تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | الشركات الأجنبية تحتكر زيت الأركان

التعاونيات النسائية تستغيث

تعيش التعاونيات النسائية التي تنشط في إنتاج زيت الأركان، وضعية صعبة جدا، بسبب الاحتكار الذي يعرفه القطاع من قبل الشركات الأجنبية التي اكتسحت السوق الوطنية وأصبحت تستحوذ على نسبة كبيرة من المادة الخام، مما زاد من تفاقم وضعية نساء الأركان في ظل منافسة قوية من قبل أصحاب الأموال، ودخول السماسرة في هذا القطاع، بالإضافة إلى الجفاف الذي أدى إلى تراجع المحصول.

وحسب مصادر مطلعة، فإن 90 في المائة من التعاونيات التي تشتغل في المجال، تعيش ركودا وجمودا اقتصاديا، بسبب قلة المنتوج وعدم توفرها على الإمكانيات اللازمة لمنافسة الشركات والمقاولات، خاصة الأجنبية التي دخلت للسوق الوطنية وأصبحت تتحكم في هذا القطاع التضامني الاجتماعي، الذي أسال لعاب رؤوس الأموال والوسطاء، خاصة وأن الأرباح تتضاعف خلال عملية تصدير الأركان إلى الخارج.

 

ربورتاج. خالد الغازي

 

    كشفت تقارير أن أكثر من 80 في المائة من منتوج شجر الأركان يتم تصديره على شكل زيت يتم تسويقه بالجملة، إذ تؤثر هذه العملية على وضعية نساء التعاونيات، مما لا يمكن من الحصول على قيمة مضافة عالية على الصعيد المحلي، حيث أن المغرب لا يستفيد إلا من حوالي 18 في المائة فقط من القيمة المضافة التي يتم تحقيقها على الصعيد العالمي من الصناعات التجميلية المرتبطة بزيت الأركان.

المهدي فقير

    بهذا الخصوص، يرى المحلل الاقتصادي المهدي فقير، أن قطاع تعاونيات إنتاج الأركان من الأنشطة المتضررة بسبب جائحة “كورونا”، لكن الإشكال المطروح يكمن في التكوين والمواكبة لنساء التعاونيات، قصد الرفع من كفاءة الإنتاج وكفاءة التسويق، من خلال مستويين: الأول اقتناع الناس بضرورة المواكبة خاصة الذين لهم نقص في الجانب التسويقي، ثم مسألة الإمكانيات هل يتوفرون على الإمكانيات اللازمة، خاصة وأن المعارض في الخارج تتطلب ضرورة التوفر عليها، مشددا على ضرورة تدخل الدولة لتوفير الدعم المادي والتكوين والتسويق قصد زيادة الإنتاج والرفع من الكفاءة، وبالتالي، زيادة القيمة المضافة، خاصة وأنها لا تريد السير في إطار تسليع هذا النشاط، لأنه تراث مادي لديه بعد بيئي وبعد مجتمعي ويوم عالمي (10 ماي) وليس نشاطا تسويقيا، وقال: “المفروض أن تكون مواكبة هؤلاء النساء للرفع من كمية وكفاءة الإنتاج وكفاءة التسويق، فالقطاع له مكانته، لكنه لا يحظى بالدعم الكافي والإمكانيات، والقطاع الخاص يجب أن يساهم وينخرط في هذا المجال لأن لديه رؤوس الأموال، حتى لا تظل المسألة تتعلق بالاقتصاد التضامني فقط، وحبذا لو تدخل أصحاب رؤوس الأموال لتطوير القطاع وتنشيطه”.

وأكد فقير على ضرورة دعم نساء التعاونيات حتى يتمكنن من تطوير النشاط، خاصة وأن أغلبهن يشتغلن من أجل كسب مورد العيش ولهن مسؤوليات أسرية وأبناء، معتبرا أن الجانب المجتمعي لهذا النشاط مهم كثيرا للدولة، لذلك يجب أن تدعم هذه الفئة من النساء اللواتي يستحقن كل الدعم في إطار التنمية والنموذج التنموي الجديد الذي يوصي بدعم الثروة البشرية.

 

تأثير الجفاف والجائحة

    تضرر نشاط التعاونيات خلال السنة الماضية بسبب الجفاف وضعف المحصول، بالإضافة إلى تداعيات جائحة “كورونا” التي كان لها تأثير سلبي على المنتوج والتسويق، مما أدى إلى ارتفاع سعر الأركان في السوق الوطنية، وإرباك التعاونيات النسائية التي كانت تعمل على ضمان الاستمرارية رغم الصعوبات بسبب الإجراءات المتشددة للسلطات.

جميلة إد بوروس

  في هذا السياق، أوضحت جميلة إد بوروس، رئيسة اتحاد تعاونيات نساء الأركان ورئيسة تعاونية “سانية البرج”، أن تعاونيات الأركان تعاني منذ بداية سنة 2020، حيث ساهمت الجائحة في تراجع مداخيل التعاونيات بعدما تم إغلاق المحلات وإغلاق الحدود أمامها لتصدير المنتوج، الشيء الذي كان له تأثير سلبي على وضعية التعاونيات من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، مضيفة أن الإشكالية الثانية تتعلق بالمضاربة في الأثمنة ودخول السماسرة واحتكار قطاع الأركان، الذي أصبح يغري أشخاصا آخرين، ثم مسألة الجفاف خلال السنوات الماضية والذي أثر على المحصول.

وأضافت أن دخول المستثمرين لهذا القطاع زاد من المنافسة غير المتكافئة للتعاونيات النسائية، وبسببهم تراجعت كميات الإنتاج لفائدة المستثمرين والشركات الأجنبية التي اكتسحت القطاع، رغم أنه قطاع اجتماعي تضامني وليس قطاعا للاستثمارات الكبيرة، لأنه نشاط اجتماعي تعيش منه حوالي 40 ألف امرأة ضمن التعاونيات، ويعتبر المورد الوحيد لساكنة المناطق القروية والنائية، مضيفة أنه بفضل نشاط نساء الأركان في التعاونيات حظي المغرب باعتراف اليونيسكو، كموروث ثقافي لامادي يتضمن مهارات تقليدية متوارثة من جيل إلى جيل، خاصة بين النساء اللواتي يشتغلن في جني الأركان رغم الظروف والمراحل الصعبة التي ترافق عملية الإنتاج، لكن في الأخير لا يستفدن منه أي شيء.

بدورها، تؤكد رقية بلا، رئيسة تعاونية نواحي تزنيت، أن الوضعية الحالية جد صعبة بسبب غياب الإمكانيات والمنتوج، وبسبب الجفاف الذي تعاني منه المنطقة، بالإضافة إلى صعوبة في التسويق بسبب عدم التوفر على مقرات وعلى تجهيزات لتطوير الإنتاج، مشيرة إلى أن التعاونية التي تترأسها كانت تضم حوالي 20 امرأة قبل “كورونا”، لكن بسبب الجائحة وقلة الأرباح، تراجع نشاطها بعد رحيل نصف المنخرطات.

من جهته، يقول محمد مبارك، من تعاونية “كاوكي” بإقليم الصويرة، أن وضعية التعاونيات تختلف، فمنها الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، مبرزا أن التعاونيات التي راكمت تجربة في هذا المجال لا تجد صعوبة في الإنتاج والتسويق، لكن المشكل الذي تعاني منه نساء التعاونيات يكمن في ارتفاع ثمن المادة الأولية لأسباب طبيعية، بعدما عرف السوق فترة توقف بسبب الجائحة وحالة الطوارئ.

احتكار الشركات الأجنبية

    أفادت تقارير، أن 60 في المائة من حصة تصدير الأركان تعود للشركات الأجنبية، مما يرهن مستقبل القطاع، الذي يضم أكثر من 400 تعاونية و100مقاولة ومئات المتدخلين المسوقين للمنتوج، مضيفة أن الإنتاج السنوي من زيت الأركان يوجه الجزء الكبير منه للتصدير، أي ما يوازي 70 في المائة، أما السوق المحلية، فإن القسط الذي يستهلكه لا يتجاوز 25 أو 30 في المائة من القسط المصدر، وهو ما يمثل حوالي 400 طن، ما يعادل إنتاجا إجماليا يبلغ في حده الأقصى 2000 طن.

وحسب ذات التقارير، فإن الاحتكار الذي تقوم به الشركات الأجنبية سيقضي على مجمل الفاعلين العاملين بقطاع إنتاج زيت الأركان، في غياب أي ضمانات تمنع سقوط القطاع برمته بين أيدي الشركات التي تستنزف ثرواتنا الطبيعية دون أن يكون لذلك أي تأثير إيجابي على الظروف المعيشية للساكنة القروية التي تعول على الأركان كمصدر للعيش، وسط الاستحواذ الذي يعرفه النشاط.

في نفس الصدد، يصرح محمد مبارك، أن هناك تعاونيات تشتغل في مجال التصدير، لكنها تجد منافسة قوية من قبل الشركات من حيث الكميات الكبيرة والفرق الشاسع في الإمكانيات والمعدات ونسبة الإنتاج، بينما هناك تعاونيات أخرى تشتغل فقط على الصعيد المحلي والوطني، لأنها لا تمتلك القدرات للتصدير، مشيرا إلى أن الوزارة الوصية قامت بتقنين التصدير في أفق مراجعة مسألة تثمين المنتوج، وأضاف: “الشركات تستهدف التصدير للأسواق الدولية وتبيع بكميات كبيرة، بالنسبة لنا كتعاونية، لا ننظر للمنافسة لأننا نبيع بكميات صغيرة، في حين أن التعاونيات التي تبيع للسوق الخارجية بحكم وجود شركات أخرى، يوجد بينهما فرق في كيفية الإنتاج، ووزارة الفلاحة قامت بتقنين التصدير في أفق تثمين المنتوج”.

ضرورة تثمين المنتوج

    شددت جميلة إد بوروس على ضرورة تثمين المنتوج المحلي والرفع من القيمة المضافة على الصعيد المحلي، لأن تصدير المنتوج إلى الخارج كمادة خام، لا تستفيد منه الساكنة رغم المجهودات المبذولة من قبل نساء التعاونيات والتي أسفرت عن حصول اعتراف من الأمم المتحدة باليوم العالمي لشجرة الأركان المغربية، قائلة: “القطاع يتواجد منذ 25 سنة، لكن ما زالت المرأة لا تحصل على حقها منه، لأن أي منتوج مادة خام لا يعطي القيمة المضافة المطلوبة ولا تستفيد منه نساء التعاونيات، بل يعود بالنفع على المختبرات العالمية للتجميل والشركات، لهذا نتساءل: لماذا لا يثمن المنتوج الخام للأركان في البلاد وتظل القيمة المضافة محلية تستفيد منها النساء”، وأكدت أن إشكالية التسويق كانت مطروحة في الماضي عكس اليوم، حيث نسجل ارتفاع الطلب على زيت الأركان، لكن المشكل الحالي يكمن في قلة المنتوج وغيابه عن السوق بسبب الاحتكار الذي تمارسه الشركات الأجنبية، مما دفع بـ 90 في المائة من التعاونيات إلى إغلاق مقراتها لأن ليس لهم منتوج يقدمونه للزبناء، مشيدة بقرار وزارة الفلاحة والصناعة بمنع تصدير زيت الأركان الخام في براميل 200 لتر، وتعويضها بعبوات من حجم 5 لترات، وهو قرار مثمن للقطاع ذو خاصية اجتماعية.

وأبرزت إذ بوروس، أنه منذ سنة 2006، تم خلق مجموعة من التعاونيات النسائية لإنتاج زيت الأركان، بحيث وصل العدد على صعيد جهة سوس حوالي 552 تعاونية تشتغل في المجال، بينما على الصعيد الوطني وصل العدد لـ 800 تعاونية، مؤكدة على أهمية انخراط التعاونيات ضمن اتحادات أو مجموعات ذات نفع اقتصادي، قصد مواجهة التحديات والصعوبات، لأن كل تعاونية قد تكون عرضة للاستغلال عندما تظل منفردة لوحدها، لهذا لابد من العمل الجماعي بهدف تقوية القدرات النسائية والإنتاج والدفاع على مصلحتهن.

وطالبت بتمكين المغاربة من منتوج زيت الأركان قبل التصدير حتى يكون في متناول جميع المغاربة وتستفيد منه التعاونيات، عبر الحد من الاحتكار الذي يحرم شريحة كبيرة من المغاربة من اقتناء الأركان.

قضية التعاونيات تصل للبرلمان

خالد حاتمي

    وصلت قضية تعاونيات زيت الأركان إلى البرلمان، حيث طالب النائب البرلماني خالد حاتمي، في سؤال إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية، بوضع حد للشركات الأجنبية التي تحتكر المادة الخام في المغرب، وتسوق المنتوج في الخارج بثمن يصل لـ 20 أورو للتر الواحد، وطالب بتحسين ظروف اشتغال النساء وزيادة أجورهن حتى تتوافق مع الحد الأدنى، مع تقديم الدعم لهن حتى يتمكن من العيش في قراهن، مع ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات لتثمين المنتوج، وتحديد ثمن مرجعي للفاكهة وثمن مرجعي لبيع الزيوت.

وأوضح حاتمي أن عدم وجود المادة الخام المحتكرة من قبل الشركات الأجنبية، يجعل التعاونيات تجد صعوبة في تسويق زيت الأركان بثمن مرتفع، مما أدى بها إلى الإفلاس، داعيا الوزارة إلى منع تصدير الأركان كمادة خام للخارج، وإعطاء الأولوية للنساء القرويات في حق الحصول على المادة الخام بأثمنة مناسبة عبر صندوق دعم هذا المنتوج الطبيعي والنادر حتى لا يهدر بسبب المضاربات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى