تحقيقات أسبوعية

تقرير | عمر عزيمان يحمل الحكومات السابقة مسؤولية “إفساد” التعليم

كشف تقرير للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، الذي يترأسه عمر عزيمان، عن العديد من الاختلالات والمعضلات التي يتخبط فيها قطاع التعليم، سواء على مستوى البرامج والزمن، أو ضعف مستوى التلاميذ، أو الفرق الشاسع بين التعليم العمومي والتعليم الخاص، ووضعية الأساتذة، مؤكدا أن المنظومة تعيش مشاكل صعبة بسبب السياسات الحكومية السابقة، وتتطلب مراجعة شاملة للنهوض بالقطاع.

واعتبر المجلس نظام التوظيف المعمول به في المنظومة التربوية المغربية ليس فعالا بما فيه الكفاية، ولا يمكن من انتقاء المرشحين ذوي القدرات والإمكانيات العالية، منتقدا سياسة الحكومات السابقة، التي لجأت إلى عملية التعاقد مع أطر الأكاديميات لحل إشكالية الاكتظاظ في المؤسسات التعليمية.

وتطرق التقرير إلى خطورة الهدر المدرسي في صفوف تلاميذ السلك الابتدائي والإعدادي، والتي ستكون لها عواقب اجتماعية وخيمة، داعيا إلى التعبئة للحد من هذه الظاهرة المتفشية بشكل متزايد وتوفير الأمن في المؤسسات، وحماية الناشئة من الظواهر السلبية التي تهدد مسارهم الدراسي.

 

إعداد. خالد الغازي

 

فجوة بين القطاع العام والخاص

    كشف تقرير المجلس الأعلى للتربية والتعليم والبحث العلمي، عن حقائق صادمة بين التعليم العمومي والخاص، حيث خلص إلى نتيجتين أساسيتين: الأولى تتعلق بالمستوى غير المرضي للتعليم العام، والثانية تتعلق بالفجوة الهائلة بين القطاعين العام والخاص، الأمر الذي يستدعي نهج إصلاح تعليمي جذري.

كما أن نسبة هامة من التلاميذ لا تتحكم في الكفايات اللغوية الأساسية الضرورية لمتابعة التحصيل في اللغة العربية، فحسب معطيات الدراسة بخصوص الكفايات في اللغة العربية، فإن 31 بالمائة من التلاميذ اكتسبوا أقل من 42 بالمائة من البرنامج الرسمي للسنة السادسة ابتدائي، أما بالنسبة للغة الفرنسية، فإن 41 بالمائة من تلامذة السنة السادسة ابتدائي لم يكتسبوا بالمرة طوال سنوات السلك الابتدائي الموارد الضرورية لمتابعة الدروس، مشيرا إلى أن أغلبية التلاميذ يجدون في نهاية السلك الأساسي صعوبة في الكتابة باللغة الفرنسية بشكل سليم.

وأوضح التقرير أن مستوى التعلم منخفض للغاية في المدرسة العمومية، كما أن الفجوات كبيرة جدا في المدرسة الابتدائية وتتسع في المستوى الإعدادي، ذلك أن مستوى التلاميذ في اللغة العربية والفرنسية مازال ضعيفا، وأداء التلاميذ في المدارس الخصوصية أحسن من أداء التلاميذ في المدارس العمومية بنتيجة 293 مقابل 246 نقطة، بمعنى أقل من المعدل (500 نقطة)، مشيرا إلى أن عملية المقارنة تمت بين الخصوصي والحضري فقط وليس التعليم العمومي ككل، لأن القروي يكون دائما أقل بكثير من المعدل الذي يتم احتسابه على 500 نقطة.

فالفرق في المستوى يظهر أيضا على مستوى التعليم الخصوص والعمومي، إذ استنتجت الهيئة، أن الفرق بين أداء التلاميذ في التعليم الخصوصي يختلف كثيرا عن تلاميذ التعليم العمومي في السلك الإعدادي، بحيث يصل إلى 82 نقطة في السنوات الأخيرة من الثانوي الإعدادي مقابل 47 نقطة في التعليم الابتدائي.

الهدر المدرسي

    نقص المكتسبات لدى التلاميذ وصعوبات التعلم، هي من بين الأسباب التي دفعت 128 ألفا و195 من تلاميذ السلك الابتدائي و212 ألفا و133 من تلاميذ السلك الثانوي الإعدادي، إلى هجر الدراسة والتخلي عنها، حيث برز نقص كبير في مستوى مكتسبات تلاميذ السنة السادسة ابتدائي والسنة الثالثة ثانوي إعدادي، إذ يعتبر المسار الدراسي في السلكين الابتدائي والثانوي الإعدادي، القاعدة الأساسية للمكتسبات الدراسية التي تمنح للتلاميذ إمكانية متابعة الدراسة في المستوى الثانوي التأهيلي والعالي، أو الالتحاق بالتكوين المهني، يقول تقرير مجلس عزيمان، الذي أوضح أن بعض التلاميذ يصلون للسنة السادسة من التعليم الابتدائي دون أن يستفيدوا من السنوات الخمس السابقة، مما ينتج عنه الهدر المدرسي الذي تكون كلفته المالية والاجتماعية سلبية على المنظومة التربوية وعلى المجتمع.

وأكد التقرير أن “عجز التعليم الأساسي الإلزامي يجر المنظومة التربوية إلى الأسفل، ويحد من قدراتها نحو النجاح، وبالتالي، تصير تعبئة الموارد من أجل الإصلاح أمرا إلزاميا وإلا سيكون تطوير الرأسمال البشري في خطر”، وشدد على ضرورة التعليم الأساسي، لأنه “يمنح كل تلميذ القاعدة الأساس لتربية جيدة ضرورية، خاصة في سياق الهدر المدرسي وضعف التكوين مدى الحياة وصعوبة محو الأمية والقضاء عليها”.

وخلصت نتائج البرنامج الوطني لتقييم المكتسبات الذي يعود لسنة 2019، إلى أن أكثر من ثلث التلاميذ لا يتوفرون على الكفايات اللازمة التي تضمن مواصلتهم لتعليمهم المدرسي، وأن التلاميذ الذين لا يستوفون الكفايات الأساسية، يمكن أن يصبحوا مهددين بالانقطاع عن الدراسة.

فشل التعليم عن بعد

    أفاد التقرير أن تبني نظام التعليم عن بعد أثر أيضا على الموارد المسخرة، فتوفر أدوات تكنولوجيا المعلوميات، والربط بشبكة الأنترنيت، وتمكن الآباء من المتابعة والتأطير.. كلها عوامل شكلت عقبات أمام تعلم التلاميذ عن بعد، زد على ذلك، أن التلاميذ المنحدرين من أسر فقيرة اضطروا إلى مواجهة ظروف تعلم صعبة، إضافة إلى نقص الأدوات أو انعدامها للتمكن من متابعة الدروس، حيث أقر التلاميذ المستجوبون ببعض العواقب المتصلة، كضيق السكن والاكتظاظ أو محيط الأسرة الغير ملائم، أما الإناث، فقد وجدن أنفسهن أكثر مشاركة في الأشغال المنزلية على حساب تمدرسهن.

وأبرز التقرير أيضا أن التلاميذ التجئوا إلى شبكات التواصل الاجتماعي، حيث لم تحظ منصات التعلم المسخرة من طرف الوزارة بهذا الامتياز، لكن ورغم التزام بعض الأساتذة، فإن مشاركة التلاميذ بقيت ضعيفة، مشيرا إلى أن 36 بالمائة من الذين تم استجوابهم عبروا عن الجانب السلبي للتعلم عن بعد، بينما أكد 27.5 بالمائة عكس ذلك، أي أن له تأثير إيجابي في حين أن 13.5 بالمائة اعتبروا أنه لا تأثير له على تعليم التلاميذ.

وحسب التقرير، ففكرة إدماج التعليم عن بعد في منظومة التربية والتكوين، يعتبر خيارا مبرمجا منذ وقت طويل وتم تفعيله بحلول جائحة “كورونا”، ولاسيما في صفوف الأساتذة المؤدين، إلا أن هيئة التدريس أدركت خلال مدة الحجر الصحي أنها ليست مستعدة للقيام بهذا النوع الجديد من التعليم، كما أدركت ذلك المنظومة التربوية بأكملها.

وتطرح الدراسة التقييمية للتعليم عن بعد عدة تساؤلات ورهانات، ليس فقط على مستوى المكانة التي يجب أن تحتلها الرقميات في المنظومة التربوية، ولكن كذلك على المستوى الاستراتيجي فيما يخص التوجيهات لإنعاش التربية في حالة ما امتدت الجائحة أو في حالة العودة إلى الحياة العادية، لأن تجربة التعليم عن بعد والصعوبات المرتبطة بتطبيقه، وكذا الإشكاليات المتعلقة بالإنصاف والمساواة، والجودة التي ظهرت بشكل واضح خلال الجائحة، كلها عناصر تدعو إلى رسم التوجهات الكبرى لانطلاقة جديدة للتعليم، وذلك باستخلاص دروس هذه التجربة، يقول تقرير مجلس التربية والتكوين.

إشكالية التعاقد

    انتقد تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، سياسة التعاقد التي اعتمدتها الحكومات السابقة لسد الخصاص الحاصل في هيئة التدريس في قطاع التعليم، وهي سياسة كانت لها أثار سلبية غير متوقعة، أرست نظاما مزدوجا داخل مهنة التعليم (المتعاقدون والموظفون)، وهي السياسة التي ساهمت في هشاشة هيئة التدريس.

وقال ذات التقرير، أن سياسة التوظيف الجديدة وتنفيذها، عانت من عدة اختلالات، حيث أن الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 دعت إلى تنويع أساليب التوظيف والتدرج في تنفيذه، غير أن هذين الشرطين لم يتم استيفاؤهما، لأن المسألة لا تتعلق بالتنويع، وإنما بالتخلي عن نظام التوظيف واستبداله بنظام آخر، وأوضح أن “النظام التربوي برمته، حاول طوال تطوره إدخال تحسينات للرفع من جودة الأساتذة، لكن الملاحظ هو أن تلك التغييرات لم تكن تسير دائما في الاتجاه المطلوب، ولم تأت بالنتائج المرجوة، وبالفعل، فإن عدم وجود استراتيجية واضحة ترسم مسار التغييرات التي يتعين إحداثها في عملية توظيف الأساتذة، فسح المجال لسياسة مواجهة الطوارئ، في ظروف تحيطها إكراهات شتى”.

وخلص التقرير إلى أن نظام التوظيف المعمول به ليس فعالا بما فيه الكفاية، ولا يمكن من انتقاء المرشحين ذوي القدرات والإمكانات العالية، لسبب رئيسي: عدم جاذبية مهنة التدريس التي لا يتم اختيارها إلا في غياب فرص عمل أخرى.

ضعف المردودية

    وتحدث التقرير عن كون الأساتذة بالمغرب لا يلتزمون بمدة العمل الواجبة عليهم بشكل كامل، وهي 40 ساعة في الأسبوع، وذكر أنه في سنة 2016، بلغت نسبة الأساتذة الذين لا يؤدون كل ساعات التدريس في التعليم التأهيلي حوالي 90 بالمائة، و73.9 بالمائة في التعليم الثانوي الإعدادي، بينما لم تتجاوز هذه النسبة 11.6 بالمائة في التعليم الابتدائي.

وأفاد التقرير، أن النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية يشير بشكل غامض إلى المهام التي يقوم بها الأساتذة، ولا يوجد أي نص يفصل بشكل دقيق مهام الأستاذ المغربي وواجباته، مؤكدا أن غياب النصوص التي تحدد مهام الأستاذ بوضوح، وكيفية أدائها، والغلاف الزمني المخصص لها، لا يمكنها تدبر الزمن المدرسي على النحو الأمثل.

وحسب نتائج دراسة أجراها المرصد الوطني للتنمية البشرية، أوردتها الدراسة ذاتها، فإن مدة التدريس اليومية الفعلية في المؤسسات العمومية هي 3 ساعات و56 دقيقة، وتقل هذه المدة عن المدة المقررة رسميا بـ 3 ساعات و56 دقيقة.

وأوصى التقرير بضرورة بناء جاذبية مهنة التدريس منذ البداية، من خلال “سياسة عمومية جيدة تجعل من الحامل المتوسط لشهادة البكالوريا أستاذا جيدا، قادرا على قيادة التلاميذ نحو النجاح، من خلال تكوين أساسي قوي، والمواكبة والتقييم على أساس الاستحقاق، ومسار مهني صارم يرفع من قيمة المهنة داخل المجتمع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى