الإمبراطورية الرومانية و”الإمبراطورية الصهيونية”

في ظل ما يقع اليوم في فلسطين من تقتيل للأطفال، والشيوخ، والنساء، يتوجب على العالم بأسره أن يعلن الحداد لأجل غير مسمى أو على الأقل إلى أن يتم توقيف التقيتل أو استيقافه، لكن لحد الآن لا شيء من هذا أو ذاك قد حدث.
لكن ما يحدث الآن لأي فرد يفكر بمنطق رفع الظلم وبمنطق إنساني، أنه قد يجد نفسه في دوامة كبيرة من التفكير والتفكر، لا تتوقف أبدا. يتساءل ثم يستنتج ثم يفند وهكذا… فطالما هو يرى أشلاء جثث الأطفال تتطاير في السماء، والأمهات مشردات يبكين أبناءهم وأزواجهم، فتفكيره لن يهنأ أبدا. فهو دائم العذاب والألم في بحثه عن الحقيقة وعن تفسير منطقي لما يقع من ظلم.
والظلم الذي نراه اليوم في شتى أنحاء العالم وخاصة في المنطقة العربية التي تدين بالدين الإسلامي، ونذكر بالخصوص ما يمارسه الصهاينة من ظلم اتجاه الفلسطينيين، مع ما يلازمه من صمت مخيف من طرف الأنظمة العالمية، صمت لا نجد له تفسيرا سوى أنه تواطؤ مع الصهاينة والمشاركة معهم في جرائمهم ضد الإنسانية.. لا نجد له منطق ولا تفسير، إلا أننا لو اقتفينا التاريخ الإنساني لوجدناه مليئا بمثل هذا وأكثر.
ولعل الحقبة التي هي قريبة الشبه إلى الحقبة التي نعيش فيها الآن، من حيث نوعية الظلم الموجود فيها ومن حيث نوعية الصراع، هي حقبة الإمبراطورية الرومانية التي كان فيها الأباطرة الرومان يدعون الألوهية ويجعلون باقي البشر عبيدا لهم، وكان العبيد إضافة إلى الأعمال الشاقة التي كانوا يقومون بها، وسيلة يتلهى بها “الإله الإمبراطور”، حيث يطعمهم للأسود والنمور وهم أحياء. وهل يا ترى هناك عذاب أكثر من هذا؟
وفي نفس الحقبة، وهي الحقبة التي ذكرها القرءان الكريم حينما قص علينا قصة فتية الكهف، كان المؤمنون بالله الذين يتبعون ما جاء به النبي عيسى عليه السلام يتعرضون للتشنيع والصلب والتنكيل. فالويل لمن خرج عن تعاليم الإمبراطورية الرومانية وادعى بوجود إله آخر غير الإمبراطور.
والحيرة نفسها التي تغرقنا الآن نحن كمسلمين وكعرب، متسائلين وباحثين عن النصر والانتصار وكيف سيتم وفي أي وقت سيكون، كان هناك في تلك الحقبة من كان مثلنا يتساءل نفس الأسئلة عن كيفية الانتصار، وكيف سيتم استبدال الظلم نصرا والجور عدلا. فقد كان هناك فتية مؤمنون ابتغوا الحق على النعمة الزائلة والآخرة على الدنيا، فوقفوا في وجه الإمبراطور وجاهروا بإيمانهم وبالحقيقة الساطعة التي يجب على الكل معرفتها. ولهذا السبب نصرهم الله، وحتى يعلمون أن وعد الله حق جعلهم الله تعالى ينامون ثلاثمائة سنة وتسعة، وهي الفترة التي عرفت فيها الإمبراطورية الرومانية العديد من الظلم والقتل والتقتيل والتطاحنات والقلاقل الكثيرة. وهي المدة نفسها التي انقلبت فيها الأوضاع، بأن انتصر الحق على الباطل. فلما استفاق الفتية وجدوا أن وعد الله قد تحقق.
ولعل هاته القصة معروفة لدى كل المسلمين والغاية من سردها هنا، ليس لهدف السرد فقط ولكن للمقارنة بين تلك الحقبة والحقبة التي نعيش فيها الآن.
بوز عبد الغاني