متابعات | مشروع حزب فيدرالي يصطدم بعقبة الانقسامات والخلافات
اليسار يحلم بالوحدة بعد سنوات من الانشقاق

وصل تحالف فيدرالية اليسار، المكون من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي، واليسار الوحدوي،إلى المرحلة النهائية للتحول إلى حزب سياسي واحد، بعدما اتفقت الهيئة التقريرية على عقد المؤتمر الاندماجي بتاريخ 16 و17 و18 دجنبر 2022، وذلك بعد اجتماع الهيئة التقريرية للفيدرالية يوم الأحد الماضي بمركب الشباب ببوزنيقة، بعد انعقاد دورة المجلس الوطني لمكون اليسار الوحدوي.
وأكدت الهيئة التقريرية التي يترأسها كل من عبد السلام العزيز الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحادي، وعليبوطوالة الكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، ومحمد الساسي المنسق الوطني لليسار الوحدوي، (أكدت)أن “بناء اليسار هو حلم طال انتظاره منذ 15 سنة، وأن القناعة حصلت لدى الأغلبية الواسعة بالضرورة الموضوعية والتاريخية لوحدة اليسار بعد نقاش عبر مراحل متعددة حول أسس إعادة البناء، الفكرية والسياسية والتنظيمية”.
الرباط. الأسبوع
يأتي مشروع تحول فيدرالية اليسار إلى حزب سياسي ليطرح نقاشات جديدة داخل اليسار المغربي، في ظل الخلافات والمشاكل التي تعيشها الأحزاب التي تنتمي إلى نفس التيار السياسي، رغم أنها تمتلك نفس المبادئ والقيم والأفكار، إلا أن السؤال المطروح هو هل يكون مشروع المؤتمر الاندماجي فرصة لتوحيد قوة اليسار، أم سيكون مصيره الانقسام مرة أخرى؟
وحسب الهيئة التقريرية لفيدرالية اليسار،فإن “هدف الاندماج يبعد بخطوة واحدة لإعادة تجميع جزء مهم من قوى وفعاليات اليسار للحفاظ على الأمل وتعبئة الفئات ذات المصلحة في التغيير، وجعل اليسار فاعلا ومؤثرا في ميزان القوى، ممتدا في المجتمع بفكره وممارسته وقادرا على خوض الصراع بكل مستوياته من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة وبناء دولة المواطنة الحقة”.
وأكدت الهيئة أن كل التنظيمات الحية تستمد قوتها من النقاش والاختلاف حول التقديرات، لكننا استطعنا خلال هذا المسار المطبوع بالتفاعل والتداول حول كل القضايا، أن نحقق تعبئة واسعة حول المشروع، مشروع بناء الحزب الاشتراكي الكبير بأفق استراتيجي للتغيير الديمقراطي الشامل،وأشارتإلى أنه رغم التعثرات وبروز النزعات الذاتية التي حاولت في لحظة من اللحظات إجهاض الفكرة، إلا أن إصرار الرفيقات والرفاق وقوة إرادتهم للتوجه نحو الوحدة، كانت أكبر من كل العقبات.
وأضافت الهيئة أنه “تم تحقيق تراكم نوعي على مستوى تقريب وجهات النظر والتدقيق في كل القضايا التي اعتبرت خلافية، دون أن ندعي أننا حققنا التماهي في أفكار وتقديرات الأفراد حول مجموع القضايا، لأن الأمر لم يكن مطلوبا أو ضروريا”.
يقول أستاذ العلوم السياسية،إسماعيل حمودي،أن فكرة تأسيس حزب يساري رفعتها الأحزاب المكونة للفيدرالية منذ 8 سنوات على الأقل، لكنها لم تنجح في ذلك، وإبان الانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرة، حدثت دينامية عكسية، أي مغادرة الحزب الاشتراكي الموحد لسفينة الفيدرالية بعد سنوات من العمل المشترك، ثم انشقاق مجموعة اليسار الوحدوي عن الحزب الاشتراكي الموحد، معتبرا أن مسار الإدماج كان بطيئا مقارنة مع بداية تأسيس فيدرالية اليسار، إذ برزت خلافات غير مفهومة أحيانا، كانت من الأمور التي عرقلت مسار الوحدة في حزب موحد.
وأضاف ذات المتحدث، أنه ينبغي التريث في تحليل هذا التطور الجديد بعد الإعلان عن المؤتمر الاندماجي في دجنبر المقبل بين حزبي الطليعة والمؤتمر الاتحادي ومجموعة اليسار الوحدوي، لأن هذه المكونات اليسارية عودتنا على الانشقاقات عند أول خلاف بين قادتها ومكوناتها، مبرزا أننا أمام ثلاث مكونات كلها انشقت عن الحركة الاتحادية، ورغم ذلك سيجدون صعوبات كبيرة في بناء مرجعية سياسية عابرة لكل المكونات، وإعادة بناء ثقافة تنظيمية مشتركة، وقد يلجئون إلى أسلوب تنظيمي مرن، كاعتماد منطق التيارات السياسية، لكن هذا الخيار قد يصلح في الأحزاب الكبيرة وليس الأحزاب الصغيرة النخبوية، وأشار إلى أن الحزب المرتقب تأسيسه بين مكونات فيدرالية اليسار، يضم تيارات مختلفة لها اختلاف في تدبير العلاقة مع الدولة، بالإضافة إلى وجود مشكل الثقة بينها، متسائلا: ما القيمة المضافة التي سيقدمها الحزب اليساري الجديد للديمقراطية بالمغرب؟
وقال أيضا: “عموما، تبقى مبادرة الاندماج بين المكونات الثلاث محمودة، لكن لا يكفي الاندماج في حد ذاته، بل الأهم في نظري، هو قدرة الحزب الجديد على بلورة أفكار جديدة وجذابة، وأن يكون قادرا على تعبئة المغاربة في معركة الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان”.
حلم متعثر منذ سنوات
تم تأسيس تحالف فيدرالية اليسار الديمقراطي سنة 2014، في محاولة من ثلاثة أحزاب لتوحيد جبهة اليسار المغربي،عقب مشاركتها في “حركة 20 فبراير”، حيث ظلت منذ ذلك الحين، وعلى طول الاستحقاقات الانتخابية،تشارك باللائحة الموحدة للتحالف،وظل النقاش مفتوحا بين مكوناتها حول ضرورة الاتحاد في مشروع حزب يساري واحد يجمع كل الكفاءات والطاقات، إلا أن مشروع الوحدة ظل متعثرا بسبب الخلافات والصراعات الداخلية واختلاف الأفكار والتوجهات، مما أدى إلى ظهور انشقاقاتداخل مكونات الفيدرالية وحزب الاشتراكي الموحد قبل بداية الانتخابات التشريعية والجماعية الأخيرة،بسبب رغبة الرفاق المقربين من منيب في السيطرة على اللوائح الانتخابية واحتكار اللوائح النسائية والمحلية،في جل المدن الكبرى، كفاس ومكناس والقنيطرة والدار البيضاء وسطات وتطوان، بين مناضلي حزب الاشتراكي الموحد ومناضلي فيدرالية اليسار، الأمر الذي تطور إلى خلاف بين القيادات بعدما حاولت الأمينة العامة نبيلة منيب، فرض مقترحاتها على الأحزاب الأخرى المنتمية للتحالف.
وقرر حزباالمؤتمر الوطني الاتحادي والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، يوم الخميس، خوض المحطات الانتخابية القادمة في المغرب بلوائح مشتركة في سياق تحالف “فيدرالية اليسار الديمقراطي”.
انشقاق منيب قبل الانتخابات
قررت الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، نبيلة منيب، الانسحاب من تحالف فيدرالية اليسار بعدما قامت بسحب توقيعها الذي كانت قد قدمته إلى وزارة الداخلية قصد خوض الانتخابات التشريعية والجماعية برمز موحد.
وجاء قرار منيب بسبب خلافها مع ممثلي أحزاب فيدرالية اليسار، كل من عبد السلام العزيز الكاتب الوطني لحزب المؤتمر الاتحادي، وعليبوطوالة الكاتب الوطني لحزب الطليعة الديمقراطي، حيث قالت في تصريحات صحفية أن “خطوة الانسحاب منفيدرالية اليسار الديمقراطي ترومإنقاذ الحزب”، مؤكدة أن “الانسحاب من الفيدرالية تم اتخاذه بعد المناقشة مع المكتب السياسي، وأن قانون حزبها يسمح للمكتب السياسي باتخاذ مثل هذه القرارات”.
وتلقت منيب وابلا من الانتقادات والاتهامات من قبل قياديين بارزين في حزب الاشتراكي الموحد، الرافضين لقرارها بالانسحاب من تحالف فيدرالية اليسار الديمقراطي وسحب توقيعها من الاتفاق المشترك لخوض الانتخابات برمز واحد.
وقد اعتبر مصطفى الشناوي قرار منيب بأنه “تصرف فردي طائش وأرعن بانقلابها على قرارات الحزب ومواقفه والتزاماته وبدون الرجوع إلى مؤسساته”، مطالبا بعقد دورة للمجلس الوطني للحزب في أقرب الآجال.
اليسار الوحدوي يعلن الانشقاق
قررت مجموعة من قيادات حزب الاشتراكي الموحد بقيادة محمد الساسي ومجاهد، تأسيس “تيار اليسار الوحدوي” داخل الاشتراكي الموحد، لمواجهة قرار نبيلة منيب بالانسحاب من الفيدرالية دون استشارة القيادات.
ودخل التيار في خلافات مع نبيلة منيب داخل الحزب، بعدما قررت ممارسة الرأي الواحد داخل المكتب السياسي ومهاجمة الأعضاء الرافضين لقرارها، مما جعل قيادات تيار اليسار الوحدوي تخرج بأرضية توضح فيها موقفها من مسار الحزب.
واعتبر التيار أن حزب الاشتراكي الموحد يسير بأرضية غير التي صادق عليها المؤتمر الوطني، والتي حازت 80 في المائة من الأصوات، ونصت على ضرورة تسريع الاندماج في فيدرالية اليسار الديمقراطي، منتقدا تهرب بعض القياديين من مشروع الاندماج الذي أقره المؤتمر، من خلال وضع قائمة طويلة من الاشتراطات.
وقرر اليسار الوحدوي في الأخير استمراره ضمن فيدرالية اليسار، والانشقاق عن الاشتراكي الموحد، حيث استكمل تشكيلة ممثليه في الهيئة التنفيذية والتقريرية للفيدرالية، وتم اختيار محمد الساسي منسقا له.
الساسي يستقيل من الحزب
قرر القيادي محمد الساسي الاستقالة من حزب الاشتراكي الموحد، بسبب خلافه مع الأمينة العامة نبيلة منيب، بعد رفضها إتمام مسار الوحدة بين الأحزاب الثلاثة المشكلة لفيدرالية اليسار الديمقراطي، موضحا ذلكبأن هناك أعضاء في المكتب السياسي يروجون معلومات غير صحيحة بينما هم يعلمون بعدم صحتها، مثل القول بأن “أرضية اليسار الوحدوي مليئة بالسباب، ويصبح النقد سبا ونقبل ببروز بعض مظاهر عبادة الشخصية في حزب حداثي”، وتساءل عن كيفية احترام التعاقدات مع المواطنين في ظل عدم احترام التعاقدات بين المناضلين ومع الحلفاء في الفيدرالية، وكيف نقنع الناس بأننا نناضل من أجل دولة القانون عندما تتحول مبادرة إنشاء تيار داخل الحزب إلى جريمة؟
وانتقد الساسي قيام أعضاء بارزين في الحزب بوضع عراقيل أمام محاولات الصلح، قائلا: “عندما توضع العراقيل في وجه كافة محاولات رأب الصدع وتحسين الأجواء، وتحقيق مصالحة داخلية منذ سنتين، يتحول أولئك الذين عاينوا جهود رفاقهم المضنية من أجل تجنب الحالة التي نحن عليها اليوم إلى التملص من مسؤولية قول الحقيقة”.
اجتماع المجلس الوطني لليسار الوحدوي
عقد تيار اليسار الوحدوي، المنشق عن حزب الاشتراكي الموحد، مجلسه الوطني الأول يوم السبت الماضي بمدينة بوزنيقة، وذلك لوضع الترتيبات اللازمة في أفق الاندماج مع حزبي المؤتمر الوطني والطليعة الاشتراكي ضمن فيدرالية اليسار.
وحمل المجلس الوطني للتيار الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، مسؤولية تأخر الاندماج بسبب الشروط التي وضعتهاأمام الأحزاب الأخرى قصد البقاء ضمن المشروع الاندماجي.
وحسب المنسق العام للتيار، فإن انعقاد المجلس الوطني جاء في إطار الخطوات التي تهدف إلى تسريع وتيرة التحضير للمؤتمر الاندماجي بين الأحزاب المكونة للفيدرالية، مبرزا أن الاندماج في هيئة سياسية واحدة، تأخر كثيرا، ولم يعد هناك أي سبب لبقاء الوضع على ما هو عليه.
وقال الساسي:”إن تيار اليسار الوحدوي كان هدفه الأساسي هو توحيد اليسار وخلق الحزب اليساري الكبير، الأمر الذي يفرض معه هيكلة تنظيمية للمكون بالقدر الكافي لدعم الاندماج، والإسراع في وتيرة الاندماج لخلق حزب جديد بأساليب جديدة تتجاوز أخطاء اليسار التقليدي، عبر فتح قنوات التواصل والاستماع لأكبر عدد من وجهات نظر شخصيات فاعلة ومثقفة”.
واعتبر الساسي أن الانسحاب من الحزب الاشتراكي الموحد لم يكن رغبة أعضاءاليسار الوحدي، بل تم دفعهم إلى ذلك من خلال مجموعة من القرارات الانفرادية التي اتخذتها الأمينة العامة نبيلة منيب، مبرزا أن الهدف كان هو تشكيل تيار داخل الحزب الاشتراكي الموحد فقط، غير أن قرارات منيب لم تترك لهم أي فرصة سوى الانسحاب من الحزب.
مشروع حزب يساري طموح
قال الأمين العام للمؤتمر الوطني الاتحاديعبد السلام العزيز، أن إعادة بناء اليسار هي قناعة لدى الأغلبية الواسعة بالضرورة الموضوعية والتاريخية لوحدة اليسار، بعد نقاش عبر مراحل متعددة حول أسس إعادة البناء، الفكرية والسياسية والتنظيمية، مشيرا إلى وجود تقارب في وجهات النظر والتدقيق في كل القضايا التي اعتبرت خلافية، وأكد أن كل التنظيمات الحية تستمد قوتها من النقاش والاختلاف حول التقديرات، وقد استطاعوا خلال هذا المسار من التفاعل والتداول حول كل القضايا، تحقيق تعبئة واسعة حول المشروع، مشروع بناء الحزب الاشتراكي الكبير بأفق استراتيجي للتغيير الديمقراطي الشامل.
وأوضح العزيز أن مخرجات اجتماع الهيئة التقريرية الأخير المنعقد بتاريخ 27/12/2020، أوصت بالالتزام بعدم عقد المؤتمرات الوطنية للأحزاب والشروع في التحضير للمؤتمر الاندماجي بعد الانتخابات مباشرة، على أن ينعقد في غضون ستة أشهر إلى سنة على أبعد تقدير بعدها، ومباشرة بعد ذلك، تكثفت اجتماعات الهيئة التنفيذية للإعداد للانتخابات، لكن الجميع فوجئوا بقيام الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، بسحب التوقيع من التصريح المشترك المودع لدى وزارة الداخلية، وما تلاه من نقاش وتجاوز كل حدود الاختلاف وتوزيع الاتهامات والاستمرار في عرقلة كل المبادرات التي تتجه نحو الاندماج.
ودعا العزيز كل مكونات فيدرالية اليسار،إلى “التوجه بروح من المسؤولية ووعي بالمرحلة التاريخية بضرورة الحاجة الموضوعية،نحو بناء حزب يساري معبر بقوة عن إرادة التغيير الديمقراطي في بلادنا، في أفق بناء المجتمع الاشتراكي، حزب يساري يعيد الأمل والثقة للمغاربة في السياسة والعمل السياسي كفعل نبيل، من أجل بناء مغرب لكل المغاربة، مغرب آخر ممكن”.