التعديلات الواردة في مشروع المسطرة الجنائية قد لا تحل إشكالية الاعتقال الاحتياطي

عبد الرحمن المريني
في الأسابيع الأخيرة عرض وزير العدل والحريات السيد الرميد على الفعاليات المهتمة بشؤون العدالة بما فيهم بالأساس رجال الدفاع، مشروع تعديل المسطرة الجنائية الذي طرح للمناقشة قبل إحالته على غرفة البرلمان للمصادقة عليه بعد مروره بالطبع على المجلس الوزاري الذي يترأسه ملك البلاد، ومن خلال قراءة سريعة لهذا المشروع المعروض على الموقع للكاتب العام استنتجت الملاحظات الآتية:
1- أنه يلاحظ فعلا أن هذا المشروع يعمد إلى محاولة إيجاد مخرج للخلل الذي تعاني منه المسطرة الجنائية المعمول بها حاليا، والتي عرفت عدة تعديلات منذ بروزها إلى الوجود في سنوات الاستقلال أي منذ سنة 1959.
2- أن هذه المحاولة تبدأ من خلال التكدس الذي تعرفه سجون المغرب من خلال نسبة عدد المعتقلين احتياطيا، والتي تصل إلى نسبة 86% منهم علاوة على البطء الملحوظ في إصدار الأحكام، وعدم تفعيل مسطرة السراح المؤقت بمقتضى شروط إلى جانب غياب تصور واضح وموضوعي لمسطرة الميسرة.
3- أن هذا المشروع يقر بأن نسبة مهمة من المعتقلين يكون مصيرها النهائي من الأحكام هو البراءة أو أحكاما موقوفة التنفيذ، مما يعني أن الإجراءات التي اتخذت في حقهم بالاعتقال ذهبت سدى بدون طائل.. بل إن الأمر يكبد مصاريف هي في غنى عنها.
4- يلاحظ على هذا المشروع أنه تم تعديل ما يقارب 300 نص إلى جانب إحداث ما يقارب 130 نصا جديدا، وما يلاحظ على هذا التعديل هو أنه يمكن تمتيع الضنين أو حتى المتهم بالسراح المؤقت مع حمله في يده أو في كعب رجله طوقا كهربائيا يضبط تحركاته ضمن المساحة الجغرافية التي يسمح له بها، حيث إذا تجاوزها يمكن أن يعرض نفسه إلى اعتقال جديد.
5- أنه من خلال ما نص عليه الفصل 160 من التعديل، فإن إعمال هذا الطوق الكهربائي يطال كل متابع حتى يظل حبيس هذا الطوق خلال مرحلة التحقيق لمدة شهرين قابلة للتجديد لغاية خمس سنوات في حال ارتكاب جريمة جنائية، ولمدة شهر قابلة للتجديد مرتين إذا كان الأمر يتعلق بجنحة؛ إلا أن المتتبعين لهذا الشأن يعتبرون كل هذه المدة مجحفة في حق من يتابع دراسته مثلا الجامعية أو تكوينا معينا بغية تحسين وضعيته المهنية..
6- إن الحق المخول للمتهم ودفاعه في شأن الطعن في إجراء الاعتقال الاحتياطي طبقا لما هو وارد في الفصل 47 فقرة 2، عن طريق طلب إبطال مسطرة الاعتقال إذا كان الأمر يخالف ما يقتضيه القانون، فإن البت في الطلب يتم في ظرف 24 ساعة لا يعني بالملموس أنه سوف يتم الاستجابة لهذا الطلب، لأن التجارب أثبتت من خلال المسطرة الجنائية المعمول بها حاليا أن الدفاع لا يلقى من هيئة القضاء إلا ما ينغصه، فأحرى ما يروج له في التعديل المذكور.
7- إن التعديل الوارد في الفصل 482 والقاضي بإمكانية تعويض الإدانة بالقيام بإجراءات تعود بالنفع على المجتمع وعلى الضنين، مثل: أشغال التنظيف وتنقية الفضاء الأخضر أو أشغال البناء العمومية، إلا أن هذا التمييز لا يطبق إلا على الأطفال القاصرين فوق سن الخامسة عشر.
8- إن ما ورد في الفصل 66 والمتعلق بإمكانية زيارة محام للمعتقل في فترة الحراسة النظرية لمدة ثلاثين دقيقة كما يؤكد ذلك الفصل 88، حيث تفيد هذه الإجازة بكون النيابة العامة لها الصلاحية في تأخير هذه الزيارة إذا كان الجرم يكتسي صبغة إرهابية بشرط ألا يتعدى هذا التأخير 48 ساعة بدءا من تاريخ انتهاء أكد الحراسة النظرية.
9- إن الضمانات التي يمنحها الفصل 67 فقرة أولى للمعتقل الذي يحتمل أن تكون عقوبته تفوق السنتين والتي تقضي بضرورة تسجيل مرحلة التحقيق حتى إذا نازع الضنين أو المتهم في ما ورد على لسانه، فإنه يمكن الرجوع إلى التسجيل للتأكد من الأقوال الواردة على لسانه.
10- إن الفصل 462 ينص بالحرف: على “أن محاكمة القاصر لا يمكن أن تكتسي طبيعة عقابية، ذلك أنه يجب أن تسعى لإثبات المصلحة العليا للقاصر” ولا يمكن تعريضه للاعتقال الاحتياطي كيف ما كان الفعل الجرمي المرتكب من طرفه (الفصل 473)؛ حيث إذا كان الأمر يتعلق بجنحة، فإن قاضي المحاجير يصدر قرارا بالبحث لاتخاذ الإجراءات الملائمة حماية له..
والملاحظ أن هذه الضمانات هي واردة فعلا وثابتة في المسطرة الجنائية المعمول بها حاليا، ولكن في جميع الأحوال الذي ينقصنا بالأساس ليس التعديل، بل مهارة وتفعيل ما هو موجود حاليا وترجمته إلى الواقع الملموس.