جهات

حديث العاصمة | الرئيس المظلوم

بقلم: بوشعيب الإدريسي

    كان الحزب منهكا من التسيير الحكومي والجماعي عندما خاض منافسة انتخابات جديدة توقع مسبقا نتائجها وهو الخبير في السياسة والعارف بأن “الحكم يحرق الحاكم” إن عاجلا أو آجلا، وتأكد من ذلك بعد الإعلان الرسمي عن حصيلة كل هيئة مشاركة في استحقاقات نيل ثقة الناخبين، فغيرت الأغلبية الناخبة بأصواتها، الحاكمين وطنيا ومحليا، ومنحتها لغيرهم، وكان ذلك واضحا في العاصمة، حيث لم يحصل في جماعتها إلا على 5 مقاعد من أصل 65 مقعدا في ذلك الوقت، وهو الذي استأسد التدبير البلدي فيها زهاء 3 عقود.. هزيمة ستتحول إلى انتصار مؤقت بفضل أحد رموزه الرباطيين، إذ كان هذا الرمز الذي ابتعد عن الانتخابات الجماعية طيلة توليه وزارة مهمة لمدة 10 سنوات، يراجع في بيته أسباب ومسببات “النكسة” التي عصفت بالخالدين في المناصب الانتخابية، وكانت الرباط معقلا محصنا ومسجلا في “المحافظة” عليهم دون غيرهم، فإذا بجرس باب إقامته يرن رنة توحي بـ”فاعل غريب”، فلم يكن واحدا، بل مجموعة من الفائزين مثله بعضوية البلدية، جاءوا وهم من أحزاب مختلفة، يتوسلون إليه لتولي منصب “رئيس المجلس”.. كيف وحزبه بالكاد حصل على 5 مقاعد؟ فوضعوا أمامه قائمة بأسماء الراغبين في رئاسته فاق عددهم نصف المنتخبين، إضافة إلى الخمسة من حزب الرمز، وبعد مشاورات وتحليلات وضمانات، تم قبول العرض الذي في الواقع كان يخفي مخططا لا هو سياسي ولا هو جماعي حزبي، ولكنه كان مصلحيا لشخص معين من جهة، وانتقاما من أحد الدائمين على الرئاسات وهو من فصيلتهم الحزبية المسيطر على مفاتيح كنوز لا يدخلها إلا هو أو أحد “عفاريته”، ومرت سنتان على رئاسة الرمز بعدما أزاح صاحب الكنوز، فوزع السلطات على النواب ونظم الاختصاصات، وأحدث بروتوكولا جديدا يتمثل في زيارة الملوك والرؤساء لمقر البلدية وتوقيعهم في الدفتر الذهبي، وإهدائهم مفتاح العاصمة، وجلب تظاهرة عالمية للحكومات والبلديات المحلية العالمية، وحصل على دعم مالي من ميزانية الحكومة لفائدة الوثيقة المالية للمجلس، وكون مجلسا موازيا للمشورة من رواد الثقافة والسياسة والإدارة، للاستئناس بآرائه واقتراحاته، كما كان يدبر قطاعا جماعيا في حجم قسم من آلاف الأقسام التي كانت تحت سلطته وقراره عندما كان وزيرا، فكان يتعامل بالسلاسة وتصدر عنه القرارات الصائبة وكله آذان صاغية لنبض المجتمع، إلى أن اكتشف، بفطنته وذكائه، محاولة استغلاله لتمرير صفقات شركات “المادامات” والتأشير على التوظيفات التي تشكو منها اليوم وغدا مالية الجماعة، وتزكية إحداث أقسام ومصالح جديدة للأصحاب والرفاق، وتكوين أسطول للسيارات لداعمي الخالدين وتفويض سلطاته إلى هؤلاء الخالدين، فثار ورفض بيع مصالح مدينته إلى المساومين المفاوضين وكان يعلم بردة الفعل ما داموا أكثرية في المجلس، فانهالوا عليه لمدة 4 سنوات بأبشع النعوت، وعرقلوا الدورات وحضروا ملتمسات إقالته، ومع ذلك، لم يستسلم حتى أكمل مدة انتدابه، وربما ابتعد عن السياسة لهذه الأسباب، فانشغل بالعلم وألف كتبا وحاضر في لقاءات وطنية ودولية، ولم يلتفت إلى الوراء القريب، بل ركز على الثقافة والعرفان، فصار اليوم مرشحا لعضوية أعلى مؤسسة أكاديمية في المملكة وهو المكان اللائق به.. فهل هو مظلوم، أم أنه ناجي من مقلصة منصوبة للأوفياء لضمائرهم ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى