تحقيقات أسبوعية

متابعات | مؤشرات فشل مشروع “الحكومة الاجتماعية”

الفرق بين التوجه الملكي والتنزيل الحكومي

انتقدت فرق المعارضة النيابية الأسس والبرامج التي اعتمدتها الحكومة للترويج لـ”الدولة الاجتماعية”، والتي لا تتطابق مع الواقع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع المغربي، والمشاكل الاجتماعية والأضرار الاقتصادية التي تعاني منها العديد من القطاعات والمجالات والمهن، معتبرة أن مفهوم الدولة الاجتماعية يقتضي فتح الحوار الاجتماعي والتوافقات مع الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وليس الهيمنة السياسية.

وفتح مصطلح “الدولة الاجتماعية” نقاشا كبيرا في الساحة السياسية، سواء داخل الأحزاب أو النقابات، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر العديد من النشطاء أن مفهوم “الدولة الاجتماعية” الذي تنهجه الحكومة، يتنافى مع الواقع الذي يعيشه المجتمع المغربي والذي يحتاج إلى مقاربة مباشرة، لمواجهة الفقر والبطالة والكساد الاقتصادي، والتشرد والتسول، والفئات التي تعاني الإقصاء والتهميش مثل ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين، وسكان المناطق الجبلية والنائية.

إن مفهوم “الدولة الاجتماعية” هو مبدأ مهم يشير إلى الوضع الدستوري والقانوني، ويؤكد على أن الدستور هو الضامن للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والحريات، وذلك بهدف تقليص الفوارق الاجتماعية والقضاء عليها، وتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع المواطنين دون إقصاء.

تتمة المقال بعد الإعلان

فقد اعتبرت الحكومة أن المشاريع والبرامج التي وضعتها، تدخل في سياق “الدولة الاجتماعية”، بينما يراها آخرون مشاريع تتناقض مع الأهداف الاجتماعية التي وعدت بها، مما يطرح التساؤل من طرف العامة عن “الدولة الاجتماعية” التي تريد الحكومة؟

 

إعداد: خالد الغازي

تتمة المقال بعد الإعلان

 

أخنوش بورش “الدولة الاجتماعية”

    كشف رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن إجراءات الحكومة في مجال تعزيز مقومات “الدولة الاجتماعية”، وتنزيل مختلف الإجراءات التي جاء بها مشروع قانون المالية، وعلى رأسها تنزيل النموذج التنموي الجديد، وتعميم التغطية الصحية والاجتماعية، والنهوض بقطاعات التعليم والصحة والتشغيل والاستثمار.

تتمة المقال بعد الإعلان

وقال أخنوش في جلسة مجلس النواب، أن “بناء الدولة الاجتماعية هدف ملكي أصيل، وجزء من التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة التي تتجاوز الزمن الانتخابي، وتسمو على الرهانات السياسية الآنية”.

وأوضح أن “هاجس الدولة الاجتماعية كما انتهى إليها تقرير النموذج التنموي، الذي حظي بإجماع وطني تحت الرعاية الفعلية لجلالة الملك، حاضر بقوة ضمن الإجراءات والقرارات العمومية التي ستتبناها الحكومة طيلة ولايتها الانتدابية، ولا شك أن هذه الولاية تعد بامتياز ولاية تأسيسية لتنزيل المحاور الكبرى للنموذج التنموي وخياراته الاستراتيجية واقتراحاته التدبيرية”.

وأكد أخنوش على أن “إرساء أسس الدولة الاجتماعية هو خيار يعبر عن إرادة سياسية راسخة لدى الحكومة، لأن إعادة الثقة في العمل السياسي تمر عبر تقديم خيارات وبرامج اجتماعية واقعية وذات مصداقية تعالج الأولويات الحقيقية، وتستجيب لانتظارات المواطنين”، مشددا على أن “الدولة الاجتماعية مترسخة دستوريا من خلال الفصل الأول الذي يتحدث عن ملكية دستورية برلمانية اجتماعية”.

تتمة المقال بعد الإعلان

وتابع رئيس الحكومة قائلا: “لا نتحدث عن بناء دولة اجتماعية، بل بتدعيم أسسها، ودفتر التحملات الذي وقعناه مع المغاربة يتضمن التعليم والصحة والشغل، وهذا هو صلب الدولة الاجتماعية، وهدفنا الآن هو تطوير منهجية الاشتغال”.

“الدولة الاجتماعية” تتطلب المساواة

    انتقد عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، حديث رئيس الحكومة عن “الدولة الاجتماعية”، معتبرا أن ملامح هذه الأخيرة لم تبرز في مشروع قانون المالية ولا في التصريح الحكومي.

تتمة المقال بعد الإعلان

وأوضح شهيد في رده على رئيس الحكومة، أن “هناك فرقا كبيرا بين الرغبة في الدولة الاجتماعية، والواقع اليومي والقدرة الفعلية على تغيير الأوضاع”، مبرزا أنه “لا يمكن إطلاقا أن ندعي مناصرة الدولة الاجتماعية بقيمها المرتبطة بالعدالة والتضامن والكرامة، بتبني تصور ليبرالي محافظ يضمن استمرار السياسات العمومية القائمة، ويعتمد على إجراءات رأسمالية لا تكشف الحكومة عن مصادرها التمويلية بالدقة المطلوبة، ولن تساهم في تعزيز التماسك الاجتماعي والتضامن”.

وأكد شهيد أن “مسألة الدولة الاجتماعية ليست تأصيلا حكوميا صرفا يتعلق بالسياسات العمومية والبرامج القطاعية المحكومة بأولويات ظرفية أو تدابير استثنائية، بل إنها خيار استراتيجي يقترب بالسياسات العامة لبلادنا، للارتقاء بالمنظومة الاقتصادية والاجتماعية وتطوير مسارها الديمقراطي والتنموي، ومن ضمن هذه المنطلقات، ينبغي أولا استحضار التوجهات الملكية في دعم المجال الاجتماعي، الذي اعتبره جلالة الملك مشروعا استراتيجيا طموحا يتجاوز الولاية الحكومية الواحدة والرؤية القطاعية أو الحزبية”.

وأوضح أنه من المنطلقات كذلك، تلك التي وردت في المقتضيات الدستورية ومن ضمنها إرساء دعائم مجتمع متضامن يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكذلك تأكيد الفصل الأول من الدستور على البعد الاجتماعي ضمن الأبعاد المتداخلة التي يعتمدها نظام الحكم ببلادنا كنظام ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية، ثم حرص الدستور في فصله 31 على إلزام الدولة بتسيير استفادة المواطنين على قدم المساواة من الخدمات الاجتماعية الأساسية، من قبيل العلاج والعناية الصحية، والسكن اللائق، والشغل، والعيش في بيئة سليمة، والحماية الاجتماعية.

وأشار رئيس الفريق الاشتراكي بالبرلمان إلى أن المنطلق الثالث يتمثل في تفعيل النموذج التنموي الجديد، والإبداع المغربي المشترك كعنوان للمرحلة الراهنة، والحماية الاجتماعية القائمة على عقد بين الدولة والمجتمع لتعزيز الإدماج وتكريس قيم الإنصاف والمشاركة والتضامن، مؤكدا أنه في هذا الالتزام تجسيد للدولة الحامية، كما جاء في التقرير العام للنموذج التنموي، التي تحمي المواطن من الفقر والهشاشة، وتضمن صحته وتعليمه وسكنه.

مفهوم غائب عن برامج أحزاب الحكومة

    انتقد إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، استعمال رئيس الحكومة عزيز أخنوش مفهوم “الدولة الاجتماعية”، قائلا: “إن مفهوم الدولة الاجتماعية الذي تتحدث عنه الحكومة الحالية، لا يوجد في الدستور، وغير وارد في باقي الوثائق أو في برنامج النموذج التنموي الجديد، ولا حتى في برامج الأحزاب المشكلة للأغلبية”، وتساءل “ما هي الكيفية التي ستضع بها الحكومة هذا المخطط لبناء الدولة الاجتماعية، هل سيتم ذلك بشكل شهري أم سنوي؟ وما هي الآليات؟ وهذا ما لم يصرح به رئيس الحكومة اليوم”.

وأكد السنتيسي أن “الحكومة لم تأت بجديد في مجال خلق مناصب الشغل، وأن الأرقام في هذا الباب كانت تأتي بها الحكومات السابقة بشكل متفاوت، وهذا ما لا نفهمه كبرلمانيين، ونسأل الحكومة أين هي مناصب الشغل الجديدة التي خلقتها؟”.

وقال رئيس الفريق الحركي، أن “الحكومة لا تتوفر على سياسة واضحة المعالم للتشغيل، بل فقط عناوين لفرص عمل مؤقتة وليست مناصب قارة، لا يمكنها أن تستوعب المناصب التي ضاعت بفعل كورونا، فما بالك بالأعداد الهائلة من العاطلين الذين يتوافدون سنويا على سوق الشغل”، لافتا إلى أن خلق مليون فرصة عمل خلال الخمس سنوات المقبلة، بمعدل 200.000 فرصة عمل في السنة، هي مجرد أرقام يحققها الاقتصاد الوطني بشكل تلقائي كل سنة”.

وطالب بفتح حوار اجتماعي عاجل مع كل المكونات والفاعلين الأساسيين، لوضع سياسة ناجعة لإشكالية التشغيل إلى جانب التشريع، معتبرا قرار تسقيف السن في 30 سنة لولوج الوظيفة التعليمية الجهوية، أنه “مجحف” في حق عشرات الآلاف من حاملي الشهادات العليا.

 

شعار للاستهلاك السياسي

    رشيد الحموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، اعتبر أن “الدولة الاجتماعية ليست مجرد شعار للاستهلاك السياسي، فهي إجراءات بعينها، ولا يمكن تحقيقها بدون موارد ذاتية، وهو ما يتأتى بإصلاح ضريبي قائم على العدالة الضريبية، كما أن الدولة الاجتماعية تتطلب اقتصادا قويا ومنتجا، وعدالة مجالية واجتماعية”، وشدد على أهمية “الحاجة إلى دولة ديمقراطية ودولة راعية.. فلا دولة اجتماعية بدون ديمقراطية حقيقية، كما أن الدولة الاجتماعية الديمقراطية، ليست مجرد شعار للاستهلاك السياسي، فهي إجراءات بعينها وسياسات عمومية مجددة، وإمكانيات مالية مبرمجة، ونظام مضبوط للحكامة، وإشراك كل مكونات المجتمع”.

وقال الحموني: “لا يمكن تحقيق دولة اجتماعية بدون تعبئة الموارد الضرورية اعتمادا على الموارد الذاتية، وهو ما يأتي عبر القيام بإصلاح ضريبي جريء قائم على العدالة الضريبية، ومساهمة الجميع كل حسب طاقته وإمكانياته، وهل للحكومة اليوم الإرادة والجرأة السياسية لتباشر هذا الإصلاح دون تردد، وهي تعرف من خلال تركيبتها الحكومية أين ترقد الأموال؟”.

وأكد أن “الدولة الاجتماعية تتطلب حكومة منصتة لنبض الشارع، وقريبة من المواطن ومنفتحة على مختلف الآراء بما فيها المعارضة والفرقاء الاجتماعيين، وتتطلب حكومة تؤمن بفضائل الحوار الاجتماعي وتتبناه كأسلوب للحكم”، مشيرا إلى أن “الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع المعارضة خلال مناقشة المالية، تبرز أن الحكومة تتصرف بمنطق عددي فقط على حساب المنطق الديمقراطي السليم، المعتمد على الحوار والانفتاح على الآراء السائدة، وأن الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع الاحتجاجات الاجتماعية السلمية، تتنافى كليا مع الحق في التعبير، وحرية التظاهر المضمونة في الدستور، كما أن الحكومة تتعامل مع الفرقاء الاجتماعيين والرأي العام الوطني، بكيفية فيها الكثير من التجاوز والتعالي”.

إهمال فئات اجتماعية

    أكد عبد الصمد حيكر، عضو المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، أن “الحكومة انقلبت على الوعود الانتخابية، مما عجل بفقدان المغاربة الثقة فيها، وعزز الاحتقان الاجتماعي الذي يزداد اتساعا”، داعيا رئيس الحكومة إلى التراجع عن شروط اجتياز مباراة التعليم، خاصة فيما يتعلق بتحديد سن المترشحين في 30 سنة.

وأضاف أن “الحكومة أغفلت قطاعات مهمة تعد من مقومات الدولة الاجتماعية، مثل الطفولة والإعاقة والمرأة والتضامن، وأن هناك تركة إيجابية ورثتها الحكومة في المجال الاجتماعي، وكذا على صعيد المالية العمومية والمؤشرات الماكرو اقتصادية مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل سنة 2012”.

وأوضح نفس المتحدث، أن “الدولة الاجتماعية ورش له أولوية قصوى وغير قابل للتأجيل أو الإفشال، لارتباطه الوثيق بالاستقرار والسلم الاجتماعي”، معتبرا أن “الحكومة تراجعت عن العديد من الوعود الانتخابية فيما يتعلق بصندوق المقاصة والتقاعد والتعاقد وغيرها”، داعيا رئيس الحكومة إلى تدارك القطاعات التي تم إهمالها.

ومن جانبها، اعتبرت فاطمة التامني، المتحدثة باسم فيدرالية اليسار، أن “الدولة الاجتماعية هي توازن اجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا بالحماية من الفقر والمرض والبطالة وتعليم جيد والاستفادة من ثروات الوطن”، مشيرة إلى أن “الإجراءات المُتخذة من قبل الحكومة، لا تعكس هذه المضامين، لأنها لم تقطع مع تحرير الأسعار والهشاشة”.

“الدولة الاجتماعية” تتطلب حماية حقوق الإنسان

    بهذا الخصوص، يرى الحقوقي محمد الغلوسي، أن “الدولة الاجتماعية التي شكلت المفتاح السحري لحل كل المعضلات في خطاب رئيس الحكومة مؤخرا أمام البرلمان، لا يمكن أن تتحقق دون المواجهة الشجاعة والجريئة للفساد والريع والامتيازات والاحتكار”، وقال: “إن الدولة الاجتماعية هي ذات حمولة سياسية واقتصادية واجتماعية وليست مجرد مفهوم يؤدي وظيفة تقنية وسياسية في سياق معقد وصعب بإكراهات كبيرة وتحديات داخلية وخارجية”، وأكد على أن “الدولة الاجتماعية تقتضي توزيعا عادلا للثروة وإنصافا مجاليا، وتكريسا لحقوق الإنسان والحريات العامة، وتعزيز حكم القانون، كما تقتضي أيضا إنهاء سياسة الإفلات من العقاب وربط المسؤولية بالمحاسبة والقطع مع الفساد والرشوة والريع”.

بدوره، اعتبر الأستاذ والباحث مبارك علي لكدايل، أن “الدولة الاجتماعية هي الدولة التي تعتبر الإنسان ثروة حقيقية وتسعى إلى حمايته من الأخطار الاجتماعية التي تهدده، كالمرض والشيخوخة والبطالة والفقر، وهي نموذج للدولة الحديثة التي عرفت منذ وقت مبكر ظهور نظام التأمينات الاجتماعية ومؤسسات الضمان الاجتماعي ومنظمات المجتمع المدني، التي أصبح يوكل إليها القيام بأدوار موازية لعمل الدولة، بهدف التخفيف من حدة الكوارث الناجمة عن تدهور الأوضاع الاجتماعية”، معتبرا أن “القرارات التي اعتمدتها الحكومة تناقض أهداف الدولة الاجتماعية أو دولة الرعاية”.

وتساءل نشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي عن معنى الدولة الاجتماعية في خطاب الحكومة، ومن أين تستمد مرجعيتها وخلفياتها وآفاقها؟ وهل فعلا تضع المواطن في مركز اهتمامها، خاصة وأن القرارات التي اتخذتها تستهدف أحد مرتكزات الاستقرار الاجتماعي للمواطنين ألا وهو الحق في التشغيل ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى