
كشفت مصادر مطلعة، أن تحريك الدعوى ضد الدكتور الحسن التازي، طبيب التجميل الشهير وزوجته، والذي اعتقل هذا الأسبوع بشكل صادم لمتتبعيه(..)، جاء بناء على عدة شكايات تقدم بها محسنون وسيدة أعمال وزوجة مسؤول، هذه الأخيرة كانت تقدم تبرعات بالملايين لزوجة طبيب التجميل (م. ب)، من أجل إجراء عمليات جراحية لفائدة أطفال الأسر المعوزة، والذين يعانون من تشوهات خلقية وغيرها.
وحسب نفس المصادر، فقد اكتشف المحسنون أن الفواتير التي تقدمها لهم زوجة الدكتور، مبالغ فيها بكثير، وأن هناك “تلاعبات” تحصل داخل المصحة بهدف الاستفادة من التبرعات، مشيرة إلى أن زوجة الدكتور كانت تتلقى أزيد من 20 مليون سنتيم بشكل يومي، من طرف المحسنين بهدف تغطية تكاليف طبية لعلاج مرضى فقراء بمصحة زوجها، والتكفل بمصاريف علاجهم من خلال التبرعات التي تتوصل بها.
إعداد: خالد الغازي
صك الاتهام
قررت النيابة العامة متابعة الدكتور التازي وزوجته وشقيقه وممرضين ومستخدمي بالمصحة، بـ”جناية الاتجار بالبشر عن طريق استدراج أشخاص واستغلال حالة ضعفهم وحاجتهم وهشاشة وضعهم لغرض الاستغلال في القيام بأعمال إجرامية بواسطة عصابة إجرامية، عن طريق التعدد والاعتياد، وارتكابها ضد قاصرين دون سن 18 سنة ممن يعانون من المرض”.
واتهمت النيابة العامة شبكة التازي بـ”ارتكاب جنح المشاركة في النصب والتزوير في محررات تجارية واستعمالها في صنع شواهد تتضمن وقائع غير صحيحة، واستعمالها، والمشاركة في ارتكاب مقدم الخدمات الطبية غشا أو تصريحا كاذبا، وفي الزيادة غير المشروعة في الأسعار، وفي استغلال ضعف المستهلك وجهله، وتوزيع صور أشخاص دون موافقتهم”، وهي الأفعال الإجرامية المنصوص عليها وعلى عقوبتها في القانون الجنائي، ومدونة التغطية الصحية الأساسية، والقانون المتعلق بمزاولة مهنة الطب.
احترام قرينة البراءة
قضية الدكتور التازي وزوجته، تطرح الكثير من التساؤلات، خاصة وأن بعض الفقراء صرحوا بأن التازي أجرى لهم عمليات جراحية مجانية بدون مقابل، كما أنه منح بعضهم مساعدات مادية، لهذا تبقى قرينة البراءة مكفولة، خاصة وأن المتابعين في الملف لا زالوا مشتبه فيهم ما دام أن القضاء لم يقل كلمته بعد.
يقول الباحث في القانون، محمد الأزرقي، أن قانون المسطرة الجنائية واضح، ففي الباب الأول منه، يتحدث عن قرينة البراءة في المادة الأولى، التي جاء فيها أن “كل متهم أو مشتبه فيه بارتكاب جريمة، يعتبر بريئا إلى أن تثبت إدانته قانونا، بمقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به، بناء على محاكمة عادلة تتوفر فيها جميع الضمانات القانونية، ويفسر الشك لفائدة المتهم”، وأضاف أن قرار الإدانة يجب أن يكون نهائيا، إما أن يكون صادرا عن محكمة النقض أو أنهى آجال الطعن بالنقض، بعدما يكون القرار قد استنفذ جميع طرق الدعوى، وهنا يسمى قرارا نهائيا، مستغربا قيام مجموعة من الصفحات والقنوات في مواقع التواصل الاجتماعي بإدانة التازي وتصويره على أنه مجرم قبل كلمة القضاء.
وتساءل الباحث: كيف للقاضي أن يتعامل مع الملف في ظل تأثير الرأي العام، إذا كان الناس يعتبرون الشخص مجرما قبل أن يناقش القضاء تفاصيل القضية؟
المتابعون في الملف
أحال قاضي التحقيق بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، خمسة أشخاص بينهم الدكتور التازي وزوجته في حالة اعتقال على السجن المحلي “عكاشة” بعين السبع، على خلفية اتهامهم بـ”النصب والاحتيال والتزوير التي تورط فيها مسؤولون ومستخدمون بمصحته”.
حسب مصادر مطلعة، فالأمر يتعلق بالأساس بالدكتور التازي وزوجته، المسؤولة المالية بالمصحة والتهمة هي “التلاعب بالفواتير”، وبشقيقه (ع. ت) المسؤول الإداري، و (أ. ف) ممرضة ومسؤولة داخل المصحة، بينما أمر بمتابعة ثلاث مستخدمات في حالة سراح وهن (ف. ك) و(ف. ح) و(س. ع).
محمد يتيم الوزير السابق، اعتبر أن ظاهرة الجشع والثراء غير المشروع أصبح يتخذ من العمل الإحساني غطاء، وكتب في صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك”: “إن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته.. وهذا لا يمنع من ملاحظة ظاهرة الجشع والثراء غير المشروع، الذي تبدو له مظاهر في عدد من القطاعات، لكن حين يتحول إلى متاجرة في صحة المواطنين، وفي مهنة نبيلة، فإن ذلك يتجاوز كل الحدود وينذر بشرّ مستطير في قيمنا الاجتماعية، والأفظع من ذلك، أن يتم تحت يافطة العمل الإحساني”.
شهران من التحقيق
بدأ ملف القضية بتحقيق من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية منذ شهرين، والتي استمعت إلى المحسنين والمقربين من التازي وزوجته، والمستخدمين في المصحة، قبل أن تحيل الملف على النيابة العامة المختصة لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، نهاية الأسبوع المنصرم، وذلك للاشتباه في تورطهم في قضية تتعلق بالنصب والاحتيال والتزوير واستعماله في فواتير تتعلق بتلقي العلاجات الطبية.
وكشف بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، أن “المعطيات الخاصة بالبحث تشير إلى تورط المشتبه فيهم في تكوين عصابة إجرامية، تستهدف جمع مبالغ مالية من متبرعين تحت غطاء تسوية تكاليف طبية لاستشفاء مرضى منتمين إلى أسر معوزة، على أن يتم تقديم العلاج لهم بالمصحة التي يعمل بها أغلبية المشتبه فيهم، حيث يتم الرفع من قيمة التكاليف الطبية بشكل تدليسي قصد الاستيلاء على مبالغ مالية مهمة”.
مسؤولية الوزارة
طرحت قضية مصحة الدكتور التازي تساؤلات كثيرة حول دور وزارة الصحة في مراقبة مداخيل المصحات، وتكاليف العمليات الجراحية التي تجرى بالملايين داخل القطاع الخاص، بالرغم من حديث الوزير خلال عدة لقاءات عن تكوين لجنة خاصة لمتابعة المصحات الخاصة خلال جائحة “كورونا”.
وقد كشفت قضية مصحة التازي عن وجود خلل ما لدى الوزارة الوصية والمفتشية العامة التابعة لها، في المراقبة والمتابعة داخل القطاع الخاص، الذي يعرف أثمنة خيالية لإجراء العمليات وطرق غير أخلاقية تتنافى مع مبادئ مهنة الطب، لا سيما وأن فترة الجائحة كشفت العديد من التجاوزات والمخالفات التي قام بها أرباب المصحات الخاصة بأخذ شيكات على سبيل الضمان، من المواطنين المصابين ورفضهم السعر المحدد من الوزارة.
كما أن القضية تطرح دور ومسؤولية هيئة الأطباء التي تعتبر بمثابة جهاز، لحماية مهنة الطب من الانحرافات والممارسات غير المهنية، حيث أن مسؤولية الهيئة بدورها كبيرة، لأنها شبه غائبة، حسب العديد من الملاحظين، ولا تقوم بمراقبة وتتبع الأطباء وإصدار قرارات تأديبية في حق بعضهم، رغم أن قضايا الأخطاء الطبية تتفاقم.
توقيف شبكة أخرى
يبدو أن الاتجار في المجال الصحي أخذ انتشارا واسعا داخل الوطن، عبر شبكات منظمة تعمل على استغلال البسطاء والمواطنين الفقراء، من أجل الاتجار بهم واستعمالهم للحصول على عائدات مالية مهمة، مما دفع بالمصالح الأمنية للتحرك من أجل التصدي لظاهرة الاتجار في البشر، وفي هذا الصدد، تمكن المكتب الوطني لمكافحة الهجرة التابع للفرقة الوطنية للشرطة القضائية، من تفكيك شبكة مكونة من ثلاث نساء يشتبه في ارتباطهن بعصابة تنشط في الاتجار بالأعضاء البشرية وتهريب المخدرات.
وحسب المديرية العامة للأمن، فقد أسفرت الأبحاث الميدانية والتحريات التي قامت بها الفرقة الوطنية بتنسيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، عن اكتشاف إعلانات في مواقع التواصل الاجتماعي تعرض خدمات استئصال أعضاء بشرية، وتحديدا الكلي، بمصحات خاصة توجد خارج المغرب مقابل مبالغ مالية مهمة بالعملات الأجنبية.
وأسفر التحقيق عن توقيف أربعة أشخاص من بينهم ثلاث نساء، وذلك للاشتباه في تورطهم في تهجير أشخاص إلى الخارج، والوساطة في الاتجار بأعضاء بشرية، حيث مكنت الأبحاث من التوصل إلى ضحيتين ممن قاموا ببيع كلياتهم في تركيا مقابل مبالغ مالية بالعملات الأجنبية، كما مكنت عمليات التفتيش من حجز مبالغ مالية بالعملتين الوطنية والأجنبية، وإيصالات لتحويلات أجنبية، وتحليلات طبية خاصة بفصيلة الدم لعدد من الضحايا المفترضين، وكميات من مخدر “الشيرا”.
لننتظر المحاكمة لهؤلاء الأشخاص وبعدها لكل مقال حديث انطلاقا من مبدأ المتهم بريء إلى تثبت إدانته