تحقيقات أسبوعية

متابعات | وزارة الداخلية تحل محل وزارة التربية الوطنية

هل هي بداية الخلاف بين بنموسى ولفتيت ؟

انتقد وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، الواقع الذي تعيشه المدرسة العمومية المغربية، بسبب ضعف جودة التعلمات لدى التلاميذ المغاربة، مما يؤثر بشكل سلبي على مؤشرات التنمية البشرية بالبلاد.

وأكد لفتيت أن إشكاليات جودة التعلمات أضحت تشكل في الوقت الراهن إحدى التحديات الكبرى، بالنظر لنسب العجز المسجلة في هذا المستوى، والتي ساهم في تفاقمها توالي الأزمات، خاصة الصحية منها، مشيرا إلى ضعف اكتساب المتعلمين للمعارف الأساسية من قراءة ورياضيات وعلوم، بعد احتلالهم للمراتب الأخيرة خلال مشاركتهم في الاختبارات والمسابقات الدولية الخاصة بالمعارف الأساسية في القراءة والعلوم بالمقارنة مع نظرائهم من الدول المشاركة.

وتطرق وزير الداخلية للمعطيات الوطنية المسجلة برسم الموسم الدراسي 2020-2021، والتي تشير إلى أرقام التلاميذ المنقطعين عن الدراسة، ومستوى العجز لدى الأطفال المتمدرسين أقل من 10 سنوات، وهو ما حال دون تطور مؤشر التنمية البشرية بالمغرب، والذي لم يتجاوز 53 في المائة.

ودعا لفتيت مسؤولي القطاع، إلى بذل المزيد من الجهود لبلورة نموذج تربوي وطني قادر على رفع التحديات الراهنة والمستقبلية، من أجل توفير تعليم جيد منصف ومستدام لكافة التلاميذ المغاربة، ولا سيما منهم تلاميذ العالم القروي والمناطق النائية، كما دعا إلى دراسة وتحليل كافة الجوانب المتعلقة بإشكالية التعلمات، وإيجاد الآليات والسبل المبتكرة الكفيلة بالرفع من جودتها في ظل التحولات والمتغيرات العديدة التي يشهدها العالم في الوقت الراهن، وقال: “المبادرة الوطنية حققت حصيلة جد إيجابية في تنفيذ برنامج التعليم الأولي ما بين 2019 و2021، بعد إحداث مجموعة من الفضاءات لاستقبال الأطفال المنحدرين من الوسط القروي، وخلق فرص شغل قارة لفائدة مربيات ومربين وتوفير التكوينات الضرورية لهم، والمساهمة في تجهيز دور الطلبة وأسطول حافلات النقل المدرسي”، مسجلا وجود اختلالات في قطاع التعليم منها: انقطاع التلاميذ عن الدراسة، ازدياد العجز لدى الأطفال المتمدرسين، والهدر المدرسي.. والتي تؤثر كثيرا على المؤشرات المتعلقة بالتنمية البشرية على الخصوص.

إعداد: خالد الغازي

12 في المائة فقط من يستوعبون المقرر

    قالت رحمة بورقية، رئيسة الهيئة الوطنية للتقييم بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين، أن 12 في المائة من تلاميذ السلك الابتدائي هم من يتمكنون من فهم واستيعاب المقرر الدراسي بشكل كامل، بينما تظل الغالبية غير مستوعبة للدروس، مضيفة أن اللغة الفرنسية تظل العائق بالنسبة لدى جميع تلاميذ المستويين الابتدائي والإعدادي، وأن التلاميذ الذين استفادوا من التعليم الأولي حققوا أرقاما أفضل في المستوى الابتدائي من الآخرين، وذلك بفضل المبادرات التي تقوم بها جمعيات المجتمع المدني والمنظمات بتعاون مع وزارة التربية الوطنية، مشيرة إلى أن الإحصائيات كشفت أن هناك تفاوتا كبيرا بين الوسط الحضري مع القروي وبين المنظومتين الخاصة والعامة، بالإضافة إلى تأثير الظروف الاقتصادية والاجتماعية على تلاميذ المستوى الإعدادي، خاصة في الوسط القروي، ما يتطلب من السلطات القيام بمراجعة لهذا المجال قصد محاربة الهدر المدرسي والانقطاع عن الدراسة.

وأبرزت بورقية، أن الهيئة الوطنية للتقييم تركز في برنامجها على أخذ التجارب الدولية من أجل مواكبة وتقييم التعلمات، خاصة في التعليم الابتدائي والسنة الأخيرة من سلك الإعدادي، على اعتبار أنهما محطتان أساسيتان تعطيان فكرة عن المستوى الذي يصل إليه التلميذ عندما يكون في السنة الأخيرة من السلك الابتدائي أو الإعدادي، وذلك لأجل المتابعة واليقظة ومساعدة أصحاب القرار لمراجعة السياسات العامة والمناهج التعليمية، وأشارت إلى أن المغرب يشارك في برنامج “بيزا” التابع لمنظمة التعاون الاقتصادية، والذي يقوم بتقييم كفاءات التلاميذ الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة، في الدول النامية فيما بينها، حيث يؤكد على أننا ما زلنا متأخرين مقارنة مع بقية الدول الصاعدة فيما يتعلق بمستوى التلاميذ، سواء في القراءة أو الكتابة وغيرها.

بدوره، جيسكو هنتشل، مدير عمليات البنك الدولي في المغرب العربي، كشف عن تجربته في أمريكا اللاتينية، ففي دولة الشيلي مثلا، لاحظ المسؤولون غياب الجودة لدى تلاميذ مرحلة الثانوي، وتزايدت التفاوتات بسبب خوصصة قطاع التعليم، حيث أن النقاش حول جودة المنظومة التعلمية كان مطروحا بشكل كبير، بحيث قاموا سنة 1991 بوضع قانون خاص لسن تحفيزات للمدرسين بناء على النتائج المحصل عليها، وقرروا اتخاذ تدابير وإجراءات عقابية في حالة لم تكن النتائج في المستوى المطلوب، لكنه خلف توترات في أوساط المدرسين مما أدى إلى فشل هذه الإجراءات.

وأضاف أن البنك الدولي قام خلال السنوات الأخيرة، باستقصاء آراء حول مؤشر الثقة في المغرب، بحيث همت الدراسة 6 آلاف أسرة عبر الهاتف، وتساءلنا عن الثقة في مختلف المؤسسات والقطاعات، فلاحظنا أن مسلسل إعداد السياسات العمومية، أي مسألة الشفافية والوصول إلى المعلومات والمعطيات، أمر أكثر أهمية بالنسبة للمواطنين المغاربة، مؤكدا أن عمليات التقييم والبيانات والإحصائيات مهمة للغاية رغم تخوف الإدارات منها، لأن لها أهمية في الإصلاح.

مقاربة “طاغل” في المدارس

    من جانبه، أبرز مصطفى شيدالي، مفتش تربوي بوزارة التربية الوطنية، أهمية مشروع الدعم المدرسي الذي يدخل في إطار المشاريع الإصلاحية ضمن قانون الإطار للتربية والتكوين، والذي يشكل مكونا أساسيا من مكونات هندسة المقررات، لا سيما مقررات التعليم الابتدائي، حيث يتم تخصيص تسعة أسابيع من أصل 34 لعملية الدعم، وأيضا ترسيخ التعلمات، وهو ما يعني نسبة 27 في المائة من المدة الزمنية الإجمالية، مضيفا أنها تتم عبر مراحل محددة في المقررات، ويتم توزيعها على امتداد السنة الدراسية، حيث يكون على المدرسين القيام بتحديد وتخصيص حصص للدعم حسب الحاجيات والنتائج التي يحصل عليها التلاميذ، من خلال التقييم الوطني والأبحاث الدولية، وقال: “إن معدل الهدر المدرسي بين التعليم الابتدائي والإعدادي يناهز 60 في المائة من التلاميذ الذين يتوقفون عن الدراسة، وقد تفاقمت الظاهرة خلال جائحة كورونا، ما دفع الوزارة للقياد بجهود من أجل استرجاع هؤلاء التلاميذ المنقطعين عن الدراسة وإعادتهم للمؤسسات التعليمية”، موضحا أن الوزارة تحاول إصلاح الاختلالات من خلال مبادرة وخطة عمل “طاغل”، التي ترمي إلى وضع حد لهذه المشاكل، وتم الوقوف عليها لدى تعليم تلاميذ الابتدائي والإعدادي من خلال عملية تكوين 50 مفتشا يمثلون جميع الأكاديميات الجهوية تحت إشراف خبراء من الهند، والذين بدورهم قاموا بتكوين 600 من الأساتذة على الصعيد الجهوي من 200 مدرسة من الوسطين الحضري والقروي، من أجل تلقينهم مجموعة من الأدوات لنقلها لـ 12 ألف تلميذ.

وأكد ذات المتحدث، أن مقاربة “طاغل” لها بعد أخلاقي، إذ توفر الظروف المناسبة لعملية تعليمية عادلة، وتسمح بتحديد الثغرات وحاجيات الأطفال بدقة، وتعطي خيارات متعددة وأنشطة من أجل توفير حصص للدعم خاصة حسب حاجيات كل واحد من التلاميذ، من خلال البعد المنهجي، حيث تعتمد على اختبار سهل يمكن إجراؤه فرديا لكل تلميذ على حدة، ويتعلق الأمر باختبار مختصر وفريد من حيث المدة الزمنية، خاص بثلاث مستويات محددة، ومختلف عن بقية الاختبارات الأخرى، مبرزا أن المقاربة تركز على البعد البيداغوجي عبر سيناريوهات واسعة من المناهج يتم فيها اعتماد أنشطة ترفيهية، حيث هناك أنشطة تعطي أولوية للتعلم على يد الأقران، وتطور العلاقات الاجتماعية بين التلاميذ، وأنشطة تعطي الأولوية لتحسن الأنشطة الكتابية.

وأوضح مصطفى شيدالي، أن مقاربة “طاغل” تجربة جديدة تخضع لعملية تتبع عبر مشرفين في مختلف الجهات ومواكبة المدرسين، من أجل تقييم التجربة وإنجاز الحصيلة عبر جميع البيانات الضرورية، بهدف تعميم المقاربة خلال السنة المقبلة والانتقال من 12 ألف تلميذ إلى 100 ألف في المرحلة المقبلة، معتبرا أن هذه المقاربة تعطي للطفل الثقة وتحفزه وتحبب المدرسة له وتعيد النظر في فضاء التعلم.

ضعف تكوين المدرسين 

    الدكتورة هنادا طه، أستاذة بجامعة زايد بدولة الإمارات، قالت أن “المدارس العليا لتكوين المعلمين والأساتذة تقبل الحلقة الأضعف من خريجي الباكالوريا، بينما المتقدمون والأذكياء والعلميون الشاطرون، فينتقلون إلى مؤسسات الطب والصيدلة ومعاهد الهندسة والتكنولوجيا والمعلوميات، أما الطلبة الحاصلون على 50 في المائة في الثانوية العامة، فيذهبون إلى شعب اللغة العربية والشريعة الإسلامية والتعليم، حيث أصبح التعليم مهنة من لا مهنة له، أو مسارات وآفاق أخرى، وهذا في جميع الدول العربية”، وأضافت أن البرامج والدروس التي يخضع لها تكوين المعلمين، قديمة، ما يطرح مسألة جودة هذه المناهج والبرامج، مثل اللغة العربية، حيث يدرس الأدب القديم والحديث والكثير من الدروس المرتبطة بالأدب، لكن المشكل يكمن في صعوبة إيصال ونقل هذه البرامج إلى التلاميذ في الفصول الدراسية، مشيرة إلى أن الأساتذة المشرفين على تكوين المعلمين بالرغم من توفرهم على شواهد الدكتوراه، إلا أنه ليست لهم تجارب مرتبطة بالوسائل البيداغوجية اليوم، فالعديد منهم لم يدرسوا في المراحل الابتدائية أو الإعدادية ويدرسون في معاهد تكوين المعلمين ولا يعرفون كيفية تعليم الطرق البيداغوجية للتعامل مع التلاميذ.

كما أنه في الدول المتقدمة، المعلم أو المدرس يخضع للتدريب المستمر لمدة 28 يوما في السنة باستمرار، في التخصصات المرتبطة به من أجل تطوير الأساليب البيداغوجية وأساليب جديدة لإيصالها للتلاميذ، بينما في الدول العربية، يخضع المعلمون لتدريب لا يتعدى 90 ساعة فقط في مجالات بعيدة كل البعد عن برامج التدريس.

دور النوادي التربوية

    أبرز محمد حيدر، مدير مدرسة الإمام الشافعي بالرباط، أنه لتحقيق الجودة لا بد من إحداث تغيير في المؤسسات التعليمية، ووضع تخطيط وأولويات بناء على الموارد المتوفرة، قصد القضاء على الظواهر السلبية في المؤسسات التعليمية، من عنف مدرسي، ورسوب التلاميذ، والغياب، مضيفا أن مؤسسته قررت إحداث نوادي تربوية من أجل تجويد التعليم وخلق أنشطة متنوعة لفائدة التلاميذ الصغار، وقال: “إن المؤسسة قامت بتكوين فريق عمل يضم أطرا إدارية وتربوية، بهدف التعاون والتضامن داخل 9 نوادي تربوية تم خلقها من أجل إدماج الأطفال والتلاميذ في مجالات ترفيهية مختلفة، منها الأناشيد، الحكاية، الرسم، المسرح، الرياضة، والإذاعة المدرسية”، مشيرا إلى أن هذه الأندية ساهمت في تحسين سلوك التلاميذ وتحبيب المدرسة لهم، بحيث تراجعت نسبة العنف والغياب والتأخير، وأصبحوا يحققون نتائج إيجابية وجوائز في مسابقات على الصعيد الإقليمي والوطني”.

وشدد نفس المتحدث على ضرورة خلق النوادي التربوية والمتعة داخل المؤسسات التعليمية، من أجل تجويد التعليم وتطوير المنظومة، مبرزا دور مدراء المؤسسات والأطر في المساهمة في إصلاح القطاع عبر تغيير صورة المدرسة في أعين التلاميذ، وجعلها فضاء للاستقطاب والمتعة والدراسة والترفيه، إلى جانب الانضباط والإرشاد.

ارتفاع الميزانية دون جودة 

    شهدت ميزانية التعليم ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، إذ كشف الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، خلال مشاركته في المناظرة الوطنية للتنمية البشرية، أن الموارد المالية المخصصة لوزارة التربية الوطنية تضاعفت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، وقال: “إن الدولة صرفت مبالغ مالية تقدر بحوالي 550 مليار درهم خلال الفترة ما بين 2001 و2014، و410 ملايير درهم خلال الفترة ما بين 2015 و2022، أي ما مجموعه 960 مليار درهم”، مشيرا إلى أن الميزانية المخصصة لوزارة التربية الوطنية والتي تشمل كتلة الأجور، تضاعفت ثلاث مرات من سنة 2001 إلى سنة 2022، حيث انتقلت من 21 مليار درهم إلى 62 مليار درهم، بما يشكل 20 في المائة من ميزانية الدولة.

وأكد لقجع أنه لا يمكن تصور إصلاح النظام التعليمي دون طرح الأسئلة المتعلقة بالإكراهات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأسر، ودون استحضار القدرات والبيئة التي تعيش فيها الأسر، خصوصا في الوسط القروي، معتبرا أن نجاح أي إصلاح في المجال التعليمي يجب أن يساير الورش الاجتماعي الذي يقوده الملك، وأضاف أن تجارب المبادرة الوطنية تعتبر فرصة حقيقية للنهوض بالنظام التعليمي في المغرب، انطلاقا من ما يؤكد عليه الملك محمد السادس في العديد من خطبه السامية، من أن تطور النظام التعليمي هو مفتاح التنمية البشرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى