تحقيقات أسبوعية

ورطة الوزير الجازولي في قانون الاستثمار

تميز اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، بنقاش حاد أفضى إلى مشادات بين المعارضة والأغلبية، حول مشروع قانون ميثاق الاستثمار 03.22، الذي عرضه محسن الجازولي، الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والسياسات العمومية، حيث اعتبرت المعارضة أن هذا المشروع الجديد تتخلله العديد من الحواجز والتراجعات المتعلقة بالتأطير القانوني والمناطق الحرة، إلى جانب البعد الاجتماعي للمشروع القديم والإجراءات الضريبية للمناطق الحرة والمناطق الصناعية.

إعداد : خالد الغازي

    “المشروع لم يوضح كيفية معالجة الاختلالات الاستثمارية التي يعاني منها قطاع المال والأعمال من حيث الاحتكار وغياب المنافسة الحرة والريع والفساد، والاقتصاد غير المهيكل، وحماية البيئة”.. بهذا انتقدت المعارضة بمجلس النواب، مشروع الاستثمار الجديد، لكونه لا يعطي – وفق تعبيرها – تصورا وتفسيرا حول أهدافه وغاياته، إلى جانب عدم توضيح الإجراءات والشروط القانونية والالتزامات العامة التي جاء بها والتي تفتقد للوضوح بخصوص طرق تنفيذها على أرض الواقع.

وأشارت المعارضة إلى غياب العديد من الخطوات التحفيزية في مجال الاستثمار، والمرتبطة بتسهيل الولوج إلى التمويل البنكي، من خلال إنشاء بنك عمومي خاص بالاستثمار، ومراجعة نظام الضمانات البنكية، وتسهيل المساطر الإدارية والإعفاءات الضريبية، وإغفال الجوانب المرتبطة بالبحث العلمي والابتكار وتشجيع الاهتمام بالاستثمار داخل الفضاءات الجامعية ومنتديات التفكير الاقتصادي.

وشدد نواب المعارضة والأغلبية على ضرورة إصلاح القضاء وتأهيله من أجل مواكبة أهداف مشروع القانون، وإصلاح المراكز الجهوية، وتوفير الوعاء العقاري لاستيعاب الاستثمارات، وإصلاح منظومة الصفقات العمومية، والقيام بإصلاحات جبائية تحفز المستثمر على توطين مشاريعه الاقتصادية، واستفادة جميع الجهات بالمملكة من الاستثمارات لتوفير فرص الشغل وخلق الثروة، والقضاء على العراقيل والبيروقراطية الإدارية، وتبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بالتراخيص.

عبد الرحيم شهيد

في هذا الإطار، قال عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي، أن صيغة مشروع ميثاق الاستثمار غارقة في العموميات دون تدقيق المفاهيم والأهداف، ودون تبويب منهجي واضح على غرار ما هو موجود في ميثاق الاستثمار المصري، مضيفا أن المشروع لم يستحضر الأبعاد الاجتماعية التي كانت متضمنة في الميثاق السابق، وسكت عن الإجراءات الضريبية التي كانت نسبها محددة بشكل جيد في الميثاق السابق (الضريبة على الشركات، واجب التضامن الوطني، الضريبة العامة على الدخل، الضريبة الحضرية، الضرائب المحلي، الضريبة المهنية).

وأكد شهيد أن مشروع الاستثمار يتطلب التريث والخوض في تفاصيله بنوع من الدقة والقيام بمناقشة عميقة وهادئة لمختلف مواده ومقتضياته، لأن مثل هذه النصوص التشريعية الاستراتيجية لا تحتمل السرعة في تمريرها كباقي النصوص التي أرادت الحكومة اعتمادها بسرعة البرق خلال السنة التشريعية الأولى من الولاية البرلمانية، واعتبر أن المشروع متعسف لأنه فسح المجال أمام تراجعات فيما يخص التأطير القانوني لمجالات الاستثمار، كالمناطق الصناعية والحرة التي لم يتم التطرق إليها أو الإشارة القانونية إليها رغم أن المغرب لاءم الوضعية الجبائية للمناطق الحرة مع المعدل المعمول به في منظمة التجارة الدولية، ورفع نسبة الضريبة من 8 إلى 15 في المائة ليتفادى الإشكالات المطروحة مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالملاذات الضريبية.

وأوضح شهيد، أن مناقشة المشروع تقتضي استحضار التطور التاريخي للمنظومة التشريعية في مجال الاستثمار، للوقوف على التراكمات التي حققتها المملكة، وأن تستوعب المعيقات والاختلالات التي اعترضت الاستثمار الخاص والعمل على ابتكار الحلول الملائمة لجلب الاستثمارات الناجعة والمؤثرة اجتماعيا وتنمويا، مذكرا بإصدار قانون موحد للاستثمار سنة 1995، حتى يساير المغرب المعايير الدولية التي كان معمولا بها فيما يتعلق بالحكامة والشفافية وتحسين مناخ الأعمال وإقرار التحفيزات الجبائية والإدارية، وهو ما مكن من تحقيق العديد من المكتسبات الاستثمارية التي ساهمت في تطوير المنظومة الاقتصادية الوطنية، خاصة في فترة حكومة التناوب.

وشدد على ضرورة صياغة ميثاق جديد للاستثمار يمكن من كسب الرهانات التنموية الحالية والمستقبلية، وخلق القيمة المضافة وتوسيع النشاط الاقتصادي الوطني وتوفير مناصب الشغل، داعيا إلى تشجيع الرأسمال الوطني المنتج والمشغل، والقطع مع اقتصاد الريع والمضاربة والاحتكار.

الفساد يعرقل الاستثمار

    يرى مصطفى الإبراهيمي، عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، أن الاستقرار السياسي من أهم العوامل في جلب الاستثمار، الأمر الذي أفقد بعض الدول الكثير من الاستثمارات الأجنبية بسبب غياب الاستقرار السياسي، مضيفا أن المغرب يتمتع بهذا العامل وأيضا ببنية تحتية مهمة، سواء الموانئ أو المناطق الصناعية وغيرها.

وأكد الإبراهيمي أن تطوير الاستثمار في المملكة تواجهه العديد من الإكراهات والعراقيل المرتبطة بالريع والاحتكار والفساد والبيروقراطية، إلى جانب مشاكل العقار وتداعيات بعض النصوص القانونية، التي تحتاج إلى تعديل وإصلاح بشكل يراعي مصلحة المقاولات وفي نفس الوقت يراعي مصلحة العمال والأجراء، مبرزا أن مسودة المشروع التي توجد قيد الدراسة بالبرلمان اليوم هي النسخة 77، ما يؤكد أن “المجال يعرف جيوب مقاومة” بتعبير الوزير الأول الراحل عبد الرحمان اليوسفي، ويعرف “وجود عفاريت وتماسيح” بتعبير رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران.

وأوضح المتحدث أن المملكة قطعت أشواطا كبيرة خلال السنوات الأخيرة، من خلال توفير الظروف المناسبة لتنمية الاستثمار، خاصة على المستوى التشريعي، منها تفعيل الجهوية المتقدمة، والميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الذي تم تعديله بعد 35 سنة، وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار إلى جانب تبسيط المساطر الإدارية وإحداث صندوق محمد السادس للاستثمار.

وطالب ذات النائب البرلماني بتحسين التعامل مع مغاربة العالم فيما يتعلق بالاستثمار وتيسير حصولهم على التراخيص الإدارية المطلوبة في استثماراتهم، منتقدا غياب مؤشرات وآليات واضحة للتقييم والمحاسبة في الاستثمار العمومي، خاصة وأن هناك قطاعات عمومية صرفت الكثير من الأموال دون أن تنعكس على المواطنين وعلى مناصب الشغل المحدثة على سبيل المثال.

حماية المال العام والمحاسبة

إدريس السنتيسي

    من جانبه، شدد رئيس الفريق الحركي، إدريس السنتيسي، على ضرورة العمل على حماية المال العام الموجه للاستثمار بكل الوسائل القانونية المتاحة، قائلا: “يجب وضع الإطار القانوني المحفز للمستثمرين، ولكن في نفس الوقت يجب العمل على حماية المال العام الموجه للاستثمار بكل الوسائل القانونية المتاحة”، وأضاف: “إن الاستثمار المرتبط بالحوافز المالية والضريبية والجمركية، يتطلب تفعيل القوانين الزجرية لمن يخالفون المساطر أو يحاولون تحريف الدعم المالي العمومي عن الأهداف التي منحت بموجبه لمن تقدم بملف الاستثمار”، موضحا أن “كل القوانين التي اهتمت بموضوع الاستثمار أغفلت موضوع التتبع والتقييم والمحاسبة، حيث أن الجميع أغفل موضوع المحاسبة، لا سيما وأن محطات كثيرة كانت تستوجب المحاسبة في مجال محاربة اقتصاد الريع والسطو على ممتلكات مستثمرين دون حماية تذكر”.

وأكد السنتيسي أن الاستثمار يحتاج إلى الأمن القانوني وقوة المحاكم وقدرتها على مسايرة السرعة الكبيرة التي يعرفها مجال الاستثمار، فالمحكمة التجارية وغيرها صمام أمان بالنسبة للمستثمر، والأمر لا يتعلق بالشفافية فقط، ولكن بالمستوى المهني والقدرة على مسايرة تطور المجال المالي والتجاري والصناعي، وما يحدث يوميا في قطاع الخدمات البنكية وغيرها، لذلك نحتاج إلى منظومة قانونية تواكب طموح بلادنا في مجال الاستثمار، مشيرا إلى أن السياسة الاستثمارية لا يمكن عزلها عن المنظومة القانونية المرتبطة بكل مكونات مناخ الأعمال وقانون المنافسة ومرسوم الصفقات العمومية ومدونة التجارة ومدونة الشغل وغيرها، وقال أن المنح العمومية للاستثمار في عدة قطاعات، سببت خسائر كبيرة لخزينة الدولة، ويمكن للحكومة أن تبين ذلك فهي لديها الأرقام والخسائر التي تكبدها الصندوق المركزي للضمان سابقا في ملف الصيد في أعالي البحار، وهناك ملفات أخرى تهم استهلاكات الفلاحة الكبرى وقطاع العقار وغيره، داعيا إلى تأطير ميثاق الاستثمار بالمبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة، والتي لا تقتصر على مدبري الشأن العام، بل تشمل كل من التزم بمقابل جبائي وعقاري وتمويلي في القطاع الخاص مقابل الاستثمار.

إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار

    من بين العقبات التي يصطدم بها أصحاب المشاريع الاستثمارية، تلك المتعلقة بالمراكز الجهوية للاستثمار، حيث رغم الإصلاحات التي عرفها إلا أن المساطر الإدارية ودراسة المشاريع والمصادقة عليها، لا زالت تعرف تعقيدات.

في هذا السياق، دعا فريق التقدم والاشتراكية إلى إعادة النظر في المراكز واللجان الجهوية للاستثمار، سواء في حكامتها وأساليب عملها، أو كيفيات اتخاذها لقراراتها، إذ بالرغم من إصلاح إطارها القانوني إلا أن العديد من الاختلالات لا تزال تعتري عملها، مبرزا أن أنظمة دعم المشاريع الاستثمارية ونظام دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، ونظام دعم الاستثمار، يجب أن لا تتحول إلى منابع جديدة للريع.

واعتبر محمد عواد (حزب التقدم والاشتراكية)، أن مشروع قانون الاستثمار له أهمية بالغة بالنسبة لقطاع المال والأعمال والاقتصاد، لكنه أيضا يهم كافة شرائح المجتمع لارتباطه بالتنمية والعدالة المجالية، مؤكدا على ضرورة بذل الجهد الكافي من أجل تجويده من طرف المؤسسة التشريعية، وإصدار الحكومة لنصوص تنظيمية في ما بعد تكون في مستوى التطلعات.

إصلاح القضاء وتبسيط المساطر

نور الدين مضيان

    بدوره، دعا نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي، إلى إعادة النظر في المؤسسات الساهرة على الاستثمار ومواكبة المستثمرين وتقييم تجربة الشباك الوحيد، وتبسيط المساطر الإدارية وإصلاح ورش القضاء، وتكريس سيادة القانون والمحاكمة العادلة، فضلا عن تفعيل الإطار المتعلق بالجبايات وتبسيط مدونة الشغل وإصدار قانون النقابات والقانون التنظيمي للإضراب.

وطالب بمعالجة الصعوبات التي يواجهها مغاربة العالم لقضاء أغراضهم الإدارية، وإطلاق مشاريعهم والقيام بالمواكبة اللازمة، وتوفير الظروف المناسبة لنجاح مشاريعهم الاستثمارية، وذلك تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، لإطلاق مشاريعهم بالوطن الأم بعيدا عن الإكراهات التي تواجههم في بلدان الإقامة، والتي ظلت غير محفزة لهم، ومن ذلك البيروقراطية الإدارية، مشددا على ضرورة قيام المراكز الجهوية للاستثمار بدورها الفعال في مصاحبة مشاريعهم.

من جانبه، قال محمد غياث، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار، أن ميثاق الاستثمار المعمول به منذ 26 سنة، لم يعد قادرا على الاستجابة للتحديات الاقتصادية الجديدة، مضيفا أن المشروع الجديد يأتي في سياق ظرفية عالمية خاصة تتسم بأزمة جديدة تمثلت في تصاعد مثير لأسعار المواد الأولية نتيجة ارتفاع الطلب عليها وتفاقمت خلال السنة الجارية بفعل ازدياد حدة الاضطرابات الجيوسياسية، وأوضح أن مشروع القانون يأتي في ظل مجموعة من الإصلاحات المهيكلة التي باشرها المغرب في مجال الاستثمار، وبالتالي، سيكون بمثابة القاطرة التي ستقود الدينامية الاقتصادية الوطنية بسرعة أكبر، لمواجهة التحولات الجارية على الصعيدين الوطني والدولي، وبما يحقق الأهداف المرجوة منه في ظل الإرادة القوية المعبر عنها من قبل جميع المتدخلين في مجال الاستثمار.

للإشارة، فقد حدد الميثاق ثمانية أهداف أساسية لعمل الدولة في مجال تنمية الاستثمار وتشجيعه، تتمثل في: إحداث مناصب شغل قارة، تقليص الفوارق بين أقاليم وعمالات المملكة في مجال جذب الاستثمار، توجيه الاستثمار نحو قطاعات الأنشطة ذات الأولوية ومهن المستقبل وتعزيز جاذبية المملكة لجعلها قطبا قاريا ودوليا للاستثمارات الأجنبية المباشرة، تشجيع الصادرات وتواجد المقاولات المغربية على الصعيد الدولي، تشجيع تعويض الواردات بالإنتاج المحلي، وتحسين مناخ الأعمال وتسهيل عملية الاستثمار والرفع من مساهمة الاستثمار الخاص الوطني والدولي في مجموع الاستثمارات المنجزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى