تحقيقات أسبوعية

متابعات | “الفرصة” الكاذبة

الجانب المظلم في برنامج حكومي لتشغيل الشباب

يعد برنامج “فرصة” من البرامج الحكومية الهادفة لخلق مشاريع للشباب عبر تخصيص قروض بنكية تصل لـ 10 ملايين سنتيم، لكن الغموض والمستقبل المجهول يلف هذا البرنامج من حيث المواكبة والاستمرارية في ظل سياق دولي ووطني يعرف أزمات اقتصادية أدت إلى تعثر مشاريع وإفلاس مقاولات قديمة.

العديد من الانتقادات وجهت لبرنامج “فرصة” في بدايته، بدء بحملة الترويج له والإشهار، ثم الاعتماد على “المؤثرين” وصناع المحتوى من أجل تسويق هذا المشروع وتقريبه من الشباب، إلا أن الكثير من الناس اعتبروا أن القرض المالي المخصص له محدود ولا يسمح بخلق مقاولات أو مشاريع قوية وقادرة على مواجهة التحديات والإكراهات التي تكمن في صعوبة تسويق المنتوج، ومنافسة الشركات المتحكمة في السوق وعدة قطاعات، إلى جانب بيروقراطية الإدارة للحصول على صفقات عمومية وشبه عمومية.

لذلك، يرى العديد من الملاحظين، أن “فرصة” هو برنامج يشبه البرامج السابقة التي فشلت مثل برنامج “مقاولتي”، الذي لم يكتب له النجاح بسبب عدم مواكبته بعد منح القروض للشباب، والصعوبات والمنافسة القوية التي وجدوها في مختلف المجالات، مما أدى بهذه المشاريع إلى الإفلاس وتحولت إلى قضايا في المحاكم.. ليظل السؤال المطروح: هل تنجح مشاريع “فرصة” في خلق مقاولات شبابية قوية مستمرة ؟

 

الرباط. الأسبوع

 

اختلال في توزيع ميزانية “فرصة”

    انتقد البرلماني هشام المهاجري، عن حزب الأصالة والمعاصرة، طريقة الترويج وتنزيل برنامج “فرصة” من قبل وزيرة السياحة، بعد تخصيص مبلغ 23 مليون درهم للترويج الإعلامي، وتخصيص ما يقارب 250 مليون درهم للشركة الوطنية للهندسة السياحية، للمواكبة والتتبع عن طريق القطاع الخاص، مضيفا أن ما يهمه كبرلماني، هو نجاح البرنامج والمال العام، وإذا كان الهدف هو إيصال المعلومة للشباب المستفيدين من البرنامج، يجب تبسيط الأمور وتنزيلها على أرض الواقع، وقال، أن جهة مراكش أسفي خصصت لها حصة 1200 مستفيد، تضم تقريبا 250 جماعة حضرية وقروية، وبالتالي، 5 مستفيدين لكل جماعة، متسائلا: “واش اختيار 5 ملفات من كل جماعة يحتاج كل هذا المجهود وهذه الأموال؟ شي حاجة ماراكباش.. وراه قلنا ليكم مكاتب الدراسات حدها الرباط وصعيب عليها دير برامج سياسية”.

واعتبر المهاجري أن طريقة التوزيع المالي لبرنامج “فرصة” غير متكافئة بين الميزانية المخصصة لتسويق البرنامج والأموال المخصصة لأصحاب المشاريع موضحا أن 100 مليار سنتيم تخصص لـ 10000 شاب وشابة، منها 90 مليارا كسلف، و25 مليار سنتيم تخصص لـ 6 شركا ، و23 مليون درهم موجهة للإعلام والترويج، وأضاف بأن هناك مؤسسات عمومية وإدارية تكلف المالية العمومية ما يفوق 15000 مليار سنتيم، لم تقنع وزيرة السياحة التي فضلت اللجوء للشركات الخاصة لمهمة جد معقدة، تتطلب تقنيات وخبرات حديثة و”مؤثرة” في اختيار 5 أشخاص مستفيدين من كل جماعة يحصلون على قرض 10 ملايين سنتيم.

 

قلة المستفيدين والدعم

    يرى أحمد أزيرار، باحث بالمعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي ومحلل اقتصادي، أن برنامج “فرصة” الذي قدمته الحكومة، يشبه برامج مماثلة سابقة مثل برنامج “انطلاقة” وغيرها، والتي كانت تهدف إلى دعم وخلق مقاولات، خصوصا لفائدة حاملي الشهادات، مبرزا أن من أهم المعيقات في هذا المجال تتعلق بنوعية المشاريع المقترحة والقدرات الشخصية والمهنية لحاملي هذه المشاريع.

وأوضح أزيرار، أنه لا بد من توفر الإمكانيات البشرية والتنظيمية قصد مواكبة الأشخاص الذين يطمحون إلى ولوج ميدان المقاولة وخلقها، وخصوصا المبتدئين منهم، لأن المقاولة ليست بالأمر سهل التدبير، كما أن الدعم المادي المخصص ضمن هذا البرنامج قد يكون كافيا للمشاريع الصغيرة جدا، أما المشاريع الكبيرة، فهي تتطلب إمكانيات واستثمارات مهمة، أما هذا الدعم فهو هزيل.

من جهته، أكد عبدو الجواهري، مستشار في الاقتصاد والمقاولات، أن برنامج “فرصة” يشبه مجموعة من البرامج التي تحاول الحكومة توظيفها لصالح الشباب لتحسين مستواهم المعيشي، ويأتي لتمويل مشاريع وتخفيف مخلفات وأثار الجائحة التي تضرر منها الجميع على جميع الأصعدة، خصوصا المقاولات الصغرى، مضيفا أن هذا البرنامج يرتكز على محورين: هناك ما يسمى بالمصاحبة، ثم محور التمويل، وخصص له غلاف مالي قدره 1.25 مليار درهم خلال سنة 2022، موجه بالأساس إلى عشرة آلاف من الشباب حاملي المشاريع، ويتعلق بجميع القطاعات الاقتصادية.

البيروقراطية والسوق

    العديد من الشباب أصحاب المقاولات والشركات الصغرى والمتوسطة، يجدون أمامهم صعوبة كبيرة وعدة عراقيل لدخول السوق والحصول على صفقات، سواء من المؤسسات العمومية أو من الجماعات المحلية، أو منافسة منتوجات الشركات القديمة، حيث يصطدم العديد منهم بمشاكل وتماطل من جانب الإدارة للحصول على المستحقات المالية.

في هذا السياق، يؤكد أحمد أزيرار أن البيروقراطية من المشاكل والصعوبات التي سيجدها حاملو المشاريع رغم وجود إرادة لدى الإدارة لمواكبة مشاريعهم، وتعتبر إشكالية عويصة وقديمة تعاني منها المقاولات على مستوى الأداءات العمومية والخصوصية لاستخلاص المستحقات، حيث تصطدم بالتماطل والتأخير في الأداء، مشيرا إلى وجود تحديات وصعوبات أخرى تكمن في الأفضلية لنيل ثقة الإدارة والظفر بالمشتريات العمومية، حيث أن المقاول المبتدئ يفتقد للخبرة ويجهل خبايا السوق، مما يجعله غير مقنع للإدارة التي تفضل التعامل مع المقاولات القديمة، لأنها تتوفر على الأفضلية والإمكانيات لكي تحظى بصفقة المشتريات العمومية.

وأضاف أن المشكل الأول يتعلق بالمشاريع، هل هي مبنية على أفكار صائبة مجددة، ثم مشكل آخر يتعلق بالشباب حاملي الشواهد، الذين يعانون من البطالة ويعتقدون أن المقاولة هي الملجأ والحل، لكنهم لا يعلمون أن تسييرها يتطلب التوفر على الإمكانيات لمواجهة المشاكل والصعوبات التي يعرفها السوق ومجال المقاولات الصغرى والمتوسطة.

مدة غير كافية للمشروع

    وأوضح المحلل الجواهري، أن المصاحبة تدخل في إطار التكوين، وتشمل جميع المشاريع الموافق عليها مع غلاف مالي قدره 10 ملايين سنتيم وإعانة قدرها 10 آلاف درهم، بحيث أن جميع القطاعات يمكنها الاستفادة من هذا التمويل مع استراحة لمدة عامين بدون تسديد أقساط القرض، وانتقاء هذه المشاريع عبر لجنة خاصة تقوم باختيار المشاريع المهمة والمقبولة.

وشدد على ضرورة إعادة النظر في مدة الاستراحة قبل تسديد القرض ورفعها من عامين إلى ثلاث أو أربع سنوات، لأن الأزمة قد تخلق أزمات أخرى، ولا يمكن ضمان نجاح أي مشروع رغم مصادقة اللجنة عليه وقبوله، لهذا لا بد من مراجعة فترة عدم تسديد القرض، وزيادة الغلاف المالي لأنه غير كاف لتمويل عدة مشاريع مختلفة، أو التفكير في منح قروض أخرى تناسب المشاريع المقترحة، معتبرا أن عملية الترويج للمشروع تمت بشكل جيد، لكن طريقة إعداده يجب إعادة النظر فيها، خاصة وأن الطلب سيكون كبيرا من قبل الراغبين في الاستفادة، في ظل ارتفاع خريجي طلبة الجامعات، مما يتطلب رفع عدد المستفيدين لأكثر من عشرة آلاف.

وتابع الجواهري قوله بأن المشروع يجب أن يستهدف الشباب الذين يملكون المؤهلات، لا سيما خريجي الجامعات، وانتقاء الفئة التي تستحق هذا التمويل لكي تنجح هذه المشاريع.

تجربة “مقاولتي” الفاشلة

    تعتبر تجربة برنامج “مقاولتي” من البرامج الحكومية السابقة التي خصصت لتشجيع الشباب على إحداث المقاولات وتأسيس شركات، ودخول مجال المال والأعمال، إلا أن هذه التجربة تعرضت للإفلاس والفشل بسبب دخول العديد من الجهات على الخط في اختيار المشاريع ومتابعة بعضها، إلا أن توقف الاستمرارية والمواكبة للشباب المقاولين، جعلهم يسقطون في مشاكل مع الأبناك، وفي السوق، بسبب المنافسة القوية وغياب الثقة من قبل الفاعلين والمؤسسات، مما عرض الكثير منهم لخسائر مادية ومتابعات قضائية.

في هذا الإطار، أوضح عبدو الجواهري أنه اشتغل ضمن إحدى اللجن الجهوية لتتبع مشاريع الشباب ضمن برنامج “مقاولتي”، الذي خصص للشباب قروضا ما بين 25 مليونا إلى 50 مليون سنتيم، لكنه عرف اختلالات ومشاكل في التنفيذ، مبرزا أن المشكل تفاقم بسبب إقحام الجمعيات ضمن المشروع، مما فتح الباب أمام عدد كبير من المتدخلين في البرنامج إلى جانب اللجن التي كانت تضم الخبراء وممثلي الأبناك وعدة قطاعات، الشيء الذي أسفر عن تعثر عدد من المشاريع لتصل في نهاية المطاف للمحاكم.

ضرورة المواكبة والإرشاد

    العديد من مشاريع الشباب تعاني من بعض الصعوبات بسبب عدم وجود المواكبة، سواء من قبل الأبناك أو من قبل الوزارة الوصية، أو مؤسسات تشجع المقاولات الصغرى والمتوسطة، عبر تخصيص الإرشادات والتوجيهات لضمان حسن التدبير والتسيير.

في هذا الصدد قال عبد الصادق بلخبار، مقاول شاب، أن صاحب المشروع سيجد نفسه أمام مصاريف ثقيلة في البداية قد تفوق 3 آلاف درهم كل شهر خلال السنة الأولى، تشمل لوازم الكراء ومصاريف الهاتف والكهرباء والتنقل، للبحث عن علاقات لتسويق المنتوج والخدمات، مشددا على ضرورة المواكبة في التدبير والتسويق وفي شراء المعدات والتجهيزات أو المنتجات، وذلك لتفادي الوقوع في مشاكل من ناحية الجودة والثمن.

وأبرز ذات المقاول، أن المشاريع يجب أن تكون مختلفة وغير متشابهة بين الشباب، لأن تمويل نفس المشاريع لن يعطي نتيجة بسبب ضيق السوق، وتداعيات الجائحة، التي لازالت تعاني منها مختلف الشركات والمقاولات، مما يضع حاملي هذه المشاريع أمام إكراهات ومصاريف متعددة إلى جانب أقساط القروض، مؤكدا أن بعض المشاريع لا يمكن أن تقف على الأساس خلال عامين فقط، بل تتطلب مدة تصل لخمس سنوات من أجل ضمان الاستمرارية والمواكبة خلال هذه الفترة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى