جهات

حديث العاصمة | الديمقراطية المتوحشة

بقلم: بوشعيب الإدريسي

    في حديث قطب سياسي مغربي لمجلة إنجليزية شهر نونبر 1997، للتعريف بالمنظور الديمقراطي، تمعنوا في فقرة من ذلك الحديث لهذا القطب الذي اعتزل السياسة منذ حوالي 18 سنة، وكأنه أستاذ منظر يلقن الفن السياسي لقراء تلك المجلة التي استفسرته عن الديمقراطية في المملكة، وكان حزبه آنذاك من المعارضين للحكومة، وهذا نصها: “الديمقراطية وحدها قد تؤدي إلى مبالغات كثيرة، وهذا ما يحدث فعلا في العديد من بلدان العالم، حيث تكون الديمقراطية هي الحرية المتوحشة.. فقد تعود بمفعول معاكس ومناقض لما نريده من عدالة ومساواة ومحافظة على حقوق الناس رجالا ونساء، الديمقراطية المتوحشة تؤدي إلى تجاوزات تمس الإنسان في عمقه وفي إنسانيته مثلما نرى ذلك ماثلا حتى في أكبر الدول التي تدعي الديمقراطية، وإن ما يجعل لنا خصوصيات في الأخذ بالديمقراطية، هو أننا نفهمها بفهمنا المتشبع بروح الدين الإسلامي”.

وبعد 25 سنة من هذا الحديث، تعاقبت على حكمنا أحزاب من مختلف التوجهات: يسارية ويمينية ومحافظة وليبرالية، ممتطية جواد “الديمقراطية” و”حرية التعبير” و”الحق في المعلومة”، و”حقوق الإنسان” التي تختزلها في التظاهر والإضراب والوقفات الاحتجاجية.. فهل هذه هي سمات الديمقراطية، أم أنها تكمن في حق “الشغل”، و”التعليم”، و”الاستشفاء”، و”إحقاق السعادة للمواطن” وقد صارت في بلدان عربية خليجية مؤطرة بوزارة السعادة حكوميا ومحليا بلجان في البلديات، وعززتها بإحداث وزارات وطنيا ولجان بلدية في كل مدينة لشؤون رعاية الشيوخ ومساعدة المرضى، وتوجيه المتخرجين من التعليم العالي إلى الحصول على “شغل” وليس على وظيفة، وذلك بالدعم في الاستثمار الصناعي والتجاري والخدماتي كل حسب مستواه التعليمي.. فهذه هي ديمقراطيتهم التي تتجسد في إسعاد الشعب دون حاجة إلى وسائط “تنظيمية” التي “على بالكم”(..).

وأطال الله عمر السياسي المعتزل الذي تنبأ من منذ ربع قرن بأن الديمقراطية ليست هي الحرية المتوحشة، التي تنفع فقط “مريديها” للمزايدة بها من أجل الانتفاع بالمناصب، بينما الديمقراطية هي لضمان السعادة لكل المواطنين كحق واجب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى