تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | جائحة “كورونا” تقتل موسم التخييم

ضعف الوزارة وقلة الأطر

انطلق موسم التخييم لهذه السنة على وقع العديد من الإكراهات والمشاكل التي تواجه الجمعيات الراغبة في الحصول على مقرات وفضاءات للتخييم، من أجل تأطير أطفال القرى والمناطق الجبلية والمدن الصغرى، إلا أن المعايير والشروط التي حددتها وزارة الشباب والثقافة ساهمت في إقصاء العديد من الجمعيات التي كانت تشارك في المخيمات خلال السنوات الماضية، فجائحة “كورونا” وقلة التمويل والموارد المالية، وكذا قلة الأطر التربوية والجمعوية وغياب الفروع، كلها عوامل جعلت هذه الجمعيات خارج دائرة الاستفادة من برنامج التخييم.

 

إعداد : خالد الغازي

 

    لقد وجهت عدة انتقادات إلى وزارة الشباب والجامعة الوطنية للتخييم، بخصوص “الكوطا” ولائحة الجمعيات المستفيدة من برنامج التخييم، في ظل غياب التوزيع المجالي المنصف بين المدن الكبرى والمدن الصغرى، حيث ظل محور الدار البيضاء – الرباط يستولي على الحصة الكبيرة من مقرات التخييم القريبة من المناطق الشاطئية، بينما وجدت بعض الجمعيات المحلية في المناطق الجبلية والقروية نفسها مضطرة للتخييم في المناطق الجبلية التي يقطن بها نفس الأطفال المستفيدين.

ويأتي البرنامج الوطني للتخييم خلال الموسم الحالي في ظل عدة إكراهات وصعوبات أمام الجمعيات المشاركة بعد توقف اضطراري امتد لثلاث سنوات حرم خلالها الأطفال وسائر الجمعيات من مراكز المخيمات، لكن عودة برنامج التخييم خلال هذه السنة لم يكن بالشكل المنتظر من قبل الفاعلين في الميدان، الذين يرون أن البرنامج الوطني للتخييم كان من المفروض أن ينطلق بداية السنة الجارية من خلال تنظيم دورات تكوينية للمؤطرين، وإصلاح مقرات التخييم، وتنظيم لقاءات جهوية وإحصاء مبكر للجمعيات والشراكة مع قطاع التعليم حتى تستفيد الجمعيات من التجهيزات والداخليات التي تتوفر عليها بعض المؤسسات التعليمية.

عدنان ملوك

في هذا السياق، يقول عدنان ملوك، عضو الجامعة الوطنية للتخييم وعضو بجمعية التعاون الثقافي، أن عودة التخييم بعد جائحة “كورونا” رافقته إكراهات كبيرة جدا، من أبرزها عدم تهيئة المخيمات التي ظلت مغلقة لثلاث سنوات ولم تفتح بسبب حالة الطوارئ، إلى جانب غياب دورات تكوينية للتنشيط التربوي، وبالتالي، هناك فئة قليلة من المنشطين التربويين للمشاركة في تأطير أطفال المخيمات، لا سيما بعد صدور المرسوم الجديد الذي يقنن خدمات المخيمات وعمل المنشطين، ثم تزامن المرحلة الأولى من التخييم مع مناسبة عيد الأضحى ونهاية الموسم الدراسي وفترة الامتحانات الاستدراكية بالنسبة لتلاميذ الباكالوريا، مما خلق صعوبة كبيرة في إخراج التخييم بالشكل المعتاد كما في السنوات قبل الجائحة.

وأوضح نفس المصدر، أن من بين الإكراهات التي واجهت الجمعيات، تقليل عدد المستفيدين من 200 ألف طفل قبل “كورونا” إلى 90 ألف طفل خلال الموسم الحالي، مما خلق ارتباكا كبيرا لدى مسؤولي الجمعيات، سواء الوطنية أو المحلية، حيث كانت الجمعيات المحلية تخرج للتخييم بحوالي 70 مستفيدا، لكن الآن لا يمكنها تجاوز 20 طفلا مع ضرورة التنسيق والاشتراك مع 6 جمعيات أخرى في تدبير الشؤون الإدارية والتربوية، مما قد يخلق ارتباكا بين الأطر ومسؤولي الجمعيات بسبب غياب الانسجام، مشيرا إلى أن تقليص عدد الأطفال على الصعيد الوطني إلى 90 ألف، يحرم الكثير من أطفال القرى النائية أو في المدن الحضرية من الاستفادة من التخييم الذي هو حق دستوري، وهو ما يحرج الجمعيات مع الآباء والأولياء.

من جهته، قال خالد الداودي، رئيس جمعية وإطار تربوي بمدينة أسفي، أن عودة التخييم خطوة مهمة من قبل وزارة الشباب والثقافة، بعد توقف اضطراري توقفت خلاله جميع الأنشطة المرتبطة بالمخيمات الصيفية، سواء الدورات التكوينية أو اللقاءات والندوات، رغم أن هناك مستجدات خلال هذا الموسم تكمن في قلة الأطفال المستفيدين وقلة الفضاءات والمقرات على الصعيد الوطني، متمنيا ألا يؤثر هذا النقص على المردودية وتنظيم المخيمات، خاصة وأن العديد من المنشآت تخضع للإصلاح أو للبناء.

جمعيات في خانة الانتظار

    حسب بعض المصادر، فإن العديد من الجمعيات التي تنشط في مجال التخييم خلال كل موسم، وجدت نفسها مضطرة للانتظار للحصول على مقر أو فضاء للتخييم بعدما تقدمت بطلب إلى الوزارة عبر البوابة الإلكترونية، الأمر الذي خلق استياء كبيرا وسط الفاعلين الجمعويين وأولياء الأطفال الذي يريدون الاستفادة من المراحل الأولى من التخييم حتى يتمكن أطفالهم من العودة إلى منازلهم قبل الدخول المدرسي المقبل.

في هذا الصدد، قال عدنان ملوك، أن الوزارة الوصية تأخرت في إعطاء الحصص للجمعيات، في ظل وجود أربعة أصناف من الجمعيات (محلية ووطنية وجهوية ومختلفة)، مما جعل بعض الجمعيات تجد صعوبات كبيرة في الحصول على مكان التخييم، ولحد الآن لم تتوصل جمعيات بالحصص ولا المكان رغم المجهودات التي تبذلها الجامعة الوطنية للتخييم التي تقوم بدور كبير لضبط وتأمين التوطين لفائدة الجمعيات، مشيرا إلى أن هناك معايير محددة للاستفادة من برنامج التخييم بالنسبة للجمعيات، منها الأقدمية والعمل في الميدان ثلاث سنوات، وضرورة الانخراط في الجامعة الوطنية للتخييم، والتوفر على مؤطرين تربويين ذوو كفاءة وحاصلين على شواهد في مجال التنشيط التربوي.

وأضاف ملوك، أن جمعيات المجتمع المدني اليوم مطالبة بحمل شعار التحدي والتعاون مع الوزارة والجامعة الوطنية للتخييم من أجل إنجاح هذه الفترة التي تعد فترة انتقالية، في انتظار موسم التخييم خلال السنة المقبلة، لكي يكون توزيع آخر وحصص أخرى، مبرزا أن الهدف من المشاركة في التخييم هذه السنة هو إعادة إحياء هذا النشاط من جديد والاستمرارية بعد توقف اضطراري بسبب جائحة “كورونا” التي أثرت على جميع القطاعات، لذلك، فالجميع عليه التعاون والانخراط من أجل إنجاح المرحلة بعراقيلها ومشاكلها.

ضعف التوزيع المجالي

خالد الداودي

    أفادت بعض الأطر التربوية أن العديد من مراكز وفضاءات التخييم تخضع حاليا للإصلاح، لكونها لم تفتح منذ ثلاث سنوات، وهناك فضاءات أغلقت بالمرة كانت تستقبل مئات وآلاف الأطفال في فصل الصيف، منها مخيمات شاطئية وجبلية، مؤكدين أن الوزارة بدأت في ترميم والاهتمام بمراكز التخييم والاصطياف متأخرة، مما حرم العديد من الجمعيات من الاستفادة منها، خاصة وأن بعضها يتواجد في المناطق الساحلية الباردة في حين تشهد مراكز أخرى في المناطق الداخلية، حرارة مفرطة.

وحسب ملوك عضو الجامعة الوطنية للتخييم، فإن العديد من مراكز التخييم لم تفتح بسبب الإصلاحات الجارية فيها، بينما هناك مخيمات تم إغلاقها بشكل نهائي كانت تستقبل 3 آلاف طفل، لكن الملاحظ هو غياب العدالة المجالية بين المخيمات الشاطئية والجبلية، حيث كان من الأجدر أن يحظى أبناء المناطق الجبلية بفرصة للتخييم في المناطق الشاطئية، الشيء الذي خلق مشكلا في التوزيع والتوطين بين الجمعيات، وهذا المشكل راجع لتأخر الوزارة في إصلاح هذه المخيمات، مما جعل الانطلاقة خلال الموسم الحالي متعثرة.

بدوره أكد خالد الداودي، على ضرورة أن تأخذ المخيمات الصيفية بعين الاعتبار التوزيع المجالي بالنسبة للجهات، خاصة بين الفضاءات الشاطئية والجبلية حتى يتمكن أطفال المناطق الجبلية والقروية من الاستفادة من التخييم في المناطق الساحلية، والعكس صحيح، مضيفا أن عدة جمعيات وجدت صعوبة كبيرة في الحصول على الحصص والاستفادة بسبب الشروط المحددة في البوابة الإلكترونية للمخيمات، والتي تهدف إلى ضبط العملية، إلا أن العديد من الجمعيات لا تتوفر على المعايير والشروط التي حددتها الوزارة.

وأشار ذات المتحدث إلى أن أغلبية الجمعيات التي تنشط في قطاع التخييم متمركزة في مثلث الرباط – الدار البيضاء – مراكش، حيث تضم هذه الجهات جمعيات محلية ووطنية وجهوية وجمعيات أخرى مختلفة، مما يتطلب التوزيع المجالي وإشراك الجهات الأخرى عبر “الكوطا”، وتشجيع الجمعيات على الانخراط في العملية وتصنيفها حتى تتم تغطية جميع الجهات، داعيا إلى مشاركة الجميع في موسم التخييم، سواء المجالس المنتخبة أو القطاع الخاص أو قطاع السياحة، لأن التخييم يساهم في تحريك عجلة النقل والحركة الاقتصادية والسياحية على صعيد المملكة.

مشكل تشبيك الجمعيات

فتيحة بوهوش

    وجد العديد من مسؤولي الجمعيات النشيطة في مجال التخييم، أنفسهم مضطرين للعمل مع جمعيات أخرى في نفس المخيم والتنسيق معها، الشيء الذي يخلق مشكلا كبيرا يكمن في تدبير الأمور الإدارية بالمخيم والشؤون التربوية والبرامج اليومية، حيث قالت فتيحة بوهوش (رئيسة جمعية في سيدي الطيبي بالقنيطرة) في هذا السياق، أنها اضطرت للعمل مع جمعيات أخرى والتنسيق معها من أجل دخول المخيم، معتبرة أن هذه المسألة صعبة بسبب مخاوف من عدم الانسجام وعدم التوافق على قرارات إدارية داخل المخيم في ظل الاكراهات الأخرى المتعددة التي رافقت موسم التخييم خلال السنة الحالية، من بينها تزامنه مع فترة عيد الأضحى وقلة الفضاءات.

وقالت نفس المتحدثة، أنها تشتغل في مجال التخييم منذ 13 سنة، لكن المشكل هذه السنة يكمن في عدم فتح جميع مراكز التخييم، لأنها غير مهيأة لاستقبال الأطفال، زد على ذلك قلة الأطر بسبب ظروف العمل، مما انعكس على لائحة الجمعيات والأطفال المستفيدين، فبعدما كانت اللائحة في سنة 2008 تضم 100 و200 و300 طفل، تقلصت إلى 54 فقط، ما فرض على الجمعيات تكوين ائتلاف فيما بينها في إطار مجموعات من أجل الحصول على مركز التخييم، وأضافت: “هناك العديد من الإكراهات لدى الجمعيات خلال هذا الموسم، فمساهمة الآباء رمزية والجمعيات تحاول توفير السيولة المالية من أجل تحمل تكاليف ومصاريف المؤطرين وغيرها من الأمور، وغياب فتيات المناطق القروية عن التخييم بسبب رفض الأسر إرسال بناتهن للمخيمات، رغم أنهن أكثر تنظيما والتزاما من الأطفال”.

 

غلاء وسائل النقل

    وهيب، إطار جمعوي في جمعية للإشراف على ذوي الاحتياجات الخاصة، أكد أن ضعف الإمكانيات وقلة الموارد المالية هي من المشاكل التي تعاني منها الجمعيات الناشطة في مجال التخييم، خاصة في ظل غلاء تذاكر النقل التي ارتفعت بشكل قياسي خلال الموسم الحالي، حيث أن رحلة من الرباط إلى الحسيمة تكلف كل طفل وإطار مبلغ 400 درهم بعدما كانت في السابق محددة في 150 درهما، مضيفا أن الجمعية مسؤولة عن توفير النقل للأطر التربوية التي ستقوم بعملية تنشيط الأطفال في المخيم، ولذلك تطرق الجمعية أبواب بعض المجالس والمقاولات من أجل توفير سيولة مالية لتحمل تكلفة النقل بعدما ارتفع ثمن التذكرة من 80 درهما إلى 250 درهما للشخص الواحد.

فالجمعيات خلال الموسم الحالي، حسب نفس المصدر، تحاول جمع مساهمات آباء الأطفال لكي تحقق التوازن المالي، وتوفر بعض المصاريف، بينما الوزارة قامت بتوفير التغذية والأكل بالنسبة للأطفال والأطر داخل المخيمات بشراكة مع الجامعة الوطنية للتخييم، لأن التخييم هذه السنة يأتي في ظل ظرفية صعبة جعلت بعض الجمعيات تواجه عدة إكراهات وصعوبات من أجل الانخراط في البرنامج الوطني للتخييم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى