تحقيقات أسبوعية

مع الحدث | “كورونا” تعمق مأساة العالقين في سبتة المحتلة

شركات تستغل الظرفية لجني الملايين

مواطنون مغاربة بعشرات الآلاف يعيشون مأساة حقيقية خارج الوطن، بسبب قرار الحكومة القاضي بإغلاق الحدود إلى نهاية الشهر الحالي، مما حول حياة المهاجرين والعمال المغاربة في الخارج إلى جحيم ومحنة اجتماعية طويلة الأمد، غير معروفة نهايتها في ظل تعنت الحكومة في فتح الأجواء أمام الحالات الإنسانية والصحية بالنسبة للمواطنين العالقين في الدول الأوروبية وغيرها.

الكثير من الحالات لمغاربة العالم تتطلب مقاربة اجتماعية وإنسانية من الحكومة، من أجل إيجاد حلول لهم، على سبيل المثال، حالات المغاربة العالقين في سبتة، والذين تقطعت بهم السبل وأصبحوا محاصرين داخل المدينة المحتلة بعد قرار السلطات المغربية إغلاق المعابر الحدودية، مما حرم المئات منهم من العودة إلى أسرهم وأبنائهم في مدن تطوان، والفنيدق، والمضيق، ومارتيل وغيرها.

مغاربة آخرين في روسيا وأوكرانيا وتركيا وبلدان الخليج، ذهبوا من أجل زيارات عائلية أو لزيارة أبنائهم الذين يدرسون هناك، وجدوا أنفسهم أمام أجواء مغلقة، وأصبحوا محرومين من العودة إلى أبنائهم الآخرين في المملكة، إلى جانب فئات أخرى ترغب في صلة الرحم مع الوالدين والأقرباء، خاصة وأن الدنيا أصبحت قصيرة في ظل حالات الوفيات المرتفعة خلال الأشهر الأخيرة بين المسنين.

 

إعداد. خالد الغازي

 

مطالب بفتح الحدود

جمال الدين ريان

    قال الناشط الجمعوي جمال الدين ريان، أن المغرب يرتكب الخطأ الثاني خلال الجائحة مع مشكلة العالقين والعالقات، بعدما قامت السلطات المغربية سابقا بإغلاق الحدود في مارس 2020 في بداية الجائحة، لتتكرر المعاناة في الفترة الحالية، حيث أن هناك مغاربة عالقين في الداخل والخارج، منهم من أصبح يتسول خارج المغرب لأجل العيش، بعدما انقطعت به السبل بسبب قرار إغلاق الحدود، مضيفا أنه عندما قررت السلطات فتح الحدود بصفة استثنائية، فرضت على المغاربة العالقين شروطا صعبة، وحددت مجموعة من المطارات في عدة دول مثل الإمارات وتركيا والبرتغال، لأجل الاستفادة من الرحلات الاستثنائية، الأمر الذي يتطلب التوفر على ميزانية مهمة للسفر إلى هذه المطارات.

وأوضح ريان، أن معاناة العالقين لا زالت مستمرة رغم النداءات ورغم طرق أبواب القنصليات والسفارات، لكن لا أحد يستمع إلى صراخ المغاربة العالقين خارج الوطن، وهناك فئة أخرى عالقة داخلة الوطن، داعيا إلى مقاربة إنسانية واجتماعية من قبل السلطات المغربية لأجل تسوية أوضاع العالقين المغاربة بالخارج.

بدوره، طالب عز الدين الإبراهيمي، عضو اللجنة العلمية، بضرورة فتح الحدود أمام حركة النقل الجوي، قائلا: “الإغلاق اليوم لا يرصد أي مكتسبات، لا من الناحية الصحية ولا الوبائية ولا الاقتصادية أو الاجتماعية.. ولا يلمع سمعة المغرب ولا يعطي مصداقية أكبر لقراراته”، وأضاف أن “كل الهيئات الصحية الدولية توصي بفتح الحدود ورفع قيود السفر عندما يكون الإبقاء عليها غير مؤثر على ارتفاع عدد الإصابات بالبلاد، أو انتقال العدوى على نطاق أوسع، وكذلك مع انعدام خطر نقل سلالة جديدة من بلد معين”.

وتابع الإبراهيمي موضحا: “علينا فتح الحدود بما يتماشى مع مقاربتنا المغربية الناجحة والاستباقية من أجل حماية صحة المواطنين، لكن بأقل ما يمكن من الأضرار الاجتماعية والنفسية والتربوية والاقتصادية”، منبها إلى أنه “كانت للإغلاق كلفة باهظة”.

عز الدين الإبراهيمي

مأساة العالقين في سبتة المحتلة

    تقول رشيدة شريفي، مناضلة جمعوية ونقابية في سبتة المحتلة، أن “العاملات والعمال العالقين يعانون منذ عامين، حيث لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم ومنازلهم بالمغرب بعد قرار السلطات المغربية والإسبانية بإغلاق المعابر الحدودية، الشيء الذي وضع هؤلاء المغاربة أمام محنة ومأساة اجتماعية بسبب حرمانهم من أبنائهم وآبائهم”، مشيرة إلى أن “هؤلاء المغاربة لا يمكنهم العودة بصفة نهائية والتخلي عن سنوات طويلة من الشغل في سبتة المحتلة (15 سنة و30 سنة)، خاصة وأن هناك اقتطاعات للضمان الاجتماعي حصلت من أجورهم”.

وتضيف رشيدة بحسرة كبيرة، أن “الوضعية الحالية للمغاربة العالقين في سبتة محزنة، هناك ظروف إنسانية مثل حالات وفيات، هناك من توفي والداه دون أن يراهم، وهناك عاملات مريضات يعشن ظروفا صحية صعبة، وهناك من توفيت بعيدة عن أهلها دون أن تجد أي أحد من عائلتها يقف في جنازتها”، موضحة أن “مطالب المغاربة العالقين تكمن في إيجاد معبر إنساني حدودي لظروف إنسانية، لرؤية الأبناء والأمهات وصلة الرحم، وتجديد الوثائق وجواز السفر والبطاقة الوطنية”.

وأكدت أن “حوالي 200 شخص من العمال والعاملات المغاربة لهم عقود عمل ويعيشون ظروفا صعبة في سبتة المحتلة، بسبب انتهاء صلاحية الوثائق وعدم موافقة القنصلية المغربية بالجزيرة الخضراء على تجديد الوثائق لهم، مما يحرم العشرات من الاستفادة من الخدمات الطبية في المستشفيات بسبب انتهاء صلاحية البطاقة الصحية”، مشيرة إلى أن “الجهات المسؤولة عن الشغل تطلب منهم مجموعة من الوثائق، مثل شهادة حسن السيرة وجواز السفر، حتى يتم تجديد الإقامة والبطاقة الصحية”، وأن “ممثلي المغاربة العالقين عقدوا عدة اجتماعات مع مندوبة الحكومة الإسبانية، سالفادورا ماتيوس، التي اعتبرت إغلاق الحدود يعود لقرار السلطات المغربية”، قائلة أن “هناك تماطلا وتعاملا غير إنساني من قبل السلطات الإسبانية، التي ترفض منح أي تسوية لمشكلتهم للسماح لهم بتجديد الوثائق أو بالعودة إلى المغرب عبر اتفاق مع السلطات المغربية، مثلما حصل مع عاملات حقول التوت واللواتي وجدت لهن حكومة مدريد صيغة للعمل في إسبانيا رغم إغلاق الحدود”.

سعيد، تاجر بسبتة المحتلة، لم ير أبناءه منذ سنتين، وينتظر حلا من قبل السلطات المغربية والإسبانية وفتح ممر إنساني، حتى يتمكن من العودة إلى أطفاله وأسرته في المضيق، يحكي أنه تفاجأ وأجهش بالبكاء يوم الأحد الماضي بحضور والده بالمنطقة الحدودية في بليونش لمشاهدته، مثل ما يحصل بين العائلات المغربية في وجدة والحدود الجزائرية، وقال: “نقدر الظروف الصحية منذ عامين ننتظر الحل لربط صلة الرحم مع الأبناء والوالدين، الحياة صعبة جدا بدونهم هنا في سبتة، لكن لقمة العيش ومصدر الرزق الوحيد يحتم علينا البقاء، لهذا نلتمس حلا إنسانيا سواء عبر طنجة، أو مدينة أخرى، خاصة وأن صلاحية الوثائق انتهت وتجديدها يتطلب الحضور والتواجد بعمالة تطوان أو الفنيدق”.

محمد لمفضل، يعيش نفس المعاناة، يقول: “نحن لا زلنا محاصرين، ورغم ذلك نواصل الحياة اليومية رغم الضغوطات النفسية والمضايقات، ورغم الاحتجاجات والوقفات، والسلطات الإسبانية لا تستجيب وتصر على فتح معبر إنساني بلا عودة، وهذا لا يمكن، لأننا نعمل هنا منذ 15 و20 سنة، لدي أسرة وأبناء لم أزرهم منذ إغلاق المعبر الحدودي”، وأضاف: “العمال والعاملات المغاربة في سبتة المحتلة يعاملون مثل العبيد بدون حقوق للشغل، حيث يتم استغلالهم بطرق غير قانونية بعقود عمل مثل الكفيل في الخليج، لا تسمح للعامل المغربي بالانتقال إلى شركة أخرى أو العمل لدى مقاولة أو مطعم آخر”، معتبرا أن “ما يحصل في سبتة المحتلة هو تلاعب بقانون الشغل وبعقود العمل، بحيث أنه منذ سنة 2015 قامت السلطات في المدينة بتغيير بنود العقود ومنح المشغل حق استغلال الأجير بصفة دائمة، ولا يسمح له بالعمل في شركة أخرى”، مطالبا وزارة الخارجية المغربية والحكومة، بالتدخل لرفع هذا الظلم والاستغلال الذي يعيشه العمال المغاربة في سبتة.

وقد أكد الحقوقي جمال ريان، أن العمال والعاملات المغربيات في سبتة المحتلة يحتاجون لحل استثنائي وإنساني، أو تراخيص من جانب السلطات المغربية والإسبانية، تسمح لهم بالخروج والدخول إلى المغرب عن طريق طنجة أو أي ميناء آخر، في حالة إصرار السلطات المغربية على إغلاق معبر “باب سبتة”، مشيرا إلى أن هناك من العالقين من ترك أطفاله عند والديه لكنهم توفوا، مما جعل الأطفال بدون أولياء.

وشدد على “ضرورة احترام حقوق العمال المغاربة داخل سبتة المحتلة، وأن تمنح لهم تراخيص مثل العمال الآخرين، لا سيما وأن وضعيتهم هي نفس وضعية العمال الذين شملتهم الاتفاقية الموقعة مع المغرب وإسبانيا في عهد وزير الشغل السابق عباس الفاسي”، مذكرا بأن “الدستور المغربي والإسباني يضمن حرية تنقل الأشخاص، وحتى الاتحاد الأوروبي يعتبر حرية الأشخاص مضمونة، ولا يمكن أن تظل وضعية هؤلاء الناس غامضة”.

مسؤولية بوريطة السياسية

رشيد حموني

    وجه مجموعة من البرلمانيين عدة أسئلة إلى وزير الخارجية والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، لمعرفة الإجراءات أو الحلول التي ستقوم بها الحكومة، من أجل تخفيف المعاناة عن المغاربة العالقين في ديار المهجر، وخاصة الذين لا يتوفرون على الإقامة والذين وجدوا أنفسهم أمام أوضاع مأساوية بسبب تعليق الرحلات الجوية.

في هذا السياق، أكد البرلماني رشيد حموني، في سؤال كتابي موجه إلى بوريطة، أنه بعد مرور أزيد من شهر على قرار تعليق الرحلات الجوية، وفي غياب أي أفق لفتح الحدود الجوية، فقد تعمقت الأزمة النفسية للكثيرين من المغاربة العالقين، بسبب نفاذ احتياطاتهم المالية، وعدم قدرتهم على تحمل المزيد من الصبر خارج الوطن، مما يقتضي اتخاذ إجراءات استثنائية لإجلائهم على وجه السرعة.

وتساءل ذات البرلماني عن طبيعة الإجراءات الاستثنائية التي تعتزم وزارة الخارجية القيام بها من أجل إعادة العالقين في الخارج إلى أرض الوطن.

النائبة البرلمانية فاطمة التامني، عن فيدرالية اليسار، بدورها تقدمت بسؤال كتابي إلى الوزير بوريطة، لمعرفة الإجراءات والقرارات التي تعتزم الحكومة اتخاذها، لطمأنة المغاربة العالقين بالخارج وإعادتهم إلى أرض الوطن.

وأشارت النائبة إلى وجود ضعف في التواصل مع المغاربة العالقين بالخارج، لأجل تزويدهم بالمعلومات والحلول الممكنة من أجل طمأنتهم، مؤكدة أن العديد منهم يعيشون معاناة تستوجب اتخاذ حلول استثنائية وعاجلة لإرجاعهم.

استغلت بعض الشركات قرار إغلاق الحدود، لتقوم بتنظيم رحلات استثنائية عبر طائرات خاصة لإعادة المغاربة العالقين بالخارج مقابل أثمنة باهظة، عن طريق كراء طائرات خاصة لـ 8 ركاب من أجل تأمين عودة بعض العالقين مقابل دفعهم لأثمنة تصل لحوالي 8 ملايين سنتيم للرحلة الواحدة، من مطار مالقا إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء..

رحلات خاصة بأثمنة خيالية

    عند حصول مشكلة يتم استغلالها من قبل الشركات التجارية، التي تبحث عن الربح عبر استغلال الظروف الاجتماعية الصعبة التي يتخبط فيها المواطنون المغاربة أو الأجانب الراغبين في دخول المغرب.

وحسب مصادر مطلعة، فهناك بعض الشركات استغلت قرار تعليق الرحلات، لتقوم بتنظيم رحلات استثنائية عبر طائرات خاصة، لإعادة المغاربة العالقين بالخارج مقابل أثمنة باهظة، رغم أن السلطات المغربية قامت بإغلاق المجال الجوي.

ووفق تعبير بعض المغاربة القاطنين في الخارج، فإن هناك شركات استغلت هذا الوضع، لتقوم بإطلاق رحلات جوية عن طريق كراء طائرات خاصة لـ 8 ركاب، من أجل تأمين عودة بعض العالقين، مقابل دفعهم لأثمنة تصل لحوالي 8 ملايين سنتيم للرحلة الواحدة، من مطار مالقا إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء.

ويلجأ المسؤولون التجاريون بهذه الشركات، إلى الولوج لمجموعات العالقين المغاربة في مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل عرض أثمنة التذاكر عليهم واستقطاب الراغبين في العودة إلى المغرب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى