تحقيقات أسبوعية

ربورتاج | مدونة الأسرة أمام مطالب إصلاح جديدة

8 مارس بنكهة حقوقية

تزامنا مع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة يوم 8 مارس، خرجت أصوات نسائية وحقوقية تطالب بتحقيق المساواة للنساء في المجتمع المغربي، ومراجعة القوانين المعمول بها في مدونة الأسرة والأحوال الشخصية، وذلك تماشيا مع التطور الذي يعرفه المجتمع والدور الذي تقوم به المرأة المغربية فيه.

وبالرغم من تطبيق مدونة الأسرة منذ 18 سنة، إلا أن ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع يؤكد أن هذه المدونة الجديدة لم تحافظ على التماسك الأسري، خاصة وأن ملفات الطلاق في المحاكم تعد بالآلاف، حيث سجلت محكمة الدار البيضاء وحدها أزيد من 15 ألف حالة طلاق، بينما بلغت عدد الحالات على الصعيد الوطني أزيد من 55 ألف حالة.

 

إعداد: خالد الغازي

 

    اعتبر بعض المغاربة أن تعديل مدونة الأسرة لم يحقق الأهداف المطلوبة، ولم يحافظ على تلاحم الأسرة المغربية، وزادت من خلق الخلافات والصراعات الأسرية والعائلية، بينما ترى فئة أخرى أن إجراء تعديلات على المدونة أصبح ضرورة ملحة لأجل حماية حقوق المرأة والأطفال، وبالتالي، حماية الأسرة.

ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أن الوقت قد حان لتطوير مدونة الأسرة من أجل ملاءمتها مع المعايير القانونية الوطنية والدولية، وإزاء هذه التطورات، وبالنظر إلى التحولات العميقة التي شهدها المجتمع خلال العقود الأخيرة في اتجاه المطالبة بإعمالٍ أكبر لمبادئ المساواة والإنصاف والعدالة الاجتماعية.

في هذا الصدد، اعتبرت خديجة الرباح، رئيسة “الحركة من أجل ديمقراطية المناصفة”، أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جاء نتيجة المجهودات الكبيرة التي بذلت من طرف الحركة النسائية والتي ما فتئت أكثر من عشر سنوات وهي تطالب بإصلاح شامل لمدونة الأسرة، وخاصة بعدما كشف تطبيق المدونة عن العديد من الثغرات، وظهرت هفوات على مستوى التطبيق وحتى في النص القانوني، حيث أن النص القانوني صدر في سنة 2004، لكن تطبيقه أبرز العديد من الثغرات، وأظهر أهمية الملاءمة بعد التعديلات الدستورية.

وأوضحت الرباح، أن الحركة النسائية بالمغرب، وخاصة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، رفعت مطلب ملاءمة مدونة الأسرة مع مقتضيات الدستور، التي نادت بفعلية المساواة على المستوى المدني والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، واليوم، أكثر من 16 سنة من تطبيق قانون مدونة الأسرة يؤكد ضرورة إصلاح شامل وجذري لهذا القانون، لكي يكون له أثر من أجل تنمية مستدامة للنساء، وأضافت أن الحركة النسائية تقدمت بعدة مطالب لإجراء تعديلات متعددة في مدونة الأسرة، على رأسها منع تزويج القاصرات، ومنع التعدد، واقتسام الممتلكات المتراكمة أثناء الزواج، وحماية النساء وخاصة خلال فترة مسطرة الطلاق، التي يتعرضن خلالها للعنف الجسدي واللفظي، وتوفير ضمانات الحماية، وتسهيل عملية ولوج النساء للعدالة، مشيرة إلى أن الإحصائيات الرسمية التي تقدمها المندوبية السامية وتقارير رسمية تؤكد بأن النساء يجدن مشاكل وعراقيل لولوج التقاضي رغم حصولهن على الحضانة، إلا أن مسألة الولاية تظل في يد الأب، الأمر الذي يتطلب موافقة الأب لنقل الابن من مؤسسة إلى أخرى.

كما أن إصلاح القانون ليس ضد طرف آخر، وإنما لأجل حماية النساء والرجال معا والأطفال أيضا، ويصب في مصلحة الطرفين، لا سيما في ظل وجود تناقضات لا تعطي للمرأة الحق في الولاية على الأبناء رغم حصولها على الحضانة، مبرزة أن التعامل مع الحقوق الإنسانية للنساء لا يجب النظر إليها من جانب الصراع أو ضد الرجال، وإنما هي حقوق فعلية وضمانة وأساس للتنمية المستدامة، تقول خديجة الرباح.

من جانبه، قال الحقوقي محمد الغسولي، أن مدونة الأسرة مضى عليها ما يقارب العشرين سنة، وخلال هذه المدة حصلت تطورات وتحولات عميقة في المجتمع المغربي، خصوصا فيما يتعلق بوضعية النساء ودورهن في المجتمع، مما يجعل هذه المدونة لا تساير التطورات الحاصلة على العديد من المستويات، خاصة الأدوار الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، لعلاقتها بالأسرة، ومن جهة ثانية، لأن دستور 2011 أعطى العديد من المكتسبات على المستوى الحقوقي تتعلق بالمساواة والإنفاق والعديد من الحقوق التي تمت دسترتها.

وأضاف أن النساء اليوم في المجتمع هن في حاجة إلى مقتضيات قانونية جديدة تؤطر الأسرة، خاصة ما يتعلق مثلا بتعزيز دور المرأة في مجال توثيق عقد الزواج، في تزويج القاصرات، وفيما يتعلق بتعدد الزوجات الذي يجب أن يحذف، وكذلك فيما يتعلق بالإرث، بعدما أثيرت إشكالات حقيقية وواقعية مست بوضعية المرأة، خاصة عندما تكون قد أنجبت فقط البنات ولم تنجب أي ذكر، مؤكدا على ضرورة تسوية وضعية النساء في اتجاه تحقيق الإنصاف والمساواة، وانسجام مدونة الأسرة مع المواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والتي صادق عليها المغرب.

وأوضح الغسولي، أن الأعراف والتقاليد توظف من قبل القوى المحافظة عندما تريد أن تستهدف دور ومكانة المرأة، لأن هذه القوى تعلم جيدا أن أي تطور سيحصل على مستوى حقوق المرأة سيهدد البنيات والعقليات المحافظة في المجتمع، وبالتالي، سيمس بمكاسب وامتيازات هذه القوى التي ظلت تتحصن وراء خطاب تقليدي يمتح من الأعراف والتقاليد ومن بعض التأويلات غير الصحيحة للنصوص الدينية من أجل الإبقاء على الوضع كما هو عليه، مضيفا أن نسبة كبيرة من النساء تعيل أسرا بكاملها وهناك نساء في وضعية هشاشة، وبالتالي، فإن التذرع بهذه الأعراف والتقاليد هو من أجل الاستمرار في وضع غير مقبول، تجاوزه الواقع والتاريخ، وبات اليوم ضروريا إنصاف النساء وتحقيق مساواة بينها وبين الرجل، ما دامت المرأة هي نصف المجتمع.

 

ضرورة المراجعة

    كشف المجلس الاقتصادي والاجتماعي، أن الوضع في المجتمع المغربي يقتضي مراجعة مدونة الأسرة بما يتلاءم مع مقتضيات الدستور ومضامين الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبما ينسجم أيضا مع طموحات تحقيق التمكين للنساء المغربيات وتعزيز المساواة بين الجنسين والمعبر عنها في النموذج التنموي الجديد.

وأوضح المجلس، أنه “لا يمكن تحقيق المساواة بين النساء والرجال وضمان المشاركة الكاملة للمرأة في جميع مناحي الحياة العملية دون إطار قانون ينسجم مع طموحات البلاد، يضمن للمرأة التمتع بحقوقها كاملة دون أدنى تمييز”، وأضاف أن “مدونة الأسرة مرت عليها مدة تقارب العشرين سنة، صادق المغرب خلالها على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما اعتمد دستورا جديدا ينص على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل، وعلى ملاءمة القوانين الجاري بها العمل مع الالتزامات الدولية للمملكة”.

نقاش عمومي

    ودعا المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى مراجعة شاملة لمدونة الأسرة من خلال إطلاق نقاش عمومي مفتوح وتعددي ومسؤول، ودينامية تفكير جماعي، مع اعتماد ترسانة قانونية تضمن الأمن القانوني للمواطنات والمواطنين، ولا سيما النساء، وتحميهن من جميع أشكال التمييز والعنف.

وطالب المجلس بفتح نقاش عمومي، يضم الهيئات المؤهلة، حول جميع القضايا المتعلقة بالزواج، والطلاق، والتركة والبنوة، وحضانة الأطفال، والاعتراف بالعمل المنزلي للمرأة، بحيث ينصب هذا النقاش بدون تحفظ على القضايا المتعلقة بالحقوق الفردية للنساء.

واعتبر أن المدونة كان لها أثر إيجابي ساهم في تطوير العقليات في مجال المساواة بين النساء والرجال، بحيث أنه منذ سنة 2004، اعتمد المغرب مدونة جديدة للأسرة مكنت من تحقيق تقدم ملموس في مجال حقوق المرأة مقارنة مع ما كان عليه الأمر في السابق.

 

إشكالات بالمدونة

    كشف المجلس عن بعض أشكال التمييز في مدونة الأسرة، خاصة فيما يتعلق بالولاية على الأطفال، حيث لا يسمح للأم بالولاية على أبنائها وإذا كان للأم حق الحضانة على الأطفال بشكل تلقائي، إلا في بعض الحالات الخاصة، فإن الأب يعتبر الولي الشرعي الوحيد على الأطفال.

واعتبره المجلس أن ذلك يتعارض مع مبدأ تقاسم المسؤوليات الأسرية بين الزوجين، خصوصا تلك المتعلقة بالأطفال، ويؤثر سلبا على إعمال حقوق وواجبات الوالدين المنفصلين تجاه أطفالهما، عندما تستمر الخلافات بينهما، مبرزا أيضا أن من بين الأمور التي تعاني منها المرأة، إسقاط الحضانة منها في حالة زواجها إلا في حالات خاصة.

وبخصوص زواج القاصرات، أوضح المجلس أن “هذه الممارسة لا زالت خاضعة للسلطة التقديرية للقضاة، لذلك، يجب إلغاؤها تحقيقا للمصلحة الفضلى للطفل المنصوص عليها في الدستور، وفي الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، لا سيما اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”.

ومن بين الإشكالات التي تطرق لها التقرير، مسألة الطلاق التي “غالبا ما تكون طويلة وتتجاوز في الغالب 6 أشهر، وخلال هذه المدة، تصبح ظروف التعايش داخل الأسرة معقدة، ويمكن أن تؤدي التوترات حول المسطرة إلى حالات من العنف الزوجي والأسري”.

 

نتائج استطلاع

    أبرز المجلس أن نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه في المنصة الرقمية “أشارك”، والذي عرف مشاركة 1290 شخصا، أسفرت عن كون قرابة 62 في المائة من المشاركين يعتبرون أنه ينبغي إلغاء أي إمكانية لتزويج القاصرات (أقل من 18 سنة) دون النص على أي استثناءات.

وكشف الاستطلاع أن نحو 80 في المائة من المشاركين يعتبرون أن الولاية على الطفلات والأطفال، يجب أن تكون مشتركة بين الأب والأم على قدم المساواة، في حين يرى 20 في المائة منهم أنها يجب أن تُسند إلى الأب حصريا.

وحسب نفس الاستطلاع، فإن 48 في المائة من المشاركين يعتبرون أن الآجال القانونية للحكم بالتطليق يجب أن تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر، فيما يعتبر 27 في المائة منهم أن هذه المدة يجب أن تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، في حين يرى 25 في المائة منهم، أن هذه الآجال يجب ألا تتجاوز شهرا واحدا، كما أن 48 في المائة من المشاركين يعتبرون أن إبرام وثيقة للتوزيع المنصف للأموال المكتسبة بين الرجل والمرأة أثناء فترة الزوجية، يجب أن يصبح أمرا إلزاميا بالنسبة للزوجين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى