تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | هل تصلح العقوبات البديلة لمكافحة الفساد ؟

بعد المطالبة بعدم حبس لصوص المال العام

تشهد العديد من محاكم المملكة ملفات وقضايا تتعلق باختلاس وتبديد المال العام، المتابع فيها رؤساء جماعات ومنتخبين كبار، منهم من صدرت في حقه أحكام بالسجن النافذ، ومنهم من حصل على عقوبة موقوفة التنفيذ، وآخرون استفادوا من السراح المؤقت رغم صدور أحكام الإدانة في حقهم في انتظار قرار محكمة النقض.

ومن بين القضايا التي هزت الرأي العام، قضية تبديد أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث أصدرت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء حكما موقوف التنفيذ في حق المدير العام السابق للصندوق بـ 4سنوات حبسا موقوف التنفيذ، وإعادة 6 ملايير سنتيم للخزينة، وأنزلت الهيئة غرامات مالية ثقيلة في حق المتابعين من أجل استرداد الأموال المنهوبة التي تصل لـ 31 مليار درهم.

 

إعداد. خالد الغازي

 

    قضايا اختلاس المال العام تطرح إشكالا كبيرا لوزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات وللسلطات القضائية ولدى المشرع، من أجل التصدي لهذه الآفة الخطيرة التي تنخر خزينة الجماعات الترابية والمجالس المنتخبة والمؤسسات العمومية، فالكثير من رؤساء الجماعات المحلية متابعون في قضايا تتعلق بالمال العام ومستمرون في رئاسة هذه المجالس، ومنهم من صدرت في حقه أحكام قضائية، مما يتطلب وضع قوانين جديدة لحماية المال العام من الاختلاس.. فهل تكون العقوبات البديلة في قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي مدخلا لاسترجاع الأموال المنهوبة أو المهربة؟ وهل تسمح العقوبات الجديدة في تغيير السياسة الجنائية وترشيد الاعتقال؟

فضيحة اختلاس أموال البرنامج الاستعجالي

محمد الغلوسي

    تعد قضية اختلاس أموال “البرنامج الاستعجالي للتعليم” في عهد الوزير السابق أحمد اخشيشن، من القضايا التي هزت الرأي العام، بسبب تبديد أموال تصل لـ 44 مليار درهم (5 ملايير دولار)، إلا أن التحقيق في هذه القضية لا زال مستمرا، ورغم مرور سنوات، لم يتم تقديم المسؤولين الحقيقيين عن الملف للعدالة، وظل التحقيق يقتصر فقط على موظفي الوزارة وبعض مسؤولي الأكاديميات، فيمالم يشمل التحقيق المسؤولين الكبار عن الوزارة في تلك الفترة.

في هذا الإطار، يقول محمد الغلوسي، رئيس جمعية حماية المال العام، أن “فضيحة البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم اختفى الحديث عنها بعدما كلف ميزانية كبيرة من المال العمومي”، مشيرا إلى أن “ملف القضية أحيل حسب الجهات على محاكم مختصة في جرائم الأموال، منها ملف بمحكمة الاستئناف بفاس، بينما بقية الملفات لا تعرف عنهم الجمعية المغربية لحماية المال العام أي شيء”، وأضاف: “الرأي العام الوطني، وفي سياق تحريك بعض المتابعات القضائية ضد بعض المتهمين في جرائم وقضايا الفساد ونهب المال العام، والتي اتخذ فيها القضاء قرارات إيجابية وشجاعة، يتساءل ما إذا كان بعض المسؤولين والمشرفين المباشرين على قطاع التعليم ببلادنا بمنأى عن المسؤولية في تبديد واختلاس وهدر ملايير البرنامج الاستعجالي، وهل هم فوق المحاسبة وغير خاضعين للقانون والمساءلة؟”.

ردع مختلسي المال العام

    تعج محاكم الاستئناف بجرائم اختلاس المال العام والفساد، وهو الوضع الذي دفع العديد من الهيئات والجمعيات إلى مطالبة الحكومة والمؤسسات بتشديد المراقبة، ومعالجة قضايا تبديد الأموال العمومية للمؤسسات والجماعات الترابية والمجالس، بفرض الغرامات المالية قصد استرجاعها.

ويرى البرلماني السنتيسي، أن “الغرامات المالية الكبيرة هي من بين الحلول الناجعة لاسترجاع الأموال المختلسة وردع مختلسي المال العام، عبر إصدار غرامات مالية تتراوح من 7 إلى 10 مرات من قيمة الأموال المختلسة، مع مصادرة الممتلكات والمنقولات الناتجة عن المال المختلس، والحكم بعقوبة موقوفة التنفيذ، حتى إذا حاول أي شخص التفكير في اختلاس المال العام يخشى العواقب والغرامات الثقيلة، مشددا على ضرورة التعامل بحزم وصرامة مع مختلسي المال العام، والعمل على إعادة أموال الدولة للخزينة، أو تمتيع بعضهم بالسراح المؤقت مقابل وضعه كفالات مالية كبيرة جدا إلى حين صدور الحكم”.

وكشف أن مشروعي القانون الجنائي والمسطرة الجنائية اعتمدا على عقوبات بديلة لتخفيض عدد المعتقلين في إطار الاعتقال الاحتياطي، وفق مقتضيات الدستور وتماشيا مع التطورات التي يعرفها المجتمع المغربي وتطور الجريمة والتهديدات الأمنية، مشيدا بعمل الوكالة القضائية للمملكة في استخلاص المبالغ والغرامات المحكوم بها لفائدة الدولة، ودورها في استرجاع الأموال، سواء الغرامات أو الأموال المختلسة.

عرقلة محاربة الفساد

    الكثير من جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية تقوم بدور كبير في محاربة الفساد والتصدي لجرائم اختلاس المال العام في بعض المؤسسات المنتخبة أو مجالس بعض الجماعات الترابية، إلا أن متتبعين ومهتمين اعتبروا أن محاولة وزارة العدل وضع شروط أمام شكايات الجمعيات الموجهة للقضاء، بمثابة عرقلة لعملها في محاربة الفساد.

وهنا يؤكد الحقوقي محمد الغلوسي، على أهمية الدور الذي تقوم به جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية من خلال تقديم الشكايات إلى القضاء للتبليغ عن الفساد أو افتراض وجود شبهات فساد في بعض المرافق العمومية أو المجالس المنتخبة، يتولى تدبيرها أشخاص أسندت لهم مهام التدبير العمومي، معتبرا أن اشتراط وزارة العدل أن تحال الشكايات المقدمة ضد بعض الأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات فساد، على وزارة الداخلية لإبداء رأيها في الموضوع،يعد انتكاسة حقوقية ويجعل السلطة القضائية تفقد أحد مقومات وجودها، وهو استقلاليتها عن باقي السلط، وتساءل: هل ستسمح الدولة ومؤسساتها والفرق البرلمانية، بتشريع يحمي بعض الأشخاص المتورطين في الفساد والرشوة وحمايتهم من الرقابة المجتمعية، التي يشكلها المجتمع المدني الجاد، في انتهاك تام لمقتضيات الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمكافحة الفساد؟

العقوبات البديلة

الحسين كنون

    يدور نقاش واسع داخل منظومة العدالة والمؤسسة التشريعية، من أجل البحث عن حلول وبدائل لبعض العقوبات السجنية، قصد التقليل من الملفات المعروضة على القضاء، وعدد النزلاء في السجون، ثم إدماج المتابعين والمتهمين في وسط المجتمع من جديد، وفق مقاربة اجتماعية بعيدا عن عقوبات سلب الحرية.

يقول المحامي الغلوسي، أن هناك تدابير يمكن اللجوء إليها عوض تدبير الاعتقال الاحتياطي، بحيث هناك إجراءات المراقبة القضائية، المتابعة في حالة سراح، والكفالة، إغلاق الحدود، وسحب جواز السفر، والتي يمكن أن تحل مشكل الاعتقال الاحتياطي، خصوصا في جانب الجرائم والجنح البسيطة، مشيرا إلى أن العقوبات البديلة يمكن أن تشكل آلية جديدة في إعادة الإدماج، وتمنح للأشخاص الذين ليست لهم سوابق قضائية أو ارتكبوا جرائم من قبل.

ودعا إلى مراجعة القانون الجنائي في اتجاه تقنين هذا الاعتقال وتقييد صلاحيات النيابة العامة مع تعليلها للقرارات المتخذة، سواء تعلق الأمر بها أو بقاضي التحقيق عندما يتم وضع الأشخاص رهن الاعتقال الاحتياطي.

من جانبه، أكد المحامي الحسين كنون، أنه في إطار مشروع المسطرة الجنائية والقانون الجنائي، سيذهب المغرب في اتجاه إيجاد بدائل للعقوبة، من بينها أن يؤدي المتهم خدمة عمومية للمجتمع، أو الحراسة القضائية، الكفالة، تفعيل مسطرة الصلح، والتنازل عن أداء الغرامات المالية، التي تعتبر وسيلة لاستبدال العقوبة النافذة، إذ من شأن كل هذه التدابير والسياسة العامة أن تخفف العبء على المؤسسة السجنية، لأن الاكتظاظ ليست فيه منفعة لا للدولة ولا للمؤسسة السجنية، مبرزا أنه يمكن اللجوء للعقوبات البديلة قبل صدور الحكم، سواء من قبل النيابة العامة، أو قاضي التحقيق.

ترشيد الاعتقال بعقوبة أخرى

    يعد الاعتقال الاحتياطي والحراسة النظرية من الوسائل المعمول بها في القضاء لأجل الحد من الجريمة وحماية المشتبه فيه ومحيطه، لكن مع مرور السنوات، تبين أن الاعتقال الاحتياطي يعتبر قرارا قاسيا في حق بعض الموقوفين في قضايا جنحية بسيطة، مثل النفقة أو خلاف عائلي أو تبادل الضرب، حيث أن قرار النيابة العامة بوضع أشخاص رهن الاعتقال الاحتياطي، يزيد من ارتفاع ساكنة المؤسسات السجنية ويساهم في الاكتظاظ.

اعتبر محمد الغلوسي أن الاعتقال الاحتياطي والحراسة النظرية يشكلان مشكلا حقوقيا وقانونيا، وإنسانيا، إذ أن هناك ارتفاعا في عدد المعتقلين، وبالتالي،فالموضوع يطرح إشكالية من حيث الاكتظاظ في السجون، ومن زاوية النجاعة القضائية، خاصة وأن بعض المعتقلين يقضون مدة طويلة رهن الاعتقال الاحتياطي وفي نهاية المطاف قد تتم تبرأتهم، أو صدور أحكام مخففة أقل من مدة الاعتقال الاحتياطي، مشددا على ضرورة مراجعة هذه المسألة والتخفيف عن السجون لكي تؤدي الوظيفة العقابية التي تهدف إلى إعادة إدماج الفرد داخل المجتمع.

من جانبه، قال البرلماني إدريس السنتيسي، أن موضوع الاعتقال الاحتياطي يلقى الاهتمام والعناية الكبيرة من قبل السلطة القضائية، الممثلة في رئيس النيابة العامة، على اعتبار أنه يخلق إشكالية للوكلاء العامين ووكلاء الملك، إذ يضطرون إلى الاعتقال حفاظا على سرية البحث والتحقيق وعلى الحجج والقرائن، مضيفا أن نسبة الاعتقال الاحتياطي تصل لـ 45 بالمائة من عدد المعتقلين، مما ينتج عن ذلك اكتظاظ كبير في السجون، ويخلق مشاكل في عملية إعادة الإدماج، إلى جانب أن جزء كبيرا منهم يحصلون على البراءة بنسبة تتراوح بين 20 إلى 25 بالمائة من مجموع المعتقلين.

وأبرز أن هناك تفكيرا جديا بين الرئيس المنتدب للسلطة القضائية محمد عبد النباوي، ورئيس النيابة العامة الحسن الداكي، ووزير العدل وهبي، للبحث عن حلول بديلة للاعتقال، حسب الحالات وطبيعة الجرائم والأشخاص المتابعين، على غرار السوار الإلكتروني والكفالة المالية وإغلاق الحدود والمراقبة القضائية، إلى حين صدور الحكم النهائي، لاسيما وأن مراحل التقاضي ابتدائيا واستئنافيا، تضمن حق المشتبه فيه في المحاكمة العادلة.

الاعتقال يزيد في اكتظاظ السجون

    يشكل الاكتظاظ في السجون معضلة حقيقية يعاني منها النزلاء والموظفون التابعون لإدارة السجون، الشيء الذي يتطلب المراقبة وتعزيز الموارد البشرية، وفي هذا السياق يقول الحسين كنون،أن “المشرع المغربي أصبح ملزما بأن يأخذ بعين الاعتبار هذه المشاكل التي تعاني منها المؤسسات السجنية خلال مناقشة المسطرة الجنائية، قصد وضع حلول ونصوص قانونية تهدف إلى تقليص الاكتظاظ وتخفيف الضغط على المؤسسات السجنية والملفات القضائية”، مشيرا إلى أن “الظرفية ملائمة للأخذ بهذه التدابير الوقائية التي من شأنها أن تعمل على ترشيد الاعتقال الاحتياطي، لاسيما وأن رئاسة النيابة العامة سبق أن قامت بتعميم منشور على النيابات العامة، سواء بالمحاكم الابتدائية أو محاكم الاستئناف، للعمل على ترشيد الاعتقال الاحتياطي، بمعنى أن هذا الإجراء لا يمكن اللجوء إليه إلا عند الضرورة القصوى”.

من جانبه، يقول المحامي الغلوسي، أن “ظاهرة الاكتظاظ يجب النظر إليها من زاوية ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وتسريع البت في قضايا المحاكمة المعروضة على القضاء، سواء تعلق الأمر بقضاء التحقيق أو القضاء الجالس، لأن ترشيد الاعتقال يمكن أن يخفف من نسبة الاكتظاظ في السجون،ويساهم في تخفيف العدد على العدالة”،مضيفا أن “العقوبات البديلة من شأنها أن تساهم في تخفيف الاكتظاظ على مستوى السجون، وأيضا في ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وفي تقييد صلاحيات النيابة العامة في اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي بشكل كبير، كما من شأن هذه العقوبات أن تضع حدا لارتفاع نسبة الساكنة السجنية وتخفف العبء عن المؤسسات السجنية”.

إعادة النظر في القضايا

    اعتبر الأستاذ كنون، أن مسألة النفقة من القضايا الأسرية التي تتطلب المراجعة، لأن الامتناع لا يكون عن قصد، حيث أن الممتنع لا يتوفر فيه عنصر القصد الجنائي وإنما تكون هناك ظروف تحول دون تسديده للنفقة، مطالبا بضرورة وضع حلول أخرى أو عقوبات بديلة لهذه الجرائم، مثل عقوبة موقوفة التنفيذ أو خدمة اجتماعية، أو تفعيل صندوق الأرامل لكي يتدخل في حال ثبت أن الشخص الممتنع عن تأدية النفقة يعاني من عجز أو غير قادر على العمل أو لديه مرض أو ظروف طارئة.

وأشار إلى أن جرائم الأموال (الشيكات) بدورها تحتاج إلى مراجعة وعقوبات أخرى، وذلك في إطار تصور شامل لإصلاح منظومة العدالة على مستوى مجموعة من المقتضيات المتعلقة بالقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، والمسطرة المدنية، والأجل المعقول في التقاضي والمحاكمة العادلة.

تعليق واحد

  1. بالنسبة الفساد المستشري بالجماعات الترابية اي فساد المستشارين والرؤساء هذا يتم لتسهيل من العمال والولاة ومبارك منهم فلولاهم لما تجرا المنتخبين من ذلك اذن محاسبتهم وجب أن يشترك فيها الساهرون على الوصاية على هذه الجماعات ان اردنا بالفعل محاربة هذا النوع من الفساد اما سياسة الكيل بمكيالين فلا تجدي نفعا ولكن ثرحاؤ ونزهاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى