطاعات الوزارية لرفع الأداء والمردودية الحكومية.

وشدد المرصد على ضرورة فتح نقاش عمومي واضح وصريح حول الإصلاحات الهيكلية والملفات الكبرى، من قبيل صندوق المقاصة والمنظومة الضريبية، والتقاعد ومحاربة الريع والفساد، وتعزيز آليات حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وتوفير مقومات العيش الكريم، وحماية المواطنين من الاحتكار والمضاربة، والتفكير الآني والمستعجل فيما يتعلق بملف الماء والتهديدات الجادة التي يواجهها الأمن المائي للمغاربة بالارتباط مع نوعية الزراعات المعمول بها والتي تستنزف موارد مائية بشكل مفرط، بالإضافة إلى التفكير في تكثيف الاستثمارات الحكومية فيما يتعلق بتكنولوجيات تحلية مياه البحر.

وأوصى التقرير بتطوير وتسريع وتيرة العمل التشريعي بما يتوافق ويواكب الطموحات الإصلاحية والالتزامات الكبرى التي جاءت بها الحكومة، والتسريع بإخراج قوانين المنافسة وإصلاح مجلس المنافسة بما يمكنه من لعب أدواره الرئيسية في حماية الاقتصاد الوطني وضمان نزاهة وشفافية الفعل الاقتصادي والاستثماري وانعكاساته على المستهلك المغربي، وكذا ضرورة التسريع بإخراج قوانين منظومة التشغيل إلى حيز الوجود، وإصلاح وتجويد العرض الصحي الوطني بما يتوافق مع مقومات الدولة الاجتماعية وتوجهات الحماية الاجتماعية.

وعود البرنامج الحكومي

    تضمن البرنامج الحكومي 10 التزامات أساسية خلال عرضه أمام البرلمان، أبرزها إحداث مليون منصب شغل على الأقل خلال خمس سنوات، ورفع نسبة نشاط النساء إلى أكثر من 30 في المائة عوض 20 في المائة حاليا، وتفعيل الحماية الاجتماعية الشاملة، وحماية وتوسيع الطبقة المتوسطة، وتوفير الشروط الاقتصادية والاجتماعية لبروز طبقة فلاحية متوسطة في العالم القروي.

ووعد البرنامج بالرفع من وتيرة النمو إلى معدل 4 في المائة خلال الخمس سنوات المقبلة، وهو المعدل الذي لم يتحقق حسب تقريري بنك المغرب والمندوبية السامية للتخطيط، بالإضافة إلى تعبئة المنظومة التربوية بهدف تصنيفها ضمن أحسن 60 دولة عالميا، ومحاربة الفقر في المجتمع عبر إخراج مليون أسرة من الهشاشة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية إلى أقل من 39 في المائة عوض 46 في المائة.

حصيلة محدودة

    أبرز التقرير أن حكومة أخنوش واجهت في السنة الأولى من ولايتها، عدة تحديات مرتبطة أساسا بالارتفاع المهول لأسعار المواد الطاقية، في مقدمتها سعر البترول الذي وصل إلى أزيد من 120 دولارا للبرميل، بالإضافة إلى شح وارتفاع أسعار المواد الأولية الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني في مختلف تجلياته ومجالاته، جراء الارتباك الكبير الذي عرفته سلاسل التوريد العالمية، مشيرا إلى عدم قدرتها (الحكومة) على التوافق مع توقعاتها الاستشرافية التي حملها قانون المالية لسنة 2022، حيث لم يتجاوز محصول المغرب من الحبوب 34 مليون قنطار بانخفاض وصل إلى 67 في المائة بالمقارنة مع سنة 2021.

وسجل مرصد العمل الحكومي قصور الحكومة في التعامل والتعاطي مع مجموعة من المعطيات الداخلية، مثل قضايا الريع، وحرية وشفافية المنافسة، والعدالة الضريبة والتضامن المجتمعي، والتي ساهمت بشكل كبير في استفحال هذه الأزمة، ومنعت تخفيف وطأتها على القدرة الشرائية للمواطنين، وعطلت الخروج الموضوعي من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة.

وحسب ذات التقرير، فقد حاولت الحكومة معالجة مجموعة من الملفات ذات الطابع الاجتماعي، من خلال نجاحها في إعادة الحياة للحوار الاجتماعي وتمكنها من توقيع اتفاق مع المركزيات النقابية، وتنزيلها لبرنامج “أوراش” كآلية لتحفيز التشغيل، وبرنامج “فرصة” لدعم المبادرات والمقاولات الشبابية، بالإضافة إلى الاعتمادات المالية الإضافية التي خصصتها لصندوق المقاصة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، وتسريعها لورش تعميم الحماية الاجتماعية.

سلبيات الحكومة

    أفاد التقرير أن الحكومة لم تتخذ إجراءات موازية تضمن نجاح وديمومة ورش الحماية الاجتماعية، وخاصة المتعلقة بإعادة النظر في التعريفة الوطنية المرجعية، ومصادر التمويل، مشيرا إلى غياب الإرادة السياسة لديها لمباشرة الإصلاحات الكبرى المتعلقة بملفات الريع والفساد، والمنافسة وصندوق المقاصة والتقاعد وغيرها من الملفات الاستراتيجية.

وسجل التقرير بعض النقاط السلبية على الحكومة، والمرتبطة بتدبير الشأن العام وقطاعات حيوية مهمة، من قبيل الامتناع عن التدخل من أجل التخفيف من وطأة ارتفاع أسعار المحروقات على المواطنين، وأثاره الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وتسقيف هوامش الربح، وتدقيق الالتزام بالشروط القانونية للتخزين، ومراجعة الهيكلة الضريبية للأسعار، والامتناع الحكومي عن حل إشكال المنافسة في قطاع المحروقات وفرض شروط قانونية واضحة تؤسس للمنافسة الحرة والنزيهة ما بين مختلف الفاعلين، ثم ضبابية الموقف الحكومي من معالجة قضية محطة “لاسامير” لتكرير البترول، والاستفادة من قدراتها التكريرية والتخزينية، معتبرا أن هناك عجزا لدى الحكومة للقيام بأي إجراء لمحاربة الوسطاء والمضاربين والمحتكرين الذين يغذون موجات التضخم وغلاء الأسعار.

وتناول المرصد المشاكل التي رافقت مشروع “أوراش” وبرنامج “فرصة”، اللذين يهدفان لتشغيل الشباب، حيث رصد حصول ارتباك وتعثر في النتائج المرجوة من إطلاق برنامج “أوراش”، وتباين نتائجه على مستوى الجهات، وتعثر انطلاق برنامج “فرصة” وعدم تحقيقه لأي نتائج كمية أو نوعية منذ إعطاء انطلاقته.

وكشف ذات التقرير عن ضبابية التعامل الحكومي مع ملف ندرة المياه وتدبير الموارد المائية، واستمرار الحكومة في مخطط “الجيل الأخضر” وتوجهاته الزراعية المستنزفة للمياه دون أي استشراف لتعديله أو تغيير مقوماته، وكذا غياب أي إجراءات أو تدابير أو مبادرات إصلاحية جديدة تؤشر على التوجه المنسق والجدي للحكومة نحو إرساء الإصلاحات الهيكلية التي حملها تصريحها الحكومي.

كما رصد التقرير ضعف التواصل الحكومي والارتباك الكبير المسجل في تقديم المعطيات والتفاعل مع الأحداث والملفات الكبرى، وشرح الإجراءات والتدابير التي تتخذها الحكومة، والامتناع غير المبرر لرئيس الحكومة عن التواصل مع الرأي العام الوطني، إلى جانب عدم الوضوح فيما يتعلق باستغلال ارتفاع عائدات الفوسفاط وقطاع السيارات والسياحة وتحويلات مغاربة العالم، وانعكاساتها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار التقرير إلى عدم وفاء الحكومة بالتزامها المتضمن بقانون المالية 2022 والقاضي برعاية المسنين من خلال دعم مالي مباشر لمن يتجاوز 65 سنة بقيمة 400 درهم.

ضعف الإنتاج التشريعي

    حسب مرصد العمل الحكومي، فإن هناك نقاطا سلبية في العمل التشريعي، تكمن في استفراد الأغلبية الحكومية بالقرار وتهميش دور المعارضة، وامتناع رئيس الحكومة عن توسيع المشاورات المتعلقة بالقضايا والإشكاليات الاستراتيجية للبلاد مع باقي مكونات الساحة السياسية، وخاصة الأحزاب الممثلة في البرلمان، مما يسفر عن تأثيرات سلبية على التوازن السياسي بالبلاد.

وقد ظل الإنتاج التشريعي من القوانين المهيكلة، بعيدا عن الطموحات الكبيرة التي عبرت عنها الحكومة عند تنصيبها، يقول ذات التقرير، حيث حملت مشاريع القوانين الأخرى نفحة تقنية خالصة، تتعلق بتغيير أو تتميم تنفيذ بعض القوانين الإجرائية الخاصة ببعض مجالات التدبير الروتيني للعمل الإداري، باستثناء  مشروع القانون الإطار بمثابة ميثاق الاستثمار، ومشروع القانون المتعلق بالمنظومة الصحية، والمراسيم المتعلقة بتنفيذها وتعميم التغطية الصحية، حيث صادقت الحكومة خلال السنة الأولى من عمرها على 36 مشروع قانون، و147 مرسوما، كما اطلعت وصادقت على 23 اتفاقية وبروتوكول اتفاق دولي.

وقال نفس المصدر، أن ضعف الإنتاج التشريعي للحكومة جعل بعض مكونات الحكومة تثير هذا الموضوع، حيث أشار بلاغ صادر عن حزب الأصالة والمعاصرة، في 23 غشت 2022، إلى بطء الإنتاج التشريعي للحكومة وطالب بالإسراع بإخراج النصوص التشريعية الهامة التي لم يتم استكمال الموافقة عليها في الدورة البرلمانية السابقة، من خلال مطالبته بعقد دورة برلمانية استثنائية.

كما سجل التقرير غياب أي تدابير أو تصورات للحكومة للارتقاء بالشأن الثقافي والرياضي بالبلاد وفق سياسة عمومية منسقة ومنسجمة تؤكد على استراتيجية هذين القطاعيين.

 

عدم الاهتمام بمشكل المحروقات

    قال مرصد العمل الحكومي في تقريره، أنه باستثناء الدعم المقدم لمهنيي النقل الطرقي لمواجهة غلاء أسعار المحروقات، لم تقم الحكومة بأي إجراءات أو تدابير لحماية المستهلك المغربي من الأثار الاقتصادية والاجتماعية الصعبة الناجمة عن ارتفاع أسعار المحروقات، حيث عبرت الحكومة عن عدم قيامها بأي إجراء في هذا الصدد، معللة الأمر بكونه ناتج عن أزمة عالمية يشهدها سوق المحروقات جراء الحرب الروسية الأوكرانية، والاضطراب الحاصل في سلاسل التوريد بعد الحركة الاقتصادية القوية التي شهدها العالم بعد جائحة “كورونا” في ظل وصول أسعار البرميل من النفط لأزيد من 120 دولارا.

وأضاف ذات المصدر، أن الحكومة لم تعمل على اتخاذ أي إجراءات متعلقة بتسقيف هامش الربح، أو مراجعة التركيبة الضريبية للأسعار، ولم تفعل الشروط القانونية الإلزامية فيما يتعلق بالتخزين، ولم تقم بتدقيق وإصلاح نظام المنافسة الذي تخضع له الشركات العاملة في هذا القطاع، بالإضافة إلى انعدام أي تصور لديها لاستعادة مصفاة “لاسامير” وحل إشكالاتها القانونية، للاستفادة من قدراتها في التكرير والتخزين.

ضعف التواصل وغياب الانسجام

    سجل التقرير أنه رغم توقيع “ميثاق الأغلبية” كمحدد للعلاقة والتواصل والانسجام بين مكونات الحكومة، إلا أنه برز نوع من التباعد والتنافر في عدد من القضايا الاستراتيجية، كملف المحروقات، حيث يشهد البرلمان بين الفينة والأخرى مناوشات متعددة بين مكونات الأغلبية، بالإضافة إلى التدبير المنعزل والمتفرد للقطاعات الحكومية، وغياب الانسجام فيما يتعلق بالإجراءات والتدابير الحكومية ما بين الوزارات التي تشرف عليها مكوناتها، كما تميز الأداء السياسي للحكومة بالاستفراد بالعمل التشريعي والتنفيذي دون أي استشارة أو تنسيق مع المعارضة، حيث لم يعقد رئيس الحكومة أي لقاء مع زعماء المعارضة رغم الظرفية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعرفها البلاد.

وأضاف التقرير أن الوجه التكنوقراطي طغى على عمل الحكومة، وطغى عليها الطابع الإجرائي التقني في غياب أي مؤشرات سياسية تحدد توجهاتها وتدافع عن اختياراتها السياسية في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان ومحاربة الرشوة والريع والفساد، وتحدد تموقعها السياسي فيما يتعلق بالإصلاحات الكبرى، مسجلا كذلك ضعفا كبيرا فيما يتعلق بالتواصل الحكومي، وسيادة اللغة الصدامية في تدبير مجموعة من الملفات، كالمحروقات وإلزامية جواز التلقيح وقضية الأساتذة المتعاقدين، وغيرها من الملفات التي عرت على الضعف الكبير للحكومة في الجانب التواصلي والحواري، هذا بالإضافة إلى امتناع رئيس الحكومة عزيز أخنوش عن التواصل مع الإعلام في شقيه العمومي والخاص، وتنوير وطمأنة الرأي العام الوطني بخصوص عدد من القضايا الأساسية، واكتفائه بلقاء خاص واحد على قنوات القطب العمومي بمناسبة مرور 100 يوم على تشكيل الحكومة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى