الـــــــــــرأي | الشباب بين الأحزاب والإرهاب

بقلم. الحسين الدراجي
المجازر التي تعرفها بعض المناطق في العالم “المشرق العربي نموذجا” تؤكد أن البشرية قد أخذت تنسلخ عن أنسنتها حيث تحول بنو آدم إلى وحوش يفترسون بعضهم البعض، بل إن هناك من بين هذه الوحوش من لا يعرف لماذا يعض أخاه ومن أجل ماذا، حيث اختلط الحابل بالنابل ولم يعد يعرف من يحارب من، إذ كثرت التنظيمات الإرهابية وكثرت أسماؤها وأنماطها بل قد تعد على بعض قادات هذه التنظيمات التحكم في تدبير شؤونها، وذلك ما يجري في العراق وفي سوريا وفي اليمن وليبيا وأفغانستان، بل وصلت هذه التنظيمات إلى شمال إفريقيا وبعض بلدان الساحل، ولم ينج المغرب من هذه التهديدات حيث أخذت بعض التنظيمات تتوعدنا، بالوصول قريبا إلى ترابنا، وقد اعترف بذلك وزير الداخلية حصاد أمام نواب الأمة حيث اعترف أن هناك ما لا يقل عن ألفي شاب مغربي يحاربون اليوم في العراق وفي سوريا، وأن بعضهم وصلوا إلى مراتب القيادة في هذه الحروب.
ومما لاشك فيه أن أجهزتنا الأمنية بجميع أطيافها ظلت تتعامل مع هذه التهديدات بأقصى ما يمكن من الحذر واليقظة، الأمر الذي جعلها تتمكن بفضل خبرتها من تفكيك ما لا يقل عن ثماني عشر خلية كانت تعتزم القيام بأعمال تخريبية بمختلف مدن المملكة، وقد تيسر لها ذلك بفضل الإجراءات والأبحاث الاستباقية التي تنم عن خبرة طويلة وتجربة تستحق التنويه، ومن جملة هذه الإجراءات تتبع أنشطة الشبان المغاربة الذين تم استقطابهم وتسفيرهم إلى الخارج نحو البلدان التي اندلعت فيها حروب قبائلية وطوائفية شنتها بعض الجهات على أنها حرب جهادية تهدف إلى إعادة نظام الخلافة الإسلامية، وهو حلم لطالما روج له بعض الظلاميين المتشددين الذين اختلط في ذهنهم الدين بالسياسة وأطماعها.
وتلجأ أجهزتنا الأمنية إلى إيقاف العائدين من الشبان المغاربة إلى أرض الوطن وتقديمهم إلى العدالة بعد إخضاعهم للتحقيق، وهنا أذكر وأستحضر التجربة التي اختارتها المملكة السعودية للتعامل مع هذا النوع من المغرر بهم من أبنائها، حيث أسست مركزا خاصا بهم يشرف عليه أطباء أخصائيون في علم النفس يتكلفون بإعادة تربية وتكوين هؤلاء العائدين من فلول الإرهاب، قصد تصحيح ذهنياتهم وإعادة إدماجهم في صفوف المجتمع حتى يصبحوا مواطنين صالحين. وقد نجحت هذه التجربة وأعطت نتائج
لم تمض على تأسيس هذا المركز إلا فترة قصيرة حتى أصبح قدماء المعالجين فيه يشرفون على تكفل وعلاج الوافدين الجدد على المركز.
اتضح من نتائج هذه التجربة أن جل المغرر بهم هم شبان ارتموا في أحضان التنظيمات الإرهابية لأنهم كانوا طعمة سائغة ابتلعتها هذه التنظيمات لأنهم لم يكونوا موضع عناية لا من طرف المنظمات الاجتماعية ولا من طرف الأحزاب السياسية التي لا وجود لها بالمملكة العربية السعودية، حيث شكل هذا الفراغ أرضية ومرتعا استعملته التنظيمات الإرهابية لتعزيز صفوفها، وهنا حق لي أن أتساءل هل يعاني المغرب من نفس الفراغ، أم أن كثرة الأحزاب عندنا جعلها تشكو من التخمة إلى درجة تخليها عن مهمتها الرئيسية وهي تأطير وتكوين وتوجيه الشباب المغربي وتحصينه من الانحراف نحو التيارات المتشددة، فإذا أضفنا هذا التقصير إلى عوامل الفقر والجهل والبطالة أدركنا مدى سهولة الاستيلاء على هذه الطبقة من شبابنا الذي اختار مكرها الاغتراب والجهاد إلى جانب فلول عسكرية لا تمت لها بصلة ما عدا الدعاية التخدير الذي يستحوذ على شبابنا من خلال رسائل الإعلام الإلكترونية التي يستعصي بل يستحيل على الأجهزة الأمنية محاربتها مهما كان لديها من وسائل تقنية، لذلك فالسبيل الوحيد للتصدي لمثل هذه الأخطار هو تجنيد جميع الأحزاب والنقابات وكل هيئات المجتمع المدني لمحاربة مظاهر الإرهاب بجميع أشكاله.