تحقيقات أسبوعية

متابعات | خبراء يحذرون من فساد كرة القدم المغربية والظرفية تفرض: رحيل فوزي لقجع

الجامعة التي صرفت 500 مليار ولم تربح شيئا

شكل إقصاء المنتخب الوطني من نهائيات كأس إفريقيا للأمم بالكاميرون، نكسة جديدة لكرة القدم الوطنية، بعد الإقصاء من دورتي مصر والغابون خلال عهد الجامعة الحالية سواء مع المدرب السابق الفرنسي هيرفي رونار، أو مع البوسني وحيد خاليلوزيتش، الشيء الذي جعل الجماهير المغربية تعبر عن غضبها وسخطها من استمرار الفشل والحظ السيء الذي يرافق المنتخبات الوطنية خلال الكؤوس الإفريقية.

خروج المنتخب الوطني من دور الربع نهائي أمام المنتخب المصري، دفع الجماهير المغربية لتحميل المسؤولية للمدرب وحيد خاليلوزيتش ومساعده مصطفى حجي، ثم رئيس الجامعة فوزي لقجع، خاصة بعدما تعهدوا ووعدوا بمشاركة جد مشرفة والوصول إلى دور النصف نهائي خلال هذه الدورة، كما وضع هذا الإقصاء الجامعة أمام مسؤولية كبيرة بسبب عجزها عن تحقيق نتائج مرضية على صعيد المنتخبات الوطنية، بالرغم من الموارد المالية والظروف التي تم توفيرها للفريق الوطني.

فقد اعتبر محللون والعديد من النقاد، أن مشكل كرة القدم الوطنية مرتبط بالمنظومة الكروية ككل، وليس فقط بالمنتخب الوطني الأول، لأن نجاح المنتخبات رهين بتطور الكرة المحلية والاهتمام بها، وبمجال تكوين الفئات الصغرى وتطوير الأندية، عوض البحث عن نتائج خارجية بالمنتخب الأول لتغطية الاختلالات والأعطاب التي تعاني منها المنظومة الكروية المحلية منذ عدة سنوات.. فما هي أسباب تعثر الكرة المغربية على الصعيد القاري ؟ وما هي مسؤولية الجامعة خلال مدة 8 سنوات ؟

 

إعداد : خالد الغازي

 

    يرى الإطار الوطني وخبير الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، عبد الرزاق الشليح، أن الإقصاء من كأس إفريقيا لا يمكن اعتباره حدثا أو نتيجة لمنظومة كروية فاشلة، بقدر ما هو حالة من حالات العبث والتخبط التي تعيشها كرة القدم الوطنية منذ عقود، مضيفا أن “الإنجاز الكروي لا يمكن أن يتأتى ويتحقق في جو المحسوبية والعشوائية والتخبط، كرة القدم العالمية لا تتطور بالمال ودخول رجال الأعمال والشركات، ولكن بسياسة رياضية يبتعد فيها المتطفلون عن هذا المجال، ويتركون القرار بيد ذوي الاختصاص لوضع استراتيجية بعيدة المدى، تبتدئ من قاعدة أبناء الشعب، وتنتهي بالمنتخبات في جو من المسؤولية والعقلانية والتخطيط العلمي الجاد”.

وأضاف الشليح: إن بناء المركبات والتجهيزات والملاعب الفاخرة، لا يكفي لتطوير اللعبة إذا لم تصاحبه سياسة للتكوين تهتم بتكوين أبناء الأحياء، ومدارس الكرة وتهييئهم للأندية، معتمدين في ذلك على مقومات الخلق والإبداع المعروف لدى الطفل المغربي والمهاري، ثم إن الأطر التقنية المتخصصة في تكوين النخبة، لا تتفق في آرائها مع رؤساء الأندية وأعضاء الجامعة، ويتم إعطاء الفرصة لآخرين لا يستحقونها.

وقال نفس المحلل الرياضي أيضا أن كرة القدم في المغرب ينخرها الفساد والمرتزقة والمتطفلون على هذه اللعبة، وكذلك الزبونية والمحسوبية و”وباك صاحبي”، ودق في نعشها آخر مسمار من مطرقة السياسيين ورجال الأعمال بسبب تدخلاتهم في هذا القطاع الذي لا يفقهون تسييره ولا تدبيره، معتبرا أن  رونار وخاليلوزيتش وأمثالهم، والذين يملكون سيرا ذاتية فارغة من النتائج، لا يتوفرون على رؤى علمية ولا يضيفون شيئا لإنجازات المنتخبات، لأنهم أشباه علماء لا يحسنون حتى النطق والكلام بلغتهم الأم، ولا يتوفرون على نسق وأسلوب للتفكير العلمي والمنطقي يساوي ما يأخذونه من أجور.

وأوضح الشليح أنه لتطوير كرة القدم الوطنية، يجب فتح أوراش داخل الأندية الوطنية، ووضع إمكانيات مالية وتجهيزات متعددة تحت تصرف الأندية، مثل فريق الفتح الذي أصبح يضرب به المثل في الإمكانيات المالية والتجهيزات، بحيث لا بد أن يصل هذا الدعم المالي لفرق أخرى في مناطق بعيدة مثل ورزازات وفكيك وتازة وصفرو، لأن اللاعب المغربي ممكن أن يأتي من هذه القرى النائية، مبرزا أن مشكل الإدارة التقنية راجع لتدخل الجامعة والأندية وبعض السماسرة في اختيار المدربين وباقي الأطر حسب المحسوبية، وإبعاد ذوي الاختصاص، وأكد أن تطوير كرة القدم الوطنية يتطلب خلق وكالة لتنمية الرياضة في البلاد، يرأسها الملك، ويتم تعيين أطر مغربية ورجال من حكماء عرفوا بالنزاهة للعمل في هذا الإطار، حيث ستكون أداة للمراقبة والتسيير والتنظير، وإعطاء الفرصة للجميع حتى يدلي برأيه، وإبعاد كل من يظن نفسه أنه الوحيد القادر على التفكير وإقصاء بقية الأطر التقنية المتخصصة في هذا المجال.

من جانبه، اعتبر المحلل الرياضي والإطار الوطني حسن مومن، أن المنتخب الوطني لم يخرج عن المألوف.. فقد سبق له أن أقصي أمام منتخب البينين في ثمن نهائي كأس إفريقيا بدورة مصر 2019، وقبل ذلك انهزم في دورة الغابون 2017 أمام منتخب مصر، معتبرا أن ما يحصل للفريق الوطني في المباريات المصيرية هو بمثابة لغز يجب حله ومناقشته، خاصة وأن المباريات الإفريقية تربح بمجموعة من الأشياء التي دائما لا نستطيع بلورتها فوق أرضية الميدان.

وأوضح أن المنتخب المصري لديه تجربة كبيرة في الكؤوس الإفريقية ولديه حرفية في التعامل مع هذه المباريات بجزئياتها ومعرفة الأجواء الإفريقية، من خلال ردود فعل الطاقم التقني بدكة الاحتياط للتأثير على الحكم، كما لديهم تجربة وحيل في تدبير هذه النوعية من المباريات، لذلك تمكنوا من تحقيق أربعة كؤوس قارية في ظرف عشرين سنة، مشيرا إلى أن المنتخب الوطني سقط في الفخ التكتيكي وتدبيرهم للمباراة بعدما فقد لاعبونا التركيز وتأثروا باحتجاجات وضغوطات دكة احتياط المنتخب المصري ولاعبيه.

محتجون يرفعون شعار إرحل في وجه لقجع وفي الإطار بعض مصاريف الجامعة عبر سنوات

 

معضلة التكوين بالأندية

    قامت الجامعة الملكية المغربية بإطلاق مشروع مع الإدارة التقنية الوطنية، لإنجاز عدة مراكز تكوين لدى الأندية والعصب الجهوية، بغية تكوين لاعبين للمستقبل، لكن تبين أن هذا المشروع عرف العديد من المشاكل والعقبات، بسبب المشاكل التقنية، وقلة الأطر المتخصصة في تأطير الفئات العمرية.

بالرغم من الإمكانيات التي رصدت للإدارة التقنية في عهد ناصر لارغيت، والأطر التي اشتغلت معه، إلا أن مشروع مراكز التكوين لم يصل للأهداف المسطرة رغم مرور أربع سنوات عليه، الشيء الذي دفع الجامعة لإقالته والتعاقد مع الويلزي روبيرت أوشن، الذي بدوره لم يقدم أي شيء.

في هذا السياق، أكد المحلل الرياضي حسن مومن، أن مراكز التكوين داخل الأندية الوطنية محدودة وقليلة جدا، حيث أن ثلاثة أندية فقط في البطولة الاحترافية هي التي تتوفر على مراكز للتكوين، وهي الجيش الملكي، والفتح الرباطي، ونهضة بركان، بينما لم تعد أندية المغرب التطواني والوداد والرجاء البيضاويين تتوفر على مراكز لتكوين اللاعبين، في انتظار إعادة فتحها من جديد، مضيفا أنه لا يمكن الحديث عن التكوين في الفئات الصغرى والفرق الكبيرة لا تهتم به، ولا تستثمر ما يكفي من الموارد المالية والبشرية لكي تنتج لاعبين جاهزين.

واعتبر مومن أن التكوين يعد جزء من مشكل كرة القدم الوطنية والمنتخب الوطني، ويحتاج إلى الاستثمار الكبير فيه، عبر توفير الموارد البشرية والأطر اللازمة المتخصصة لأجل الاهتمام بالقاعدة والفئات الصغرة، مشيرا إلى أن هناك إشكالية أخرى تكمن في غياب المكونين والمؤطرين، ومسألة الرواتب الهزيلة التي لا تحفزهم على العمل في مراكز التكوين، وتدفعهم للعمل مع فرق العصب لأن الأندية لا تقدم أجورا مشجعة للعمل معها.

لغز إخفاق المنتخب

    يظل السؤال المطروح لدى الكثير من المغاربة: لماذا يفشل المنتخب الوطني في الوصول إلى أدوار متقدمة في الكؤوس الإفريقية؟ ولماذا يتعثر أمام منتخبات عادية؟ وما الذي ينقصه لكي يكون مثل المنتخب المصري أو الكاميروني أو السنغالي، خاصة وأن جميع الإمكانيات متوفرة له؟

يرى حسن مومن، أن مسؤولية الجامعة الملكية تكمن في اختيار المدرب، لأنها هي من وقعت معه العقد، لكن الظروف التي توفرها للفريق الوطني تظل مثالية وتدبر بطريقة احترافية، معتبرا أن المشكل ليس فقط في المجموعة أو في المدرب، بل يجب فتح نقاش حول لماذا نقصى من الدور الثاني؟ ولماذا المنتخب الوطني منذ سنة 1976 يتعثر في المباريات المصيرية بغض النظر عن توعية اللاعبين أو المدربين الذين تعاقبوا عليه، موجها رسالة إلى جميع التقنيين والمسؤولين والصحفيين لفتح نقاش وطني للإجابة عن تساؤل لماذا ينهار الفريق الوطني بعدما يظهر بشكل جيد في دور المجموعات، قصد معرفة مكامن الخلل وتشريح العطب والداء؟

وأوضح أن المنتخب الوطني يتعرض لعامل الضغط الذي يؤثر عليه، بينما عندما لا يكون عليه، الضغط يقدم مستوى جيدا، مثل ما حصل مع منتخب 1980 الذي سافر إلى نيجيريا من أجل المشاركة فقط، حيث تمكن من الوصول لدور النصف النهائي واحتل المركز الثالث، ثم منتخب 2004 الذي منحت قيادته في آخر لحظة للمدرب بادو الزاكي، ولم تكن عليه ضغوطات كبيرة، لكنه تمكن من خلق المفاجأة والوصول إلى المباراة النهائية أمام تونس البلد المنظم.

بدوره، أكد بوشعيب بندرويش، عضو جامعي سابق، أن المشكل الذي تعاني منه المنتخبات الوطنية، هو أنها تلعب أمام منتخبات إفريقية قوية تعتمد على القوة والسرعة، ويمتاز لاعبوها باللياقة البدنية ويتحملون أجواء الحرارة والرطوبة، بينما نستعين بلاعبين محترفين من المستوى الثالث على الصعيد الأوروبي ونلعب بهم أمام اللاعبين الأفارقة، مبرزا أن منتخب فرنسا لم يحقق كأس العالم منذ عشرين سنة، لذلك اتجه إلى تكوين اللاعبين الأفارقة في مراكز التكوين الفرنسية، وبفضلهم تمكن من تحقيق كأس العالم 2018، لهذا لا يمكن للمنتخب الوطني أن يواجه المنتخبات الإفريقية إلا بتكوين لاعبين محليين في مناطق مثل ورزازات وزاكورة وإكدز وطاطا.

 

إخفاقات الجامعة

    منذ تولي فوزي لقجع رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لمدة 8 سنوات، لم تتمكن هذه الجامعة من تحقيق أي نتائج أو إنجازات قارية، سواء بالنسبة للمنتخبات أو على صعيد التكوين أو بالنسبة للإدارة التقنية، بالإضافة إلى غياب رؤية واستراتيجية واضحة ومستمرة، الأمر الذي يجعل الجامعة هي المسؤولة عن الفشل الذي يحصل للكرة الوطنية على الصعيد القاري، بصفتها وصية وتملك إمكانيات بشرية ومالية ضخمة جدا.

صرفت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم منذ سنة 2014 إلى 2021، أكثر من 500 مليار سنتيم، في تجهيز الملاعب والمنشآت الرياضية، وبناء بعض مراكز التكوين، ومصاريف المنتخبات الوطنية، وإعادة هيكلة المركز الوطني لكرة القدم بالمعمورة، بالإضافة إلى مصاريف الأطر التقنية والمدربين والحكام وغيرهم. كما حصلت الجامعة على دعم من بعض القطاعات الحكومية ومن “الصندوق الوطني لدعم الرياضة”، ومؤسسة “المغربية للألعاب والرياضة”، لكن رغم هذه الأموال الطائلة، إلا أن جميع التعاقدات التي أبرمتها الجامعة كانت فاشلة، سواء مع الأطر التقنية أو مسؤولي الإدارة التقنية أو المدربين.

فالمعضلة التي تعاني منها الجامعة، حسب العديد من المختصين، هي الإدارة التقنية الوطنية، التي لم تقدم مشروعا ناجحا مستمرا، بعدما تولى ناصر لارغيت الإشراف عليها خلال الخمس سنوات الأولى، وتم إعفاءه من منصبه، وطرد أزيد من 50 مدربا كانوا يشتغلون معه في الأندية والعصب الجهوية ومراكز التكوين، ثم جاء بعده الويلزي روبرت أوشن، الذي دخل في صراعات مع المدربين المغاربة، وجاء بعدة أطر أجنبية مغمورة، وتعاقد مع مدربين جدد للمنتخبات من بقي الفئات العمرية، لكن في الأخير، تم الاستغناء عنه بدوره، بسبب فشل مشروعه، سواء فيما يتعلق بتكوين المنتخبات، أو تكوين الأطر، لتقرر الجامعة بعده تعيين الإطار الوطني فتحي جمال كمدير تقني مؤقت للإشراف على متابعة المنتخبات الوطنية ومواكبة عمل المدربين الحاليين.

ومن بين الأمور التي تبرز الاختلال الذي تعاني منه الجامعة الملكية، هي مسألة العقود المبرمة مع المدربين الأجانب، حيث أن طريقة فسخ العقود تكلف خزينة الجامعة أموالا طائلة عند الاستناد إلى الشرط الجزائي الذي يقيد الجامعة ويضعها أمام إشكالية كبيرة لفك الارتباط، وهذا ما حصل مع المدرب الفرنسي هيرفي رونار، والمدير التقني الويلزي روبيرت أوشن، والفرنسي باتريس بوميل ومواطنه بيرنارد سيموندي، والبرتغالي جواو أروسو مدرب الفتيان، الذين تم فك الارتباط معهم مقابل حصولهم على تعويضات مالية مهمة.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى