تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | المسابح البلدية.. نموذج لتجارب فاشلة

تعتبر المسابح البلدية من المنشآت والفضاءات العمومية التي تتعرض للإهمال في العديد من الجماعات الترابية، أو تظل حكرا على طبقة معينة، وذلك بسبب الأثمنة التي تكون فوق القدرة الشرائية للمواطنين، وخاصة الأسر محدودة الدخل والتي تسعى لاستفادة أطفالها من هذه المرافق في ظل ارتفاع درجات الحرارة التي تعرفها العديد من المدن.

 

إعداد: خالد الغازي

تتمة المقال بعد الإعلان

 

    المئات من المسابح البلدية في العديد من المدن والجماعات الترابية مغلقة منذ سنوات، بسبب فشل المجالس المنتخبة في تدبيرها وكرائها أو تفويتها لجمعيات محلية للإشراف عليها وإعادة إحيائها، مما يحرم الآلاف من الأسر الفقيرة من الاستفادة من هذه المرافق العمومية في ظل ارتفاع حرارة الصيف، وغياب فضاءات للترفيه في المدينة أو القرية، وقد شهدت بعض المسابح التي تم افتتاحها مؤخرا في مدن فاس، مكناس، بني ملال، إقبالا كبيرا للأطفال والشباب الذين يبحثون عن فرصة للترفيه.

العديد من الجماعات الترابية والمجالس عجزت عن فتح أبواب المسابح التابعة لها خلال فصل الصيف الحالي، مما يطرح التساؤل حول أسباب “فشل” بعضها في تدبير هذه المرافق خلال السنة الحالية، لا سيما وأن هذه المرافق كلفت موارد مالية مهمة خلال تشييدها، إلا أن استمرار إغلاقها غير مفهوم في ظل نجاح مجالس أخرى في إعادة فتح المسابح البلدية بشراكة مع القطاع الخاص أو وزارة الشباب.

تتمة المقال بعد الإعلان

في هذا السياق، قال عبيس، مسير سابق لمسبح عمومي، أن تدبير المسابح يعرف بعض الصعوبات خلال الفترة الحالية، بسبب أزمة الماء وتراجع منسوب الفرشة المائية، مما يضع المجالس والجماعات أمام إكراهات متعددة، إضافة إلى غياب الموارد البشرية وغياب الصيانة، مضيفا أن بعض الجماعات تلجأ إلى كراء المسابح التابعة لها لتفادي المصاريف والتكاليف المالية الباهظة التي تتطلبها هذه المرافق العمومية.

وأوضح نفس المصدر، أن الأزمة المائية التي تعيشها العديد من المناطق تزيد من تفاقم وضعية المسابح العمومية، التي تتطلب عملية الصيانة والتنظيف والتجهيز والمحركات حتى تكون جاهزة لاستقبال الأطفال والشباب، مشيرا إلى أن أثمنة التذاكر التي تضعها المجالس البلدية أمام العموم لا توازي المصاريف التي تخضع لها المسابح وفق معايير محددة، كما أن بعض المجالس أصبحت تفوت هذه المسابح البلدية إلى شركات التنمية المحلية بتنسيق مع السلطات، أو إلى وزارة الشباب قصد حسن تسييرها وتدبيرها طيلة السنة، لكون العديد من المجالس لا تتوفر على الأطر التقنية للإشراف على هذه المسابح.

من جانبه، قال لوكيلي زهير، مستشار جماعي، أن المسابح البلدية فضاءات مهمة للترفيه بالنسبة للمواطنين والأطفال خصوصا، في ظل ارتفاع درجات الحرارة، خاصة في المدن غير الشاطئية، والتي تعرف خصاصا على مستوى المرافق والفضاءات الترفيهية، معتبرا أن فتح هذه المسابح في وجه العموم مسألة ضرورية خلال فصل الصيف، لكن المشكل يكمن في غياب الموارد المالية لدى الجماعات لصيانة وإعادة تشغيل المسابح من جديد.

تتمة المقال بعد الإعلان

وحسب ذات المصدر، فإن غياب المسابح البلدية في بعض الجماعات الترابية والنائية، يدفع بالأطفال إلى المجازفة والسباحة في أماكن خطيرة مثل الوديان والسدود والبحيرات، أو في مياه غير صالحة، مما يتسبب في حدوث حالات غرق للعديد من القاصرين الذين لا يبالون بخطورة هذه الأماكن، مؤكدا على ضرورة أن تعمل الجماعات الترابية على توفير هذه المسابح العمومية وتسهل عملية الولوج إليها لتفادي حوادث الغرق التي تحصل للأطفال الصغار في الأودية.

ضعف التسيير والموارد البشرية

    تفتقر العديد من الجماعات الترابية إلى الأطر اللازمة للإشراف على المرافق والمنشآت التابعة لها، مما يدفعها إلى تفويت المسابح والملاعب إلى شركات خاصة أو جمعيات، لكن في الكثير من الأحيان تلجأ هذه المجالس إلى خيار الإغلاق، وبالتالي، حرمان المواطنين من الاستفادة من هذه الفضاءات الترفيهية.

تتمة المقال بعد الإعلان

في هذا الصدد، يؤكد لوكيلي، أن الجماعات الترابية بإمكانها اللجوء إلى عملية الكراء أو توقيع اتفاقية شراكة مع شركات خاصة، أو جمعيات ثقافية ورياضية، لإعادة فتح هذه المسابح أمام الراغبين في الاستفادة منها، وذلك وفق شروط ومعايير مضبوطة ودفتر تحملات يحدد الواجبات وطرق التسيير حتى يتم تدبير هذا المرفق بالشكل الصحيح والمساهمة في خلق فرص شغل وفضاءات للترفيه.

من جانبه، يرى يوسف، موظف جماعي، أن إشكالية تدبير المسابح البلدية تكمن في الجانب التدبيري والتسييري، حيث أن الجماعات لا تتوفر على الموارد البشرية الكافية للإشراف على تسيير هذه المرافق، حيث أن العديد من الموظفين تتم إحالتهم على التقاعد دون تعويضهم بآخرين للإشراف على تدبير المرافق الجماعية أو المسابح، مشيرا إلى أن الجماعات أمام إكراهات لفتح أبواب هذه المرافق، من بينها الإجراءات المتعلقة بصفقة الكراء التي تتطلب مدة شهر، أو الإشراف المباشر عبر الاستعانة بأطر الجماعة، وهذا ما لا تتوفر عليه.

 

تتمة المقال بعد الإعلان

مسابح مغلقة..

    تتوفر مدينة بن سليمان – مثلا – على ثلاثة مسابح تابعة للمجلس البلدي، لكن الساكنة محرومة من الاستفادة منها بسبب فشل المجلس في تسيير هذه المسابح خلال السنوات الماضية، وعدم قدرته على تدبير أمورها وفتح أبوابها أمام الساكنة، رغم أنها تتوفر على طاقة استيعابية مهمة وقادرة على توفير فضاء ترفيهي لأبناء المدينة.

ومن أهم المسابح التي تتوفر عليها بن سليمان، مسبح المركز السوسيو-رياضي بحي للامريم، والمسبح الأولمبي قرب القاعة المغطاة، والمسبح البلدي قرب الباشوية، إلا أن شباب وأطفال المدينة لا يجدون أمامهم سوى الانتظار أو التنقل إلى مسابح المدن المجاورة في المنصورية أو بوزنيقة، للبحث عن فرصة للاستجمام، لأن المسبح البلدي لا زال مغلقا منذ عدة سنوات بالرغم من الميزانية التي صرفها المجلس الإقليمي من أجل إعادة تهيئته وافتتاحه في وجه العموم، لكن بطء تفاعل المجلس مع المشروع جعل صفقة تدبيره تتأخر في انتظار كرائه لشركة تتكفل بالإشراف عليه.

أما وزان، فتتوفر على مسبح وحيد يعتبر المتنفس الرئيسي بالنسبة لساكنة المدينة، خصوصا في فصل الصيف، الذي يكثر الإقبال عليه، لكنه يفتقد لشروط الصحة والسلامة والجودة وأثمنته غالية بالنسبة للأطفال، مما دفع بنشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى المطالبة ببناء مسبح كبير يستوعب الجميع، ويجنب الأطفال والشباب خطر التوجه إلى الوديان والبحيرات والسقايات أو الأماكن التي تشكل خطرا على حياتهم.

ويعيش المسبح البلدي الوحيد بوجدة حالة مزرية نتيجة الإهمال الذي طاله منذ سنوات، بعدما ظل المتنفس الوحيد للساكنة الوجدية، وخاصة الأسر التي لا تستطيع حجز مكان لها في المسابح الخاصة أو التابعة للفضاءات السياحية بسبب الأثمنة التي تفوق 20 درهما، بحيث فوجئ الجميع بإغلاق المسبح في سنة 2019 دون توضيح الأسباب التي تقف وراء ذلك القرار، بينما يعتقد البعض أن السبب يعود إلى انتهاء عقد الكراء الذي يربط الجماعة الحضرية مع الشركة المشرفة عليه.

في الناظور، يتساءل شباب المدينة عن تاريخ افتتاح المسبح البلدي الذي ظل مغلقا لمدة 7 سنوات في وجه الجميع، وهي المدة التي تم فيها بناء هذا الفضاء، ما يعني أنه لم يفتح في وجه العموم أو الخواص منذ تدشينه، خاصة وأنه مجهز ولا تنقصه سوى عملية تنقية الأوساخ الناتجة عن تركه مهملا طيلة هذه السنوات، مما دفع ببعض الفعاليات الشبابية إلى المطالبة بفتح هذا المرفق العمومي، خاصة وأن المدينة تعرف إقبالا كبيرا من قبل الجالية المقيمة بالخارج خلال فصل الصيف، لكنها تفتقد للمسابح الخاصة.

 

غياب المراقبة

    بعض المسابح البلدية الموجودة في العديد من المدن تفتقد لرجال الإنقاذ أو للحراسة، مما يجعل السباحة فيها مجازفة بالنسبة للأطفال الذين لا يتقنون السباحة، ويضع المسؤولية على عاتق المجالس المنتخبة التي تشرف على تدبير هذه المرافق أو الشركات المكلفة.

لهذا يرى بعض الفاعلين الجمعويين، أن المسابح البلدية لا تخضع للشروط والمعايير المحددة، والمطلوبة فيما يتعلق بالنظافة والشروط الصحية ونظافة المياه، وتخصيص العدد الكافي من المنقذين والأطر لمراقبة الأطفال والشباب، بحيث أن بعض المسابح القليلة فقط من تلتزم بالشروط المطلوبة، بينما تظل مسابح العديد من الجماعات خارج الشروط الصحية بسبب غياب المراقبة، مما يؤدي في النهاية إلى إغلاقها.

وقد شهد المسبح البلدي لمدينة زاكورة خلال الأسبوع الجاري حالة غرق لطفل في سن 14، مما جعل النيابة العامة تقرر فتح تحقيق في الحادثة، بعدما تعرض الطفل للغرق داخل المسبح البلدي دون أن ينتبه إليه أحد، قبل أن تظهر جثته وسط مياه المسبح وسط ذهول الأطفال والزوار.

تكاليف مهمة

    يعد مسبح الرباط الواقع بمقاطعة يعقوب المنصور من أكبر المسابح على الصعيد الإفريقي، يمتد على مساحة 17 ألف متر مربع ويتوفر على أربعة مسابح مختلفة الأحجام مخصصة لمختلف الفئات العمرية، إلى جانب مرافق ومستودعات للملابس ومحلات لبيع المواد الغذائية ومرآب للسيارات والدراجات، حيث يلقى إقبالا كبيرا من قبل ساكنة الرباط والمدن الأخرى، بفضل موقعه الاستراتيجي الواقع بمحاذاة البحر، والأثمنة المناسبة التي في متناول جميع الأسر.

في هذا السياق، يقول مسؤول في إدارة المسبح، أن المسابح تتطلب ميزانية مهمة وتكلفة باهظة من أجل معالجة الماء وصيانة المعدات والأجهزة التي يشتغل بها، بالإضافة إلى توفير الحراسة وتنظيم عملية الدخول والخروج والمراقبة، ورجال الإنقاذ، ومراقبة الأطفال الصغار، مشيرا إلى أن المسبح يستقبل ما بين 7 آلاف إلى 8 آلاف شخص يوميا ويوفر فضاءات للتنشيط الثقافي والرياضي والمسابقات لفائدة الأطفال من خلال الأطر التي تشرف عليه.

ويضيف ذات المسؤول الإداري، أن مسبح الرباط يوفر فضاء مهما بالنسبة للأسر القاطنة في العاصمة والنواحي، والتي لديها 3 أو 5 أطفال ولا تستطيع السفر إلى مدينة أخرى، لهذا تلجأ إلى المسبح الكبير لتمكين أبنائها من الاستجمام وقضاء يوم كامل في المسبح في ظروف مناسبة تحت حراسة أمنية وأنشطة متنوعة، مشيرا إلى أن المسبح أصبح قبلة لأطفال المخيمات الذين يأتون من مدن بعيدة للترفيه والسباحة.

وحسب ذات المصدر، فإن المسبح الكبير بالعاصمة الرباط مشروع ناجح ومهم ويجب تعميم تجربته في مدن أخرى، لأنه يساهم في فتح فضاءات للأطفال، وفي متناول جميع الأسر من جميع الطبقات الاجتماعية من الناحية المادية، كما أنه فضاء لتمكين الأسر الفقيرة من قضاء العطلة في ظروف مناسبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى