تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | المسؤول المغربي الذي وصف صحراويين بـ”المقملين” فردوا عليه بتأسيس البوليساريو

كتاب بين "مكر التاريخ وهفوات التدبير"

كان بإمكانه أن يكون عضوا في البوليساريو، ولكن الأقدار جعلت منه مسؤولا مغربيا، بل ممثلا للإدارة الترابية، بالمقابل، وصل أخوه إلى قمة المسؤولية في “الجبهة الوهمية”، هذا هو حال محمد الشيخ بيد الله، الذي عاد إلى دائرة الضوء، بعد صدور كتاب “الصحراء الرواية الأخرى” لمؤلفه الصحافي النشيط محمد أحداد.

 

الرباط. الأسبوع

 

    يسأل الصحافي أحداد الشيخ بيد الله: كيف كانت علاقتك بمحمد عبد العزيز، زعيم البوليساريو الراحل؟ وكيف كانت شخصيته؟ فيجيب قائلا: ((والد محمد عبد العزيز كان مقاوما في صفوف جيش التحرير. كان رجلا وديعا وصالحا وحافظا للقرآن الكريم، وكان ضابط صف في الجيش الملكي، وقد تنقل بين عدة مدن منها الزاك وتادلة التي استقر بها إلى حدود اليوم، وهو رجل محترم في جميع الأوساط الصحراوية، وأنا أعرف عبد العزيز معرفة جيدة، كتلميذ أولا، ثم في طانطان خاصة، وقد كان يتردد على مركب ثقافي كنت أنا محركه الأساس في فصل الصيف، كما أعرف أخاه لحبيب الذي يشتغل اليوم محاميا في العيون، ومع الأسف، فقد تعرض الأستاذ لحبيب للسجن في تزمامارت ظلما وعدوانا، إذ لم يكن قد اقترف ذنبا يستحق عليه ذلك.. فحتى في أيام الغليان بالجامعة خلال السبعينيات، لم يشارك في أي نشاط طلابي كيفما كان نوعه، حسب معلوماتي الشخصية، ويصدق عليه منطوق الآية الكريمة: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. كان عبد العزيز رجلا وديعا يكره العنف، متسامحا جدا، صبورا، قليل الكلام، ومن المؤكد أنه لم تكن له أي نية لتدويل المنطقة)).

هذا الجواب الذي نقله أحداد على لسان بيد الله، يعطي فكرة عن صعوبة موقف الحكي عن مراحل سابقة، بل يدعو إلى طرح سؤال آخر، من قبيل: هل كان عبد العزيز راغبا في البقاء داخل المغرب؟ هكذا يتساءل أحداد ليكون جواب بيد الله كما يلي: ((أذكر في هذا الصدد، أنني لما مكثت معه بضعة أيام في سجن “بير أم مكرين” بموريتانيا، اقترحت عليه وعلى عمر الحضرمي والبندير (قائد ما يسمى درك البوليساريو الذي قتل مؤخرا)، أن نعود جميعا إلى المملكة لنتابع نضالنا هناك، غير أن خوفا عميقا انتابهم بسبب العنف الذي كان يسيطر على الساحة الطلابية في الرباط، مع موجة الاختطافات في كل مكان، وكانت تصلهم أخبار كثيرة تفيد بأن تحريات كانت جارية في طانطان لكشف مكان اختفائهم. كانت المرحلة صعبة والاختطافات كثيرة جدا، “يمكن يبات فيها الإنسان وميصبحش”)).. هكذا تحدث بيد الله عن تلك المرحلة الحارقة.

عن تلك المرحلة، يصل البوح بين الصحافي والسياسي إلى كشف حقيقة (والعهدة على الراوي) تدخلات بعض السياسيين المغاربة، التي ساهمت في تأزيم الوضع بدل إيجاد الحلول في الوقت الملائم، في هذا الصدد يحكي بيد الله للمؤلف: ((لا بد أن نتذكر أيضا، أن الحرب الباردة بلغت وقتئذ أوجها، بالإضافة إلى حدوث محاولتين انقلابيتين فاشلتين، وكانت الساحة الطلابية تُحرَّك من طرف المعارضة الموجودة آنذاك بالجزائر وليبيا وفرنسا، وكان حطبها التلاميذ والطلبة مع الأسف، والكثير منهم راح ضحية هاته الحرب غير المعلنة، وأريد أن أشير في هذا السياق إلى أن أحد القادة السياسيين الكبار، صرح لنا في لقاء من لقاءاتنا الكثيرة مع الأحزاب السياسية: “دعونا نجد حلا لمشاكلنا في الشمال، ولسنا في حاجة إلى مائة ألف مقمل إضافية Nous n’avons pas besoin de cent mille pouilleux supplémentaires (يتوقف قليلا عن السرد قبل أن يواصل).. الصراحة أن ذلك التصريح الغريب، زرع في نفوس الكثير منا الشك في حقيقة إرادة بعض الأوساط السياسية فيما يتعلق بالوحدة الترابية لبلادنا)).

يرفض بيد الله، الذي تدرج بين مهام العامل والوالي والوزير والأمين العام، ذكر صاحب هذا التصريح، الذي تسبب في انضمام شباب مغاربة إلى البوليساريو، لكنه يحكي عن ذلك الزمن، الذي تعرضت فيه مجموعة من الوطنيين الصحراويين، لمعاملة قاسية ينقلها كتاب “الصحراء الرواية الأخرى”.

مؤلف «الصحراء الرواية الأخرى» وفي الإطار صورة المؤلف محمد أحداد

ويسأل الكاتب، أريد أن أسألك عن مصير مجموعة “حبوها” التي شاركت في حرب تندوف، فيجيب بيد الله: ((بعد معركة تندوف الطاحنة، والتي أبلى فيها أعضاء المجموعة البلاء الحسن، عادوا إلى صفوف الجيش الملكي، ولكن في أحد الأيام الشتوية، تم إرسالهم إلى بعض المدن في الأطلس المتوسط، مثل إفران والحاجب، حيث كان البرد قارسا بفعل تساقط الثلج الذي كان قد كسا تلك المناطق، وقيل لي إنه تمت خياطة جيوب سراويلهم حتى لا يحموا أيديهم فيها، وذلك عقابا لهم. على هذا النحو، عاش أعضاء مجموعة عمي، حبوها، وعائلاتهم، محنة كبيرة وحكرة واستخفاف مهين لكرامتهم، لأنهم لم يعتادوا طقسا بمثل تلك البرودة، بل كان ذلك أول عهد لهم به، وإلى جانب هاته المحنة، تم تجريدهم كذلك من الرتب العسكرية التي كانوا يحملونها على أكتافهم لمدة تزيد على السنتين، والتي حاربوا بها في تندوف دفاعا عن كرامة الوطن)).

في التفاصيل يحكي الشيخ : ((كانت تلك الخطوة صدمة حقيقية بالنسبة إليهم، وأغلبهم فر من صفوف الجيش ليلتحق بالأقاليم الصحراوية، وبعضهم انضم إلى النواة الأولى للبوليساريو، وبعضهم شارك في الكثير من المعارك ضد القوات المسلحة الملكية التي انتمى إليها سابقا، وأخشى أنهم فعلوا ذلك بدافع الانتقام. وأتذكر أنني التقيت بالبعض منهم في مخيمات تندوف إبان عملية تحديد الهوية، وكانوا يؤدون وظيفة “شيخ تحديد الهوية” مع البوليساريو، والحال أن اللقاء كان مؤلما جدا، لأنني عرفتهم جيدا وعشت معهم في الزاك وأنا صبي، كما عرفتهم في طانطان، فبعضهم كان عضوا في جيش التحرير، ثم انتمى إلى صفوف الجيش الملكي، وحارب بكل شجاعة وقناعة، وبشكل طوعي، دفاعا عن حوزة الوطن، وانتهى به الأمر مرميا بين مخالب العدو.. مكر التاريخ وهفوات التدبير…))، حسب مقتطفات من الكتاب تنشرها “الأسبوع” باتفاق مع الكاتب.

اليوم، يعد الشيخ بيد الله واحدا من أقطاب السياسة في البلاد، لكنه كان في وقت من الأوقات، يجالس الطلبة الصحراويين الذين شكلوا فيما بعد النواة الأولى للبوليساريو.. ((بدأت اللقاءات الأولى بين الطلبة في الرباط مع كوكبة صغيرة، وكانت علنية، يتم تنظيمها داخل دور الصحراويين القاطنين في الرباط، خصوصا في منزل الدكتور شبيهن ماء العينين، الكائن بشارع الأمم المتحدة رقم 9 قرب الحي الجامعي، وفي منزل المرحوم محمد ماء العينين الكائن بزنقة سحنون رقم 8 في أكدال، ودار الحاج محمد العريبي الواقعة في يعقوب المنصور.. هؤلاء السادة المحترمون كانوا يستقبلون الطلبة ليل نهار وكيفما كانت الظروف، كما كانوا يدعمونهم أكرمهم الله، فهم الآباء والإخوة، ورحم الله الذين ماتوا منهم)).

يحبل كتاب “الصحراء الرواية الأخرى” بالمعطيات التاريخية على لسان الشيخ بيد الله، وهو ثمرة حوار سابق نشر في جريدة “المساء” سنة 2017، حيث ((لم يكن سهلا إطلاقا إقناع بيد الله بسرد وقائع تاريخية، من رجل لم يكن مساهما فقط، بل كان في قلب كل الأحداث التي كانت الصحراء المغربية مسرحا لها)) يقول الكاتب.

من جهته، يحكي الكاتب أحداد في مقدمة الكتاب: ((في الجلسة الأخيرة التي تزامنت مع تهديد البوليساريو بالعودة إلى حمل السلاح في أعقاب قضية الكركرات، وجه بيد الله رسالة مفتوحة إلى قيادات البوليساريو، خاصة تلك التي تقاسمت معه مقاعد الدراسة وعاش معها الأحلام الأولى للطلبة الصحراويين، وقلت له، إني سأوجه إليك سؤالا أخيرا قبل أن نقفل هاته الحلقات الطويلة: هل تريد أن توجه رسالة إلى أخيك في البوليساريو؟ فتوقف بيد الله طويلا عن السرد ورأيت لأول مرة دموعه التي كان يغالبها دائما، ولم نستأنف الحوار إلا بعد أكثر من ربع ساعة، وكان أن اكتفى بعبارة مقتضبة لكنها عميقة: أحب أخي             إبراهيم كثيرا… قد أكون اليوم نادما على طرح السؤال بتلك الصيغة، لكنه سؤال لا يعني بيد الله فقط أو أخاه، بل يعني مئات أو آلاف العائلات التي تمزقت بسبب عقد التاريخ ولعنة الجغرافيا.. دموع بيد الله ليست دموعه وحده، وإنما هي دموع أجيال بكاملها حرم بعضها من زيارة عائلاته، وحرم البعض الآخر من التعرف على مصائر أبنائه، وحرمت الأغلبية من معرفة أين دفنت رفات الآباء والأمهات)) يقول أحداد في كتاب “الصحراء الرواية الأخرى”.

يذكر أن المؤلف المذكور حظي بتقديم السفير المغربي حسن طارق، وقال عنه: ((تكمن قوة هذا الكتاب/الحوار، في أن بنيته العامة تنهض فوق لقاء استثنائي بين الذاكرة الشخصية للسارد وبين التاريخ السياسي للقضية الوطنية: الطفل الذي عاش خلال الخمسينيات داخل عائلة صحراوية عالمة توارثت داخلها فضائل الافتخار بشجاعة الأجداد المدافعين عن حوزة الوطن في مواجهة المستعمر، سيجد نفسه تلميذا في مدرسة محمد الخامس بالدار البيضاء ثم في تندوف، حيث سيكون وهو لا يتعدى الاثنتي عشر سنة في بداية الستينيات، وراء الشعار الشهير: “نعم لاستقلال الجزائر، لكن نحن مغاربة فوق أرض مغربية”، ستدركه السبعينيات في بداياتها فاعلا ضمن جماعة الطلبة الصحراويين في الرباط، قبل أن يتصادف الإعلان عن المسيرة الخضراء مع وجوده في مقر الأمم المتحدة للدفاع عن مغربية الصحراء أمام اللجنة الرابعة، ثم سنتين بعد ذلك سيحمل نفس الملف كعضو بمجلس النواب منتخب عن لائحة الاتحاد المغربي للشغل ومنخرط بالكامل في معركة الدفاع عن القضية الوطنية لدى مختلف دول العالم، ومواكب لمجريات الصراع داخل منظمة الوحدة الإفريقية أربع سنوات على الأقل قبل مؤتمر أديس أبابا.. في تفاعلات الأحداث ستشهد بداية الثمانينيات طرح المغفور له الحسن الثاني فكرة الاستفتاء بالأقاليم الجنوبية، وهو ما سيجعل السارد في قلب مسلسل تحديد الهوية بكامل تعقيداته ومتاهاته، يتعلق الأمر بالدكتور محمد الشيخ بيد الله، السياسي والطبيب الذي تحمل مسؤوليات برلمانية كنائب وكرئيس لمجلس المستشارين، وحكومية كوزير للصحة، وترابية كعامل لصاحب الجلالة ووالي بجهة من أكبر الجهات، وحزبية كأمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، وظل في كل الواجهات رجلا مثقفا محبا للجدل)) (المصدر: مقتطف من تعليق الباحث حسن طارق عن كتاب “الصحراء الرواية الأخرى”).

‫5 تعليقات

  1. معلومات خاطئة وكاذبة،المهم ليس هناك في التاريخ ولا الحاضر ولا المستقبل شيء إسمه الجمهورية الصحراوية،المشكل الذي ترتعد منه الجزائر هو مشكل الصحراء الشرقية،والذي يبقى ينتظرر الوقت المناسب داخل الأمم المتحدة.

    1. الحمد لله استرجعت المهلكة سبة ومليلية بعد حرب طويلة ضحت المهلكة بالنفس والنفيس، ولكن ساكنة سبتة و مليلية يطلبون إجراء تقرير المصير للرجوع إلى مملكة اسبانيا.

    2. نحن لا نقيم العبيد الراكعون للكيان المسخ ۔۔۔
      اما الصحراء الشرقية التي تنبحون كالكلاب عليها هي اراضي جزاءرية الی ان يرث الله الارض ومن عليها ، وان كنتم حاولوا ان تقتربوا الی حدودنا ۔۔
      والله الذي رفع السماوات بدون عمد سنبيدكم علی بكرة ابيكم ۔۔
      تحيا الجمهورية العربية الصحراوية
      يحيا جيش التحرير الصحراوي ۔۔

  2. كذبة كبيرة في هذا المقال المقتضب تنبئ على أن الكتاب مليء بالأكاذيب، و هي حديثه عن الصحراء الغربية بداية الستينات.
    القضية لم تكن مطروحة أصلا، و الجزائر لم تنخر في ملف الصحراء إلا بعد 74.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى