تحقيقات أسبوعية

للنقاش | الامتحانات الإشهادية ومنطق الغش و”الدوباج”

مع الأسف الشديد نادرا ما يسلك التلميذ أو الطالب المسار الصحيح من أجل التحصيل الجيد والجاد للدروس التي يتلقاها يوميا داخل المؤسسة التعليمية، ونادرا ما نجد التلميذ والطالب مهتما بتنظيم دفاتره، ومداوما على تحرير الدروس وتدوين الملاحظات الشفوية التي تصدر عن الأستاذ، والتي لا تتضمنها ملخصات الدروس، والمفروض أن يعد لها التلميذ والطالب دفترا خاصا، لاعتمادها عندما يكون بصدد مراجعة دروسه بالمنزل.

 

بقلم: بوشعيب حمراوي

 

    نادرا ما يبادر التلميذ والطالب إلى تخصيص ساعة أو ساعتين يوميا من أجل مراجعة واستيعاب كل الدروس التي تلقاها خلال ذلك اليوم حتى يكون قادرا على مواكبة دروس وشروحات الأستاذ في اليوم الموالي..

فلو اعتمد التلميذ والطالب الحفظ والتحصيل والفهم اليومي، لما وجد صعوبة في الإعداد لأي امتحان، سواء كان إشهاديا أو فرضا عاديا، ولو اعتمد المسار الماراطوني الذي يبدأ ببداية الموسم الدراسي، عوض اللجوء إلى السرعة المرهقة والمكلفة نفسيا وبدنيا، لتمكن من الحصول على استعداد جيد يمكنه من اجتياز الامتحانات بسلاسة وتفوق وبأقل جهد، عوض الشعور بالعجز والإحباط وسلك أساليب الغش والتلاعب من أجل الحصول على نقط غير مستحقة، وقد ينتهي بغالبية المحبطين والغشاشين إلى التكرار والطرد، وربما حتى السجن.

للأسف، ترسخت لدى معظم التلاميذ والطلبة مفاهيم وأساليب بيداغوجية خاطئة للإعداد لاجتياز الامتحانات العادية أو الإشهادية، والتي تعتمد على الشحن السريع للأدمغة بمعلومات لا تلبث أن تضيع بسبب سوء التخزين والتكديس العشوائي، وغياب أدنى تركيز وتدقيق في كيفية استخراجها واستعمالها للرد على أسئلة الامتحانات المختلفة، ذلك أن معظم التلاميذ والطلبة يعتمدون “الدوباج” المدرسي الجامعي كآلية لمواجهة الامتحانات والفروض، حيث يقضون معظم فترات السنة الدراسية والجامعية في اللهو والترفيه إلى حين اقتراب مواعيد الامتحانات، لينكبوا على الحفظ والفهم والاستيعاب المكثف بعشوائية للدروس المبرمجة للتقييم، وتبدأ معها رحلات البحث عن أساليب جديدة للغش لدعم ذلك المجهود الذي يعرفون مسبقا أنه لن يكون مفيدا لهم عند الامتحان، بل إن عمليات تحصيل وشحن المعارف والمكتسبات والمهارات في كل الشعب والمسالك بتلك الطرق العشوائية، تنتهي بمجرد اجتياز الامتحانات، حيث يخرج التلاميذ والطلبة من قاعة الامتحان بأدمغة فارغة من كل تلك المعارف والمعلومات التي دسوها فيها قبل أيام، حيث يُفرغ تلقائيا كل ما قضوا الليالي والأيام في شحنه.

فلا أحد ينبههم إلى ضرورة سلك طرق للحفظ والاستيعاب والتحصيل التدريجي اليومي، باعتماد الكيف، لضمان الاحتفاظ بتلك المعارف داخل الأذهان، ليس من أجل اجتياز امتحان أو مباراة، وإنما من أجل توظيفها في عمليات التحصيل الموالية بالمستويات الأعلى، لأن التخلص منها يعيق عملية تحصيل معارف جديدة، لأنهم يدخلون طوال سنوات الدراسة في دوامة الشحن والتفريغ السريعة، ويفقدون سنويا مهارات الشحن بسبب تضاعف صعوبة التحصيل، لتنتهي مساراتهم التعليمية بدون كفايات ولا مهارات لمواجهة الحياة، حتى وإن تمكن بعضهم من الحصول على شواهد عليا وديبلومات، باعتماد ما علق في أذهانهم من جزيئات معرفية.

طول المقررات وكثرة ساعات الدراسة

    أمن واستقرار التلميذ والطالب النفسي والبيداغوجي، وضمانات التركيز والتحفيز والرغبة في التحصيل والمتابعة.. تتطلب أولا إعادة النظر في المناهج والبرامج التعليمية، ليس فقط من حيث المحتوى، ولكن من حيث الكم وطول المقررات، وهو ما يحد من التحصيل الدراسي لدى المتلقي ويعيق المدرس، والأمر هنا لا يتعلق فقط بعدم توافق الساعات المخصصة لبرامج كل مادة دراسية مع المحتوى الدراسي، ولكن بفرض جلوس تلميذ لمدة أربع ساعات في وضعية غير صحية، وإرغامه على الانتباه والتتبع والتحصيل، لدرجة أن هناك تلاميذ وتلميذات يكتمن حاجياتهم البيولوجية والنفسية خوفا من سوء فهمها من طرف الأستاذ، علما أن الحركية تنعش الذات وتعين العقل على التفكير وحسن التدبير.. ألا يكفي أن يدرس التلميذ لمدة نصف يوم فقط، وفسح المجال للثقافة والترفيه والرياضة في النصف الثاني؟

تعليم بلا منطق ولا فلسفة

    ليست وحدها عشوائية التحصيل والحفظ التي يسلكها معظم التلاميذ والطلبة، هي سبب عدم القدرة على مواجهة الامتحانات، ولا حتى واقع مستقبل التعليم المتردي بسبب ضبابية المسالك والشعب وغياب جسور واضحة للشغل، وإنما هناك سببا ثانيا يغفل عنه الكثيرون، يتمثل في غياب تعليم مبني على المنطق وعدم ترسيخ بيداغوجية المنطق المفروض اعتمادها في كل سلوكيات وتفاعلات التلميذ والطالب، إذ المفروض أن تكون للتلميذ والطالب جسور ومنافذ منطقية تمكنه من إحداث طرق وأساليب التحصيل والتجاوب.

فمادة الرياضيات – مثلا – التي ينفر منها التلاميذ والطلبة (الأدبيين)، هي مادة المراد منها تكوين عقول ذكية ومنفتحة وقابلة للتحليل والنقاش والاقتراح والابتكار والتحصيل والحفظ، ودروسها هي حصص تدريبية للعقل تمكنه من تربية ذهنية، سواء كان المتلقي علميا أو أدبيا، وتدريس الرياضيات لا يعني شحن التلاميذ بالتعاريف والخاصيات، ولكن ترويض العقل على التفاعل والتجاوب مع كل ما يعترضه، وتجعله قادرا على ابتكار آلة وكذا على كتابة رواية أو سيناريو أو حل لغز قضية ما أو جريمة… فالرياضيات هي رياضة العقول كما التربية البدنية هي رياضة الأجساد، ولا يمكن أن نؤثث لجسد سليم بواسطة عقل غير سليم، وأهم درس في الرياضيات هو درس المنطق، الذي خصصت له حصص قليلة في برنامج مادة الرياضيات.

ألم يحن الوقت لإعادة النظر في البرامج والمناهج التعليمية الخاصة بمادة الرياضيات على المستوى الثانوي (الإعدادي والتأهيلي)؟ وخصوصا ما يفترض أن يتوفر عليه التلاميذ من عتاد لاستيعاب المفردات التي تفتح بها الأسئلة (برهن، بين، استنتج، تحقق…)، وإتقان طرق الاستدلال بناء على تلك المفردات، وتحصيل ما يلزم من عبارات وروابط منطقية تمكن من تيسير عمليات التعلم والتطبيق والفهم الجيد، وكذا إعادة النظر في مجموعة من المصطلحات التي تم اعتمادها بالمغرب فقط عند تعريب الرياضيات، علما أنها غير معتمدة عربيا، وأنه لا امتداد لها عند حصول التلاميذ على شهادة البكالوريا.

قصور البرامج والمناهج الخاصة بمادة الرياضيات، يعتبر من بين أسباب تدني مستويات التلاميذ علميا ونفور بعضهم، وهي أزمة وجب إحداث لجنة وطنية علمية من أجل إيجاد بدائل لها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التغاضي عنها، أو محاولة تجاوزها بالحديث عما قد يحققه التلاميذ والطلبة من إنجازات علمية وطنيا أو دوليا.

والحقيقة، أنه لم يعد للمنطق العلمي المفروض ترسيخه في أذهان وعقول كل التلاميذ، أي أثر في البرامج والمناهج المعتمدة بكل الأسلاك التعليمية، بعد أن أصبح “المنطق” مجرد درس من بين مجموعة دروس غامضة، يدرس في ثمان ساعات لتلاميذ مستوى الأولى بكالوريا بكل شعبها الأدبية والعلمية والتقنية فقط. فالمفروض أنه “المنطق” اللازم لبناء فقرات الدروس وتركيبتها وتسلسلها وترابطها وتدرجها، “المنطق” الذي يوفر الآليات الديداكتيكية وطرق الاستدلال والبرهان لتبيان وتوضيح البيانات والمبرهنات والعمليات المعقدة، والكفيل بمد التلاميذ بالأساليب اللازمة لحل المسائل والتحقق من النتائج وتحقيق الأهداف التعليمية، وقد ارتأت الوزارة ومديرية البرامج، أن تحرم منه تلاميذ المستويات الابتدائية والإعدادية وشعب الجذع المشترك عكس ما كان في المناهج الفرنسية، علما أن تلاميذ تلك المستويات مجبرون على التعامل منطقيا مع مجموعة من الدروس، وخصوصا العلمية منها والتي تتطلب طرقا وأساليب منطقية صرفة لفهمها والإجابة على تمارينها وفروضها، ليجد التلميذ نفسه مجبرا على الاستدلال بعشوائية وضبابية واستعمال روابط غير منطقية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن الحديث عن مادة الرياضيات التي تفرض على التلميذ اكتساب تعاريف وخاصيات ومبرهنات ومسلمات، والاستفادة منها من أجل الإجابة عن مجموعة من التمارين، حيث يضطر تلميذ بالثانوي الإعدادي أو الجدع المشترك، إلى اعتماد طرق غير منطقية بروابط غير علمية من قبيل “بما أن، فإن، إذن، لكن، وحيث، نستنتج، ومنه…”، عوض الروابط المنطقية العلمية “الاستلزام، التكافؤ، الفصل، العطف…”، عوض الطرق الاستدلالية التي تحكمها ضوابط وشروط علمية، بل إن درس المنطق يمر على أذهان التلاميذ مرور الكرام كباقي الدروس دون أن يترسخ ضمن الآليات الأساسية للاستدلال والبرهان العلمي لدى التلاميذ، حيث يتخلص هؤلاء من كل ما جاء فيه، ويعودوا للتعامل بعشوائية مع كل الدروس العلمية وتمارينها.. فبفضل “المنطق” يمكن للتلميذ أن يدرك أن الصحيح لن ينتج سوى الصحيح، وأن الخطأ يمكن أن ينتج الخطأ والصحيح، ويمكنه أن يدرك المعنى الحقيقي للشيء وضده، وأن ضد “الواقف” ليس هو “الجالس”، بل هو “غير الواقف”، وأن ضد “الأبيض” ليس هو “الأسود”، بل “غير الأسود”، وأن يعلم كيف يختار طرق الاستدلال المحددة في درس “المنطق” لحل كل التمارين والمسائل، وكيف يتحقق من ردوده ونتائجه.. تعليم بلا منطق علمي ولا فلسفي، خصوصا بعد أن تم تهميش مادة الفلسفة وتجريدها من حق الأمومة المكتسبة لكل العلوم والثقافات، وحصرها ضمن خانة باقي المواد الأدبية، ببرامج ومناهج غير محفزة للتلاميذ والأساتذة، حيث الكل يستدل ويناقش ويحلل ما دونه فلاسفة القرون السالفة، ولم نعد نسمع عن مواقف وآراء ومذاهب فلسفية جديدة. فقد أريد لتلك المادة أن تكون ضيفا ثقيلا على التلاميذ بالكاد يحرصون على حضور حصتيها الأسبوعيتين، حيث يغيب المنطق العلمي والترابط بينها وبين المواد العلمية، فالفلسفة أو كما لقبت سابقا بـ”أم العلوم”، لم تعد تربطها أي صلة قرابة بالمواد العلمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى