الرئيس السينغالي “ليوبوبد سيدا سنغور”: “الصحراء المغربية أرض المغرب أبا عن جد”

بقلم. رمزي صوفيا
من منا لم يسمع عن الرئيس السينغالي الأسبق “ليوبولد سيدا سنغور”؟ رجل من رجالات الخير والتقارب والتواصل قل نظيره، ومثقف وأديب وشاعر وفيلسوف جابت خواطره وأفكاره الجهات الأربع للمعمور.
كل الأفارقة والأوروبيين والأمريكيين وحتى الآسيويين سمعوا عن الجهود التي بذلها الرئيس السابق “ليوبولد سيدا سنغور” من أجل حقن الدماء ووقف التناحر بين الفصائل الإفريقية، معتبرا إفريقيا أم كوكب الأرض ورمز خيراته.
وقد أتيحت لي فرصة التقائه والتعرف عليه فوق التراب المغربي، وبمجرد علمه بأنني عراقي الجنسية، وأنني اخترت الاستقرار في المغرب قال لي: “إن اختيارك للمغرب بلدا لمقامك يستحق التهنئة، فأنت سعيد الحظ لأن تعيش مع شعب قل نظيره في العالم وتحت قيادة ملك عادل عظيم هو الحسن الثاني. فسألته: “وكيف هي علاقتك بجلالة الملك الحسن الثاني؟” فأجابني مبتسما وفاتحا يديه: “ألا ترى بنفسك وألا يرى العالم أجمع بأنني لا أفارق المغرب وأن معظم زياراتي الخارجية كرئيس لدولة السينغال كانت نحو المغرب، بلد الشهامة وكرم الوفادة والطيبوبة. والملك الحسن الثاني هو مفخرة لنا نحن قادة إفريقيا. إنني لست وحدي الذي يعتمد على بعد نظر وسداد رأي الحسن الثاني في أية قضية تعيشها بلداننا. إنني أستشير الملك الحسن الثاني دائما وأستفيد من أفكاره ونصائحه النيرة. إني شخصيا أعتبر الملك الحسن الثاني هبة ونعمة ربانية وهبها الله للمغرب ولإفريقيا ونادرا ما يظهر قائد عظيم مثله في بلد ما”. وقاطعته متسائلا: “ولكن لماذا تقف بعض الدول الإفريقية بل العربية ضد حق المغرب الشرعي في سيادته على أراضيه الجنوبية، ولماذا لم تحرك ساكنا للتضامن مع المغرب ضد الاستعمار الإسباني، ويوم قام الملك الحسن الثاني بمبادرته الجريئة، وجازف بعرشه لتنفيذ حدث المسيرة الخضراء، ولكنه وجد الشعب المغربي يقف بأكمله وقفة رجل واحد للسير نحو تحرير أراضيه الجنوبية. بل لقد كان العدد المتوافد من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال الراغبين كلهم في تسجيل أنفسهم للمشاركة في المسيرة الخضراء أكبر بكثير من كل التوقعات. وسار 350 ألف مغربي ومغربية بدون سلاح حاملين العلم المغربي في يد والقرآن الكريم في اليد الثانية…آلاف المغاربة العزل الواثقون من النصر والذي لم تحركهم سوى عبارة واحدة: الله الوطن الملك. حدث هذا الإعجاز رغم أن المستعمر الإسباني كان قد حشد دباباته وأسلحته في المنطقة الفاصلة التي كانت حشود المغاربة والمغربيات تسير بكل تؤدة نحوها لتحطيم الحدود الوهمية الاستعمارية واحتضان إخوانهم المغاربة في الصحراء المغربية. وعندما أيقنت إسبانيا من استحالة توقف مئات آلاف المغاربة أمام أي سلاح في العالم أصدرت أوامرها لجيشها الرابض هناك بعدم المساس بالمشاركين في المسيرة الخضراء”. فعقب الرئيس ليوبولد سيدا سنغور على كلامي قائلا: “لقد كان يوما عظيما وحدثا كبيرا بكل المقاييس”. فقلت له: “نعم ولكن المغرب كان يتوقع تأييدا هائلا من الدول الجارة والصديقة لهذه المبادرة التاريخية التي تم بها طرد الاستعمار دون إراقة قطرة دم واحدة. وبدلا من الدعم اختارت بعض الدول الجارة للمغرب أن تناصبه العداء وهي الجزائر وليبيا اللتان اتخذتا موقفا مخزيا ومخجلا لا يمت للعروبة ولا للإسلام ولا لمبادئ حسن الجوار بصلة، حيث اتفقت هاتان الدولتان على تكوين عصابة من المرتزقة أطلقت عليها اسم البوليساريو. بدأت كل واحدة منهما تمد هذه الشردمة بالمال والسلاح للتشويش على المغرب وتعطيل مسيرة تنمية هذه الأقاليم” فقال لي الرئيس ليوبولد: “وهل تعلم السبب في كل هذه المناورات؟” فقلت له ضاحكا: “سيادة الرئيس، بدلا من أن أسألكم لاحظت أنكم تطرحون الأسئلة علي.. أعتقد جازما بأن سر مناورات الجزائر وليبيا ضد استقرار المغرب هو الطمع في خيرات هذه الأقاليم”. فقاطعني مبتسما وقائلا: “هذا صحيح، فالأقاليم الجنوبية المغربية غنية بالكثير من الخيرات ولكن السبب هو نوع من الحسد ضد المغرب، فالمغاربة لديهم نظام مستقر ودستوري وديمقراطي ولديهم ملك ينظر للمستقبل بكل ثقة. أما في ليبيا فالحكم هو استبدادي تسوده ديكتاتورية المال والبترول والغاز الذي لا يستفيد منه الشعب شيئا، وهو نفس حال شعب الجزائر الذي يموت قهرا وجوعا رغم الخيرات النفطية والغازية التي توجد بأراضيه. إن هؤلاء الحكام سعوا لخلق قضية الصحراء رغم معرفتهم بأن التاريخ أكد بأنها مغربية أبا عن جد. وقد اختلقوا ملف هذه القضية لِدَرِّ الرماد في عيون شعوبهم المقهورة وشغل الشعبين الجزائري والليبي عن حقيقة الأوضاع المزرية التي وضعهما فيها حاكماهما رغم خيراتهما الطبيعية”. وتابع كلامه قائلا: أؤكد لك أن كل هذه المناورات والمحاولات لن تنال من حق المغرب في أقاليمه، فالملك الحسن الثاني يعرف جيدا ما يعمل ونحن جميعا كرؤساء نعرفه حق المعرفة، فجلالته لم يحرك ملف استرجاع الأراضي المغربية الجنوبية إلا بعد دراسته لكل الاحتمالات ومنها إمكانية ظهور دول حقودة من المحيط الجار للمغرب. ولكن كل هذا لا يقلق الحسن الثاني والدليل هو ما نراه جميعا من نهضة كبرى تعرفها كل مدن وقرى الصحراء المغربية، حتى أصبحت مدن مثل الداخلة معلمة دولية وموعدا دائما لعشاق الجمال المعماري والطبيعي والسواحل المترامية الأطراف التي جهزها المغرب على أعلى مستوى”.
معلومات عن الرئيس “ليوبولد سيدا سنغور”
ولد “ليوبولد سيدار سنغور” في 9 أكتوبر 1906 في مدينة ساحلية صغيرة، وحوالي مئة كيلومتر جنوب داكار – والده “ديوغويي سنغور”، وكان رجل أعمال ينتمي إلى البرجوازية.
أما والدة “ليوبولد غنيلاني ندييمي باخوو”، فهي زوجة أبيه الثالثة، وكان المسلمون من أصل أهله ينتمون إلى قبيلة تلد ستة أطفال، من بينهم اثنان من الأولاد.
في سن الثامنة بدأ “سنغور” دراساته في السينغال في “نغاسوبيل” مدرسة داخلية للآباء من الروح القدس.. وفي عام 1922 دخل المدرسة وهو في داكار.
وكان ضليعا في اللغة الفرنسية، اللاتينية، اليونانية والرياضيات. وعندما حصل على شهادة البكالوريا، نال منحة لمتابعة دراسته في فرنسا.
وكان “سنغور” أحد مؤيدي الفيدرالية بالدول الإفريقية المستقلة حديثا، وهو نوع من ” الكومنولث الفرنسي” وكانت الدول الإفريقية لا تحبذ هذا النظام.. كما أنه قرر تشكيل اتحادات محلية مع عدة بلدان إفريقية مجاورة للسينغال، ويفاخر “ليوبولد سيدا سنغور” بأنه أول رئيس منتخب في دولة السينغال، وأنه هو مؤلف النشيد الوطني السينغالي “الأسد الأحمر”. وكان رئيس الوزراء “مامادو ديا” مسؤولا عن تنفيذ السينغال خطة التنمية الطويلة الأجل، في حين أن “سنغور” كان مسؤولا عن العلاقات الخارجية.
واختلف الرجلان بسرعة. وفي دجنبر 1962، اعتقل “مامادو ديا” بسبب اتهامه بالتحريض على الانقلاب. وبقي في السجن لمدة 12 عشرة سنة. وفي أعقاب ذلك. وفي 1967 تعرض “سنغور” لمحاول اغتيال انتهت بالحكم على الجاني بالإعدام.
وبعد سنوات من العمل لفائدة بلده ولفائدة التقارب بين دول القارة السمراء، استقال “ليبول سيدا سنغور” من منصبه قبل نهاية فترة حكمه الخامسة في دجنبر 1980 متنازلا عن منصبه لفائدة عبدو ضيوف. وبعدها أعرب “سنغور” عن تأييده لإنشاء لجنة فرانكفونية، وقد انتخب نائبا لرئيس المجلس الأعلى للناطقين باللغة الفرنسية. في 1982، كان أحد مؤسسي رابطة فرنسا والبلدان النامية تهدف إلى لفت الانتباه إلى مشاكل البلدان النامية.