موسيقــــى في بيـــوت اللــه!
قد يستغرب البعض من العنوان أعلاه، فيقول إن هذا الموضوع من الأمور الثانوية، وهل عالجنا كل القضايا حتى لم يبق سوى الحديث عن الهاتف المحمول في المساجد؟ والحقيقة أن أمور الدين لا تنقسم إلى ثانوي وأساسي، بل يجب علينا كمسلمين أن نتحدث عن كل القضايا التي تهمنا، وخاصة الأمور المُسْتَحْدَثَةُ من التقدم التكنولوجي، ومنها الهاتف المحمول. والذي دعاني لكتابة هذا المقال، أن كثيرا من بني جلدتي أساءوا استخدام الهاتف المحمول، واسْتَعْمَلوه استعمالا خاطئا، حتى وصل الأمر إلى أن نغمات الأغاني دخلت كل مساجدنا، بل لم يسلم منها حتى الحرم المكي والحرم المدني، وهي أطهر بقاع الأرض.
ويستخدم الهاتف المحمول للخير أو للشر، حاله حال كثير من الأجهزة الأخرى، فاستخداماتها تابعة لنيات المستخدم. وقد يكون مصدرا لشر عظيم، لمن أصر على سوء استخدامه. ولعل أكثر ما يحزنني من كثير ممن يحملون هذا المحمول، هو انبعاث أصوات الأغاني والرنات أثناء الصلاة في المسجد، حتى وصل الأمر إلى أن أئمة المساجد أصبحوا ينبهون، قبل كل صلاة، على إغلاق المحمول، وألصقت الملصقات الصغيرة والكبيرة لهذا الغرض، ولكن لا حياة لمن تنادي! فتجد الواحد يقف في الصلاة، ثم يرن هاتفه المحمول بصوت عال بنغمات راقصة وأغان صاخبة أو أناشيد مختلفة، بل إن هناك من المصلين من لا يجد حرجا في الرد على المكالمات الهاتفية في الوقت الفاصل بين الأذان والإقامة، ولو داخل المسجد، ولا يقدم على إغلاق المحمول إلا إذا شرع المؤذن في الإقامة.
ويا لها من مصيبة عندما تستشعر بقلبك أن الله يراك ويسمعك، وقد خرجت من الخشوع في الصلاة، وأخرجت غيرك من خشوعه، بل صرفت وجهك عن مولاك والتفت عنه إلى جهازك المحمول، وهو سبحانه الذي يقول في الحديث القدسي: “قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين”، ثم أين أنت من قوله تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” (الحج: 30). فإن كنت ممن لا يغلقون المحمول قبل الصلاة، أو كنت ممن ينبعث من جهازهم أصوات الأغاني والرنات والموسيقى والأناشيد وغيرها في الصلاة، فاتهم نفسك بعدم التقوى، بل أخشى عليك أن تقع تحت ذم المولى عز وجل لمن لا يعظم أمر الصلاة، فقد قال تعالى: “وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون” (المائدة: الآية 60)، وقوله تعالى: “ما لكم لا ترجون لله وقارا” (نوح: الآية 13)، وهذا استفهام قصده التوبيخ من عدم التعظيم والإجلال لله.
وللتغلب على هذه المخالفة، على المصلي غلق هاتفه النقال بمجرد الدخول للمسجد، والتحقق من ذلك، وليكن شعاره (سأغلق المحمول وأتصل برب العالمين)، لأن احتمال أن يتصل به أحد قائم، وفي الرنين الصادر من الهاتف إزعاج وتشويش على المصلين. أما إذا كنت من رجال الأعمال الذين يخشون ضياع أعمالهم وهم في الصلاة، أو ممن ينتظرون مكالمة مهمة، فاجعل هاتفك في وضعية الصامت أو الرجاج، وهي أخف ضررا، وهذه الخاصيات متوفرة في الهواتف المحمولة. فإذا حدث ونسيت إغلاق هاتفك المحمول، ثم رن وأنت تصلي، فأخرجه وأغلقه تماما، فكثير من المصلين ممن يحدث لهم هذا الفعل، يتركون الجهاز يرن دون إغلاقه، ظنا مهم أن ذلك مبطل للصلاة، والأمر ليس كذلك، بل الصواب إخراجه وإغلاقه بسرعة، حتى لا يزيد في شغل المصلين عن خشوعهم، لأنه يجوز الحركة اليسيرة في الصلاة، وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: “أم الناس في المسجد فكان إذا قام حمل أمامة بنت زينب وإذا سجد وضعها”، كما يجوز قتل الحية والعقرب في الصلاة، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. فيؤخذ من هذين الحديثين، أن الحركة في الصلاة، إن كانت لحاجة، جائزة، لا تبطل الصلاة.
عبد الله النملي