تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | الأثار الجانبية للتطبيع على الجامعات المغربية

عادت مسألة التطبيع مع إسرائيل لتخلق انتقادات كثيرة في الساحة الوطنية، بعدما أقدم وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عبد اللطيف الميراوي، على توقيع مذكرة تفاهم مع وزيرة الابتكار والعلوم التكنولوجيا الإسرائيلية، أوريت فركاش كوهين، نهاية شهر ماي الماضي، في مجال البحث العلمي والتكنولوجيا.

وأكد مناهضو التطبيع، أن اختراقه للمؤسسات الجامعية والأكاديمية يشكل خطرا على الطلبة المغاربة، ويهدف إلى محو الذاكرة التاريخية، وتجميل صورة إسرائيل لدى الطلبة والشباب، وتزيف الحقيقة التاريخية للكيان الصهيوني الذي نشأ على نهب الأراضي وتشريد الفلسطينيين، مشيرين إلى أن التطبيع لن يلقى قبولا داخل الجامعات المغربية التي ظلت مساندة للقضية الفلسطينية ورافضة للاحتلال الصهيوني.

 

الرباط. الأسبوع

 

    انتقدت النقابة المغربية للتعليم العالي ما تقوم به وزارة التعليم العالي من تطبيع ثقافي مع عدد من المسؤولين والمؤسسات الإسرائيلية، مستنكرة إقدام الوزارة على إقحام مؤسسات التعليم العالي في محافل التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت مسمى “الشراكة الأكاديمية والبحثية”.

واعتبرت أن الاستقبال المعلوم لا يعني سوى الوزير وحده، ولا يمثل الأساتذة الباحثين، الذين دعتهم بهيئاتهم البيداغوجية والعلمية إلى التصدي لكل الفعاليات والمبادرات التطبيعية، التي تستهدف اختراق الجامعة المغربية ومؤسسات التعليم العالي، وتدنيس حَرَمها، وتلويث سمعتها، بهدف النيل من صمودها وكسر مناعتها التاريخية، مؤكدة أن القضية الفلسطينية ستبقى حية في ضمير الجامعة والجامعيين وكل المغاربة، وأن النقابة بكل هيئاتها المحلية والجهوية والوطنية ستبقى وفية لخطها المقاوم، وفي حالة يقظة واستعداد لتنزيل كل محاور مخططها النضالي التصاعدي.

في هذا الإطار، اعتبر محمد الأشقر، عضو المكتب الوطني النقابة الوطنية للتعليم العالي، أن مسألة التطبيع مع الكيان الصهيوني محورية ومرفوضة عند الشعب المغربي، أما بالنسبة لقضية الصحراء المغربية، فهي قضية محسومة أحب من أحب وكره من كره، ولا يجب التحدث عنها الآن أو ربطها بالتطبيع، لأننا لسنا في حاجة إلى محتلين ولصوص سرقوا أرض فلسطين وقتلوا الفلسطينيين ليعترفوا بالصحراء المغربية، وهذا نرفضه، لأن قضية الصحراء المغربية يثبتها التاريخ والجغرافيا ويؤكدها عيش المغاربة في صحرائهم آمنين مطمئنين.

وانتقد الأشقر قيام الوزير عبد اللطيف الميراوي بتوقيع اتفاقية تطبيع مع الوزيرة الصهيونية للتعليم العالي، والتي أدت الخدمة العسكرية وطردت الفلسطينيين من أراضيهم، ولا شك أنها شاركت في قتل الأطفال والنساء، مؤكدا رفض جميع المكونات للتطبيع في الجامعة المغربية والتصدي له بكل قوة، لأن الجامعات تتوفر على أطر وأساتذة يتوفرون على الكفاءة ليسوا في حاجة إلى الصهاينة لكي يتعاونوا معهم، وقال: “نحن نندد بإقدام السيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي، على هذه الخطوة، مسألة التطبيع تلزمه ونحن لسنا في حاجة إليه، وهذا فيه سبة للمغاربة، الآن في جميع المجالات يقولون لنا بأن العدو الصهيوني سيمدنا بخبرته في مجال الفلاحة، في مجال التقطير، في الصناعة، يعني أن المغاربة غير مبتكرين، نحن نقول للوزير: لا، في التعليم العالي لدينا خبراء وتقنيين ومتخصصين، نحن لسنا في حاجة إلى الصهاينة لكي نتعاون معهم، نطلب من السيد الوزير أن يعطي للجامعات الإمكانيات المادية والتقنية للقيام ببحث علمي يفوق البحث العلمي الذي يقوم به الصهاينة في أراضي فلسطين”.

إلغاء الحوار القطاعي

    وحسب محمد الأشقر، فإن سبب الأزمة بين النقابة ووزارة التعليم العالي، يكمن في تهميش الملف المطلبي الذي تم التوافق بشأنه مع الوزراء السابقين، والذي يتعلق بضرورة إصدار نظام أساسي جديد، بعد مرور 25 سنة على نظام 1997 الذي أصبح متجاوزا بحكم مجموعة من المشاكل التي أفرزها، مما جعل الأساتذة الباحثين يطالبون بإعادة النظر فيه خلال عدة جولات حوارية مع وزراء سابقين، حيث تم التوصل لاتفاق مع سعيد أمزازي حول مجموعة من النقاط ومراسيم متفق عليها، وأنهم فوجئوا بإيقاف الحوار وجميع الملفات منذ مجيء الوزير الميراوي، مما أدى إلى خلق تذمر كبير في صفوف الأساتذة الباحثين رغم قيامهم بمجهودات كبيرة خلال التدريس والتأطير والامتحانات”، وأضاف: “منذ سنوات والنقابة تحاور الوزارة الوصية منذ عهد لحسن الداودي وحصاد والوزير المنتدب خالد الصمدي وبعده الوزير أمزازي، والآن مع الوزير الميراوي، بخصوص الملف المطلبي الوطني، وبخصوص منظومة التعليم العالي في شقها الكامل، حيث تقدمت النقابة بمذكرة منذ تقلده للمسؤولية”، مشيرا إلى أن “رفض الوزارة الاستجابة للمطالب العادلة للأساتذة الباحثين سيكون مؤشرا لمقاطعة الدخول المدرسي المقبل، خاصة وأنهم الفئة الوحيدة التي ترقيتها مجمدة منذ سنة 2016، بسبب عدم قيام الوزارة الوصية بأي مجهود لإدراج مناصب المالية الخاصة بالترقيات خلال كل سنة”.

وتابع نفس المتحدث: “الأساتذة يعيشون ظروفا صعبة ويقومون بواجبهم داخل الجامعة، بينما الوزارة تتملص من التزامها ومن الاتفاقيات وجولات الحوار الماراطونية التي نظمت في إطار اللجن التقنية مع الوزراء السابقين، مما دفعهم للدخول في أشكال نضالية ووقفات احتجاجية أمام رئاسة الجامعات ومقر الوزارة الوصية، وذلك احتجاجا على توقيف الحوار الاجتماعي”، مبرزا أن “الوزير خلال تدخلاته في الإعلام والبرلمان، يتحدث عن وجود حوار مع النقابات، وهذا ما نفته النقابة وقررت الدخول في خطوات نضالية، وقد تذهب إلى مقاطعة الدخول الجامعي المقبل”.

لا للتطبيع في التعليم

    انتقد أحمد ويحمان، رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، ما يجري في التعليم العالي من تطبيع، لكونه مظهرا من مظاهر الاختراق الصهيوني الذي لم يوقر أي قطاع، سواء في الزراعة أو الصناعة أو المال والأعمال وقطاع الخدمات، وحتى على مستوى الذاكرة التاريخية وأرشيف المغرب والمتاحف والسينما، لمسح الذاكرة وتزوير التاريخ والجغرافيا، معتبرا أن “هذا التطبيع مختلف عن التطبيع في المشرق في حالة الأردن ومصر، وخطير للغاية، لأن المخطط الصهيوني ومشروعه بالمغرب يستهدفه في وجوده، وفي كيانه كوطن ووحدة ترابية وكمجتمع وتماسك اجتماعي، وكدولة يستهدف حتى الدولة ورأس الدولة، حيث كشفت مستشارة سفير الكيان الصهيوني بالرباط، والذي أعلن نفسه من طرف واحد سفيرا، شامة درشول، أنه يتعمد كل هذه الأمور التي يرتكبها في حق المغرب والمغاربة”.

وأوضح ويحمان أن المرصد على تواصل مع أساتذة نقابات التعليم العالي، الذين يقومون بدورهم في مناهضة التطبيع رغم وجود متعاونين ومتواطئين يريدون أن يرسم هذا التطبيع، إلا أن هناك مقاومة ترفض التطبيع في الجامعة والمعاهد العليا، والمعركة متواصلة، مشيدا بمناهضة الهيئات الطلابية في الجامعات (منظمة التجديد، والاتحاد الوطني لطلبة المغرب، والفصائل اليسارية) للتطبيع، ورفضها لحضور حاخام صهيوني من طائفة “القبالة” لندوة مع ممثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بكلية الآداب.

حسب ويحمان، فإن “المرصد المغربي كشف من خلال كتاب: الخراب على الباب، أن الكيان الصهيوني يخطط لتفكيك المغرب وخلق فتنة ونزاعات بين العرب والأمازيغ، من أجل إعادة تركيبه لنقل الإسرائيل إلى المغرب، خاصة بعدما أصبحت صواريخ المقاومة تدك عمقه الاستراتيجي، مما يجعله يرى في المغرب بديلا لنقل كيانه ودولته، لكون المغرب يقع على بعد 14 كلم من أوروبا”، مشيرا إلى أنهم “لهذه الاعتبارات يحضرون لبناء إسرائيل جديدة ويطلقون أساطير المؤسسة لدولتهم مثل ما قاموا به في فلسطين، من خلال الحديث عن اكتشاف أرشليم جديدة جنوب المغرب، واكتشاف قبول أنبياء يهود أمثال سيدي دانيال وسيدي وركنات وغيرهم، والقيام بزيارة أوليائهم”، وتابع: “الشعب المغربي يرفض التطبيع ويعتبره خيانة وخطرا على الوحدة الترابية للمغرب، لهذا نتمنى أن يبقى هناك شيء من العقل في ركن من أركان الدولة، لوضع حد لهذا النزيف وإلا فالقادم أسوأ والخطر محدق بالبلاد حقيقة”.

التطبيع يستهدف الأجيال

    عزيز الهناوي، الكاتب العام للمرصد، اعتبر أن “الاتفاق التطبيعي الذي انخرطت فيه وزارة التعليم العالي، يأتي في سياق ومسار من السعار التطبيعي، الذي تجاوز المدخل الأول، وهو المدان أصلا والذي كان باسم وتحت يافطة قضية الوحدة الوطنية باتفاق الثلاثي: المغرب-إسرائيل-أمريكا”، قائلا: “التطبيع على المستوى الجامعي والأكاديمي خطير للغاية، لأن مدخله صناعة جيل من المغاربة لا علاقة لهم ليس فقط بفلسطين والتزاماتهم تجاه القضية المركزية والمغرب يرأس لجنة القدس، بل إن مآله صناعة جيل يجهل هويته ويجهل تاريخه وذاكرته وحضارته، ويربطه بالكيان الصهيوني الإجرامي العدو للأمة”.

وأضاف الهناوي: “لا حاجة للمغرب بهذا التدفق نحو إسرائيل وكأن العلم والتكنولوجيا والإبداع والابتكار انقطع في الأرض إلا في تل أبيب، يعني لا يوجد ابتكار لا في الصين ولا اليابان ولا في ألمانيا وإسبانيا، ولا في أي مكان في الأرض، وهذا رأيناه في مؤتمر نظم في الدار البيضاء قبل أسبوعين ما سمي اتفاقية 13، بحضور وزارة التعليم العالي أيضا، بين عدد من القطاعات لربط المغرب بالمستوى التكنولوجي والابتكار بالماكينة الصهيونية، وبالتالي، نحن إزاء عملية تطبيع تجاوزت مستوى التطبيع الكلاسيكي إلى الصهينة الشاملة للنسق التعليمي والثقافي والهوية للمغاربة”.

وأكد أن “ما يحصل اليوم يعتبر هرولة تطبيعية تصل إلى الصهينة الشاملة ليس فقط في التعليم العالي، بل حتى في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، تحت ما يسمى أندية التسامح، فالشق الذي انطلق به أمزازي في الحكومة الماضية بتوقيع اتفاقية مع جمعية أزولاي (الصويرة موغادور) فيما يسمى بأندية التسامح، لا علاقة لها بمفهوم التسامح الذي في المغرب، أي التسامح بين مكوناته الثقافية والإثنية والدينية والاجتماعية، بل حقيقة هذه الأندية هي ترويج مجموعة من الكبسولات الدعائية لتجميل صورة إسرائيل لدى التلاميذ في المستويات الإعدادية والثانوية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى