تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | الأزمة الأوكرانية الروسية تكشف الأزمة التعليمية للطلبة المغاربة

بين جواز التلقيح وتهديدات الجامعة

عادت بعض أفواج الطلبة المغاربة المقيمين في أوكرانيا على متن الخطوط الملكية المغربية إلى أرض الوطن، ضمن رحلات استثنائية وفرتها السلطات لإجلاء مغاربة أوكرانيا، الذين يعيشون ظروفا صعبة في ظل التطورات السياسية والغموض الذي يلف الأزمة الروسية – الأوكرانية.

ووصلت رحلات جوية إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، ومطار ابن بطوطة بطنجة، تحمل مئات الطلبة الذين قرروا مغادرة الأراضي الأوكرانية بعد بيان السفارة المغربية في كييف، والتي طلبت من الطلبة المغاربة العودة للمملكة، الأمر الذي خلق بعض الارتباك خلال اليومين الأولين، لكن بعدما أعلنت الخطوط الملكية الجوية عن رحلات استثنائية، أحس جل الطلبة بالاطمئنان، خاصة بعد وضع أثمنة متوسطة في متناولهم.

 

إعداد. خالد الغازي

 

    تراجع التصعيد العسكري بين روسيا وأوكرانيا خلال الأيام الماضية، الأمر الذي خلف ارتياحا لدى جل الطلبة المغاربة المهاجرين، والذين فضلوا الآن البقاء بعد استقرار الأوضاع الأمنية وعودة حياة الأوكرانيين إلى طبيعتها، بعدما عاشوا ضغوطا نفسية صعبة بسبب الخوف على مستقبلهم الدراسي، وقلق العائلات وأسرهم، والخوف من اندلاع الحرب.

في هذا الإطار، صرح محمد بنساسي رئيس الاتحاد العام لطلبة المغرب، أن الصراع الذي تعرفه روسيا وأوكرانيا اليوم على حدودهما وجميع المؤشرات والمعطيات المرتبطة به، أثر بشكل كبير ليس فقط على الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم الجامعية بالجامعات الأوكرانية، بل على جميع الجنسيات الأجنبية المتواجدة على تراب دولة أوكرانيا، مضيفا أن الإشكالية التي يعاني منها الطلبة قبل العودة إلى المغرب تتعلق بالجامعات ومسألة الدراسة عن بعد.

وشدد بنساسي على ضرورة تدخل وزارة الخارجية لأجل تحصين حقوق ومكتسبات الطلبة المغاربة الذين يريدون العودة للمغرب، لأن الأمر يتعلق بمستقبل عدد كبير قد يكونوا ضحايا صراع لا دخل لهم فيه، حيث أن إمكانية الدراسة عن بعد متاحة كنمط فرضته جائحة “كورونا” وأثبتت فعاليته في عدة بلدان، لهذا يجب أن يستفيدوا من هذا الخيار، عبر تلقي المحاضرات والدروس عن بعد طيلة الفترة الحالية.

وأكد أن وزارة التعليم العالي تتوفر على قاعدة البيانات المتعلقة بعدد الطلبة المغاربة الموجودين على تراب دولة أوكرانيا، وطبيعة التخصصات التي يتابعون دراستهم الجامعية فيها، وبالتالي، هي الأقدر على تدبير هذا الملف بتنسيق وتعاون مع نظيراتها بأوكرانيا، عبر بحث ومدارسة الحلول الملائمة والمناسبة لحفظ حقوق ومكتسبات الطلبة، معتبرا أن نمط التدريس قد يساهم في إنقاذ مستقبل عدد كبير من الطلبة المغاربة، حتى وإن وصل الأمر إلى طرح خيار توفير ملحقات جامعية تابعة للجامعات الأوكرانية على التراب الوطني، وقال: “حتى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بتنسيق مع وزارة الخارجية، ينبغي أن تدخل على الخط، عبر التواصل مع نظيرتها بأوكرانيا، ومحاولة بحث الحلول المناسبة التي يمكن من خلالها حفظ حقوق ومكتسبات الطلبة المغاربة في متابعة دراستهم الجامعية، لأن الأمر يتعلق بمستقبل شريحة واسعة من الطلبة، الذين يتابعون دراستهم بالجامعات الأوكرانية ولا يجب أبدا أن تدير لهم ظهرها في هذه الأزمة”.

من جانبه، أوضح حسن المرضي رئيس الجمعية المغربية لخريجي الجامعات والمعاهد السوفياتية سابقا، أن هناك مجموعة من الجامعات في أوكرانيا قدمت تسهيلات للطلبة المغاربة عبر الترخيص لهم باستئناف الدراسة حتى شهر أبريل المقبل، مشيدا بالدور الذي تقوم به السلطات المغربية من أجل تسهيل عودة الطلبة المغاربة إلى المملكة عبر تخصيص رحلات جوية استثنائية، ووضع رقم أخضر للتواصل مع السفارة قصد الحصول على النصائح والمعلومات.

وأضاف المرضي أن الجمعية تقوم بدور هام في تقديم النصائح والإرشادات للطلبة ولأولياء الأمور، من أجل تهدئة الأمور، لأن الأوضاع حاليا عادية ومستقرة، مبرزا أن الجمعية تتواصل مع سفارة المغرب وسفارة أوكرانيا بالرباط لأجل الحصول على المعلومات الصحيحة للآباء والأمهات من أجل طمأنتهم، وتقدم إرشادات وتوجيهات للطلبة.

واعتبر المرضي أن مسألة التلقيح لا تطرح أي إشكالية أمام عودة الطلبة الذين لم يستكملوا جرعات التلقيح، قصد الدخول للتراب الوطني وأيضا بالنسبة للطلبة غير الملقحين، لأن السلطات اشترطت فقط اختبار “ب. س. ر”، ووضعت خلية خاصة لإجراء فحوصات على الطلبة العائدين، داعيا الطلبة إلى أخذ جرعات التلقيح عقب عودتهم إلى المغرب.

انتقادات للسفارة

    العديد من الطلبة في أوكرانيا انتقدوا عدم تجاوب سفارة المملكة معهم عقب صدور البلاغ الذي خلق حالة من الخوف والارتباك ودفع البعض للبحث عن رحلات جوية في أسرع وقت للعودة للمغرب، بينما وجد آخرون أنفسهم عالقين في مطار فرنسا أو تركيا بسبب عدم توفرهم على جواز التلقيح ومنعهم من ركوب الطائرة المتجهة إلى المغرب.

وقال أيمن هراندو، طالب مغربي، أن بلاغ السفارة الذي صدر خلق الخوف والارتباك في صفوف الآباء والأولياء، وأغلقت السفارة جميع الهواتف دون أن توضح الأمور بخصوص إجراءات العودة أو طمأنتهم بخصوص الرحلات الجوية، خاصة مع ارتفاع أثمنة تذاكر الطائرات في ليلة خروج البلاغ.

وأوضح أيمن هراندو، أن السفارة لم تفتح باب التواصل عقب البلاغ الذي لا يتضمن معلومات وشروحات، مما أثار الهلع في صفوف الطلبة والعائلات، الأمر الذي دفعهم للخروج في وسائل الإعلام للبحث عن الأجوبة بخصوص رحلات العودة الاستثنائية وشروط دخول التراب الوطني، مبرزا أن هناك حالات لبعض الطلبة غير ملقحين وجدوا أنفسهم في حيرة من أمرهم، مثل حالة طالب مغربي رفضت شركة فرنسية نقله من مطار “شارل دوغول” إلى المغرب.

 

طلبة يفضلون البقاء

    كشف أيمن هراندو أن الآلاف من الطلبة المغاربة قرروا البقاء بعد استقرار الأوضاع عقب إعلان وسائل الأخبار عن عودة الجيوش الروسية إلى القواعد العسكرية، وقرر الغالبية إلغاء تذاكر الرحلات الجوية قصد مواصلة دراستهم الجامعية عوض العودة إلى المغرب، بسبب المصاريف الباهظة، مشيرا إلى أن شروط الجامعات بخصوص الدراسة عن بعد، دفعت الكثيرين إلى تغيير قرارهم بخصوص العودة للمغرب.

وأضاف أن الجامعات الأوكرانية قررت الاستجابة للطلبة المغاربة، وتغيير نظام التعليم الحضوري إلى التعليم عن بعد، بشرط دفع جميع المستحقات المالية التي في ذمتهم، حتى تتمكن من الشروع في تطبيق نظام الدراسة عن بعد، مشيرا إلى أن هذا الشرط جعل فئة من الطلبة يفضلون البقاء بأوكرانيا، خاصة في ظل الحديث عن عودة التعليم الحضوري إذا استقرت الأوضاع خلال ثلاثة أسابيع.

وأشار إلى أن الطلبة الذين لا يتوفرون على الإقامة وغادروا أوكرانيا برخصة من السفارة، سيكون عليهم البحث عن تأشيرة جديدة قصد العودة لاستكمال دراستهم لأنهم لا يتوفرون على بطاقة الإقامة، موضحا أن العديد من الطلبة قرروا إلغاء رحلاتهم والبقاء بسبب مخاوف من إغلاق الحدود أو تعليق الأجواء بسبب فيروس “كورونا” أو أسباب أخرى مستقبلا.

 

الإكراهات المادية

    الآلاف من الطلبة المغاربة في أوكرانيا يعيشون ضغوطا كبيرة، سواء من أهلهم وعائلاتهم قصد الرجوع إلى المملكة، أو من قبل الجامعات التي وضعت شروطا خاصة وترفض تمكين بعضهم من الدراسة عن بعد، مما دفع الغالبية للتفكير في البقاء بعد استقرار الأوضاع وتراجع التصعيد السياسي.

يقول سعد، طالب مغربي، أن وضعية الطلبة المغاربة غير مفهومة لأن الحياة في أوكرانيا جد عادية، ولا يزال الاستقرار يسود في جميع المدن، والأوضاع مستقرة والمواصلات موجودة والحياة مستمرة ولا وجود لمظاهر عسكرية، مضيفا أن الطلاب في حيرة بسبب ضغوطات الجامعات التي تلزمهم بالبقاء قصد مواصلة الدراسة، وبين الإكراهات والصعوبات المادية للعودة إلى المغرب.

وأضاف أن السفارة المغربية في كييف طلبت من جميع الطلاب العودة رافضة حل المشاكل العالقة بينهم وبين الجامعات، مما وضعهم أمام مسؤولية فردية بين استكمال دراستهم أو العودة للمغرب، خاصة وأن أثمنة الرحلات الجوية تفوق القدرة المادية للعديد من الطلبة الذين ينحدرون من أسر فقيرة ومتواضعة.

من جانبه، قال أسامة، طالب، أن هناك صعوبات لدى الطلبة رغم توفير السلطات المغربية لرحلات استثنائية، تتعلق بالجامعات التي هددت بعضهم بالطرد ورفضت وضع حلول أمامهم لاستكمال الدراسة، منتقدا عدم تجاوب السفارة بشأن مشاكل الطلبة مع الجامعات، وعدم تقديم الإجابة عن التساؤلات عند الاتصال.

طلبة بدون وثائق

    يعاني بعض الطلبة المغاربة في أوكرانيا، ظروفا اجتماعية صعبة بسبب عدم توفرهم على وثائق الإقامة وبطاقة الجامعة، بحيث يخافون من العودة من المغرب، خاصة وأنهم لم يحصلوا بعد على وثائق الإقامة التي تتطلب مدة شهر أو شهرين، وإجراءات إدارية معقدة.

وحسب بعض الطلبة، فإن عودة هذه الفئة إلى المغرب ستضعهم أمام مصير مجهول، ومشكلة كبيرة لأجل العودة من جديد إلى أوكرانيا لاستئناف دراستهم، خاصة وأنهم لا يتوفرون على أي وثيقة رسمية تؤكد أنهم طلبة بالجامعات، الأمر الذي يفرض عليهم البقاء حتى يتمكنوا من الحصول على الوثائق الرسمية، فهم يعتبرون في نظر القانون “مهاجرين غير شرعيين”، لأنهم لا يتوفرون على شواهد تؤكد أنهم طلبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى