تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | أطفال التوحد بين الإقصاء الاجتماعي والدعم الحكومي

أسر تعاني في صمت

تعيش العديد من الأسر والجمعيات التي تعنى برعاية أطفال التوحد وذوي الإعاقة الذهنية، صعوبات كبيرة وعراقيل من أجل دمج هؤلاء في المجتمع وداخل المؤسسات التعليمية العمومية، في ظل استمرار النظرة السيئة تجاه هذه الفئة المحرومة من الرعاية الصحية والحق في التمدرس والمواكبة.

الكثير من الأسر تعيش معاناة صعبة من أجل إدماج أطفالهم الذين يعانون اضطرابات ذهنية، داخل الجمعيات أو المؤسسات العمومية، بسبب التكاليف الباهظة لتوفير مربيات ومرافقات لهؤلاء الأطفال الصغار حتى يتمكنوا من تطوير قدراتهم الحركية والذهنية لكي يسمح لهم بالولوج إلى بعض الأقسام الدراسية.

 

إعداد: خالد الغازي

 

    يعاني أطفال التوحد وذوي الإعاقة الذهنية من الإقصاء والتهميش داخل المجتمع، حيث أن هذه الفئة لم تلق الرعاية الكافية بالرغم من الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب، والتي توصي بضرورة الاهتمام بحقوق الأطفال وتوفير الرعاية الصحية والتربوية لأطفال التوحد الذين ينتمون خاصة للأسر المتوسطة والفقيرة، والذين يقدر عددهم بالآلاف على الصعيد الوطني.

عمر لحلو

    يقول عمر لحلو، مسؤول بجمعية “اليسر للأطفال في وضعية إعاقة”: “تقوم الجمعيات بعمل كبير لرعاية أطفال التوحد والتأخر الذهني والثلاثي الصبغي، رغم قلة الإمكانيات المالية، لكن هذه الفئة من الأطفال لا زالت مهضومة الحقوق ولا تستفيد من حق التمدرس مثل بقية الأطفال الآخرين”، مضيفا أن “حق الدراسة بالنسبة للأطفال في وضعية إعاقة يستوجب توفير تسهيلات لتسجيل أطفال التوحد من قبل مدراء المؤسسات التعليمية، وتوفير مرافقة لهم، ومعاملة حسنة من قبل رجال ونساء التعليم، عوض وضع عراقيل أمامهم بسبب إعاقتهم وفرض شروط خاصة عليهم”، وأوضح أنه بالرغم من الحديث عن التمدرس والتربية الدامجة، لكن لم نصل لتطبيق هذه الأمور على أرض الواقع، حيث يظل الحديث عن الحق في مدرسة دامجة أو مواطنة، مجرد شعارات على الورق فقط ولا تطبق، مما يدفع الآباء والأمهات والجمعيات إلى القيام بمجهودات كبيرة من أجل رعاية أطفال التوحد وسد الفراغ الذي تركته الدولة، مشيرا إلى أن الدافع الأساسي الذي يجعل الفاعلين الجمعويين مهتمين بهذه الفئة هو كون أغلبهم لديهم أطفال مصابين بالتوحد أو لديهم إعاقة ذهنية، لهذا يبحثون عبر المؤسسات الجمعوية عن مناهج وطرق لرعاية أطفالهم وتوفير الظروف المناسبة لإدماجهم في المجتمع، رغم الصعوبات والعراقيل التي تقف أمامهم، سواء داخل المدارس أو المؤسسات الصحية، مشيرا إلى “توفر بعض المدارس والمؤسسات التعليمية على أقسام لفائدة أطفال التوحد، لكنهم لازالوا معزولين ولا يتم دمجهم بشكل كافي، لذلك يتحمل الآباء أعباء ومصاريف إضافية، منها أجرة المرافقة بالرغم من المساهمة التي تقدمها مؤسسة التعاون الوطني، لكن الدعم المخصص غير كافي للتكفل بجميع المصاريف وتعويضات المربيات، وذلك راجع للميزانية القليلة التي توفرها الوزارة لمؤسسة التعاون الوطني في ظل ارتفاع عدد الجمعيات وعدد الأطفال الذين يحتاجون للرعاية، مما يضطر الآباء لدفع تكاليف مالية للمساهمة في رواتب الأخصائيين والمرافقات”.

وأكد عمر لحلو أن “الأطفال في حاجة ماسة للتربية والرعاية، وحصص ترويض متنوعة، منها حصتين للنطق في الأسبوع، ثم الترويض الحسي والحركي، والذي يعرف خصاصا كبيرا بسبب قلة الأطر المتخصصة في هذا المجال، إلى جانب العديد من الإكراهات التي تعيشها الجمعيات التي تشتغل في القطاع بسبب الصعوبات الإدارية وعدم اهتمام المسؤولين المحليين التابعين للقطاعات الوزارية بوضعية أطفال التوحد والجمعيات التي تنشط في الميدان”، مشددا على ضرورة تكاثف الجهود بين مختلف القطاعات الوزارية (الصحة والتعليم والأسرة والتضامن)، وتطبيق بنود اتفاقية الشراكة التي وقعت منذ ثلاث سنوات من أجل رعاية ومساعدة أطفال التوحد، لكون العديد من نشطاء الجمعيات يجدون عراقيل ويصطدمون بمشاكل مع الإدارة ومندوبيات الصحة، للحصول على ترخيص أو  أخصائي للعمل في الجمعية قصد مساعدة الأطفال.

غياب التنسيق بين القطاعات

    العديد من الأمهات يصطدمن بصعوبات كبيرة من أجل إلحاق أطفالهن المصابين بالتوحد بالمدارس والمؤسسات التعليمية العمومية، بسبب رفض مدير المدرسة في الكثير من الأحيان، أو رفض الأستاذ استقباله أو إلحاقه بالقسم، وإذا ما تم توفير قسم دراسي، تضع المؤسسة شروطا تعجيزية على الأسر، منها ضرورة تحمل تعويضات المربيات، والخدمات والأنشطة، مما يجعل عددا كبيرا من أطفال التوحد محرومين من الإدماج في الوسط المدرسي.

في هذا الإطار، يعتبر لحلو، مسؤول بجمعية “اليسر للأطفال في وضعية إعاقة”: أن “الإشكال المطروح يكمن في غياب التنسيق بين القطاعات الوزارية للتعامل مع جمعيات أطفال التوحد، رغم أن هناك اتفاقية بين القطاعات الحكومية للتعاون من أجل توفير الخدمات والحاجيات لهذه الفئة من الأطفال”، مضيفا أن “بعض المسؤولين يبررون موقفهم بعدم وجود تعليمات أو قرارات من الوزارة” متسائلا: “هل هي محاولات فقط للتهرب من المسؤولية، وعدم مساعدة الطفل؟”.

وانتقد لحلو أسلوب تعامل بعض الأساتذة في المدارس مع أطفال التوحد، وعدم قبولهم في الأقسام، مما يخلق تمييزا وحيفا بين الأطفال، بحيث أن هناك من يستهزئ بالطفل المصاب بالتوحد، مما يؤدي إلى عدم تكافؤ الفرص والمساواة بين الأطفال في المؤسسات التعليمية، داعيا إلى تغيير العقلية داخل الإدارات وتوفير الظروف الملائمة لضمان حق طفل التوحد في التمدرس والعلاج والتطبيب دون عراقيل أو صعوبات، خاصة وأن المملكة وقعت على اتفاقيات ومواثيق دولية لرعاية الأطفال في وضعية إعاقة.

 مشكل التشخيص والرعاية الطبية

    حسب الأخصائيين، فإن العديد من أطفال التوحد يعانون من اضطرابات في النمو المعرفي والسلوكي قبل بلوغهم سن الثالثة، ويظهر خصوصا في تأخر في الكلام ومشاكل في التواصل اللفظي والبصري والحركي مع محيطهم، الأمر الذي يتطلب رعاية منتظمة ومستمرة، مع برمجة حصص أسبوعية من أجل تمكين الطفل من تقنيات النطق والترويض حتى تتطور حالته لمستوى أفضل.

سامح علي

    في هذا السياق، يقول الأستاذ سامح علي، أخصائي علاج وظيفي وتكامل حسي، أن “المشكل الغائب عند غالبية الأسر التي لديها طفل مصاب بالتوحد، هو التشخيص، الذي يعد مرحلة ضرورية بالنسبة لأطفال التوحد، قصد تحديد الحالات ومعرفة الخطوات المقبلة وكيفية التعامل مع الطفل، لأن الكثير من الأسر تدخل في دوامة من المشاكل ولا تستطيع معرفة الطرق التي يجب القيام بها لرعاية أطفالهم”، مشيرا إلى أن العامل المادي يبقى عائقا كبيرا أمام الأسر التي لديها طفلا مصابا بالتوحد من أجل تأهيله وإجراء تحاليل طبية لتحديد مستوى حالته ومعرفة المشاكل الصحية التي يعاني منها، خاصة وأنه يعاني من اضطرابات مرافقة للمرض، مثل الصرع، والنوم، ومشاكل بالقلب.

وأوضح المتحدث أن “الجمعيات تقوم بدور مهم من خلال توفير الرعاية للطفل عبر تخصيص مرافقة مربية مؤهلة، لكن يظل المشكل الثاني مرتبطا بتكوين وتأهيل المربيات داخل الجمعيات، حتى يستطعن العمل مع أطفال التوحد بالطرق المطلوبة، لأن دور المرافقة جد أساسي في المسار العلاجي لطفل التوحد وبدونها لا يمكن تحقيق الأهداف المطلوبة، وتحسين القدرات الحسية والحركية والتواصلية للطفل”، وأضاف أن “الدولة قامت بتوفير بعض الإمكانيات للجمعيات من خلال مؤسسة التعاون الوطني، وساهمت في فتح المدارس العمومية أمام أطفال التوحد، لكن رغم ذلك، تظل الموارد المالية محدودة تتطلب المزيد من الدعم لفائدة الأسر والجمعيات، لأن هناك ارتفاعا في عدد الأطفال الذين في حاجة ماسة للرعاية والتربية، مما يتطلب المزيد من الدعم”، مؤكدا أن العائق المادي يظل المشكل الحقيقي الذي تعاني منه الأسر بسبب عدم قدرتها على تحمل تكاليف العلاج ومستحقات المربية لمرافقة الأطفال المصابين بالتوحد.

أجور المربيات والصعوبات المادية

    تقول فتيحة سالوم، رئيسة فاعلة جمعوية ومسؤولة بمركز “أمل للتوحد واضطرابات التعلم” ببرشيد، أن “هذه الفئة من الأطفال تحتاج إلى تعاون كبير بين الآباء والجمعيات من أجل تخصيص الرعاية المناسبة رغم الصعوبات المالية، لأن كل طفل مصاب بالتوحد يحتاج إلى مرافقة دائمة، وفي حاجة إلى حصص علاجية وخدمات شبه طبية، مثل تصحيح النطق النفسي الحركي والدعم والمواكبة النفسية”، مؤكدة أن “معظم الأسر تجد صعوبة كبيرة في تأدية أجرة المربية أو تكاليف الخدمات المقدمة لأطفالها، مما يعيق العمل الذي تقوم به الجمعيات، خاصة وأنها تبذل مجهودات كبيرة من أجل إيجاد مربية أو مرافقة متمكنة”، وأوضحت أن “الجمعيات تشتغل على الأمور الأساسية المتعلقة بالترويض والنطق، واللغة الاستقبالية والتقليد، ولديها شراكة مع مؤسسة تعليمية عمومية لإدماج أطفال التوحد داخل أقسام دراسية خاصة، لكن يظل المشكل  الذي يقف عقبة أمام رعاية هذه الفئة من الصغار، هي رواتب المربيات في المؤسسات المدرسية، والتي تثقل كاهل الأسر، مما يتطلب دعما من القطاع الوصي أو من وزارة التضامن، بينما تظل الطبقة الميسورة هي فقط القادرة على تسديد تكاليف المرافقات والتي تتراوح ما بين 2000 و2500 درهم شهريا”.

وأشارت المتحدثة إلى أن “مشكل التكوين من بين المشاكل التي تعيشها الجمعيات العاملة في المجال، لأن الكثير منهن لا يخضعن للتكوين المطلوب بالطرق البيداغوجية لمعرفة كيفية التعامل مع أطفال التوحد، لهذا تشتغل بعض الجمعيات على مجال التكوين مع بعض الفتيات من أجل تأطيرهن خلال مدة ثلاثة أشهر، حتى يستطعن رعاية ومرافقة الطفل المريض”، إلا أن المشكل المطروح يكمن في عدم اقتناع المرافقات بالأجرة المخصصة لهن، مما يضع الجمعية أمام مهمة جديدة للبحث عن مربية أخرى لرعاية أطفال التوحد، تقول فتيحة سالوم، التي أكدت أن “أطفال التوحد يمكن أن يصلوا لمستوى جيد ويتمكنوا من مواصلة مسارهم الدراسي إذا كانت المواكبة بطريقة صحيحة مع المرافقة وبشكل يومي، حتى يتم تحقيق إدماجهم في المدرسة والمجتمع، لكن تظل المسؤولية على عاتق الآباء والأمهات من أجل تعليم أطفالهم أساليب وطرق التلقين والتعليم”، مشيرة إلى أن “بعض أطفال الجمعية تمكنوا من الوصول إلى مستوى الثالث والرابع ابتدائي، بفضل الرعاية المقدمة لهم، وهناك طفل تمكن من الوصول إلى مستوى الأولى ثانوي بفضل المواكبة التربوية التي تلقاها”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى